الموسوعة الحديثية


- إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ : ابنُ آدمَ اثنتان لم يكُنْ لك واحدةٌ منهما ، جعلتُ لك نصيبًا من مالِك حين أخذتُ بكظْمِك لأُطهِّرَك وأُزكِّيَك ، وصلاةُ عبادي عليك
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن عبدالبر | المصدر : التمهيد | الصفحة أو الرقم : 14/302 | خلاصة حكم المحدث : حسن وليس فيه حجة من جهة الإسناد لأن في ناقليه ضعف | التخريج : أخرجه ابن ماجه (2710)، وعبد بن حميد (769)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7124) باختلاف يسير
فَضْلُ اللهِ على أُمَّةِ الإسْلامِ عَظيمٌ، ومِن ذلك أنَّه جَعَلَ ثَوابَ العَملِ الصَّالحِ يَبْقى أَثَرُه ونَفْعُه للمُسلِمِ في الدُّنيا والآخِرةِ.وفي هذا الحديثِ القُدُسيِّ يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ربِّ العِزَّةِ أنَّه يَقولُ: "ابنَ آدَمَ، اثْنَتانِ لم يكنْ لك واحِدةٌ منهما"، أي: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو المالِكُ والمُتصَرِّفُ الحَقيقيُّ في هاتَينِ الخَصْلتَينِ، وأنَّ الإنْسانَ لم يكنْ يَستَحِقُّهما، إلَّا أنَّه تعالى تَفضَّلَ على ابنِ آدَمَ برَحمةٍ منه فأَوكَلَه بالتَّصرُّفِ فيهما، الخَصلةُ الأُولى: "جَعَلْتُ لك نَصيبًا مِن مالِكَ حينَ أَخَذْتُ بكَظَمِك لأُطهِّرَك وأُزَكِّيَك"، والكَظَمُ -بالتَّحْريكِ-: مَخْرَجُ النَّفَسِ مِن الحَلْقِ، والمُرادُ به: أَمارةُ المَوتِ، والمعنى: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أَجازَ للإنْسانِ أنْ يوصِيَ في ثُلُثِ مالِه فأَقلَّ حتى وهو في مَرَضِ المَوتِ، مع أنَّ المالَ للحَياةِ، فإذا جاءَ المَوتُ يَنْبغي أنْ يَنتَقِلَ كُلُّه إلى غَيرِه، لكنَّه تعالى أَبْقى له التَّصرُّفَ في الثُّلُثِ بالوَصيَّةِ؛ ليَنتَفِعَ بعْدَ مَوتِه بأَجْرِها وثَوابِها، فتُطهِّرَه مِن الذُّنوبِ، وتُزكِّيه بالحَسناتِ، وهذا إشارةٌ وتَرْغيبٌ إلى أنَّ المُسلِمَ يَحرِصُ في وَصيَّتِه أنْ تَكونَ ممَّا يُكتَبُ فيها الأَجْرُ؛ كالتَّصدُّقِ على الفُقراءِ والمَساكينِ، ونحوِ ذلك مِن وُجوهِ البِرِّ، بشَرْطِ ألَّا تَكونَ الوصيَّةُ بأَكثرَ مِن ثُلُثِ المالِ؛ لقَولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ لسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه لمَّا أَرادَ أنْ يُوصِيَ بمَالِه كُلِّه: "الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثيرٌ"، وهو حديثٌ مُتَّفَقٌ علَيه، فعَلى مَن أَرادَ أنْ يُوصِيَ مِن مالِه أن يُبادِرَ بكِتابةِ وَصيَّتِه قَبْلَ أنْ يُفاجِئَه الأَجَلُ، ولْيَعْتَنِ بتَوثيقِها والإشْهادِ علَيها، ومِن بابِ أَولى علَيه أنْ يُبيِّنَ ما علَيه مِن حُقوقٍ للنَّاسِ -مثلَ الدُّيونِ وغَيرِها- لتُقْضى بعدَ مَوتِه.والخَصْلةُ الثَّانيةُ: "وصَلاةُ عِبادي علَيك"، وهو: استِغْفارُ المؤمِنينَ للمُسلِمِ بعْدَ مَوتِه، وأنَّه يَصِلُ إليه ثَوابُ ما تَصدَّقوا به وأَهدَوه له مِن الدُّعاءِ والاستِغفارِ؛ فهو أيضًا ممَّا تُطهَّرُ به الذُّنوبُ، وتَزيدُ به الحَسَناتُ، وقيلَ: المُرادُ صَلاةُ المُسلِمينَ على المَيِّتِ صَلاةَ الجَنازةِ، وكُلُّ هذا ليس مِن سَعْيِ الإنْسانِ، لكنَّه تعالى بمَنِّه جَعَلَها نافِعةً له كأنَّها بمَنزِلةِ ما سَعى.وهذا أيضًا إشارةٌ وتَرْغيبٌ لأنْ يُحسِنَ الإنْسانُ سيرتَه في حَياتِه، فيُحسِنَ إلى جَميعِ مَن حَولَه؛ مِن أهلِه وأقارِبِه وجيرانِه ومُجتَمَعِه الذي يَتعايَشُ فيه، حتى إذا ذَكَرَه أَحَدُهم بعدَ مَوتِه بحُسنِ سيرتِه استَغْفَرَ ودَعا له، وقيلَ: مِن خَصائِصِ هذه الأُمَّةِ الصَّلاةُ على المَيِّتِ، والوصيَّةُ بالثُّلُثِ.