الموسوعة الحديثية


- أنَّ ابنَ عمرَ كان يرفع صوتَهُ عشيَّةَ عرفةَ : لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، اللهم اهدِنا بالهُدى وزيِّنا بالتقوى واغفرْ لنا في الآخرةِ والأولى، ثم يخفضُ صوتَه ثم يقول : اللهم إني أسألك من فضلِك وعطائِك رزقًا طيبًا مباركًا، اللهم إنك أمرتَ بالدعاءِ وقضيتَ على نفسِك بالاستجابةِ، وأنت لا تُخلفُ وعدَك ولا تكذبُ عهدَك، اللهم ما أحببتَ من خيرٍ فحبِّبهُ إلينا ويسِّرهُ لنا، وما كرهتَ من شيءٍ فكرِّههُ إلينا وجنِّبناهُ، ولا تنزعْ منا الإسلامَ بعد إذْ أعطيتنَاهُ
الراوي : عبدالله بن الحارث | المحدث : الضياء المقدسي | المصدر : السنن والأحكام | الصفحة أو الرقم : 4/202 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد | التخريج : أخرجه الطبراني في ((الدعاء)) (878) بلفظه، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15133) وابن حزم في ((حجة الوداع)) (285) بنحوه مختصرا
الدُّعاءُ هو العِبادةُ، وهو يُعبِّرُ عنِ امْتِلاءِ قَلبِ المؤمِنِ بالثِّقةِ في اللهِ سُبحانَه، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأوقاتَ المُفضَّلةَ في الدُّعاءِ، كما علَّمَنا كَيفيَّةَ الدُّعاءِ بجَوامِعِ الكَلِمِ، وبعضَ الصِّيَغِ المُفضَّلةِ التي تكونُ أرْجى للإجابةِ، وكان فِعلُ الصَّحابةِ الكِرامِ ممَّا علَّمَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عبدُ اللهِ بنُ الحارِثِ أنَّ الصَّحابيَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان يَرفَعُ صَوتَه بالدُّعاءِ في مَساءِ اليومِ الَّذي يكونُ فيه الوقوفُ بعَرفةَ، وهو يَومُ التَّاسعِ مِن ذي الحِجَّةِ، فكان يقولُ في دُعائِه: «لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ له»، وهذا تَأكيدٌ لوَحْدانيَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّه ليس معَه شَريكٌ في المُلكِ، «له المُلكُ» في السَّمَواتِ والأرضِ، «وله الحَمدُ» على ما له مِن كَمالِ الصِّفاتِ، وعلى ما يُنعِمُ به على عِبادِه، «وهو على كلِّ شَيءٍ قَديرٌ»،  وكلُّ هذا الذِّكرِ والثَّناءِ ربَّما يكونُ تَوْطئةً لِمَا يكونُ مِن دُعاءٍ وطَلبٍ، فقال: «اللَّهُمَّ اهْدِنا بالهُدى»، فاجعَلْ هِدايتَكَ تَهْدينا إلى الحقِّ، «وزيِّنَّا بالتَّقْوى»، فاجعَلْ تَقْواكَ والخَوفَ منكَ زِينةً لنا، ويَظهَرُ أثرُها علينا، وفي وَضاءةِ وُجوهِنا، «واغفِرْ لنا في الآخِرةِ والأُولى»، فامْحُ ذُنوبَنا وسَيِّئاتِ أعْمالِنا، وطَهِّرْنا منها بكرَمِكَ في الدُّنْيا والآخِرةِ. «ثمَّ يَخفِضُ صَوتَه، ثمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ مِن فَضلِكَ وعَطائِكَ رِزقًا طيِّبًا مُبارَكًا»، فأعْطِنا يا ربِّ مِن واسِعِ كَرمِكَ الرِّزقَ الحَلالَ، واجعَلْ بَركتَكَ تحُلُّ فيما رزَقْتَنا، «اللَّهُمَّ إنَّكَ أمَرْتَ بالدُّعاءِ، وقضَيْتَ على نفْسِكَ بالاستِجابةِ»، يَقصِدُ قولَ اللهِ تعالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، «وأنتَ لا تُخلِفُ وَعْدَكَ، ولا تُكذِّبُ عَهْدَكَ»، فاللهُ سُبحانه لا يُخلِفُ العُهودَ التي وَعَد بها عِبادَه في القرآنِ، أو ذَكَرها نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «اللَّهُمَّ ما أحبَبْتَ مِن خَيرٍ فحَبِّبْه إلينا ويَسِّرْه لنا، وما كَرِهتَ مِن شَيءٍ فكَرِّهْه إلينا وجَنِّبْناه»، وهذا مِن بابِ تَسليمِ الأمرِ، وتَفْويضِ الخِيَرةِ إلى اللهِ بأنْ يَختارَ لنا الخيرَ كلَّه فيما قَضاه لنا، وأنْ يُجنِّبَنا ويُبعِدَ عنَّا كلَّ سُوءٍ، «ولا تَنزِعْ منَّا الإسْلامَ بعْدَ إذْ أعْطَيْتَناه»، وهذا طلَبٌ بإتمامِ النِّعمةِ والمِنَّةِ مِنَ اللهِ على عِبادِه بتَثْبيتِهم على الإسْلامِ حتَّى المَماتِ، وألَّا يَفتِنَهم عن طَريقِه أبدًا.
تم نسخ الصورة