الموسوعة الحديثية


- أُتِىَ رسولُ اللهِ بلحمٍ ، فدُفِعَ إليهِ منها الذِّراعُ ، وكانتْ تُعْجِبُهُ ، فنَهَسَ منها نَهْسَةً ، ثُمَّ قال : أنا سيدُ الناسِ يومَ القيامَةِ ، وهلْ تدرونَ لِمَ ذلِكَ ؟ يجمعُ اللهُ الأولينَ والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ ، فيقولُ بعضُ الناسِ لبعضٍ : ألَا تَرونَ إلى ما أنتم فيه ؟ ألَا تَرونَ إلى ما قَدْ بلَغَكُمْ ؟ ألَا تنظرونَ مَنْ يشفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟ فيقولُ بعضُ الناسِ لبعضٍ : أبوكم آدمُ ، فيأتونَ آدمَ ، فيقولونَ : أنتَ أبو البشرِ ، فاشفع لنا إِلَى ربِّكَ ، ألَا تَرَى إِلَى ما نَحْنُ فيِهِ ؟ ألَا تَرَى ما قَدْ بلَغَنا ؟ فيقولُ آدمَ : إِنَّ ربِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غضبًا لَمْ يَغْضَبْ قبْلَهُ مثلَهُ ، وَلَنْ يغْضَبَ بَعْدَهُ مثلَهُ ، وإِنَّهُ نَهانِي عَنِ الشجرةِ فعصيتُهُ ، نَفْسِي نَفْسِي ، ( نَفْسِي نَفْسِي ) اذهبوا إلى غَيرِي ، اذهبوا إلى نوحِ ، فيأتونَ نوحًا ، فيقولونَ : يانوحُ ، أنتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلى الأرْضِ ، وسمَّاكَ اللهُ عبدًا شَكُورًا ، فاشفَعْ لَنا إِلَى رَبِّكَ ، ألَاتَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فيه ؟ ألَا تَرَى مَا قَدْ بلَغَنا ؟ فيقولُ نوحٌ : ؟ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غضبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثَلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ كانَتْ لِي دَعْوةٌ دَعَوتُ بِها علَى قَومِي ، نَفْسِي نَفْسِي ( نَفْسِي نَفْسِي ) اذهبوا إِلى غيرِي ، اذهبُوا إِلى إبراهيمَ ، فيقولونَ : يا إبراهيمُ أنتَ نَبِيُّ اللهُ وخلِيلَهُ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ ، ألَا تَرَى إِلى مانَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنا ؟ فيقولُ : ؟ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غضبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثَلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وذَكَرَ كَذَباتِهِ ، نَفْسِي نَفْسِي ( نَفْسِي نَفْسِي ) اذهبوا إلى غَيْرِي ، اذهبوا إِلى موسى ، فيقولُونَ يا موسَى أنْتَ رسولُ اللهِ ، اصطفاكَ اللهُ بِرسالاتِهِ وتَكْلِيمِهِ علَى الناسِ ، اشفع لنَا إِلى ربِّكَ ، أَلَا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فيه ؟ ألَا تَرَى ما قَدْ بلَغَنا ؟ فيقولُ لهم موسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غضبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثَلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وإِنَِّّي قتلْتُ نَفْسًا لَمْ أومَرْ بقتْلِها ، نَفْسِي نَفْسِي ( نَفْسِي نَفْسِي ) اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى ، فيقولونَ : يا عيسى أنتَ رسولُ اللهِ وكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ مِّنْهُ ، قال : هكذا هُوَ ، وكَلَّمْتَ الناسَ في المهدِ فاشْفَعْ لنا إِلَى رَبِّكَ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فيه ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فيقولُ لَهُمْ عِيسى : إِنَّ ربِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غضبًا لَمْ يَغْضَبْ قبلَه مثلَهُ ، وَلَنْ يغْضَبَ بعدَهُ مثلَهُ ، ( وَلَمْ يذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا ) اذهبوا إلى غيرِى ، اذهبوا إلى محمدٍ ، فيأتُونِي ، فيقولُونَ : يا محمدُ ، أنتَ رسولُ اللهِ ، وخاتِمُ الأنبياءِ ، غفرَ اللهُ لَكَ ذنبَكَ ، ما تَقَدَّمَ مِنْهُ وما تأخَّرَ ، فاشفعْ لنا إِلَى ربِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فأقومُ ، فَآتِي تَحْتَ العرِشِ ، فَأَقَعُ ساجِدًا إِلَى رَبِّي عزَّ وجلَّ ، ثُمَّ يفتحُ اللهُ علَيَّ ويُلْهِمُني مِنْ مَحامِدِهِ وحُسْنِ الثناءِ عليهِ شيْئًا لم يَفْتَحْهُ علَى أحدٍ مِنْ قَبْلِي ، فيُقالُ : يا محمدُ ارفعْ رأسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، اشفعْ تُشَفَّعْ ، فأقولُ : يا ربِّ أُمَّتِي أُمَّتِي ( ياربِّ أُمَّتي أُمَّتي ، ياربِّ أُمَّتي أُمَّتي ) ، فيقولُ : أدخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسابَ علَيْهِ مِنْ البابِ الأيْمَنِ مِنْ أبْوابِ الجنةِ وهمْ شُرَكَاءُ الناسِ فيما سواهُ مِنَ الأبْوابِ ، ثُمَّ قالَ : والِّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَمَا بينَ مصراعَيْنِ مِنْ مصاريعِ الجنةِ كما بَيْنَ مكةَ وهَجَرٍ ، أوْ كَمَا بينَ مكةَ وبُصْرَى
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : شرح الطحاوية | الصفحة أو الرقم : 229 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (194)

 كُنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ -وكَانَتْ تُعْجِبُهُ- فَنَهَسَ منها نَهْسَةً. وَقالَ: أَنَا سَيِّدُ القَوْمِ يَومَ القِيَامَةِ، هلْ تَدْرُونَ بمَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، فيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ ويُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وتَدْنُو منهمُ الشَّمْسُ، فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلَا تَرَوْنَ إلى ما أَنْتُمْ فِيهِ إلى ما بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ إلى مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ فيَقولونَ: يا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ؟ أَلَا تَرَى ما نَحْنُ فيه وما بَلَغَنَا؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، ونَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَما تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إلى ما بَلَغَنَا؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَأْتُونِي فأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَهْ. قالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ: لا أَحْفَظُ سَائِرَهُ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3340 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (3340) واللفظ له، ومسلم (194)


في هذا الحَديثِ إثباتُ كَرامةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ربِّه سُبحانَه، وإثباتُ الشَّفاعةِ العامَّةِ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والشَّفاعةُ العامَّة هي شَفاعتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأهلِ المحشَرِ جَميعًا أنْ يَبدَأَ الحِسابُ، فيَرْوي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَعوةٍ وضِيافةٍ على طَعامٍ، فقَدَّمَ الدَّاعون إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذِراعَ الشَّاة، وهي اليدُ الأماميَّةُ مِن الذَّبيحةِ مع الكتِفِ، وكانتْ تُعجِبُه؛ لنُضْجِها وسُرعةِ استِمرائِها، مع زِيادةِ لذَّتِها وحَلاوةِ مَذاقِها، وبُعدِها عن مَواضعِ الأذَى، فنهَسَ منها نَهْسةً، أي: قَطَع منها بأسنانِه، ثمَّ قال: أنا سيِّدُ القومِ يومَ القِيامةِ، والسيِّدُ هو الَّذي يفوقُ قومَه ويُفْزَعُ إليه في الشَّدائدِ، وخَصَّ يومَ القِيامةِ بالذِّكرِ لارتفاعِ سُؤدُدِه وتسليمِ جَميعِ الخَلْقِ له، ولكونِ آدَمَ عليه السَّلامُ وجميعِ ولَدِه تحتَ لِوائِه، وهذا لا يُنافِي السِّيادةَ في الدُّنيا؛ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيِّدُ ولَدِ آدمَ في الدُّنيا والآخِرةِ.
ويُعلِّلُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك بما يَحدُثُ يومَ القيامةِ؛ فإنَّ النَّاسَ يُجمَعون في صَعيدٍ واحدٍ -أي: أرضٍ واحدةٍ- بحيث إنَّ النَّاظرَ يَراهُم ببَصَرِه؛ لأنَّ الأرضَ تكونُ مُستويةً يومئذٍ، ولا حُجُبَ تَمنَعُ الرُّؤيةَ، ويُسمِعُهم الدَّاعي، فإذا صَرَخَ فيهم صارخٌ سَمِعوه جَميعًا، وتَقترِبُ يومئذٍ الشَّمسُ مِن الرُّؤوسِ، فيَشتدُّ الموقفُ والهولُ على أهلِ المحشَرِ، ويَسأَلُ بَعضُهم بَعضًا عمَّن يَشفَعُ لهم عندَ اللهِ تعالَى ليَبدَأَ الحِسابُ، فيَقول بعضُهم: اذهَبوا لآدمَ، فيَأتونَه ويَقولون له: أنتَ أبو البشَرِ، خلَقَك اللهُ بيَدِه، ونفَخ فيك مِن رُوحِه، وإضافةُ النَّفخِ إلى رُوحِ اللهِ لتَشريفِه، وأمَرَ الملائكةَ فسَجَدوا لك، ويَطلُبون منه الشَّفاعةَ عندَ اللهِ، فيَقولُ آدمُ: إنَّ ربِّي غَضِب اليومَ غضَبًا لم يَغضَبْ قَبْلَه مِثلَه، ولا يَغضبُ بعْدَه مِثلَه، وذلك ممَّا يَظهَرُ مِن انتقامِه سُبحانَه ممَّن عَصاهُ، وممَّا يُشاهِدُه أهْلُ الجمْعِ مِن الأهوالِ التي لم تكُنْ ولا يكونُ مِثلُها، ثمَّ يَذكُرُ لهم آدَمُ ذَنْبَه، وأنَّه أكَلَ مِن الشَّجرةِ الَّتي نهاهُ اللهُ عنها، ويَنصَحُهم بالذَّهابِ إلى نُوحٍ عليه السَّلامُ، فيَذهَبون لنُوحٍ عليه السَّلامُ، ويقولونَ له: يا نوحُ، أنتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى أهلِ الأرضِ، ويَذكُرُ النَّاسُ لنُوحٍ عليه السَّلامُ بعْضَ مَناقبِه وأنَّ اللهَ سمَّاهُ عبْدًا شَكورًا، ويَطلُبون منه الشَّفاعةَ، فيَقولُ لهم مِثلَ ما قال آدمُ عليه السَّلامُ، ويَنصَحُهم بالذَّهابِ إلى نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قيل: إنَّ نِسبةَ: «ائتُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» إلى نُوحٍ عليه السَّلامُ وهَمٌ، كما ذكَرَ محمَّدُ بنُ عُبيدٍ -أحدُ رُواةِ الحديثِ- في نِهايةِ الرِّوايةِ أنَّه لا يَحفَظُ باقيَ الحديثِ، وإنَّما دلَّهم على إبراهيمَ، وإبراهيمُ دلَّهُم على مُوسى، ومُوسى دلَّهم على عِيسى، وعِيسى دلَّهُم على النَّبيِّ محمَّدٍ عليهم جميعًا الصَّلاةُ والسَّلامُ، كما بيَّنَت الرِّواياتُ والأحاديثُ في الصَّحيحَينِ.
فيَأتون نَبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَطلُبون منه الشَّفاعةَ، فيَذهَبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَسجُدُ تحْتَ عَرْشِ الرَّحمنِ، ومِن فضْلِ اللهِ عليه في الآخرةِ أيضًا: أنَّه يُلْهِمُه ويُلْقِي في نفْسِه المحامِدَ الَّتي يُحِبُّها مِن عِبادِه، فتكونُ قُربةً إليه سُبحانَه، ثمَّ يُنادي عليه المولَى تَبارَك وتعالَى: يا محمَّدُ، ارفَعْ رأسَك مِن السُّجودِ، واشفَعْ تُشفَّعْ، أي: اطلُبِ الشَّفاعةَ لمَن شِئْتَ؛ فإنَّ شَفاعتَك مَقبولةٌ فيهم، وسَلْ تُعْطَهْ، أي: اطلُبْ ما شِئْتَ؛ فإنَّه مُجابٌ لك ما تُريدُه، فيَقبَلُ اللهُ شَفاعةَ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: شِدَّةُ هَولِ الموقِفِ يومَ القِيامةِ.
وفيه: إثباتُ صِفةِ الغَضبِ للهِ عزَّ وجلَّ، وهي علَى ما يَليقُ به سُبحانَه.
وفيه: إثباتُ عَرْشِ الرَّحمنِ الَّذي استوَى عليه جَلَّ جلالُه استواءً يَليقُ بجَلالِه، وهو أعْلَى المَخلوقاتِ وأكبرُها وأعظَمُها.