- عن أبي بكرٍ أنَّهُ قال : اغسِلوا ثوبيَّ هذينَ وكفِّنوني فيهِما ، وفيهِ فقالتْ عائشةُ : ألا نشتَري لكَ جديدًا ؟ قال : لا ، إنَّ الحيَّ أحوجُ إلى الجديدِ مِنَ الميِّتِ
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الدراية
الصفحة أو الرقم: 1/231 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
التخريج : أخرجه مالك في ((الموطأ)) (1/224)، وأحمد في ((الزهد)) (563)، وابن حبان (3036) باختلاف يسير.
"ثُمَّ قال: في كمْ كُفِّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟" ولعلَّ أبا بَكرٍ ذَكَرَ لها ذلك بصيغةِ الاستِفْهامِ تَوطئةً لها للصَّبرِ على فَقْدِه، ومِثلُه رضِيَ اللهُ عنه لا يَخفى عليه أمْرُ كَفَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأقرَبُ ما يكونُ في سُؤالِه أنَّه استِنْكاريٌّ لأُمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها التي رآها حَزينةً على مَرَضِه، وقُربِ أجَلِه، فأرادَ مُواساتَها بأنْ يُذكِّرَها بمُصيبةِ وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيَومِ وَفاتِه؛ فسَأَلَها لكي يُعيدَها بالذاكرةِ إلى مُصيبةِ فِقدانِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُهوِّنَ عليها مُصيبةَ فِقدانِ أبيها، فهذا مِن حِكْمةِ الصِّدِّيقِ وفِطنَتِه، "فقُلتُ: في ثلاثةِ أثوابٍ، فقال: كَفِّنوني في ثَوبَيَّ هَذَينِ"، أي: في الثَّوبَينِ اللَّذين يَلبَسُهما في مَرَضِه، ولعلَّه اخْتارَهما؛ لأنَّه كان يُصلِّي فيهما، كما روى ابنُ سعدٍ، عن القاسمِ بنِ مُحمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ، أنَّه قال: "كَفِّنوني في ثَوبَيَّ اللَّذين كُنتُ أُصلِّي فيهما"، "واشْتَرُوا إليهما ثَوبًا جَديدًا"؛ ليَكونوا ثلاثةَ أثوابٍ يُكفَّنُ فيها مِثلَ كَفَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي رِوايةِ البُخاريِّ: "فنَظَرَ إلى ثَوبٍ عليه كان يُمرَّضُ فيه، به رَدْعٌ مِن زَعفَرانٍ، فقال: اغْسِلوا ثَوبِي هذا، وزِيدوا عليه ثَوبَينِ فكَفِّنوني فيها"، ثُمَّ علَّلَ طَلَبَه فقال: "فإنَّ الحَيَّ أحوَجُ إلى الجَديدِ من الميِّتِ؛ وإنَّما هي للمِهْنةِ -أو لِلمُهْلةِ-"، أي: الحَيُّ مِن بَعدِه أكثَرُ حاجةً للثِّيابِ الجَديدةِ، أمَّا هو فسيَكونُ ميِّتًا، فكَفَنُه سيَبْلى ويُمرَّغُ في التُّرابِ وبقايا الجَسَدِ الميِّتِ مِن الصَّديدِ والدَّمِ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ التَّكفينِ في الثِّيابِ، وتَثْليثِ الكَفَنِ.
وفيه: طَلَبُ المُوافَقةِ فيما وَقَعَ للأكابِرِ.
وفيه: إيثارُ الحَيِّ بالجَديدِ.
وفيه: بَيانُ ثَباتِ أبي بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه عندَ المَوتِ ويَقينِه باللهِ.
وفيه: أخْذُ المَرءِ العِلمَ عمَّن دُونَه .