الموسوعة الحديثية


- خرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الحَجِّ لخَمسِ ليالٍ بَقينَ مِن ذي القَعْدةِ، ولا يَذكُرُ الناسُ إلَّا الحَجَّ، حتى إذا كان بِسَرِفَ وقد ساقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معه الهَدْيَ وأشْرافٌ مِن الناسِ أمَرَ الناسَ أنْ يَحِلُّوا بعُمْرةٍ إلَّا مَن ساقَ الهَدْيَ، وحِضتُ ذلك اليومَ، فدخَلَ علَيَّ وأنا أبْكي، فقال: ما لكِ يا عائِشةُ، لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ قالَتْ: قُلتُ: نَعَمْ، واللهِ لوَدِدتُ أنِّي لم أخْرُجْ معَكم عامي هذا في هذا السَّفَرِ، قال: لا تَفْعَلي، لا تَقولي ذلك؛ فإنَّكِ تَقْضينَ كلَّ ما يَقْضي الحاجُّ إلَّا أنَّكِ لا تَطوفينَ بالبَيتِ، قالَتْ: فمَضَيتُ على حَجَّتي، ودخَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَّةَ، فحَلَّ كلُّ مَن كان لا هَدْيَ معه، وحَلَّ نِساؤُه بعُمْرةٍ، فلمَّا كان يَومُ النَّحرِ أُتيتُ بلَحْمِ بَقَرٍ كَثيرٍ، فطُرِحَ في بَيْتي، فقُلتُ: ما هذا؟ قالوا: ذَبَحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن نِسائه البَقَرَ، حتى إذا كانت ليلةُ الحَصْبةِ بعَثَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع أخي عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ، فأَعْمَرَني مِن التَّنْعيمِ، مَكانَ عُمْرَتي التي فاتَتْني، وحَدَّثَنا يَعقوبُ في مَوضِعٍ آخَرَ في الحَجِّ: وأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نِساءَه فحَلَلْنَ بعُمْرةٍ، وأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الناسَ أنْ يَحِلَّ مَن لم يكُنْ معَه هَدْيٌ، وأمَرَ مَنْ كان معَه هَدْيٌ مِن أشْرافِ الناسِ أنْ يَثبُتَ على حُرْمِه.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 26345 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1720)، ومسلم (1211)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4132)، ابن ماجه (2981) بنحوه مختصراً، وأحمد (26345) واللفظ له

 خَرَجْنَا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولَا نُرَى إلَّا أنَّهُ الحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بالبَيْتِ، فأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن لَمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَن لَمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ، ونِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فأحْلَلْنَ. قالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ اللهُ عنها: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، يَرْجِعُ النَّاسُ بعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ، وأَرْجِعُ أَنَا بحَجَّةٍ، قالَ: وما طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قُلتُ: لَا، قالَ: فَاذْهَبِي مع أَخِيكِ إلى التَّنْعِيمِ، فأهِلِّي بعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وكَذَا. قالَتْ صَفِيَّةُ: ما أُرَانِي إلَّا حَابِسَتَهُمْ، قالَ: عَقْرَى حَلْقَى، أَوَما طُفْتِ يَومَ النَّحْرِ؟ قالَتْ: قُلتُ: بَلَى، قالَ: لا بَأْسَ، انْفِرِي. قالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ اللهُ عنها: فَلَقِيَنِي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُصْعِدٌ مِن مَكَّةَ وأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا. أَوْ: أَنَا مُصْعِدَةٌ وهو مُنْهَبِطٌ منها.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1561 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (1561)، ومسلم (1211).


أَنْساكُ الحَجِّ ثَلاثةٌ: التَّمَتُّعُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالعُمْرةِ في أشهُرِ الحجِّ -وهي شَوَّالٌ وذو القَعدةِ، وذو الحِجَّةِ- ثُمَّ يَحِلَّ منها، ثُمَّ يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه. والقِرَانُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ معًا. والإفْرادُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ فَقَطْ.
وفي هذا الحَديثِ تَحكي أمُّ المؤمنِينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها خَرَجَتْ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ التي كانتْ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ يَنْوونَ الحجَّ، فلمَّا قَدِموا مَكَّةَ طافوا طَوافَ القُدومِ دونَها لأجْلِ حَيضِها الذي ألَمَّ بها عندَ دُخولِ مكَّةَ، فأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن لم يكُن ساقَ الهَديَ أنْ يَحِلَّ مِن الحجِّ بعَمَلِ العُمرةِ، ويكونُ ذلك بالطَّوافِ بالبيتِ، ثمَّ السَّعيِ بيْن الصَّفا والمَرْوةِ، ثمَّ تَقصيرِ الشَّعرِ، والهَدْيُ اسمٌ لِما يُهدَى ويُذبَحُ في الحرَمِ مِن الإبلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْزِ، وهذا هو فَسْخُ الحجِّ إلى العمرة، وكان نِساؤُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَسُقنَ الهَدْيَ، فأحلَلْنَ بعْدَ العُمرةِ.
وتَحكي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها حاضَتْ، فلَم تَطُفْ بالبَيتِ طَوافَ العُمرةِ؛ لمانِع الحَيضِ، وأمَّا طَوافُ الحجِّ فأخْبَرَتْ في رِوايةٍ للبُخاريِّ أنَّها خَرَجَت في حَجَّتها حتَّى قَدِمَتْ مَشعرَ مِنًى، وكان ذلك يومَ النَّحرِ في العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فطَهُرَتْ في ذلك اليومِ، ثمَّ خرَجَتْ من مِنًى، فطافَتْ بالكَعبةِ طَوافَ الإفاضِة، ثمَّ خَرَجتْ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّفْرِ الآخِرِ، مع القَوم الذين يَنفِرون مِن مِنًى في اليومِ الثَّالثَ عشرَ من ذي الحجَّةِ.
فلمَّا كانتْ لَيلَةُ الحَصْبةِ -أي: لَيلةُ المَبيتِ بالمُحَصَّبِ، وهو مَوضِعٌ متَّسِعٌ بيْن مَكَّةَ ومِنًى، وسُمِّيَ بذلك لاجتماعِ الحَصْبَاءِ فيه بحمْلِ السَّيل- وذلك عندَ خُروجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتأهِّبًا للسَّفرِ إلى المدينةِ، قالَت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يَرجِعُ النَّاسُ بعُمْرةٍ وحَجَّةٍ، وأرْجِعُ أنَا بحَجَّةٍ»، وحرَصَتْ على ذلِك رَضيَ اللهُ عنها؛ لِتَكثيرِ الأفعالِ والثَّوابِ كما حَصَل لسائِرِ أمَّهاتِ المؤمنينَ وغيرِهنَّ مِن الصَّحابةِ، فأرادَتْ عُمرةً مُفرَدةً، كما حَصَل لبقيَّةِ النَّاسِ، فأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عائشةَ بالذَّهابِ مع أخِيها عبدِ الرَّحمنِ رَضيَ اللهُ عنهما إلى التَّنعيمِ؛ لتُحرِمَ بعُمرةٍ تَطْييبًا لقَلبِها، ثمَّ جَعَلَ مَوعدَهما الرُّجوعَ إلى المُحَصَّبِ في المكانِ الذي كان يَبيتُ فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وتَحكي عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ رَضيَ اللهُ عنها ظَنَّتْ أنَّها سَوفَ تَمنَعُ الناسَ عن الرُّجوعِ إلى المدينةِ؛ لأنَّها حاضَت ولم تَطُفْ بالبَيتِ طَوافَ الوداعِ، فلَعلَّهم بسَببِها يَتوقَّفون إلى زَمانِ طَوافِها بعْدَ الطَّهارةِ. وقد حاضَتْ صَفيَّةُ أيضًا لَيلةَ النَّفْرِ، فقالَ لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «عَقْرَى حَلْقَى»! ومعْناه: عَقَرَها اللهُ، وأصابَها في حَلْقِها الوجَعُ، وهذا ممَّا جَرَى على ألْسِنَتِهم مِن غيرِ قَصْدٍ لمَعْناهُ، ولا الدُّعاءِ به عليها. فسألها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هل طافَتْ طَوافَ الإفاضةِ؟ فقالتْ: نَعَم، فأخْبَرَها أنَّه لا بَأسَ بذلِك، فلْتَرجِعْ وتَذهَبْ؛ إذ طَوافُ الوَداعِ ساقِطٌ عن الحائِضِ.
ثمَّ تَحكي عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَها بِالمُحَصَّبِ وهو مُبتدِئُ السَّيرِ مِن مَكَّةَ إلى خارجِها وهي مُنهَبِطة عليها، أو وهي مُصعِدةٌ وهو مُنهَبِطٌ منها.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ التَّمتُّعِ بعُمرةٍ في أيَّامِ الحَجِّ.
وفيه: رَحمةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِفقُه في مُعاملةِ النِّساءِ.