الموسوعة الحديثية


- عدَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأنا معَه في غَزوةِ تَبوكَ قبلَ الفَجرِ، فعدَلْتُ معَه، فأناخَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فتبَرَّزَ، ثم جاءَ، فسكَبْتُ على يَدِه منَ الإداوةِ، فغسَلَ كفَّيْه، ثم غسَلَ وَجهَه، ثم حسَرَ عن ذِراعَيْه فضاقَ كُمَّا جُبَّتِه، فأدخَلَ يدَيْه فأخرَجَهما من تحتِ الجُبَّةِ فغسَلَهما إلى المِرفَقِ، ومسَحَ برأسِه، ثم تَوضَّأَ على خُفَّيْه، ثم رَكِبَ، فأقبَلْنا نَسيرُ حتى نجِدَ الناسَ في الصلاةِ قد قَدَّموا عبدَ الرحمنِ بنَ عَوفٍ، فصلَّى بهم حين كان وقتُ الصلاةِ، ووجَدْنا عبدَ الرحمنِ وقد ركَعَ لهم رَكعةً من صلاةِ الفَجرِ، فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فصفَّ معَ المُسلِمينَ، فصلَّى وراءَ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوفٍ الركعةَ الثانيةَ، ثم سلَّمَ عبدُ الرحمنِ، فقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاتِه ففَزِعَ المُسلِمونَ، فأَكثَروا التسبيحَ؛ لأنَّهم سَبَقوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصلاةِ، فلمَّا سلَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهم: "قد أصَبْتم"، أو "قد أحسَنْتم".
الراوي : المغيرة بن شعبة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 149 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

تَخلَّفتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوةِ تَبوكَ، فتَبرَّزَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إليَّ، ومعي الإداوةُ، قال: فصَبَبتُ على يدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ استنثَرَ، قال يَعقوبُ: ثُمَّ تَمضمَضَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجهَه ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرادَ أنْ يَغسِلَ يدَيه قبلَ أنْ يُخرِجَهما مِن كُمَّيْ جُبَّتِه، فضاق عنه كُمَّاها، فأخرَجَ يدَه مِن الجُبَّةِ، فغَسَلَ يدَه اليُمنى ثلاثَ مَرَّاتٍ، ويدَه اليُسرى ثلاثَ مَرَّاتٍ، ومَسَحَ بخُفَّيه ولم يَنزِعْهما، ثُمَّ عَمَدَ إلى النَّاسِ، فوَجَدَهم قد قَدَّموا عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ يُصلِّي بهم، فأدرَكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إحدى الرَّكعتَينِ، فصَلَّى مع النَّاسِ الرَّكعةَ الآخِرةَ بصَلاةِ عبدِ الرَّحمنِ، فلمَّا سَلَّمَ عبدُ الرَّحمنِ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يُتِمُّ صَلاتَه فأفزَعَ المُسلمينَ، فأكثَروا التَّسبيحَ، فلمَّا قَضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلاتَه، أقبَلَ عليهم، فقال: قد أحسَنتُم، وأصَبتُم، يَغبِطُهم أنْ صَلَّوُا الصَّلاةَ لوَقتِها.
الراوي : المغيرة بن شعبة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 18175 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه البخاري (363) بنحوه مختصراً، ومسلم (274) باختلاف يسير


امتازَتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ أنَّها تَرفَعُ الحرَجَ عن المُكلَّفينَ، وتُيسِّرُ عليهم، وهذا مِن تفَضُّلِ اللهِ على عِبادِهِ، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِبَعضِ هذه الأوُجِه؛ حيث رَوى المُغيرةُ بنُ شُعْبةَ رضِيَ اللهُ عنه، فيقولُ: "تخلَّفتُ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوةِ تَبوكَ"، كُنتُ خلْفَ الجَيشِ الذي خرَجَ لتبوكَ مُصاحِبًا لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا كان من عادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَمشِيَ خَلْفَ الجَيشِ أثْناءَ سَفَرِهِ، وتبوكُ مَوضِعٌ بالشَّامِ، وكانت في آخِرِ ذي القَعْدَةِ مِن سَنةِ ثَمانٍ مِن الهِجْرةِ. "فتبرَّزَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" ذهَبَ إلى الخَلاءِ؛ لِقَضاءِ حاجَتِهِ من البَولِ والغائِطِ، "ثُمَّ رجَعَ إليَّ، ومعي الإداوةُ" هي إناءٌ صَغيرٌ من الجِلْدِ فيه ماءٌ، وذلِكَ طلبًا للوُضوءِ، قال المُغيرةُ رضِيَ اللهُ عنه: "فصَبَبتُ على يَدَيْ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" غسَلَ يَدَيهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ، "ثم استَنْثَرَ" غسَلَ أنفَهُ بإخْراجِ الماءِ مِنَ الأنْفِ بَعدَ إدْخالِهِ، "قالَ يَعقوبُ" في روايَتِهِ، وهو يَعقوبُ بنُ إبراهيمَ أحَدُ رُواةِ الحَديثِ: "ثُمَّ تَمَضْمَضَ"، والمَضْمَضةُ: تَحْريكُ الماءِ في الفَمِ وإدارَتُه فيه ثُمَّ إلقاؤُه، "ثُمَّ غسَلَ وَجهَهُ ثَلاثَ مرَّاتٍ، ثُمَّ أرادَ أنْ يَغسِلَ يَدَيهِ قَبلَ أنْ يُخرِجَهما من كُمَّي جُبَّتِهِ" أرادَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَشْفَ الثِّيابِ الَّتي على ذِراعَيْهِ ورَفْعَهُما لِيغسِلَ يدَه إلى المِرْفَقَينِ، والجُبَّةُ: نَوعٌ منَ الثِّيابِ، "فضاقَ عنه كُمَّاها" لَم يَستطِعْ رَفْعَها عن ذِراعَيْهِ، "فأخرَجَ يَدَهُ من الجُبَّةِ" نزَعَ عن يَدِهِ كُمَّ الجُبَّةِ مُخرِجًا إيَّاها مِن أسفَلِ الثِّيابِ. وفي روايةِ مُسلِمٍ: "وألْقَى الجُبَّةَ على مَنكِبَيهِ"، أي: مُبعِدًا ما زادَ منَ الجُبَّةِ على مَنكِبَيهِ؛ وذلِكَ حتَّى لا تُعارِضَه عِندَ غَسْلِ يَدَيهِ، وكذلِكَ حِفاظًا عليها من أنْ يُصِيبَها الماءُ. "فغسَلَ يَدَهُ اليُمْنى ثَلاثَ مرَّاتٍ، ويدَهُ اليُسْرى ثَلاثَ مرَّاتٍ" كُلُّ ذلِكَ إلى المِرفَقَينِ، "ومسَحَ بخُفَّيهِ ولم يَنزِعْهما" وفي روايةِ أبي مُسلِمٍ: "وعلى العِمامَةِ وعلى خُفَّيْهِ" والمَعْنى: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَمسَحْ على شَعرِ رأسِه، أو يَغْسِلْ رِجْلَه، ولكنَّه اكتفَى بالمَسْحِ بالماءِ على عِمامَتِهِ دونَ رَفعِها، وكذلِكَ مسَحَ على خُفَّيْهِ، والخُفُّ: حِذاءٌ من جِلدٍ يَستُرُ القَدَمَ، ويُلبَسُ ويُدخَلُ معَ القدَمَينِ في النَّعْلِ، وغالِبًا ما يُلبَسُ بقَصْدِ الاستِدْفاءِ، "ثُمَّ عمَدَ إلى النَّاسِ" توجَّهَ إليهم للصَّلاةِ، "فوَجَدَهم قد قدَّموا عبدَ الرَّحْمنِ بنَ عَوفٍ يُصلِّي بهم" إمامًا للصَّلاةِ "فأدرَكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إحْدى الرَّكعَتَينِ"، فكانَ مَسْبوقًا برَكْعةٍ "فصلَّى مع النَّاسِ الرَّكْعةَ الآخِرةَ بصَلاةِ عَبدِ الرَّحْمنِ، فلمَّا سلَّمَ عَبدُ الرَّحْمنِ قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يُتِمُّ صَلاتَهُ" بصَلاةِ الرَّكْعةِ الثَّانيةِ الَّتي سبَقَ فيها "فأفزَعَ المُسلِمينَ"، فخافوا أنْ يَكونوا قد أخْطَؤوا "فأكْثَروا التَّسْبيحَ" استِغْفارًا للهِ ممَّا فَعلوهُ "فلمَّا قَضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلاتَهُ" أتمَّها وسلَّمَ "أقبَلَ عليهم" توجَّهَ إليهم؛ لِيُبيِّنَ لهم، "فقالَ: قد أحسَنْتُم، وأصَبْتُم" فَعَلتُمُ الصَّوابَ "يَغبِطُهُم أنْ صَلَّوا الصَّلاةَ لِوَقتِها" فَرِحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِرْصِهم على الصَّلاةِ في وَقتِها، وهذا من حُسنِ التَّوجيهِ النَّبويِّ لِمَن أحسَنَ في العَمَلِ.
وفي الحَديثِ: مَشْروعيَّةُ الاستِعانةِ في إحْضارِ ماءِ الوُضوءِ بغَيرِهِ، وخِدْمةِ الأكابِرِ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ إمامةِ المَفْضولِ للصَّلاةِ للفاضِلِ.
وفيه: الحِرْصُ على أداءِ الصَّلاةِ في وَقتِها.
وفيه: أنَّ المسبوقَ يقومُ لقَضاءِ ما فاتَه بعدَ سَلامِ إمامِه .