الموسوعة الحديثية


- أنَّ لقيطًا وفد إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ومعه صاحبٌ له يقال له نَهيكُ بن عاصِمِ بن مالكِ بن المنتَفِقِ قال لقيطٌ فخرَجتُ أنا وصاحِبي حتَّى قدِمنا على رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حينَ انصرفَ من صلاةِ الغداةِ فقام في النَّاسِ خطيبًا فقال : أيُّها النَّاسُ ألا إني قد خَبوتُ لكم صوتي منذُ أربعةِ أيَّامٍ لأُسمِعَكُم ، ألا فهل من امرئٍ بعثهُ قومُهُ فقالوا لهُ : اعلَم لنا ما يقولُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ؟ ألا ثمَّ لعلَّهُ أن يلهِيَهُ حديثُ نفسِهِ أو حديثُ صاحبِهِ ، أو يلهيه الضَّلالُ ، ألا [إنِّي] مسئولٌ هل بلَّغتَ ، ألا اسمعوا تَعيشوا ، ألا اجلِسوا ألا اجلِسوا ، قال فجلَس النَّاسُ وقمتُ أنا وصاحِبي ، حتَّى إذا فرَّغَ لنا فؤادَهُ وبصرَهُ قلنا يا رسولَ اللهِ ، ما عندكَ من عِلمِ الغيبِ ؟ فضحِكَ لعمرُ اللهِ وهزَّ رأسَهُ وعلِمَ أني أبتغي سَقطةً ، فقال : ضنَّ ربُّكَ بمفاتيحِ خمسٍ من الغيبِ لا يعلَمُها إلا اللهُ تعالى ، وأشار بيدِه قلتُ : وما هنَّ ؟ قال : عِلم المنيَّةِ ، قد علم متى منيَّةُ أحدِكم ولا تعلمونَهُ ، وعِلمُ ما في الغَدِ ما أنتَ طاعمٌ غدًا ولا تعلَمُهُ ، وعِلم يومِ الغيثِ يشرِفُ عليكم أزلينَ مشفِقينَ فيظلُّ يضحَكُ ، قد علم أنَّ غوثَكم إلى قريبٍ ، قال لقيطٌ : لن نُعدَمَ من ربٍّ يضحَكُ خيرًا ، وعِلمُ يومِ السَّاعةِ ، قال قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ، علِّمنا مِمَّا تُعلِّمُ النَّاسَ ومما تعلَمُ ، فإنَّا في قبيلٍ لا يصدِّقُ تصديقَنا أحدٌ من مَذحِجٍ الَّتي تَربو علَينا وخَثعَمَ الَّتي توالينا وعشيرتِنا الَّتي نحنُ منها : قال ( تلبَثونَ ما لبِثتُم ثمَّ يُتوَفَّى نبيُّكم صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ثمَّ تلبَثونَ ما لبِثتُم ثُمَّ تُبعَثُ الصائحَةُ ، فلَعمرُ إلهكَ ما تدعُ على ظهرِها شيئًا إلا ماتَ ، والملائكةُ الَّذين مع ربِّكَ عزَّ وجلَّ ، فأصبح ربُّكَ عزَّ وجلَّ يطوفُ في الأرضِ ، وخلَت عليهِ البلادُ ، فأرسلَ ربُّكَ السماءَ بهَضْبٍ من عندِ العرشِ ، ولعَمرُ إلهِكَ لا تدَعُ على ظهرِها مصرعَ قتيلٍ ولا مدفَنَ ميِّتٍ إلا شقَّت القبرَ عنهُ حتِّى تُخلِّفَهُ من عندِ رأسِهِ فيستوي جالسًا ، فيقولُ ربُّكَ مهيَم لما كان فيهِ يقولُ يا ربِّ أمسِ اليومَ ولعهدِهِ بالحياةِ يحسَبُهُ حديثًا بأهلِهِ ) فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ ، كيف يجمعُنا بعد ما تُمزِّقُنا الرِّياحُ والبِلى والسِّباعُ ؟ قال أنبئُكَ بمثلِ ذلكَ في آلاءِ الأرضِ أشرفت عليها وهي في مَدَرةٍ باليةٍ ، فقلت لا تَحيا أبدًا ، ثمَّ أرسلَ ربكَ عليهَا السَّماءَ فلم تلبَث عنكَ حتَّى أشرفتَ عليها وهي مشرَبَةٌ واحدةٌ ولعَمرُ إلهِكَ لهو أقدَرُ على أن يجمعَكُم من الماءِ علَى أن يجمَعَ نباتَ الأرضِ فتخرجونَ من الأَصواءِ ومن مصارعِكُم فتنظرونَ إليهِ وينظرُ إليكُم . قلتُ يا رسولَ اللَّهِ : ونحنُ ملؤُ الأرضِ وهو شَخصٌ واحدٌ ينظرُ إلينا وننظُرُ إليهِ ؟ قال : أنبئُّكَ بمثلِ ذلك في آلاءِ اللهِ ، الشَّمسُ والقمرُ آيةٌ منه صغيرةٌ ترونَهما ويريانِكم في ساعةٍ واحدةٍ لا تُضارونَ في رؤيتِهِما ، ولعمرُ إلهكَ لهو أقدَرُ على أن يراكُم وترَونه منهُما ، على أن ترونَهما ويريانِكم لا تضارونَ في رؤيتِهما ، قلتُ يا رسولَ اللهِ فما يفعلُ بنا ربُّنا إذا لقيناهُ ؟ قال : تُعرَضون عليه باديةً له صفَحاتُكُم لا تَخفى عليه منكُم خافيَةٌ ، فيأخذُ عزَّ وجلَّ بيدِهِ غَرفةً من الماءِ فينضَحُ بها قِبَلَكُم ، فلعمرُ إلهِكَ ما يخطئ وجهَ أحدٍ منكُم منها قطرةٌ ، فأما المسلِمُ فتدَعُ وجهَه مثل الرَّبطةِ البيضاءِ ، وأما الكافرُ فتخطِمهُ بمثلِ الحميمِ الأسوَدِ ، ألا ثمَّ ينصرِفُ نبيُّكم صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ويُفرَّقُ على أثرِهِ الصَّالحونَ فيسلُكون جسرًا من النَّارِ ، فيطَأُ أحدُكُم الجمرَ ، ويقول حِسْ ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : أوَ أنَّهُ فتطلُعونَ على حوضِ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على ظمأٍ واللهِ ناهلةٌ قطُّ رأيتَها ، ولعمرُ إلهكَ ما يبسطُ واحدٌ منكُم يدَهُ إلا وقع عليها قدَحٌ يطهِّرُهُ من الطَّوفِ والبَولِ والأذَى ، وتُحبَسُ الشَّمسُ والقمرُ فلا ترونَ واحدًا منهما ، قال قُلت : يا رسولَ اللهِ فبمَ نُبصرُ ؟ قال بمثلِ بصرِكَ ساعتَكَ هذهِ ، وذلك مع طلوعِ الشَّمسِ في يوم أشرَقَتِ الأرضُ ثم واجهَتهُ الجبالُ ، قال قلتُ يا رسولَ اللَّهِ : فبم نجزى من سيئاتِنا ؟ قال الحسنَةُ بعشرِ أمثالِها ، والسيئةُ بمثلِها إلا أن يغفرَ ، قال قلتُ يا رسولَ اللَّهِ ، إمَّا الجنَّةُ وإمَّا النَّارُ قال : لعَمرُ إلهكَ وإنَّ للنَّارِ سبعةَ أبوابٍ ، ما منها بابانِ إلا يسيرُ الرَّاكبُ بينهُما مسيرةَ سبعينَ عامًا ، قلتُ يا رسولَ اللَّهِ ، فعلى ما نطَّلِعُ من الجنَّةِ ؟ قال على أنهارٍ من عسَلٍ مُصفَّى وأنهارٍ من كأسٍ ما بها من صُداعٍ ولا ندامةٍ ، وأنهارٍ من لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُهُ ، وماءٍ غيرِ آسنٍ ، وفاكهةٍ كثيرةٍ ، لعَمرُ إلهكَ مما تعلَمونَ وخيرٌ من مثلِه معه وأزواجٌ مُطهَّرةٌ ، قلتُ يا رسولَ اللهِ ولنا فيها أزواجٌ مُصلَحاتٌ ؟ قال : الصَّالحاتُ للصَّالحينَ تلذُّونَهنَّ مثل لذَّاتِكم في الدُّنيا ويلذُّونكُم غير أن لا توالُدَ ، قال لقيطٌ : قلتُ أقصى ما نحن بالغونَ ومنتهونَ إليهِ ، قلتُ يا رسولَ اللهِ على ما نبايعُكَ ؟ قال فبسطَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يدَهُ وقال : على إقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وزِيالِ الشِّركِ وأن لا تشرِكَ باللهِ إلى غيرِهِ ، قال قلتُ وإنَّ لنا ما بينَ المشرِقِ والمغرِبِ ، فقبضَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يدَهُ وبسطَ أصابعه وظنَّ أني مشترِطٌ ما لا يُعطينيهِ ، قال قلتُ : نحِلُّ منها حيث شِئنا ولا يجنى امرؤٌ إلا نفسَهُ ؟ فبسطَ يدَهُ وقال : ذلك لكَ تحلُّ حيثُ شئتَ ولا يجنى إليك إلا نفسُكَ ، فانصرَفنا وقال : ها إنَّ ذينِ ها إنَّ ذينِ ، لعَمرُ إلهِكَ إن حدَثَت ، ألا أنَّهم إن أتقَى النَّاسِ في الأولى والآخرَةِ ، فقال له كعبُ بن الحدادِيَّةَ أحد بني بَكرِ بن كلابٍ : من هًُم يا رسولَ اللهِ ، قال : بنو المنتفِقِ أهلُ ذلكَ ، قال : فانصرَفنا وأقبلتُ عليه فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، هل لأحدٍ مِمَّا مضى من خير في جاهليَّتِهم ، قال فقال رجُلٌ من عُرضِ قريشٍ : واللهِ إنَّ أباكَ المنتفِقَ لفي النَّارِ ، فلكأنَّهُ وقَع حرٌّ بين جِلدي وجْهي مما قالَ لأبي على رءوسِ النَّاسِ ، فهمَمتُ أن أقولَ : وأبوكَ يا رسولَ اللهِ ؟ فإذا الأُخرى أجملُ ، فقُلتُ وأهلَكَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قال : وأَهلي لعمرُ اللَّهِ ما أتيتَ عليه من قبرٍ عامريٍّ أو قُرَشيٍّ من مشركٍ قُل أرسلَني إليكَ محمَّدٌ يبشرُّكَ بما يسوءكَ تُجرُّ على وجهكَ وبطنكَ في النارِ ، قال قلتُ يا رسولَ اللَّهِ : ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمَلٍ لا يحسِنونَ إلَّا إيَّاهُ ، وكانوا يحسبونَهم مصلحينَ ، قال ذلك بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ بعث في آخر سبعِ أممٍ نبيًّا ، فمن عصَى نبيَّهُ كان من الضَّالينَ ، ومن أطاعَ نبيَّهُ كان من المهتدينَ
الراوي : لقيط بن صبرة | المحدث : ابن القيم | المصدر : مختصر الصواعق المرسلة
الصفحة أو الرقم : 459 | خلاصة حكم المحدث : مشهور