في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قالَ: "يا رَسولَ اللهِ، إنَّا نَسمَعُ مِنكَ أحاديثَ"، والمُرادُ كُلُّ أقوالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأفعالِه وتَقريراتِه، "أفتَأْذَنُ لنا أنْ نَكتُبَها؟" أي: نُدَوِّنَها في كُتُبٍ وصُحُفٍ، "قالَ: نَعَمْ"، فأذِنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كِتابةِ سُنَّتِه، "فكانَ أوَّلُ ما كَتَبَ كِتابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أهلِ مَكةَ: "لا يَجوزُ شَرْطانِ في بَيعٍ واحِدٍ"، وقد مُثِّلَ له بصُوَرٍ؛ وهي: أنْ يَبيعَ سِلعةً واحِدةً بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، ثمَّ يَشتَريَها بثَمَنٍ آخَرَ نَقدًا، فإنْ أخَذَ الزَّائدَ في الثَّمَنِ فقدْ وَقَعَ في الرِّبا، وهذه الصُّورةُ هي بَيعُ العِينةِ، والغَرَضُ منه أخْذُ المالِ بزِيادةٍ على الثَّمَنِ الحَقيقيِّ. وقيلَ: أنْ يُخيِّرَ صاحِبُ السِّلعةِ مَن أرادَ أنْ يَشتَريَها بيْنَ البَيعِ نَقدًا بثَمَنٍ، وإلى أجَلٍ بثَمَنٍ آخَرَ؛ بأنْ يَقولَ: بِعتُكَ هذا الثَّوبَ بدِينارٍ نَقدًا، وبدِينارَيْنِ إلى أجَلٍ. وقيلَ: أنْ يَقولَ: بِعتُكَ هذا الثَّوبَ وعلَيَّ خِياطَتُه، وقِصَارَتُه، فهنا اشتُرِطَ شَرْطانِ، "ولا بَيعٌ وسَلَفٌ جَميعًا"، أيْ: لا بَيعٌ مع شَرْطٍ؛ وذلك بأنْ تَبيعَ سِلعةً، وتَقولَ لِمَنِ اشتَراها: بِعتُكَ على أنْ تُسْلِفَني مَبلَغَ كذا. وقيلَ: هو أنْ تُقرِضَه ثمَّ تَبيعَ منه شَيئًا بأكثَرَ مِن ثَمَنِه، وكِلتا الصُّورتَيْنِ تَدخُلُ في الرِّبا؛ لِأنَّه قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا.
"ولا بَيعُ ما لم يُضمَنْ" وهو بَيعُ سِلعةٍ اشتَرَاها ولم يَقبِضْها، ولم تَكُنْ بحَوزَتِه بَعدُ؛ فلا يَبِعْ حتَّى تَكونَ في ضَمانِه.
"ومَن كانَ مُكاتَبًا على مِئةِ دِرهمٍ فقَضاها"، أي: أدَّاها، "إلَّا عَشَرةَ دَراهِمَ؛ فهو عَبدٌ، أو على مِئةِ أُوقيَّةٍ"، والأُوقيَّةُ: أربَعونَ دِرهَمًا، "فقَضاها إلَّا أُوقيَّةً؛ فهو عَبدٌ"، والمُكاتَبُ: هو العَبدُ المَملوكُ الذي يَتَعاقَدُ مع سَيِّدِه على قَدْرٍ ما مِنَ المالِ يُؤدِّيه؛ لِيُصبِحَ حُرًّا، ولا يُغْني عنِ المُكاتَبِ كَثرةُ ما أدَّى حتَّى يُوفِّيَ بكامِلِ ما عليه مِن مالٍ لِسَيِّدِه، ويَظَلُّ في الرِّقِّ حَقيقةً وحُكمًا بقَدْرِ ما عليه مِن حَقٍّ لم يُوَفِّه لِسَيِّدِه.
وفي الحَديثِ: كِتابةُ أحاديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وحِفظُ العِلمِ بالكِتابةِ.
وفيه: نَهْيُ الإسلامِ عنِ الجَهالةِ في المُعامَلاتِ.
وفيه: حِفظُ الإسلامِ لِحُقوقِ النَّاسِ.
وفيه: الحَثُّ على تَفَقُّهِ التُّجَّارِ في الدِّينِ .