الموسوعة الحديثية


- فألهمَها فُجورَها وتقواها قال : اللهمَّ إيتِ نفسي تقواها ، زكِّها أنت خيرُ من زكَّاها ، أنت وليُّها ومولاها قال أبو بكرٍ : وهو في الصلاةِ كأنه القُنوتُ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة | الصفحة أو الرقم : 319 | خلاصة حكم المحدث : حسن | التخريج : أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (319)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (19865)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (1481)
الدُّعاءُ هو العِبادةُ، وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كثيرَ الدُّعاءِ بجَوامِعِ الكَلِمِ، وكان يُعَلِّمُها لأصحابِه ليَدْعوا بها، ويَتقرَّبوا بها إلى اللهِ سبحانه وتعالى، وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لبَعضِ ما كان يَدْعو به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ يَحكِي أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقُولُ: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] أي: كُلُّ نَفْسٍ خَلَقَها اللهُ عزَّ وجلَّ سَوِيَّةً مُستَقيمةً عَلى الفِطرةِ القَويمةِ، فبَيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ لَها طريقَ الخيرِ والشَّرِّ، وهَداها إلى ما قَدَّرَ لَها في الأَزلِ. ثُم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللَّهُمَّ إيتِ نَفْسي تَقْواها"، أي: أَعْطِ نَفْسي ما يَصونُها عن المَحظوراتِ، ويَسِّرْها لفِعلِ ما يَقيها العَذابَ بالاحتِرازِ عن مُتابَعةِ الهَوى، وارتِكابِ الفُجورِ، والفَواحِشِ، "زَكِّها أنتَ خيرُ مَن زَكَّاها" فطَهِّرْها بطاعَتِكَ يا اللهُ، وطَهِّرْها مِن الرَّذائلِ والأَخْلاقِ الدَّنيئةِ، كما قالَ تعالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]، وهو مُطابِقٌ للدُّعاءِ؛ فالآيَةُ إخبارٌ بأنَّ المُفلِحَ مَن زَكَّى اللهُ نَفْسَه وهذا الحَديثُ سُؤالٌ أنْ يُزَكِّيَ اللهُ نَفْسَ الدَّاعي. "أنتَ وَلِيُّها" الذي يَنصُرُها، والمُتَصَرِّفُ فيها الَّذِي يَتَولَّاها بالنِّعمةِ في الدَّارَيْنِ. وقيلَ: هذا راجِعٌ إلى قولِه: "آتِ نَفْسي تَقْواها"، كأنَّه يقولُ: انصُرْها عَلَى فِعلِ ما يكونُ سَببًا لرِضاكَ عنها؛ لأنَّكَ ناصِرُها "ومَوْلاها"، أي: مالِكُ أَمْرِها. وقيلَ: إنَّ قولَه: "ومَوْلاها" راجِعٌ إلى قَولِه: "زَكِّها": يَعني طَهِّرْها بتَأديبِكَ إيَّاها، كما يؤَدِّبُ المَوْلى عَبدَه، وتَحصيلُ التزكيةِ فيها إنَّما كان لأنَّه هو مُتَولِّي أُمورِها، ومالِكُها. والتَّزكيةُ إنْ حُمِلَتْ على تَطْهيرِ النَّفْسِ عن الأفعالِ والأقوالِ والأخلاقِ الذَّميمةِ، كانتْ بالنِّسبةِ إلى التَّقْوى مَظاهِرَ ما كان كامِنًا في الباطِنِ، وإنْ حُمِلَت على الإنْماءِ والإعْلاءِ بالتَّقْوى، كانت تَحْليةً بعْدَ التخليةِ؛ لأنَّ المُتَّقيَ شَرعًا مَنِ اجتنَبَ النواهيَ، وأتى بالأوامِرِ. قال أبو بَكرٍ -وهو ابنُ أبي عاصمٍ صاحِبُ كتابِ السُّنةِ-: "وهو في الصَّلاةِ كأنَّه القُنوتُ"، أي: هذا الدُّعاءُ كان يُقالُ في الصَّلاةِ كأنَّه يَدْعو به في دُعاءِ القُنوتِ في الصلاةِ قبْلَ الركوعِ أو بعْدَه على خِلافٍ في مَوضِعِ القُنوتِ. لكنْ لم يَرِدْ ما يَشهَدُ أنَّه في القُنوتِ، بل رُويَ أنَّه كان يقولُه في السُّجودِ؛ فقد أخرَجَ أحمَدُ عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: "أنَّها فقَدَت النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من مَضجَعِه فلمَسَتْه بيَدِها، فوقَعَت عليه وهو ساجدٌ، وهو يقولُ: ربِّ أعْطِ نَفْسي تَقْواها، زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا". وفي الحديثِ: الحَثُّ على الدُّعاءِ والاستِعاذةِ من كلِّ الأشياءِ المَذكورةِ، وما في مَعْناها، وأنَّه ليس في هذا نَقصٌ في الإيمانِ، والتَّسليمِ بالقَضاءِ والقَدَرِ. وفيه: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخَلْقِه، وهو عِلمُه بالأشياءِ قبْلَ كَوْنِها، وكِتابَتُه لها قبْلَ بَرْئِها.