موسوعة اللغة العربية

المطلَبُ الثَّالِثُ: من أعلامِ الشِّعرِ النَّبَطيِّ


من أبرَزِ شُعَراءِ هذا اللَّونِ الشِّعريِّ:
1- نَمر العدوان
هو نمرُ بنُ قبلانَ العدوان، المتوفَّى سَنةَ 1238ه / 1823م، من مِنطَقةِ البلقاءِ بالأردُنِّ، تُوفِّيَ أبوه حينما كان هو حَملًا في بطنِ أمِّه، ولمَّا وُلِد نمر أسموه أوَّلًا عبدَ العزيزِ، ولمَّا ترعرَع ظهرت عليه بوادِرُ النَّجابةِ والذَّكاءِ، ولمَّا أراد رجالُ العشيرةِ أن يختبروا أطفالَهم في لُعبةِ المباطَحةِ كان نَمرٌ ضِمنَ أولئك الأطفالِ، وفاز عليهم جميعًا، فتحزَّبوا ضدَّه في أحدِ الأيَّامِ وهاجموه، فصدَّهم جميعًا وجرَح بعضَهم.
تعلَّم نَمر في الأزهَرِ، ومكث هناك خمسَ سَنواتٍ أو ستًّا، ثمَّ عاد إلى بلَدِه، ولم ينقَطِعْ عن المطالَعةِ وقراءةِ الأدَبِ والشِّعرِ.
وكان نمرٌ فارسًا شُجاعًا وقنَّاصًا ماهرًا، وظلَّ زعيمًا للبَلقاءِ نحوَ عِشرينَ سَنةً بلا منازعٍ، إلى أن تنازَل عن الزَّعامةِ مُختارًا لابنِ عمِّه حمُّود بن صالحٍ العدوان، الذي كان قلبُه مملوءًا غَيرةً من نَمر [920] ينظر: ((نمر العدوان.. حياته وشعره)) لروكس بن زايد العزيزي (ص29- 34). .
شِعرُه:
قال نَمِرٌ يردُّ على تعزيةٍ جاءته من صديقٍ له اسمُه يوسُف أبو نصير [921] القصيدة في المصدر السابق (ص218- 220). :
ريض لي يا ناصيا امن الغرب ديره
خذلي جواب اكتاب يوسف امدزيه
سلامًا فاحت به اموك كثيره
باللمس فاح العنبري من مثانيه
سلام غايب منتحي له ابديره
مشتاق ع غفله كنت املاقيه
يشكي لنا فرقة فتاة غريره
من كي خبا للهم والبين واليه
ع حيرتي ما مثلها عاد حيره
يا بلوتي أيوب هو ما ابتلي بيه
جسمي نحل والعين مني بصيره
قلبي عليل إو لا لقي من يداويه
يا عم افهم علمنا ما اهنا غيره
إياك من هرج تقوله إو تطريه
ما لي غير سكب الدموع الغزيره
يا لوعتي بالقلب كل ما افتكر بيه
ما بَينَ هوج اموج تسمع صريره
عي القلم يكتب إو جهدي أداريه
كل ما رقيت امشمرخه مستديره
وش ما غشيت امراح يا عم أنا أبكيه
أنا اليوم ضايع لي فتاة غريره
لا بالمشارق إو لا بالمغارب اتلاقيه، تلاقيه
لا هي نغواشه إو لا هي قصيره
إو لا هي رقيقة بَينَ ارقاق المشانيه
ريحة عرقها فاح مسك أو عبيره
ذوب العسل السكري بَينَ اشافيه
حبي غدا بَينَ الجوانح خيره
طول الزمان ابسيرة الموت نطريه
يا الله دينا يتبع الدين جيره
أو حياة من هو خلقنا نرجيه، نرضيه
اللي يجي يا ناس لي بشيره
جميع ما ملكت يميني أنا انطيه
من لامني لا كثر الله خيره
الله يقطع من مراده مراشيه
وكان نَمِر يَلقَى الشَّماتةَ والحِقدَ والحَسَدَ من الأعداءِ مُنذُ صِغَرِ سنِّه، ولم يفارِقْه ذلك بَعدَ أن كَبِر وتزوَّج وكَبِر أولادُه، وهذا واضِحٌ في شِعرِه، قال يخاطِبُ ابنًا له يُدعَى عُقابًا، ذاكِرًا ما يلقى من بعضِ الشَّامِتينَ [922]المصدر السابق (ص220- 223). :
البارحه يا عقاب هود امن الليل
الكل يا أوليدي يلذذ في منامه
الناس يلهو باهروج إو تعاليل
وانا اتسلى باهروج إو ملامه
واهول عيني من اهوال التهاويل
يا ويل قلبي من هواتف احلامه
كل ما بدا ضحضاح فجر بدا ليل
أنحب نحيب الطفل حزه افطامه
يا اعقاب والله لو ان النوح يبري تعاليل
لا بدي سقيمًا ناحلات اعظامه
لا صيح براس الشفا يا هلا الخيل
واغز قيدي فوق رمحي علامه
لن قلت ريدن راح واصيح بالحيل
يزفونني يا مهجتي بالملامه
ما هم سوى يا اعقاب كل الرجاجيل
بيهم أنسوينن ما يقهقر كلامه
الناس بهم عقال إو بيهم مهابيل
بيهم عدو لي إو بيهم غرامه
والله لولا الخوف إمن القال والقيل
لا سيب الدنيا واسيب أقدامه
وافعل فعايل ما فعلهن مجانين
يشدن فعايل عم مفلح سلامه
يا رب بتسبيح نورك وتهاليل
بحق من ظللت عليه الغمامه
إينور النهار مع دجى ظلمة الليل
بحق موجات البحر بالتطامه
بالعرش بالكرسي تامر سرافيل
عجّل لنا يا خالقي بالقيامه
تكتب مشاهد نور عيني إو تهليل
بجنة الفردوس دار الكرامه
من لامني يبلى بفقر إو بالويل
يجيه سلطان الموت إو هو في منامه
ما يمهله لما يطارد مع الخيل
ميتة خسيس نذل ما له كرامه
2- إبراهيمُ بنُ جعيثن
هو إبراهيمُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ جعيثن، وُلِد سنة (1260ه - 1844م)، وهو من شُعَراءِ نَجدٍ البارِزينَ وأُدَبائِها الممتازينَ، برَع في شعرِه في تصويرِ خُلقِ المرأةِ وطبائعِها، كما عالج أحوالَ زمَنِه الاجتماعيَّةَ، وهو من المُكثرينَ في الشِّعرِ، وله ابتكاراتٌ واتِّجاهاتٌ في وَزنِ الشِّعرِ وأغراضِه، وتتَّسِمُ أشعارُه بسُهولةِ اللَّفظِ، والوُضوحِ، وخُلُوِّها من التَّعقيدِ، مع رصانةِ العِبارةِ، وقوَّةِ المعنى، وعُذوبةِ القافيةِ.
كان ابنُ جعيثن حادَّ الذكاءِ، شديدَ الفِطنةِ، يحفَظُ كثيرًا من الشِّعرِ العَرَبيِّ الفصيحِ، إضافةً إلى الشِّعرِ الشَّعبيِّ، مع أنَّه أمِّيٌّ لم يتعلَّمْ شيئًا من القِراءةِ والكتابةِ، سِوَى حفظِ بعضِ سُوَرِ القُرآنِ الكريمِ، وبعضِ الأحاديثِ النَّبويَّةِ.
عاش إبراهيمُ مُزارعًا ونجَّارًا في بلَدِه، يكتَنِفُه ضِيقٌ من العَيشِ، فسافر إلى عدَّةِ بلادٍ للعَمَلِ واكتِسابِ المعيشةِ، وتُوفِّيَ سَنةَ (1362ه - 1943م) [923] ينظر: ((ديوان من الشعر الشعبي لشاعر سدير إبراهيم بن جعيثن))، عبد العزيز محمد الأحيدب (ص27- 28). .
شِعْرُه:
قال ابنُ جعيثن من قصيدةٍ له في توبتِه [924] ((ديوان من الشعر الشعبي لشاعر سدير إبراهيم بن جعيثن)) (ص100- 104). :
بديت بذكر ربي في مقالي
أقول اللي هو الخاطر ابَّالي
ترا هالفائدة تنراد منِّي
خذوها واحفظوها يا عيالي
أسميها الوصاة لمن سمعها
لكم ولعامة كل الرجالي
عسى من عابها عني يسامح
ترا النقاد تدري بالعلالي
أبين شرحها للي يبِّيها
معانيها كما نظم اللآلي
الأوِّله اجتهد في طاعة الله
ترا الأيام تمضي بك عجالي
ثانيها الرسول اتبع طريقته
تفوز بسنته عذب زلالي
ثالثها الصلاة وقل لنفسك
ترايا اخطيت في عصرر مضالي
رابعها زكاة المال عطِّها
بنفس سمحة فيها انبذا لي
تراها تحفظه والحافظ الله
عن الإتلاف دقَّه والجلالي
أخاف اللذي تشح أو ما تبادر
تزول عنه والا عنك زالي
خامسها الصيام أو حج فرضك
إلى بيت تشد له الرحالي
...
ومن شِعْرِه أيضًا [925] ((ديوان من الشعر الشعبي لشاعر سدير إبراهيم بن جعيثن)) (ص111- 114). :
قال الذي يبدي المثايل بتوليف
مع ما طرا ما يكله بدع قافه
هذي اوصات للرجال العواريف
ما دونها ولا وراها مسافه
وصية ما خذت عنها مصاريف
مظمونها في حق حال الضيافه
الاجنبي لا تجهده بالمحاليف
وبالك عن الذله وكثر الكلافه
إن جيت مشتان وهو بالتصاديف
بالك تذل الِّي صحا لك مشافه
لين له الجانب وجد غير تعنيف
راعي الجميل اذكر جميله وكافه
واحذر من اللي ما بعده ضاف او ضيف
ليَّاه في عرضك يدور كشافه
المال ما يجمع بكثر الحواريف
والجود ما هوب السبب في تلافه
الجود يرقيك العلى والمشاريف
والبخل يوصِّلك السفل والكسافه
كثر التعب ما زاد رزق الخواطيف
تيسان وافاه البخت في غرافه
وتَظهَرُ في شِعرِ إبراهيمَ بنِ جعيثن ملامِحُ مِن معاناتِه التي عاشها في حياتِه؛ فالشِّعرُ ابنُ بيئتِه كما يقالُ، ويظهَرُ ذلك عِندَه في طريقةِ التَّعبيرِ، وفي دَلالاتِ بَعضِ المفرَداتِ والتَّشبيهاتِ.
3- مُبارَك بن حمَد العُقَيليُّ
ينتَسِبُ مبارك بن حمد إلى عُقَيلِ بنِ كَعبِ بنِ رَبيعةَ بنِ عامِرِ بنِ صَعصَعةَ؛ إحدى قبائِلِ مُضَرَ، وُلِد مبارَكُ بنُ حَمَد سَنةَ (1293ه/ 1875م)، في الأحساءِ بالمملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ، وتُوفِّيَ والِدُه بعُمانَ التي كان كثيرَ التردُّدِ عليها، وكان الشَّاعِرُ محيطًا بجميعِ مذاهِبِ أهلِ السُّنَّةِ، مُلِمًّا بآراءِ الفِرَقِ الأُخرى، ولدَيه معرفةٌ واسعةٌ بالدِّياناتِ الأُخرى كالمسيحيَّةِ واليهوديَّةِ؛ حيث كان واسِعَ الاطِّلاعِ، وكان على معرفةٍ أيضًا بالتَّاريخِ والسِّياسةِ، ونبَغ في الشِّعرِ والأدَبِ نُبوغًا جعَله يُعَدُّ شاعِرًا بارزًا بَينَ معاصِريه، وكان قويَّ الذَّاكِرةِ؛ لذلك اعتُبِرَ مَرجِعًا لكثيرينَ، يأتون إليه للتَّباحُثِ والاستفسارِ، وتتلمَذ على يدَيه خَلقٌ كثيرٌ، تُوفِّيَ سنة (1374ه- 1954م) [926] ينظر: ((ديوان العقيلي، الجزء الأول- الشعر النبطي)) جمع بلال البدور (ص18- 24). .
شِعْرُه:
قال في مَطلَبٍ له، وأرسَل القصيدةَ إلى شَيخٍ يُدعَى طَيَّ بنَ سُهَيلٍ [927] القصيدة في المصدر السابق (ص83- 85). :
قال العقيلي في تراكيب الابداع
أمثال تطرب في الملا كل واعي
من ضامر من صلونا والجوى ماع
ويا ويل قلب حل فيه التياعي
الناس للعاقل اذا فكر انواع
والكل عن نوعه قوي الدفاعي
وانا فريد النوع في كل الاسناع
خلق قديم جا عليه انطباعي
ناديت في العالم بما بَينَ لضلاع
ماريت من عنده فكر واستماعي
عوّدت الوم النفس في سبك الاسجاع
وقت مضى ما شفت فيه انتفاعي
يا حيف بالتفريط وقتي انا ضاع
ما بَينَ ضيق تارة واتساعي
... 
وقال في تَهنئةٍ بعيدِ الفِطرِ للشيخ مكتومَ بنَ حشرٍ [928] القصيدة في المصدر السابق (ص90- 91). :
عيدك سعيد عاد لك بالهنا العيد
والعز والاقبال يا سعد الاعياد
حصلت اجر الصوم والله لك يزيد
فوق المثل مثلين وانعام واسعاد
ومن المنى يعطيك ما تحب وتريد
رغم على من لك من الناس حساد
حيثك يبو حشر على الضد صنديد
صلب وللراجي الجزيلات جواد
بالطيب ذكرك والثنا ساير بعيد
بَينَ البرية حاصر الحي والباد
سمح الجبلّه وافي الوعد ووعيد
قرم همام ساد ربعه وهو ساد
علياه من باسه لها دوم تأييد
وحماه من يلفيه ما يشوف لنكاد
والضد من همه بعينيه تسهيد
يمسي ويصبح والحشا منه وقاد
....
ونلاحِظُ أنَّ العُقَيليَّ يحِبُّ ذِكرَ اسمِه في شِعرِه؛ فقد افتَتَح أكثَرَ من قصيدةٍ بذِكرِ اسمِه بلِسانِ الرَّاوي، كهذه القصيدةِ التي ذكَرْنا جزءًا منها، وكقَولِه أيضًا في مَطلَعِ قَصيدةٍ أُخرى [929] القصيدة كاملة في المصدر السابق (ص72- 73). :
قال العقيلي في قواف أجادها
تنقيتها واتقنتها في وجادها
سبكت المعاني للمعاني بهمه
على نار فكر ما يهون اتقادها
بصافي افتكار في الحقايق وفطنه
وحدس يقرب مالمعاني اجادها
ورتبتها نظم بتدبير حازم
غذته التجارب لينها واشتدادها
فهو يعتَزُّ بنفسِه ويفخَرُ بشاعريَّتِه، ويؤكِّدُ ذلك بقولِه في مَطلَعِ قَصيدةٍ أُخرى [930] القصيدة كاملة في المصدر السابق (ص74- 75). :
يقول العقيلي في بيوت أشادها
وضاج معانيها بيان رشادها
قواف بها الأمثال يشتاق سمعها
وتردادها من كان يفهم مفادها
عساها تصادف ذهن واع من الملا
حريص على نيل العلى من جوادها
4- عبدُ اللهِ الفَرَج
وُلِدَ عَبدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَرَجِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ فَرَجٍ، المسعري الدوسري سَنةَ 1836ه، بالكُوَيتِ، إلَّا أنَّه انتقل مع أبيه إلى الهِندِ حيثُ تجارتُه، وهناك تعلَّم عبدُ اللهِ اللُّغةَ الإنجليزيَّةَ والهِنديَّةَ، وبرع في الموسيقى والأصواتِ. وحينما بلَغ الثامِنةَ عَشرةَ مات أبوه، وعاد عبدُ اللهِ إلى الكُوَيتِ، وتردَّدَ بَينَها وَبينَ البَصرةِ، منقَطِعًا إلى نَظْمِ الشِّعرِ والتَّلحينِ والغِناءِ، فاكتَسَب شُهرةً واسعةً في ذلك. وقد أطلق على نَفسِه لَقَب "مُحْيِي الهوى"، وذكر ذلك في عِدَّةِ قصائِدَ. توفِّي سَنةَ 1901م [931] ينظر: ((ديوان عبد الله الفرج- الجزء الأول، شعره العامي النبطي)) لخالد بن محمد الفرج (ص16- 17). .
شِعْرُه:
قال عبدُ اللهِ الفَرَج في الرِّثاءِ [932] المصدر السابق (ص26- 31).
مرت بي القدرة ضحى يوم الاثنين
ديران خلي باللوى والحبايب
وارفض من عيني كما فايض العين
دمع بمثله ما تجود السحايب
يا دار من نزف الدما للنظيرين
ما هو نزيف الراح بحماك غايب
ليت المنايا في أمور الجديدين
ما غادرنه هايم مثل سايب
...
وقال في قَصيدةٍ أُخرى [933] القصيدة في المصدر السابق (ص97- 99). :
أنشيت من فكري وهو يوم ان بدا
غرا بها ما رام منشيها الجدا
إلا غرام بالتي تاهت على
أسما وزينب والرباب ومن عدا
يوضي حناديس الليالي بغره
يسري عليها التايه اللي ما اهتدى
اللي بها يا صاح قلت لعاذلي
يا عاذلي ولين يا غادي الجدا
......
وفي شِعرِ عَبدِ اللهِ الفَرَج تَكثُرُ المحسِّناتُ البديعيَّةُ والزَّخرفةُ والزَّركشةُ، وكان يحرِصُ على ذلك ويفخَرُ به؛ لذلك يقولُ [934] الأبيات في المصدر السابق (ص21). :
الالف أولف من ارائي ولا رائي
أبيات يطرب لها الرائي من آرائي
آليت يا ليت ما رائي من آرائي
أسرار نظمي بخل جانس المرآ
أل ماط قلب العقارب عن سنا المرآ
أفدي الذي ما دعاني ألف المرآ
ألا وللناس لا رائي ولا رائي
5- أحمدُ البرغوثيُّ
هو أحمَدُ بنُ حمَدِ بنِ سالمٍ البَرغوثيُّ، وُلِد في البَرغوثيَّةِ في الجنوبِ التُّونِسيِّ عام 1887م، حَفِظ القرآنَ الكريمَ مُبكِّرًا، وتلقَّى تعليمَه الأساسيَّ على يَدِ مُؤَدِّبِ القريةِ، ونشأ في أسرةٍ مُولَعةٍ بالشِّعرِ، فبدَأَت موهبتُه الشِّعريَّةُ تنمو مُنذُ صِغَرِه؛ ومن ذلك أنَّ مُؤَدِّبَه عَثَر له على أبياتٍ يقولُ فيها:
لذت المداين نطوف
وقريت علم الفطانه
لقيت النساء مثل الصوف
تتباع كان بالرزانه
شِعْرُه:
قال أحمَدُ البرغوثيُّ في قصيدةِ (شير على لبعاد) [935] القصيدة في مجلة الحيرة من الشارقة (ص63- 63)، ع25، سبتمبر 2021م، تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة- الإمارات العربية المتحدة. :
شير على لبعاد
يظهر سحابه وهي ثلث قدود
عمال هو ينزاد
والعقربه تخفق بغير برود
دكن بدى يسواد
واتكلموا في المزن زوز رعود
قرب جباه انقاد
بإذن الإله الواحد المعبود
ظهرت الناس ارجاد
يتفرجوا عالرحمة المحمود
جاهم الخير قصاد
متراكمه روس السحاب بنود
.......
ويَكثُرُ في شِعرِ أحمَدَ البَرغوثيِّ الضِّيقُ والتَّبرُّمُ والشَّكوى؛ بسَبَبِ الفَقرِ وسُوءِ الحالِ المادِّيَّةِ والسِّياسيَّةِ في بلادِه أثناءَ حياتِه، ونجِدُ أيضًا في شِعرِه وَصفَ الطَّبيعةِ التُّونِسيَّةِ وأجوائِها السَّاحِرةِ.
6- إبراهيمُ الخالِدُ
هو الشَّاعِرُ الكُوَيتيُّ: إبراهيمُ الخالِدُ الدَّيحانيُّ، من الدَّياحين، فَخذٌ من قبيلةِ "مطير" العربيَّةِ المعروفةِ، اشتَهَر الشَّاعِرُ بقصائدِه الهَزْليَّةِ التي يَعرِضُ فيها نَقدَه السَّاخِرَ للقضايا الاجتِماعيَّةِ المعاصِرةِ؛ فمن ذلك أنَّه عارَض بقصيدةٍ حُكمًا للشَّيخِ أحمد الجابِر حاكِمِ الكُوَيتِ، يمنَعُ فيه ارتداءَ "البُشُوت"؛ حيثُ رأى الشَّيخُ الجابِرُ أنَّ الفُقَراءَ يَجِدون حَرَجًا في النُّزولِ بغيرِ البُشْتِ؛ فلهذا أصدر قرارًا بمَنعِ لُبسِه، فاعتَرَض الشَّاعِرُ وقال:
دشيت [936] أي: دخلت. يم السوق كجاري العاد
مستانسٍ للشَّيء ما صار بينه
وإلاي أشوف اللون في ناسٍ افراد
في دقلةٍ [937] ما يرتديه الرَّجُلُ فوق الثِّيابِ كالمِعطَفِ. والخيزرانة يمينه
قلت السَّبَب هل كيف تمشون لا عاد
بُشتٍ يذربكم عن البرد وينه
قالوا تسمع لا عدمناك يا واد
عصر جديد توِّنا داخلينه
واقفيت أرد الرأي باليوم ترداد
وظليت هايم والقضية كنينه [938] أغفلت المصادِرُ سيرةَ حياةِ الشَّاعرِ، ولم يهتَمَّ أحدٌ بتاريخِ مَولِدِه أو وفاتِه. ينظر: ((الموسوعة النبطية الكاملة)) لطلال السعيد (1/29).
7- ابنُ ظاهِر الماجِديُّ
أحَدُ شُعَراءِ الإماراتِ العَرَبيَّةِ في أواخِرِ القرنِ العاشِرِ وأوائِلِ الحادي عَشَرَ، من قبيلةِ المواجِد "أو الموايد" بحسَبِ لهجةِ الإماراتيِّينَ؛ حيثُ يَقلِبون الجيمَ ياءً؛ ولذا يقالُ: ابنُ ظاهِر الماجِديُّ أو المايِديُّ. أهمل الرُّواةُ مَعرفةَ اسمِه الأوَّلِ، وساعَد على ذلك أنَّه كان دائمًا يفتَتِحُ قصائِدَه بذِكرِ اسمِ شُهرتِه، كقَولِه:
يقولُ ابنُ ظاهرٍ مقال عجيب
تظاهر عليه من الصَّدر جيل
وفي قصيدةٍ أخرى يقولُ:
يقول الفهيم المايدي ابن ظاهر
ونفسي تشكا باخصات الملايل
كثير بها ولا اهتدى وقرها الدوى
تداوى وعن بنيانها الصدر زايل
وهو شاعرٌ متمكِّنٌ في نَظمِ الشِّعرِ النَّبَطيِّ، برز في شِعرِ الحِكمةِ والمواعِظِ.
ومن شِعرِه
لا تيَّس الأرض الكسوح من الحيا
فكم دائر الوديان سيَّل عتادها
ولا تيَّس أرواح المراضا من البرا
ولا الصح ينجيها إلياجا نفادها
ولا ييَّس الرجل الفقير من الغِنى
ولا رحمة المولى إذا الله أرادها
ولا ييَّس القنَّاص وإن ذار صيده
يمكن يجبيها مستريح وصادها
للكلب نومات وللذيب سريه
على الضَّان أخفى وانتقى من مرادها [939] ينظر: ((الموسوعة النبطية الكاملة)) طلال السعيد (1/35). .
8- أبو حمزةَ العامِريُّ
ينتَسِبُ الشَّاعِرُ أبو حمزةَ إلى قبيلةِ "العوامِر" التي تَنزِلُ ساحِلَ عُمانَ، وينتَشِرُ أفرادُها الآنَ بينَ سَلطنةِ عُمانَ ودولةِ الإماراتِ العَرَبيَّةِ، وقد عاش الشَّاعِرُ في مُنتَصَفِ القَرنِ العاشِرِ الهِجريِّ، وتناقَل الرُّواةُ أشعارَه المُمَيَّزةَ التي يُلحَظُ فيها قُربُها من قصائِدِ الفُصحى جِدًّا، حتَّى في تركيبِ البيتِ وألفاظِه.
ومن قصائِدِه قولُه:
يا خِلِّي عوجوا بنا الإنضائي
نبصر بدار عذبة الجرعائي [940] أي: شَرابُها عَذبٌ زُلالٌ.
دارٍ خلت من ربْع ساكن حيِّها
أوزا [941] أوزا: ضايق. بحالي شوفها وبكائي
دار لموضية الجبين كأنها
بدر يفاوج [942] يشقُّ. خندس الظَّلمائي [943] خندس الظَّلمائي: الظَّلامُ الحالِكُ.
أو مشعلٍ جنح الدجا مع قابس
أو بارقٍ يُوضي مع المنشائي [944] ما تنشَأُ معه السُّحُبُ.
فإلى تبسم عن ثنايا ذبَّلٍ
كاللُّؤلؤ المنشور للشُّرَّائي [945] ينظر: ((الموسوعة النبطية الكاملة)) لطلال السعيد (1/39).
9- زايِر الدُّوَيج
وُلِد الشَّاعِرُ العراقيُّ زايِرُ بنُ عَسكورةَ بنِ عَليِّ بنِ جَبرٍ عامَ 1276هـ / 1860م، وتوفِّي في مدينةِ النَّجَفِ عامَ 1338هـ / 1919م، وتعلَّم مبادئَ القراءةِ والكتابةِ، إلَّا أنَّه لم يُكمِلْ تعليمَه بسبَبِ وفاةِ أبيه، فعَمِل في مجالِ البناءِ، وتأثَّر بالمجالِسِ الأدبيَّةِ التي أثَّرت على موهبتِه الشِّعريَّةِ، فصار يقولُ الشِّعرَ ارتجالًا من غيرِ سابقِ إعدادٍ، بل إنَّ المستَمِعين امتَحَنوه غيرَ مرَّةٍ في الشِّعرِ، فأمروه أن يُنشِدَهم في موضوعِ كذا أو على حرفِ كذا، فكان يضَعُ يَدَه على جبينِه ويقولُ: "ها خُويَه" ثمَّ يسترسِلُ بعَشَراتِ الأبياتِ.
ومِن شِعرِه أنَّه لَمَّا سِيق إلى العَسكريَّةِ بموجِبِ قرارِ التَّجنيدِ الإجباريِّ، كان أصدقاؤه وأحبَّاؤه يُودِّعونَه، فقال مُوَدِّعًا صديقَه الحميمَ هادي الخيَّاط:
هيهاتَ يحكُم بعد ملكانه
من حيث صار (الكطر) ممشانه
ممشانه حاكم والمكدر كدرك
انته امغرب ونا رحت الكطر
عنك (هادي) عبر سابع بحر
و(الرخ) منه رجل جنحانه
ومنه قولُه في رثاءِ خليل الشَّمَّاع:
حزني اعله ولفاي دايم يا فاركه لحد
وحدي أنوح أكتفي ماريد ناس أو لحد
سيفي فكدته أو غيره ما يفيد اله لحد
اشما جنت اكله حظر ما بين اديه ولف
يا لايمي لو لمتني اشلون فاجد ولف
(بالثلث مي هاو ثلاثين أو ثلاثة ولف)
(اسباطعش رمضان ارخ بي خليل ان لحد)
ولمَّا سَئِم الحياةَ أنشَد يقولُ:
يا بلحسن ضاك صدري والحشه حامي
من جور دهري عليَّ ابسطرته حامي
مامن مجيرن سواكم للدخل حامي
هل يوم كلت يحيدر حرفتي والحيل
والسمع مني ذهب بعد الظهر والحيل
عني توانو جفوني خلِّتي والحيل
وامسيت جتَّان ياحامي الحمة حامي.
10- عبدُ الكريمِ العَفِيدلي
شاعرٌ سوريٌّ معاصِرٌ، يهتمُّ بالشِّعرِ النَّبَطيِّ، ويحسِنُ نَظْمَ الشِّعرِ الفصيحِ؛ فله ديوانُ "أشرِعة الهَمس" في شِعرِ الفُصحى، وديوانُ "مصور بالعشا" وغيرِه في الشِّعرِ النَّبَطيِّ. ومن عُيون شِعرِه النَّبَطيِّ قصيدتُه: غربةُ فِكرٍ، يقولُ فيها:
أصبحت أحِس إني غريب اف بلادي
غربة فِكر يا صاحبي كم أليمة
لو أنها ما بين الأغراب عادي
لكنَّها ما بين ربعك جريمة
لو الطموح اطاوله بالايادي
ما شفتني أرقب مع كل غيمة
نوق المشاعر ضامية واحتدادي
خوف المصير بـ(هل) تبقى عقيمة
هالركب يمضي في زمانٍ رمادي
وأنا جهلت ألوان فيني مقيمة
حاولت تفسير الوجع وانقيادي
يعلق بحلقي مثل طعم الهزيمة
اليا متى ب أبقى على ما يكادي [946] ينظر: ((ديوان مصور بالعشا)) للعفيدلي (ص: 11).
وفي قصيدتِه: "سِجِل جروح" يقولُ:
تعال امضي بسِكِّينك ترى قلبي سِجِل جروح
شوف شكثر به مروا ولاحدٍ خاف بي الله
تعال واقتل الفرحة بحياتي وخلني للنوح
أنا ما عاد في عندي سوى الأحزان بالسلة
رسمتك حلمي الوردي وسميتك غناة الروح
ولكن روح تعذب جسدها مالها حله
ليا مات الشعور العذب ما ظل لازمة للبوح
هديت الريح ديوان الغرام وهاجسي كله
أنا يا صاحبي دمعة مكابر فاقدة لطموح
على خد الزمن طاحت ولا هي مرهم العلة
أنا يا صاحبي وجه المدينة الوادعة وتفوح
ركام الحقد سواها ..... وظلت شاهدة الدلة
تعال أرجوك لا تبعد جروحك جملة الجروح
رواية صاغها حظي ولا أملك دمع يهله [947] ((ديوان مصور بالعشا)) للعفيدلي (ص: 67).
11- بُومَدْيَن التِّلِمْسانيُّ
وُلد الشَّاعِرُ الجزائريُّ أبو مَدْينِ بنُ محمَّدِ بنِ سَهلةَ في مدينةِ تِلِمْسانَ الجَزائريَّةِ، وعاش فيها وتُوفِّيَ في منتَصَفِ القرنِ الثَّالِثَ عَشَرَ الهِجريِّ (التَّاسِعَ عَشَرَ الميلاديِّ)، وتعلَّم في صباه القراءةَ والكتابةَ، وامتَهَن الحِياكةَ كأبناءِ بَلَدِه، ونظَم الشِّعرَ في صِباه، وكانت مُلهِمتُه في ذلك الحينِ "بَدْرة"، تلك الصَّبيَّةَ التي كانت تهوى الاستِماعَ لشِعْرِه، فكان يكتُبُ فيها قصائِدَ الغَزَلِ والحُبِّ، وكانت تحفَظُ أشعارَه وتُشَجِّعُه على النُّبوغِ في الشِّعرِ.
وقد أثَّرت الحالةُ الاجتماعيَّةُ التي عاشها الشَّاعِرُ في طبيعةِ شِعرِه؛ حيث يعيشُ في مدينةٍ مُتحَضِّرةٍ، إلَّا أنَّه وأمثالَه من أبناءِ الطَّبَقةِ الكادِحةِ التي عانت الفَقرَ والِحرمانَ بسَبَبِ سُوءِ تصرُّفِ الحُكَّامِ وظُلمِهم، جعلَتْه يهجو الحُكَّامَ ويُشَنِّعُ عليهم؛ ممَّا ألجأه إلى الهُروبِ إلى الشَّمالِ الغَربيِّ للجزائِرِ فرارًا بنَفسِه [948] ينظر: ((ديوان بومَدْين التِّلِمْساني)) (ص: 19). .
ومِن شِعرِه: قصيدةُ: "صادَفْت غرام":
امتلكت وصادفت غرام
لا تلومني كُف ملامك يا اللايم
في الغرام باطل نولام
آ يا صديق راني نعشق الأريام دايم
علاش عاد نخبي والله عالم
الأريام جاوني البارح الأريام
يامنة وحدة وفطيمة يا الفاهم
جاوني البارح زاروني في المراسم [949] ((ديوان بومَدْين التِّلِمْساني)) (ص: 31). .
12- عُنَيز أبو سالِم
وُلِدَ الشَّاعِرُ عُنَيز أبو سالم التَّربانيُّ في مدينةِ نُويبَع في سيناءَ، وتُوفِّي والِدُه وهو في سنٍّ صغيرٍ، فاستكمَل مِهنةَ أبيه في تجارةِ الإبِلِ والأغنامِ، ثمَّ عَهِد إلى تجارةِ البُنِّ المستورَدِ من بلادِ الشَّامِ، وجاب بلادَ الجزيرةِ العربيَّةِ، وعُرف فيها بشِعرِه النَّبَطيِّ. وقد تُوفِّيَ سنةَ 2000م عن عُمرٍ يُناهِزُ خَمسةً وثمانينَ عامًا.
ومن شِعرِه قصيدةُ "العُصْفور" التي نظمَها وهو في السِّجنِ يهفو للحُرِّيَّةِ والحُبِّ والعدالةِ، يقولُ:
يا طير مشين طبعك
عقب تغييبك مانت منطاقي
مشين طبعك يا طير
طول ليلك تقاقي
يا طير أنا للعلم مشتاق
وقلب الخطاطير زي مانت هاقي
يا طير ما طبيت لي يم برشاق
ولا الظلل جيته وروس الزلاقي
وضفت الفريق اللم به السمن فداق
عز الطنيب ومنوه من يلاقي
ولا وردت العين وهاذيك الإطباق
وداج خلي والصديق الوفاقي
يا طير ما قضيت لي جرة ثياق
في اللتح ولا مقوطرات الملاقي [950] ينظر: ((ملامح الشعر في بادية سيناء)) لحاتم عبد الهادي السيد (ص: 25).


انظر أيضا: