الموسوعة الحديثية


- لَمَّا نَزَلْنا المَدينةَ عَشَّرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عَشَرةً عَشَرةً؛ يَعْني: في كُلِّ بَيتٍ، قال: فكُنتُ في العَشَرةِ التي كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فيهم، قال: ولم يَكُنْ لنا إلَّا شاةٌ نتَجَزَّأُ لَبَنَها، قال: فكُنَّا إذا أبْطَأ علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ شَرِبْنا، وبَقَّيْنا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ نَصيبَه، فلمَّا كان ذاتَ ليلةٍ أبْطَأ علينا، قال: ونِمْنا، فقال المِقْدادُ بنُ الأسْوَدِ: لقد أطالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ما أُراه يَجيءُ الليلةَ، لعَلَّ إنسانًا دَعاه، قال: فشَرِبتُه، فلمَّا ذَهَبَ مِن الليلِ جاء فدَخَلَ البَيتَ، قال: فلمَّا شَرِبتُه لم أنَمْ أنا، قال: فلمَّا دَخَلَ سَلَّمَ، ولم يَشُدَّ، ثُمَّ مالَ إلى القَدَحِ، فلمَّا لم يَرَ شَيئًا أسْكَتَ، ثُمَّ قال: اللُّهمَّ أطْعِمْ مَن أطْعَمَنا الليلةَ، قال: وَثَبتُ وأخَذْتُ السِّكِّينَ، وقُمتُ إلى الشَّاةِ، قال: ما لكَ؟ قلتُ: أذْبَحُ، قال: لا، ائْتني بالشَّاةِ، فأتَيتُه بها، فمَسَحَ ضَرْعَها، فخَرَجَ شَيئًا، ثُمَّ شَرِبَ ونامَ.
الراوي : المقداد بن عمرو بن الأسود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 23818 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (23818) واللفظ له، والطبراني (20/240) (569)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/377)
كان المِقدادُ بنُ الأسوَدِ رَضيَ اللهُ عنه مِمَّن هاجَروا إلى الحَبَشةِ في الهِجرةِ الثانيةِ، ثم رَجَعَ إلى مَكَّةَ، ثم هاجَرَ إلى المَدينةِ، وكان مِنَ الفُقَراءِ وأهلِ الصُّفَّةِ.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ المِقدادُ بنُ الأسوَدِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم لَمَّا نَزَلوا المَدينةَ عَشَّرَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشَرةً عَشَرةً؛ يَعني: جَعَلَ كُلَّ عَشَرةِ رِجالٍ في بَيتٍ، فأخبَرَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان في العَشَرةِ التي كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيهم، وأنَّه لم يَكُنْ لهم مِنَ الطَّعامِ حينَئِذٍ إلَّا شاةٌ يُجَزِّئونَ لَبَنَها عليهم، ويَقتَسِمونَه فيما بَينَهم، وكان مِن عادَتِهم أنَّهم إذا تأخَّرَ عليهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ادَّخَروا له نَصيبَه، حتى إذا جاءَ شَرِبَه، وذاتَ لَيلةٍ أطالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخارِجِ ولم يَرجِعْ، حتى ظَنَّ المِقدادُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لن يَبيتَ معهمُ اللَّيلةَ، ظانًّا أنَّ أحَدًا مِن أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم قد دَعاه عِندَه، فشَرِبَ المِقدادُ رَضيَ اللهُ عنه نَصيبَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَنَمْ بَعدَها، فلَمَّا ذَهَبَ بَعضُ اللَّيلِ جاءَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فدَخَلَ البَيتَ، فسَلَّمَ، ولم يَشُدَّ، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: "فيَجيءُ مِنَ اللَّيلِ فيُسَلِّمُ تَسليمًا لا يُوقِظُ نائِمًا، ويُسمِعُ اليَقظانَ"، ثم أتى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى القَدَحِ، وهو الإناءُ الذي يُجعَلُ فيه اللَّبَنُ؛ لِيَشرَبَ على عادَتِه، فلم يَجِدْ فيه شَيئًا، فسَكَتَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولم يَسألْ عن نَصيبِه، وكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلِمَ أنَّ أحَدَ أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم قد شَرِبَه، ثم دَعا وقال: "اللَّهُمَّ أطعِمْ مَن أطعَمَنا اللَّيلةَ"، وهذا مِن عَظيمِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما كان جُبِلَ عليه مِنَ العَفْوِ، والصَّبرِ، والإغضاءِ، وحُسنِ الكَلامِ، والمُعاشَرةِ، وكَرَمِ النَّفْسِ، والنَّزاهةِ، فلَمَّا رأى المِقدادُ فِعلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَفَزَ مِن فِراشِه، وأمسَكَ بالسِّكِّينِ لِيَذبَحَ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الشَّاةَ؛ إكرامًا لِكَرَمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَهاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وطَلَبَ منه أنْ يأتيَ بالشَّاةِ فقط، دُونَ أنْ يَذبَحَها، فمَسَحَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِيَدِه الشَّريفةِ ضَرعَها؛ لِيَنزِلَ فيه اللَّبَنُ ببَرَكةِ يَدِه، ويَحتَمِلُ أنَّه أرادَ بالمَسحِ حَلبَها، وهو استِخراجُ ما في الضَّرعِ مِنَ اللَّبَنِ، والضَّرعُ في الحَيَوانِ مَخرَجُ اللَّبَنِ، وهو بِمَنزِلةِ الثَّديِ مِنَ المَرأةِ، فخَرَجَ بَعضُ اللَّبَنِ، فشَرِبَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونامَ.وفي الحَديثِ أنَّ مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السَّلامَ عِندَ دُخولِ البَيتِ.وفيه: بَيانٌ لِحُسنِ الأدَبِ مع النائِمِ. وفيه: كَرَمُ أخلاقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونَزاهةُ نَفْسِه.