الموسوعة الحديثية


- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقطَعه أرضًا وأرسَل معه مُعاويةَ أنْ أعطِها إيَّاه فقال مُعاويةُ : أردِفْني خَلْفَك قال : لا تكُنْ مِن أردافِ المُلوكِ فقال : أعطِني نَعْلَكَ فقال : انتعِلْ ظِلَّ النَّاقةِ فلمَّا استُخْلِف مُعاويةُ أتَيْتُه فأقعَدني معه على السَّريرِ وذكَر لي الحديثَ قال : ودِدْتُ أنِّي كُنْتُ حمَلْتُه بَيْنَ يديَّ
الراوي : وائل بن حجر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 7205 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم
كان وائِلُ بنُ حُجْرٍ رَضيَ اللهُ عنه ذا مَنصِبٍ وجاهٍ في قَبيلَتِه بحَضرَمَوتَ، وكان أبوه مِن مُلوكِهم، وقد بَشَّرَ به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَبلَ قُدومِه وإسلامِه، فلَمَّا قَدِمَ عليه رَحَّبَ به وبَسَطَ له رِداءَه، واستَعمَلَه على حَضرَمَوتَ، ثم أقطَعَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرضًا، فجَعَلَها له مِلْكًا خالِصًا، "وأرسَلَ معه مُعاويةَ أنْ أعْطِها إيَّاه" والمَعنى أنَّه أرسَلَ معه مُعاويةَ لِيَكونَ مَسؤولًا عن تَسليمِ الأرضِ لوائِلِ بنِ حُجْرٍ، ويَكونَ وَكيلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك "فقالَ مُعاويةُ: أردِفْني خَلفَكَ" اجعَلْني أركَبُ خَلفَكَ على الدَّابَّةِ "قال: لا تَكُنْ مِن أردافِ المُلوكِ" وأردافُ المُلوكِ همُ الذين يَخلُفونَهم في القيامِ بأمْرِ المَملَكةِ بمَنزِلةِ الوُزَراءِ في الإسلامِ، والمَعنى: إنَّكَ أحقَرُ مِن ذلك؛ وإنَّما قال ذلك لِأنَّ وائِلَ بنَ حُجْرٍ كانَ مِن مُلوكِ حِمْيَرَ، وكان مُعاويةُ في ذلك الوَقتِ فَقيرًا لا يَملِكُ شَيئًا، وكأنَّه رآه ليس أهلًا أنْ يَركَبَ خَلفَه دابَّتَه، "فقال مُعاويةُ: أعطِني نَعلَكَ"؛ لِألبَسَه وأحتَميَ به مِن حَرارةِ التُّرابِ؛ حيث إنَّه لم يَقبَلْ إردافَه خَلفَه، فلا أقَلَّ مِن أنْ يُعطيَه نَعلَه، "فقال: انتَعِلْ ظِلَّ الناقةِ"، يُريدُ أنَّ ظِلَّ النَّاقةِ يَقيكَ حَرارةَ الأرضِ، وفي هذا القَولِ غايةُ الاحتِقارِ والاستِهزاءِ بمُعاويةَ؛ لِأنَّ ظِلَّ النَّاقةِ لا يَقي شَيئًا مِن حَرارةِ الأرضِ ما دامَتْ سائِرةً. والظاهِرُ أنَّ الذي حَمَلَ وائِلَ بنَ حُجْرٍ على ذلك كَونُه حَديثَ العَهدِ بالإسلامِ، لم يَمضِ عليه زَمَنٌ يَدرُسُ فيه آدابَ الإسلامِ وتَعاليمَه، وكان فيه بَقيَّةٌ مِن عَظَمةِ مُلوكِ الجاهِليَّةِ، ولو عَلِمَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُردِفُ خادِمَه خَلفَه في السَّفَرِ، وكانَا يَتبادَلانَ النِّعالَ كذلك، لَمَا فَعَلَ كُلَّ ذلك. قال وائِلٌ رَضيَ اللهُ عنه: "فلَمَّا استُخلِفَ مُعاويةُ" بأنْ تَولَّى خِلافةَ المُسلِمينَ "أتَيتُه، فأقعَدَني معه على السَّريرِ" وهو سَريرُ المُلكِ وكُرسِيُّه "وذَكَرَ ليَ الحَديثَ" فذَكَّرَه مُعاويةُ بما كان منه في أوَّلِ إسلامِه، وأنَّه مَنَعَه أنْ يُردِفَه خَلفَه، "قال: وَدِدتُ أنِّي كُنتُ حَمَلتُه بَينَ يَدَيَّ" وهذا تَمَنِّي فِعلِ المَعروفِ في زَمانٍ مَضى؛ لِيَكونَ أجدَرَ له في الوَقتِ الحاضِرِ، وفيه معنى النَّدَمِ على ما صَدَرَ منه تِجاهَ مُعاويةَ، لَمَّا قارَنَ فِعلَه بفِعلِ مُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه. وفي الحديثِ: بيانُ ما كان عليه مُعاويةُ مِنَ الحِلمِ والتَّواضُعِ وحِفظِ الفَضلِ لِأصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.