قراءة وتعريف

ينبوع الغواية الفكرية
book
عبد الله بن صالح العجيري
عنوان الكتاب: ينبوع الغواية الفكرية (غلبة المزاج الليبرالي.. وأثره في تشكيل الفكر والتصورات)
النـاشــر: مركز البحث والدراسات - مجلة البيان – الرياض
الطبعة: الأولى
سـنة الطبع: 1434هـ
عدد الصفحات: 620 صفحة

التعريف بموضوع الكتاب :

كتاب هذا الأسبوع هو دراسةٌ عميقة ومفصَّلة، وناقدة وراصِدة، لطوفان الانحرافات الفكريَّة ومحرِّكات هذا الطوفان الذي اجتاح العالم الإسلامي في العقد الأخير من هذا القرن، والذي كان سببًا في إحداث شروخ عميقة في وعي أجيال اليوم، وفي بنيتهم المعرفيَّة. وأيضًا عُني مؤلِّف هذا الكتاب بالردِّ على الحملة العالميَّة على الفِكر الإسلاميِّ المحافظ عمومًا، وعلى الفِكر السَّلفيِّ خصوصًا. وعُني كذلك بالردِّ على حملات التَّشكيك التي تفرِّغ المنهج السلفيَّ من أصوله وقواعده، بشُبه متهافتة، ودعاوى باطلة. كذلك اهتمَّ المؤلِّف ببيان أهمِّ معالم منهج السَّلف الصالح: النقليَّة، والعقليَّة، والضوابط السُّلوكيَّة، التي ترجع في معظمها إلى تحديد مصادر التلقِّي، وبيان طرائق الاستدلال.

وقد سلك المؤلِّف في هذا الكتاب مسلكًا جديدًا في معالجة ظاهرة (الغواية الفكريَّة) هذه؛ إذ تجاوز المؤلِّف التشكُّلات البارزة للظاهرة، وغاص إلى الينبوع الذي تتدفَّق منه هذه التشكُّلات، مُسلِّطًا الأضواء البحثية عليه؛ دراسةً ونقدًا ورصدًا.

وقد تألَّف الكتاب من: تمهيد، وأربع نقاط أساسيَّة تحت كل نقطة منها نقاط فرعيَّة، وخاتمة؛ فأمَّا التمهيد: فبيَّن فيه  أنَّ الخلل في الأفكار الليبراليَّة ناشئٌ عن الإخلال بأصل التَّسليم، وأنَّ هذا الإخلال متفاوت على درجات، ثم تحدَّث فيه عن محرِّكات الأفكار، وعن الوحي وحديث المكاشفة، ذاكرًا بعضَ عوامل انحراف الفِكر وأسبابه، كالعصبيَّات وردِّ الحقِّ، وسلطة الأقران في تشكيل الفِكر، والكِبر، والحَسَد، والحِرص على الجاه والمال. كما ألمح أنَّه في لحظات المكاشفة تتجلَّى الحقائق، وذكر كلامًا نفيسًا للإمام ابن القيِّم يلخِّص فيه أسباب الإعراض عن الحقِّ، وكلامًا للعلَّامة المعلِّمي الذي لقَّبه بـ(ذهبي العصر)، يكشف فيه حقائق النُّفوس، ثم تحدَّث عن أهميَّة التعرُّف إلى طبائع محرِّكات الفِكرة، وخطورة الغَفلة عنها، ممثِّلًا بإنكار حدِّ الرِّدَّة مع توضيح المحرِّكات الفكريَّة وراء إنكاره، ومناقشتها.

 وأمَّا النُّقطة الأولى: فكانت عن أساسيات ومرتكزات التَّسليم للنصِّ الشرعي،  وتحدَّث المؤلِّف تحت هذه النقطة عن أنَّ البيان من الله تعالى، وأمَّا البشر فالواجب عليهم هو التَّسليم والإذعان، ثم تحدَّث عن حقيقة التَّسليم، وأنَّه يعني (بذل الرِّضا بالحُكم)، وأكَّد على أنَّ مرتبة الصَّديقيَّة هي ثمرة من ثمرات التَّسليم، كما ذكر أنَّ التسليم هو موقف عقلانيٌّ،  نافيًا وَهمَ البعض بأنَّ التَّسليم تأسيس لـ(اللاعقلانيَّة)، خاتمًا هذه النُّقطة بالحديث عن التَّسليم بين التَّرغيب والتَّرهيب، ذاكرًا النُّصوصَ التي امتدح الله تعالى عباده فيه بالتَّسليم له، كقوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]، والنُّصوصَ التي حذَّر منها سبحانه من ترْك واجب التسليم له، كقوله سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

والنُّقطة الثانية: خصَّها للحديث عن مغذيات التَّسليم للنصِّ الشرعيِّ، فذكَر أنَّ ثمَّة جِهاتٍ عديدةً تُغذي مقام التَّسليم في النَّفس المؤمنة؛ من ذلك: معرفة الله تبارك وتعالى؛ فالتسليم ثمرة من ثمرات معرفة الحقِّ سبحانه، ثم نوَّه بتعظيم السَّلف الصَّالح للوحي، موضِّحًا موقفهم ممَّن عارضه. كما ذكر أنَّ الاستعلاء الإيمانيَّ سبيلٌ من سبل تقوية عبوديَّة التَّسليم، وأنَّ تطلُّب الثَّبات بمنزلة الضَّمان لاستمراريَّة التَّسليم.

ثم تأتي النُّقطة الثالثة ليتحدَّث فيها المؤلِّف عن أنَّ حياة الصَّحابة أنموذج عمليٌّ لمبدأ التسليم ، فذكر أهميَّة التربية على مبدأ التَّسليم. ممثِّلًا على ذلك بثلاث حوادث مِفصليَّة، وذات أثر كبير في التربيَّة على مبدأ التَّسليم، وهي: حادثة الإسراء والمعراج، وحادثة تحويل القِبلة، وحادثة صُلح الحُديبيَة، كما ذكَر مواقف تربويَّة، وأمثلة ونماذج لتفعيل التَّسليم، كما تحدَّث عن مبادرة الصَّحابة رضوان الله عليهم جميعًا إلى التَّسليم لأمر الله ونهيه؛ بسرعة الإتيان بالمأمور، وسرعة ترْك المحظور، وعن مبادرتهم للتسليم لخبر الشَّرْع بالتَّصديق والإيمان.

ثمَّ تأتي كُبرى نِقاط الكتاب، والتي استغرقت حوالي ثُلثَي الكتاب، وهي النُّقطة الرَّابعة والأخيرة، والتي يتحدَّث فيها المؤلِّف عن مزالق هدْر النُّصوص. وفي هذه النُّقطة ذَكَر ثمانية مزالِق، مبتدِئًا بذكر المزلَق، ثم يذكر أوجه مناقشة ذلك المزلَق في صورة نقاط، أو أسئلة؛ لدفْع هذه المزالق، ثم يردُّ على الدَّعاوى، ويفنِّد الشبه؛ وهذه المزالق باخصتار كالتالي:

المزلَق الأوَّل: مشكلة القراءة، ويعني بها: قِراءة الفَصيل اللِّيبرالي للنُّصوص بغير تسليم، وقد ناقشه من أوجه كثيرة؛ منها: الفرق بين الوحي المقدَّس والفَهم غير المقدَّس، ومنها الحديث عن الوحي بين الإحكام والتشابه، ومن يملك حق التفسير، وضبط منهجية الفَهم، ثم الانتقال من مشكلة التأويل إلى إعادة القِراءة.

المزلَق الثاني: مشكلة الخلاف، وقد بيَّنه كذلك وناقشه في عدَّة نقاط؛ مثل: الاختلاف سُنَّة ربانية، موضِّحًا أن منشأ المشكلة هو الغفلةُ عن رُتب المسائل، ثم تحدَّث عن تفاوت رُتب المسائل، وضرورة التَّسليم، وعن مصادر الاختلاف العِلمي بين الاستنباط والتنزيل، وعن خطورة توليد الأقوال، وخطأ الاحتجاج بالخلاف للترخُّص.

المزلَق الثالث: هو مشكلة المقاصد، وجاءت مناقشته - بعد بيانه - في عِدَّة نقاط؛ مثل: توضيح مشكلة الخطاب الحَداثيِّ المقاصديِّ،  وتبيين حقيقة الاجتهادات العُمرية بين الخطاب العلماني الليبرالي، وبين الخطاب المحافِظ، مع عقد مقارنة بين نجم الدين الطُّوفي والشَّاطبيِّ في ميزان الشَّريعة والحداثة.

المزلَق الرابع: وكان عن مشكلة تغيُّر الفتوى والأحكام بتغير الزمان، وناقشه متحدِّثًا عن الشَّريعة بين الثبات والشُّمول، ومحرِّرا القول في قاعدة (تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان)، ثم تحدَّث عن فقه الشافعي بين القديم والجديد.

المزلَق الخامس: وهو عن مشكلة العقل، وناقشه مقدِّمًا بمقدِّمات حول العقل، ومبينًا منزلة العقل في الخطاب الشرعي، ومجالات العمل العقلي، وكذا العقل بين الوحدة والاختلاف مع فض الاشتباك بين  مسألة التعارض بين العقل والنقل، وختم مناقشته لهذا المزلق بذكر طُرَف من مآلات المعارضة العقليَّة تدلُّ على حيرة المشتغلين بالتفتيش والتنقيب عن مذاهب النَّاس في المعقولات، وتؤكِّد على شرف الوحي، وفضل من يتلقى أنواره.

المزلَق السادس: مشكلة السُّنة غير التشريعيَّة. فوضح هذا المزلق وناقشه مبيِّنًا الأصل فيما نقل عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذِكر تفاصيل في طبيعة التصرُّفات النبوية، موضِّحًا إشكالية السُّنة التشريعيَّة وغير التشريعيَّة، مع إلقاء الضوء على حديث ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) وفهمه على الوجه الصحيح، ثم تحدَّث عن الدكتور سعد الدين العثماني، وكتابه ((الدين والسياسة تمييز لا فصل)) وما عليه من ملاحظات، كأنموذج تطبيقيٍّ في شأن الخلل في فهم السُّنة السياسيَّة.

المزلَق السابع: مشكلة السؤال والاستشكال. وقد بين هذا المزلق وناقشه شارحًا طبيعة استشكالات الصحابة، ومؤكِّدًا على أهمية مراعاة بواعث الاستشكال.

المزلق الثامن والأخير : وهو مشكلة تزكية النَّفس، التي يُتَّهم بها أتباع المنهج السَّلفي، وقد اختصر فيه الكلام محيلًا على ذكره في الكتاب في المزلق الأوَّل. 

ثم خاتمة الكتاب فذكر فيها المؤلِّف خُلاصة الكتاب، وأنَّه إشارات وإلماحات مهمَّة متَّصلة بمقام عظيم من مقامات الدِّين (مقام التَّسليم)، مؤكِّدًا أنَّ هذا المنهج هو صمام الأمان من الانزلاق في مهاوي الانحراف بتشكُّلاته وتدرُّجاته وتنوُّعاته، وأنَّه يجب أن تكون معالمه أساسًا تقوم عليه التربية العلميَّة الإيمانيَّة الشرعيَّة، وأنَّه متى ما تحقَّق هذا في الواقع على النَّحو المطلوب؛ فإنَّه ولا بدَّ سيعقبه عزَّة ونهضة وحضارة لأمَّتنا، مثلما حدَث مع العرب الذين كانوا في ضلال مبين، وجهل عظيم، وذُلٍّ وفقر، وتفرُّق وتشرذُم، وضَعْف وعَوَز، وتقاتُل وتناحُر، فآلتْ حالهم  - بعد إسلامهم، واستمساكهم بتفاصيل الشَّريعة، وانقيادهم وخضوعهم وتسليمهم لمعطياتها - إلى العلم والهدى، والعزَّة والغِنى، والألفة، والقوَّة، والحضارة، والسِّيادة والرِّيادة للعالم أجمع. مشيرًا إلى أنَّ لحظة العِزَّة هذه تتكرَّر، وأنَّها كائنةٌ إن شاء الله تعالى ومتحقِّقة للأمَّة؛ فقط إذا حقَّقت شروطها، وما ذلك على الله بعزيز.

والكتاب جيد وننصح بقراءته.