الموسوعة الحديثية


- عن مُسلِمٍ أبي سعيدٍ ، مَولى عثمانَ بنِ عفَّانَ ، أنَّ عثمانَ بنَ عفَّانَ ، أعتَقَ عِشرينَ مَملوكًا ودعا بسَراويلَ فشدَّها عليهِ ، ولم يلبَسها في جاهليَّةٍ ، ولا إسلامٍ وقالَ : إنِّي رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، البارِحةَ في المَنامِ ، ورأيتُ أبا بَكْرٍ وعمرَ رضيَ اللَّهُ عنهُما وإنَّهم قالوا لي : اصبِرْ فإنَّكَ تُفطِرُ عندَنا القابِلَةَ ، ثمَّ دعا بِمُصحَفٍ فنَشرَهُ بينَ يَديهِ فقُتِلَ ، وَهوَ بينَ يَديهِ
الراوي : وقدان أبو يعفور | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 1/257 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
حُوصِرَ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه وهو خَليفةٌ لِلمُسلِمينَ في دارِه حينَئِذٍ -وهو ما يُعرَفُ بيَومِ الدَّارِ- حتى قُتِلَ، لِيَظهَرَ بمَقتَلِه فِتنَةٌ هي مِن أشَدِّ الفِتَنِ على المُسلِمينَ.وفي هذا الحَديثِ يَروي مُسلِمٌ بسَندِه عن أبي سَعيدٍ مَولى عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، أنَّ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه أعتَقَ عِشرينَ مَملوكًا مِنَ العَبيدِ مِن خالِصِ مالِه، "ودَعا بسَراويلَ"، وهي المَلابِسُ التي يُغَطَّى بها نِصفُ الجَسَدِ الأسفَلُ، فشَدَّها عليه ولَبِسَها، وكانت هذه السَّراويلُ جَديدةً، لم يَلبَسْها في جاهِليَّةٍ، ولا إسلامٍ، ثم قال عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه: "إنِّي رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ البارِحةَ في المَنامِ، ورَأيتُ أبا بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وإنَّهم قالوا ليَ: اصبِرْ" على ما يُصيبُكَ مِنَ الأذى في فِتنةِ الخُروجِ عليكَ؛ "فإنَّكَ تُفطِرُ عِندَنا القابِلةَ" وهي اللَّيلةُ التاليةُ، وكأنَّه استَشعَرَ مِن ذلك أنَّه سَيُقتَلُ ويَلقى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصاحبَيْه؛ فأرادَ أنْ يَستَعِدَّ لذلك بعَمَلٍ صالِحٍ، وقِراءةِ القُرآنِ، فدَعا بمُصحَفٍ فنَشَرَه بيْن يَدَيْه وفَتَحَه لِيَقرَأَ فيه، وظَلَّ كذلك حتى قُتِلَ على هذه الحالِ، والمُصحَفُ مَفتوحٌ بيْن يَدَيْه، وسالَ دَمُه الشَّريفُ على ذلك المُصحَفِ، ولم يُقاوِمْ قاتِلِيه، وفي سُننِ التِّرمِذيِّ أنَّه قال: "إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد عَهِدَ إلَيَّ عَهدًا، فأنا صابِرٌ عليه"، وهو قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له: "إنَّهُ لَعَلَّ اللهَ يُقَمِّصُكَ قَميصًا، فإنْ أرادوكَ على خَلعِه فلا تَخلَعْه لهم"، يَعني أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَه بما سيَحدُثُ له، وأمَرَه أنْ يَصبِرَ، وقد صَبَرَ؛ تَنفيذًا لِأمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وقد قُتِلَ رَضِيَ اللهُ عنه يَومَ الجُمُعةِ بَعدَ العَصرِ، لِثَمانَ عَشْرةَ، أو سَبعَ عَشْرةَ مِن ذي الحِجَّةِ سَنةَ خَمسٍ وثَلاثينَ مِنَ الهِجرةِ. وقيلَ غَيرُ ذلك، ودُفِنَ بالبَقيعِ لَيلةَ السَّبتِ بيْن المَغرِبِ والعِشاءِ، في مَكانٍ يُسَمَّى: حَشَّ كَوْكَبٍ، مَحَلٌّ كان اشتَراه، فوَسَّعَ به البَقيعَ، فكان أوَّلَ مَن دُفِنَ فيه هو.وكانت وِلايَتُه اثنَتَيْ عَشْرةَ سَنةً إلَّا اثنَيْ عَشَرَ يَومًا، وقيلَ: ثَمانيةَ عَشَرَ يَومًا، وقيلَ: كانت خِلافَتُه إحدى عَشْرةَ سَنةً وأحَدَ عَشَرَ شَهرًا وأربَعةَ عَشَرَ يَومًا، وقيلَ: ثَمانيةَ عَشَرَ يَومًا، واختُلِفَ في سِنِّه حينَ قُتِلَ؛ فقيلَ: قُتِلَ وهو ابنُ ثَمانينَ سَنةً، وقيلَ: ابنُ ثَمانٍ وثَمانينَ، وقيلَ: ابنُ تِسعينَ، وقيلَ: ابنُ سِتٍّ وثَمانينَ، وقيلَ: ابنُ اثنَتَيْنِ وثَمانينَ.وجُملةُ الأمْرِ في هذه الفِتنةِ أنَّ قَومًا مِن أهلِ مِصرَ وغَيرِهم، غَلَبَ عليهمُ الجَهلُ، والهَوى، والتَّعَصُّبُ، فنَقَموا عليه أُمورًا، أكثَرُها كَذِبٌ، وسائِرُها له فيها أوجُهٌ مِنَ المَعاذيرِ، وليس فيها شَيءٌ يُوجِبُ خَلعَه، ولا قَتْلَه، فتَحَزَّبوا، واجتَمَعوا بالمَدينةِ، وحاصَروه في دارِه، فقيلَ: شَهرَيْنِ، وقيلَ: تِسعةً وأربَعينَ يَومًا، وهو في كُلِّ ذلك يَعِظُهم، ويُذَكِّرُهم بحُقوقِه، ويَتنَصَّلُ مِمَّا نَسَبوه إليه، ويَعتَذِرُ منه، ويُصَرِّحُ بالتَّوبةِ، ويَحتَجُّ عليهم بحُجَجٍ صَحيحةٍ لا مَخلَصَ لهم عنها، ولا جَوابَ عليها، لكِنْ أعمَتْهمُ الأهواءُ؛ لِيَغلِبَ القَضاءُ، فدَخَلوا عليه وقَتَلوه، ودُفِنَ مِن لَيلَتِه رَضِيَ اللهُ عنه، شَهِدَ دَفنَه طائِفةٌ مِنَ الصَّحابةِ، وهم جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ، وأبو الجَهْمِ بنُ حُذَيفةَ، وعَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ، ونِيارُ بنُ مُكرَمٍ، وجَماعةٌ غَيرُهم. وفي الحَديثِ: فَضلٌ ومَنقَبةٌ لِعُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه.