- عنِ ابنِ عباسٍ أنَّ امرأةً من اليهودِ أهدَت لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شاةً مسمومةً فأرسل إليها فقال ما حمَلكِ على ما صنعتِ قالت أحببتُ أو أردتُ إن كنتَ نبيًّا فإنَّ اللهَ سيُطلِعك عليه وإن لم تكن نبيًّا أُريحُ الناسَ منك قال فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا وجد من ذلك شيئًا احتجم قال فسافر مرةً فلما أحرم وجَد من ذلك شيئًا فاحتجَم
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية
الصفحة أو الرقم: 4/210 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
قال أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه: فأَهْدَتْ له يَهُودِيَّةٌ- وهي زيْنَبُ بنْتُ الحارِثِ امْرَأةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ - بخَيْبَرَ، أي: فِي فتْح خَيْبَر، شَاةً مَصْلِيَّةً أي: مَشْوِيَّةً سَمَّتْهَا، أي: وَضَعَتْ فيها سُمًّا، فأكَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم منها، ولعلَّه قَبِل هَدِيَّتِهَا تَأْنِيسًا لها، وتَحْفِيزًا علَى الدُّخُولِ في الإسلامِ، وأكَل القَوْمُ أي: معه، فلمَّا علِم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالسُّمِّ من إخْبارِ الشَّاةِ له، فقال: (ارفَعُوا أيدِيَكُم؛ فإنَّها أخْبَرَتْنِي أنَّها مَسْمُومَةٌ) أي: الشَّاةُ. فمَاتَ بِشْرُ بنُ البَرَاءِ بن مَعْرُورٍ الأنْصَارِيُّ؛ بسبَبِ أكْلِه مِن الشَّاةِ؛ مُتأثُّرًا بالسُّمِّ.
فأرْسَل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليَهودِيَّةِ، فقال لها: (ما حَمَلَكِ على الَّذي صنَعْتِ؟) أي: لماذا سَمَمْت الشَّاةَ؟ قالت: إنْ كنتَ نَبِيًّا لم يَضُرَّك الذي صنَعْتُ، وإنْ كنتَ مَلِكًا أرَحْتُ النَّاسَ منك، واليهودُ تعرِف نُبُوَّةَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن كُتُبِهم، وما حَمَلها على ذلك إلَّا الحَسَدُ والبَغْيُ؛ فكلامُها هذا كَذِبٌ، فأَمَر بها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقُتِلَتْ بِبِشْرِ بن مَعْرُورٍ، وأسْلَمَها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأَوْلِيَائِهِ فقَتَلُوها قِصَاصًا؛ لأنَّه لا يَنْتَقِمُ لنفْسِه صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قال: في وَجَعِه الذي مات فيه، أي: مرَضِه الذي مات فيه: (ما زِلْتُ أجِدُ مِن الأَكْلَةِ الَّتي أَكَلْتُ بخَيْبَرَ، فهذَا أوَانُ قَطَعَتْ أَبْهُرِي)، وقد كان يجِدُ أثَرَ هذا السُّمِّ بين الحِينِ والحِينِ، حتى جاء مَوْتُه، فجَمَع اللهُ تعالى له بين النُّبُوَّةِ ومَقَامِ الشَّهَادَةِ؛ فمَات نبيًّا شَهيدًا صلَّى الله عليه وسلَّم، و"الأبْهُر" عِرْقٌ به الحَيَاةُ تَتَشَعَّبُ منه سائِرُ الشَّرَايينِ؛ إذا انقَطَع ماتَ صاحِبُه.
وفي الحديثِ: أكْلُ طعَامِ مَن يَحِلُّ طَعَامُه دونَ السُّؤَالِ عن أصْلِه والاحْتِرَاسِ منه.
وفيه: مِن علاماتِ نُبُوَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم: كِفايَةُ اللهِ له مِن السُّمِّ المُهْلِك لغَيْرِه، وعِصْمَتُه، وكلامُ الشَّاةِ له.
وفيه: بيانُ غَدْرِ اليَهودِ وسُوءِ مُعاملتِهم للأَنْبياءِ. .