الموسوعة الحديثية


- استعملَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ رجلًا على سريةٍ فلمَّا مَضى ورجع إليه قال له كيف وجدتَ الإمارةَ فقال كنتُ كبعضِ القومِ كنتُ إذا ركبتُ ركِبوا وإذا نزلتُ نزلوا فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ إنَّ صاحبَ السلطانِ على بابِ عنَتٍ إلا مَن عصمَ اللهُ عزَّ وجلَّ فقال الرجلُ واللهِ لا أعملُ لكَ ولا لغيرِك أبدًا فضحكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ حتى بدَت نواجذُه
الراوي : رجل | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 7/717 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد | التخريج : أخرجه الطبراني (4/47) (3603)
للوَلايةِ على الناسِ ضَوابِطُ مُهمَّةٌ، ويَتحمَّلُ صاحِبُها مَسؤولياتِ رَعيَّتِه، فمَن تَحمَّلَها بحَقِّها أعانَه اللهُ ووَفَّقَه لِلصَّلاحِ والفَلاحِ، ومَن أخَلَّ بحُقوقِها فعاقِبةُ أمْرِه تَكونُ وَخيمةً عِندَ اللهِ، وكذلك مَن يَدخُلونَ على الوُلاةِ مِن أصحابِهم وأصدقائِهم وغَيرِهم، عليهم تَبِعةُ ذلك، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِبَعضِ هذه الأُمورِ: "استَعمَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا على سَريَّةٍ" فجَعَلَه قائِدًا عليها، والسَّريَّةُ: هي القِطعةُ مِنَ الجَيشِ، "فلَمَّا مَضى" وانقَضَتْ مُهمَّةُ السَّريَّةِ "ورَجَعَ إليه، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كيف وَجَدتَ الإمارةَ؟" كيف شَعَرتَ بأحوالِ مَن يَكونُ أميرًا على قَومٍ؟ فقال الرَّجُلُ: "كُنتُ كبَعضِ القَومِ" لا فَرقَ بَيني وبَينَ مَن هم تَحتَ إمْرَتي، "كُنتُ إذا رَكِبتُ رَكِبوا" فإذا رَكِبتُ دابَّتي وسِرتُ، رَكِبوا وساروا، "وإذا نَزَلتُ نَزَلوا" وإذا نَزَلتُ عنِ الدَّابَّةِ لِلرَّاحةِ نَزَلوا هم أيضًا؛ فالأميرُ وسَريَّتُه كانوا يَفعَلونَ الأفعالَ نَفْسَها بلا فَرقَ، "فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ صاحِبَ السُّلطانِ" وظاهِرُه يَدُلُّ على أنَّ المَقصودَ بصاحِبِ السُّلطانِ هو الوالي الذي يَتولَّى أمْرًا مِن أُمورِ الناسِ، وقيلَ: المَقصودُ به المُصاحِبُ لِلسُّلطانِ، المُداخِلُ له في الأُمورِ "على بابِ عَنَتٍ" والعَنَتُ هنا يَشمَلُ معنى المَشقَّةِ والفَسادِ والهَلاكِ والإثمِ والخَطأِ والرِّياءِ، وكُلُّ ذلك قد جاءَ النَّهيُ عنه، والمُرادُ هنا أنَّه وَاقِفٌ على بَابِ خَطَرٍ شاقٍّ يُؤدِّى إِلَى الهَلَاكِ "إلَّا مَن عَصَمَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ"، أي: إلَّا مَن حَفِظَه ووقاه مِنَ الوُقوعِ في الهَلاكِ؛ فهو الناجي، وذلك سواءٌ كان المَحفوظُ هو السُّلطانَ والأميرَ نَفْسَه، أم كانَ صاحِبَ السُّلطانِ الذي يُصادِقُ الأُمراءَ ويَدخُلُ عليهم. والسُّلطانُ يَكونُ على بابٍ مِنَ الخَطرِ إذا لم يُراعِ اللهَ في رَعيَّتِه؛ لِأنَّه راعٍ ومَسؤولٌ عن رَعيَّتِه، والموَفَّقُ مَن وَفَّقَه اللهُ لِطاعَتِه ورِعايةِ مَسؤوليَّاتِه وَفقَ ضَوابطِ الشَّرعِ، والمُصاحِبُ لِلسُّلطانِ كذلك يَكونُ على بابِ خَطَرٍ؛ لِأنَّه لا يَكتَسِبُ مِنَ القُربِ منه إلَّا الشَّرَّ؛ لِأنَّ صُحبَتَه تُحوِجُ إلى مُراعاتِه ومُراءاتِه ومُداهَنَتِه والثَّناءِ عليه بما هو ليس أهلَه، والعِصمةُ تَكونُ مِنَ اللهِ بلُطفِه. "فقالَ الرَّجُلُ" لَمَّا سَمِعَ ذلك: "واللهِ لا أعمَلُ لكَ ولا لِغَيرِكَ أبدًا"؛ فلا أتوَلَّى إمارةً لِأحدٍ، سَواءٌ كانَ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أم مَن يأتي بَعدَه، وهذا مِن شِدَّةِ توَرُّعِه وحِفظِه لِنَفْسِه مِن أنْ يَقَعَ فيما حَذَّرَ منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى بَدَتْ نَواجِذُه"، أي: ضَحِكَ ضَحِكًا ظاهِرًا حتى ظَهَرتْ أسنانُه وأضراسُه.