الموسوعة الحديثية


-  خرَجْتُ مِن عِندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَوجِّهًا إلى أهلي، فمرَرتُ بغِلمانٍ يَلعَبونَ، فأعجَبَني لَعِبُهم، فقُمْتُ على الغِلمانِ، فانتَهى إلَيَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا قائمٌ على الغِلمانِ، فسَلَّمَ على الغِلمانِ، ثمَّ أرسَلَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حاجةٍ له، فرجَعْتُ إلى أهلي بعْدَ السَّاعةِ التي كنتُ أَرجِعُ إليهم فيها، فقالت لي أُمِّي: ما حبَسَك اليَومَ يا بُنَيَّ؟ فقلْتُ: أرسَلَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حاجةٍ له، فقالت: أيُّ حاجةٍ يا بُنَيَّ؟ فقلْتُ: يا أُمَّاه، إنَّها سِرٌّ، فقالت: يا بُنَيَّ، احفَظْ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِرَّه. قال ثابتٌ: فقلْتُ: يا أبا حمزةَ، أتَحفَظُ تلك الحاجةَ اليَومَ، أوَتَذْكُرُها؟ قال: إي واللهِ، إنِّي لَأَذْكُرُها، ولو كنتُ مُحَدِّثًا بها أحدًا مِنَ الناسِ لحَدَّثْتُك بها يا ثابتُ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 13380 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (2482) باختلاف يسير

أَتَى عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مع الغِلْمَانِ، قالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إلى حَاجَةٍ، فأبْطَأْتُ علَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قالَتْ: ما حَبَسَكَ؟ قُلتُ: بَعَثَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِحَاجَةٍ، قالَتْ: ما حَاجَتُهُ؟ قُلتُ: إنَّهَا سِرٌّ، قالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بسِرِّ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَحَدًا. قالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لو حَدَّثْتُ به أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يا ثَابِتُ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2482 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَسَنَ الخُلُقِ مُتواضِعًا، يَعطِفُ على الصِّغارِ ويُحسِنُ إليهم ويُقرِّبُهم منه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان قدْ خَدَم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عشْرَ سِنينَ- أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاءهُ وهو يَلعَبُ مع «الغِلمانِ»، وَهُمُ الصِّبيانُ الصِّغارُ، فأَلْقَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم السَّلامُ، وهذا مِن تَلطُّفِه ومَحبَّتِه للصِّغارِ، ثمَّ طلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنسٍ أنْ يذهَبَ لِيَقضيَ له حاجةً، وفي رِوايةٍ أُخرى في الصَّحيحينِ: «أسَرَّ إلَيَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِرًّا»، فذهَبَ أنسٌ كما أمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَأخَّرَ على أُمِّه، ثمَّ رَجَع إليها بعْدَما قَضى لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجتَه، فسَألتْه أُمُّه أُمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها: «ما حَبَسَكَ؟»، أي: ما مَنَعَكَ وسَببُ تَأخُّرِك؟ فأخبَرَها أنَّه كان يَقْضى حاجةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألتْه أُمُّه عن تلك الحاجةِ الَّتي أرسَلَه فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال لها أنسٌ رضيَ اللهُ عنه: «إنَّها سِرٌّ» لا يَنْبغي لي أنْ أُعلِنَها، فأيَّدَتْه أُمُّه في ذلك وحذَّرَتْه مِن إفشائهِا؛ للتَّأكيدِ عليه، وأمَرَتْه ألَّا يُخبِرَ أحدًا بشَيءٍ اسْتأمَنَه عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثمَّ قال أَنَسٌ لِثابِتٍ البُنانيِّ تَلميذِهِ وأقسَمَ له أنَّه لوْ كان أخبَرَ أحدًا بهذا لَأخبَرَ ثابِتًا بذلك، وهذا يدُلُّ على محبَّةِ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه لِثابِتٍ، والمعنى: أنَّه حافَظَ على السِّرِّ حتَّى بعْدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: بيانُ أمانةِ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه وحُسْنِ خُلُقِه.
وفيه: بَيانُ فضْلِ الصَّحابيِّ الجليلِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ حيثُ كان مُحافِظًا لسِرِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ فَضلِ أُمِّ سُليمٍ رَضيَ اللهُ عنهما ورَجاحةِ عَقلِها، وحَصافةِ رَأيِها؛ حيثُ حثَّتِ ابنَها على مُحافَظةِ سِرِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأكَّدَت عليه.
وفيه: الحثُّ على المحافَظةِ على السِّرِّ.
وفيه: السَّلامُ على النَّاسِ كلِّهم، حتَّى الصِّبيانِ المميِّزينَ.