الموسوعة الحديثية


- دَخَلتُ مسجدَ حِمصَ، فإذا فيه حَلْقةٌ فيها اثنانِ وثَلاثونَ رَجُلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: وفيهم شابٌّ أكحَلُ بَرَّاقُ الثَّنايا مُحتَبٍ، فإذا اختلَفوا في شيءٍ سَأَلوه فأخبَرَهم فانتَهَوا إلى خَبَرِه، قال: قُلْتُ: مَن هذا؟ قالوا: هذا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، قال: فقُمْتُ إلى الصَّلاةِ، قال: فأرَدتُ أنْ ألقى بعضَهم، فلمْ أقدِرْ على أحدٍ منهم انصَرَفوا، فلمَّا كان الغَدُ دَخَلتُ، فإذا مُعاذٌ يُصلِّي إلى ساريةٍ، قال: فصَلَّيتُ عندَه، فلمَّا انصرَفَ جَلَستُ بيْني وبيْنَه السَّاريةُ، ثُمَّ احتبَيتُ، فلَبِثتُ ساعةً لا أُكلِّمُه ولا يُكلِّمُني، قال: ثُمَّ قُلْتُ: واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ لغيرِ دُنْيا أرجوها أُصيبُها منك ولا قَرابةٍ بيْني وبيْنَك، قال: فلأيِّ شيءٍ؟ قال: قُلْتُ: للهِ تَبارَكَ وتَعالى، قال: فنَثَرَ حُبوَتي، ثُمَّ قال: فأبشِرْ إنْ كنتَ صادقًا؛ فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: المُتحابُّونَ في اللهِ في ظِلِّ العَرشِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه، يَغبِطُهم بمَكانِهم النَّبيُّونَ والشُّهَداءُ، قال: ثُمَّ خَرَجتُ فألقى عُبادةَ بنَ الصَّامتِ، قال: فحَدَّثتُه بالذي حَدَّثَني مُعاذٌ، فقال عُبادةُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَروي عن ربِّه تَبارَكَ وتَعالى، أنَّه قال: حَقَّتْ مَحبَّتي على المُتحابِّينَ فيَّ -يَعني نَفْسَه- وحَقَّتْ مَحبَّتي للمُتناصِحينَ فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتزاوِرينَ فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتباذِلينَ فيَّ، على مَنابرَ مِن نورٍ يَغبِطُهم بمَكانِهم النَّبيُّونَ والصِّدِّيقونَ.
الراوي : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 22782 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (2390) مختصراً من حديث معاذ، وأحمد (22064) باختلاف يسير. وأخرجه عبدالله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (22782) واللفظ له

المُتَحابُّونَ في اللهِ في ظِلِّ العرشِ يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ، يَغْبِطُهُمْ بِمَكَانِهِمْ النبيُّونَ والشُّهَدَاءُ . قال : ولَقِيتُ عُبادَةَ بنَ الصَّامِتِ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ معاذٍ ، فقال : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ يقولُ عن رَبِّهِ تباركَ وتعالى : حقَّتْ مَحَبَّتِي على المُتَحابِّينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي على المُتَناصِحينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي على المتباذلِينَ فِيَّ ، وهُمْ على مَنابِرَ من نُورٍ ، يَغْبِطُهُمْ النبيُّونَ والشهداءُ والصِّدِّيقُونَ
الراوي : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 3019 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه أحمد (22834)، وابن حبان (577) باختلاف يسير، والطبراني (20/88) (168) مختصراً.


مِن الصِّفاتِ العظيمةِ الَّتي تُرضِي اللهَ المحبَّةُ فيه، والمحبَّةُ في اللهِ تَكونُ خالِصةً مِن الأغراضِ الدُّنيَويَّة،ِ فهي تَكونُ لِوَجهِ اللهِ تَعالى، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِعَظيمِ أجْرِ المُتحابِّينَ في اللهِ، فيَرْوي التَّابعيُّ أبو مُسلِمٍ الخَوْلانيُّ: "قُلتُ لِمُعاذِ بنِ جَبَلٍ: واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ لِغَيرِ دُنيا أرْجو أنْ أُصيبَها مِنكَ، ولا قَرابةَ بيْني وبيْنَك، قال: فلأيِّ شَيءٍ؟ قُلتُ: للهِ"، أي: أنَّ هذه المحبَّةَ محبَّةُ قُلوبٍ خالِصةٍ لا تَتعلَّقُ بأيِّ شَيءٍ من أُمورِ الدُّنيا التي يَتَقارَبُ النَّاسُ من أجْلِها "قالَ: فجَذَب حَبْوتي"، وهي مَوضِعُ مَعقِدِ الثِّيابِ من وَسَطِ الجَسَدِ "ثُمَّ قالَ: أبْشِرْ إنْ كُنتَ صادِقًا، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: "المُتَحابُّونَ في اللهِ" وهُم الَّذين كانتْ قُلوبُهم مُجتمِعةً على المَحبَّةِ في ذاتِ اللهِ تَعالى، وكان سبَبُ حُبِّهم هو إجْلالُ اللهِ وتَعْظيمُه، فلا يُحِبُّون إلَّا ما يُحِبُّه اللهُ، "في ظِلِّ العَرشِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ"، فيُوقِفُهم اللهُ تَحتَ عَرشِهِ ويَستَظِلُّونَ به من حَرِّ المَوقِفِ يَومَ القيامةِ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي تَدْنو فيه الشَّمسُ مِن رُؤوسِ العِبادِ، ويَشتَدُّ عليهم حَرُّها، "يَغبِطُهُم بمَكانِهِم النَّبيُّونَ والشُّهَداءُ"، والغِبْطةُ هي أنْ يتَمنَّى الإنسانُ نِعْمةً على ألَّا تَزولَ عن صاحِبِها، وقيَل: هي الاستِحْسانُ، والمَعْنى: أنَّ الأنبياءَ والشُّهَداءَ يَستحسِنونَ أحْوالَ هؤلاءِ المُتَحابِّينَ لِقُرْبِهم من اللهِ تَعالى، قال أبو مُسلِمٍ الخَوْلانيُّ: "ولَقيتُ عُبادةَ بنَ الصَّامِتِ، فحَدَّثتُهُ بحَديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، فقالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقولُ عن ربِّهِ تَبارَكَ وتَعالى: حقَّتْ مَحبَّتي على المُتَحابِّينَ فيَّ"، وهُم قَومٌ تَحابُّوا بنُورِ اللهِ من غَيرِ أرحامٍ، ولا أنْسابٍ، "وحقَّتْ مَحبَّتي على المُتَناصِحينَ فيَّ"، فيَبذُلُ بَعضُهُم لِبَعضٍ النَّصيحةَ الخالِصةَ الصَّادِقةَ، ومِن ذلك التنبيهُ على فِعلِ المأموراتِ وترْكِ المنهيَّاتِ مَحبَّةً في اللهِ، "وحقَّتْ مَحبَّتي على المُتَباذِلينَ فيَّ" الَّذين يُنفِقونَ أمْوالَهم في طاعةِ اللهِ سُبْحانَهُ، وكما أمَرَهُم اللهُ، ويُنفِقونَها عن مَحَبَّةٍ للهِ ورضًا بأوامِرِهِ، "وهُم على مَنابِرَ من نُورٍ" والمِنبَرُ هو ما يُجلَسُ عليه في المَحافلِ، وهذه المَنابِرُ يَومَ القيامةِ تكونُ مِن نُورٍ، فتكونُ في أجمَلِ صُورةٍ، وأحسَنِ مَنظَرٍ وأَبْهاهُ، "يَغبِطُهُم النَّبيُّونَ، والشُّهَداءُ والصِّدِّيقونَ"، وهذا يدُلُّ على عَظيمِ مَكانِهِم، ورِفْعةِ مَنزِلَتِهِم بحيث يَتمنَّاها أعظَمُ النَّاسِ أجْرًا من النَّبيِّينَ والشُّهَداءِ والصِّدِّيقينَ.
وفي الحَديثِ: حَثٌّ على التَّحابِّ في اللهِ، ومِن أجْلِهِ لا مِن أجْلِ أغْراضٍ دُنيويَّةٍ زائلةٍ.
وفيه: أنَّ التناصُحَ بيْنَ المسلِمينَ يُورِثُ مَحبَّةَ اللهِ .