الموسوعة الحديثية


- اجتمَعَ أبو حُميدٍ وأبو أُسَيدٍ وسهلُ بنُ سعدٍ ومحمدُ بنُ مَسْلَمةَ، فذكَروا صلاةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال أبو حُميدٍ: أنا أَعلَمُكم بصلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَ بعضَ هذا، قال: ثمَّ ركَع فوضَعَ يدَيْه على رُكبتَيْه كأنَّه قابضٌ عليهما، ووَتَّرَ يدَيْه فتَجافى عن جَنْبَيْه، قال: ثمَّ سجَد فأَمكَنَ أنفَه وجبْهتَه، ونَحَّى يدَيْه عن جَنبَيْه، ووضَعَ كفَّيْه حَذوَ مَنكِبَيْه، ثمَّ رفَع رأسَه حتى رجَع كلُّ عَظْمٍ في موضعِه، حتى فرَغ، ثمَّ جلَس فافترَشَ رِجلَه اليُسرى، وأقبَلَ بصدرِ اليُمنى على قِبلتِه، ووضَع كَفَّه اليُمنى على رُكبتِه اليُمنى، وكفَّه اليُسرى على رُكبتِه اليُسرى، وأشار بإصبَعِه.
الراوي : أبو حميد الساعدي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 734 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن في المتابعات
الصَّلاةُ عِبادةٌ تَوْقيفيَّةٌ، وكان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ هيْئاتٌ مُختلِفةٌ في الصَّلاةِ فنقَلَ كلُّ صحابيٍّ ما رَآهُ من ذلِك، وربَّما فعَلَ بعْضَها على قِلَّةٍ، ثمَّ ثبَتَ على هيْئةٍ أُخْرى في بَقِيَّةِ أوْقاتِه وصَلَواتِه، ولكنْ في كلِّ الأحْوالِ كان الخُشوعُ والخُضوعُ لازِمَيْنِ في الصَّلاةِ. وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لهيْئةِ صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ في بعْضِ أرْكانِ الصَّلاةِ وحرَكاتِها، حيثُ يُخْبرُ أبو حُمَيدٍ السَّاعِديُّ في عَشَرةٍ مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ: منهم أبو أُسيْدٍ، وسهْلُ بنُ سعْدٍ، ومُحمدُ بنُ مَسْلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنهم جَميعًا بعْدَ أنْ ذَكَروا صَلاةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ، وكَيْفِيَّتَها، وآدابَها، وما يَتعلَّقُ بها، فقالَ أبو حُمَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "أنَا أعْلَمُكم بصَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ": "فَذَكَرَ بعْضَ هذا"، أي: بعْضَ هذا الحديثِ، الذي فيه: (قالوا: فلِمَ؟ فواللهِ ما كنتَ بأكثَرِنا له تَبَعًا، ولا أقدَمِنا له صُحبةً! قالَ: بَلى، قالوا: فاعْرِضْ، قالَ: "كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ يَرفَعُ يدَيْه حتى يُحاذِيَ بِهِما مَنكِبَيْه"، أي: في تكْبيرةِ الإحْرامِ، "ثُمَّ يُكبِّرُ حتى يَقَرَّ كلُّ عَظْمٍ في مَوضِعِه مُعْتدِلًا"، فهذه إشارةٌ إلى الخُشوعِ والطُّمأْنِينةِ، "ثُمَّ يَقرَأُ، ثُمَّ يُكبِّرُ، فَيَرْفَعُ يدَيْه حتى يُحاذِيَ بِهِما مَنكِبَيْه" ويَشْرَعُ في الرُّكوعِ، "ثُمَّ ركَعَ فَوَضَعَ يدَيْه على رُكبتَيْه؛ كأنَّه قابِضٌ عليْهما، ووَتَّرَ يدَيْه فتَجافَى عن جَنْبَيْه"، أي: ركَعَ، وأمْسَكَ رُكبتَيْه بكفَّيْه، وشَدَّ ذِراعَيْه بَعيدًا عن جَنْبَيْه، كأنَّها وَتَرٌ أو خيْطٌ مشْدودٌ. "ثُمَّ سَجَدَ، فأمْكَنَ أنْفَه وجَبْهتَه"، أي: ألْصَقَ أنْفَه ومُقدِّمةَ رأْسِه بالأرْضِ، "ونحَّى يدَيْه عن جَنْبَيْه"، أي: باعَدَ يدَيْه عن جَنْبَيْه، "ووضَعَ كفَّيْه حَذْوَ مَنكِبَيْه"، أي: وضَعَ كفَّيْه على الأرْضِ مُحاذيًا بِهِما كَتِفَيْه، ولم يُقدِّمْهما على الكَتِفَيْنِ، "ثُمَّ رفَعَ رأْسَه حتى رجَعَ كلُّ عَظْمٍ في مَوْضِعِه حتى فَرَغَ"، أي: جَلَسَ بيْنَ السَّجْدتَيْنِ جُلوسًا مُطْمئِنًّا هادِئًا حتى اسْتَقرَّ كلُّ عُضوٍ وكلُّ عَظْمٍ في مَكانِه، "ثُمَّ جَلَسَ فافْترَشَ رِجلَه اليُسْرى"، أي: مَدَّ رِجلَه اليُسرى تحتَ مَقعَدَتِه عَرْضًا، "وأقْبَلَ بصَدْرِ اليُمْنى على قِبْلتِه"، أي: وجَعَلَ رِجْلَه اليُمْنى مُتَّجِهةً إلى القِبْلةِ بأطْرافِ الأصابعِ معَ رفعِ القَدَمِ، "ووضَعَ كفَّه اليُمْنى على رُكبَتِه اليُمْنى، وكفَّه اليُسْرى على رُكبتِه اليُسْرى، وأشارَ بإصْبَعِه"، أي: وأشارَ بإصْبَعِه المُسَبِّحَةِ عندَ التَّشهُّدِ في التَّحيَّاتِ، وفي الرِّوايةِ الأُخْرى: فشَهِدَ باقي الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم لأبي حُمَيدٍ بصِدْقِه، فقالوا: صدَقْتَ، هكذا كان يُصلِّي صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ. وفي الحديثِ: الحثُّ على مُدارَسةِ العِلْمِ ومُراجَعتِه، والتَّثبُّتِ منه عندَ أهلِه. وفيه: تَحرِّي الصَّحابةِ الدِّقَّةَ في النَّقْلِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ، وفي ذلك دَليلٌ على مَحبَّتِهم له، واتِّباعِهم إيَّاه. وفيه: حِرْصُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم على تَعْليمِ مَن بَعْدَهم سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ.