موسوعة الفرق

المَطلبُ الثَّاني: التَّأسيسُ وأبرَزُ الشَّخصيَّاتِ اليَزيديَّةِ


عِندَما انهارَتِ الدَّولةُ الأمَويَّةُ في مَعرَكةِ الزَّابِ الكُبرى شَمالَ العِراقِ سَنةَ 132هـ هَربَ الأميرُ إبراهيمُ بنُ حَربِ بنِ خالِدِ بنِ يَزيدَ إلى شَمالِ العِراقِ وجَمَع فُلولَ الأمَويِّينَ داعيًا إلى أحَقِّيَّةِ يَزيدَ في الخِلافةِ والوِلايةِ، وأنَّه السُّفيانيُّ المُنتَظَرُ الذي سيَعودُ إلى الأرضِ ليَملأَها عَدلًا كما مُلِئَت جَورًا.
ويَرجِعُ سَبَبُ اختيارِهم لمِنطَقةِ الأكرادِ مَلجَأً لهم إلى أنَّ أمَّ مَروانَ الثَّاني -الذي سَقَطَت في عَهدِه الدَّولةُ الأمَويَّةُ- كانت منَ الأكرادِ.
وكان عَديُّ بنُ مُسافِرٍ في مُقدِّمةِ الهارِبينَ منَ السُّلطةِ العَبَّاسيَّةِ، فقد رَحَل من لُبنانَ إلى الهَكَّاريَّةِ من أعمالِ كُردِستانَ، ويَنتَهي نَسَبُه إلى مَروانَ بنِ الحَكَمِ.
- صَخرُ بنُ صَخرِ بنِ مُسافِرٍ: المَعروفُ بالشَّيخِ (أبي البَرَكاتِ) رافقَ عَمَّه عَديًّا، وكان خَليفتَه، ولمَّا ماتَ دُفِن بجانِبِ قَبرِ عَمِّه في لش.
- عَديُّ بنُ أبي البَرَكاتِ: المُلقَّبُ بأبي المَفاخِرِ، والمَشهورُ بالكُرديِّ، توُفِّيَ سَنةَ 615هـ/ 1217م.
- خَلفَه ابنُه شَمسُ الدِّينِ أبو مُحَمَّدٍ المَعروفُ بالشَّيخِ حَسَن: المَولودُ سَنةَ 591هـ/ 1154م، وعلى يَدَيه انحَرَفتِ الطَّائِفةُ اليَزيديَّةُ من حُبِّ يَزيدَ وعَديِّ بنِ مُسافِرٍ إلى التَّقديسِ لهما ولإبليسَ، وتوُفِّيَ سَنةَ 644هـ/ 1246م بَعدَ أن ألَّف كِتابَ (الجَلوة لأصحابِ الخَلوةِ)، وكِتابَ (محكُّ الإيمانِ) وكِتابَ (هدايةُ الأصحابِ)، وقد أدخَل اسمَه في الشَّهادةِ كما نَجِدُها اليَومَ عِندَ بَعضِ اليَزيديَّةِ.
- الشَّيخُ فَخرُ الدِّينِ أخو الشَّيخِ حَسَن: انحَصَرَت في ذُرِّيَّتِه الرِّئاسةُ الدِّينيَّةُ والفتوى.
- شَرَفُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ الشَّيخِ فَخرِ الدِّينِ: قُتِل عامَ 655هـ/ 1257م، وهو في طَريقِه إلى السُّلطانِ عِزِّ الدِّينِ السُّلجوقيِّ.
- زَينُ الدِّينِ يوسُف بنُ شَرَفِ الدِّينِ مُحَمَّد: الذي سافرَ إلى مِصرَ وانقَطَعَ إلى طَلَبِ العِلمِ والتَّعَبُّدِ، فماتَ بالقاهرةِ سَنةَ 725هـ.
بَعدَ ذلك أصبَحَ تاريخُهم غامِضًا بسَبَبِ المَعارِكِ بَينَهم وبَينَ المَغولِ والسَّلاجِقةِ والفاطِميِّينَ.
وظَهَرَ خِلالَ ذلك الشَّيخُ زَينُ الدِّينِ أبو المَحاسِنِ: الذي يَرتَقي بنَسَبِه إلى شَقيقِ عَديٍّ أبي البَرَكاتِ، وعُيِّن أميرًا لليَزيديَّةِ على الشَّامِ، ثمَّ اعتَقَله المَلِكُ سَيفُ الدَّولةِ قَلاوونَ بَعدَ أن أصبَحَ خَطَرًا لكَثرةِ مُؤَيِّديه، وماتَ في سِجنِه.
وجاءَ بَعدَه ابنُه الشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ، وكان مَقَرُّه في الشَّامِ، ولُقِّب بأميرِ الأمَراءِ، وأرادَ أن يَقومَ بثَورةٍ أمَويَّةٍ، فقُبِضَ عليه عامَ 731هـ، وماتَ في سِجنِه أيضًا.
واستَمَرَّت دَعوتُهم في اضطِهادٍ منَ الحُكَّامِ، وبَقيَت مِنطَقةُ (الشَّيخانِ) في العِراقِ مَحَطَّ أنظارِ اليَزيديِّينَ، وكان كِتمانُ السِّرِّ من أهَمِّ مُمَيِّزاتِ هذه الطَّريقةِ.
وقدِ استَطاعَ رَئيسُ الطَّائِفةِ الأميرُ بايَزيدَ الأمَويُّ أن يَحصُلَ على تَرخيصٍ بافتِتاحِ مَكتَبٍ للدَّعوةِ اليَزيديَّةِ في بَغدادَ سَنةَ 1969م بشارِعِ الرَّشيدِ بهَدَفِ إحياءِ عُروبةِ الطَّائِفةِ الأمَويَّةِ اليَزيديَّةِ، ووسيلتُهم إلى ذلك نَشرُ الدَّعوةِ القَوميَّةِ مُدَعَّمةً بالحَقائِقِ الرُّوحيَّةِ والزَّمَنيَّةِ، وشِعارُهم عَرَبُ أُمَويِّي القَوميَّةِ، يَزيديِّي العَقيدةِ.
ويمكِنُ إجمالُ القَولِ بأنَّ هذه الطَّائِفةَ قد مَرَّت بعِدَّةِ أدوارٍ هي:
الدَّورُ الأوَّلُ: حَرَكةٌ أمَويَّةٌ سياسيَّةٌ تَتَبلورُ في حَبِّ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ.
الدَّورُ الثَّاني: تَحويلُ الحَرَكةِ إلى طَريقةٍ عَدَويَّةٍ أيَّامَ الشَّيخِ عَديِّ بنِ مُسافِرٍ الأمَويِّ.
الدَّورُ الثَّالِثُ: انقِطاعُ الشَّيخِ حَسَن سِتَّ سَنَواتٍ، ثمَّ إظهارُ كُتُبِه المُخالِفةِ لتَعاليمِ الدِّينِ الإسلاميِّ الحَنيفِ.
الدور الرابع: خُروجُهمُ التَّامُّ منَ الإسلامِ، وتَحريمُ القِراءةِ والكِتابةِ، ودُخولُ المُعتَقَداتِ الفاسِدةِ والباطِلةِ في تَعاليمِهم [1778] يُنظر: ((المعجم الإسلامي)) لزيدان قعدان (2/ 735- 736)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) بإشراف الجهني (1/ 372). .
ولكِن في حِوارٍ صَحَفيٍّ مَعَ أنور مُعاوية علي بك الذي يَدَّعي أنَّه أميرُ الطَّائِفةِ، جاءَ فيه التَّالي:
ما هي قِصَّةُ الخِلافِ حَولَ إمارةِ الطَّائِفةِ، فمنَ المَعروفِ أنَّ هناكَ فِئَتَينِ مُتَنافِستَينِ حَولَ إمارةِ الطَّائِفةِ، أنتم شَخصيًّا حَيثُ تُقيمونَ في ألمانيا مُنذُ أعوامٍ، وكذلك هنالكَ ابنُ عَمِّكُمُ الأميرُ تَحسين المُقيمُ في سِنجارَ في العِراقِ؟
فأجابَ: (إنَّ هذه قِصَّةٌ يَطولُ شَرحُها. تَعودُ جُذورُ الخِلافِ إلى زَمَنِ والِدِ جَدِّي المَرحومِ «الأميرِ عَبدي بك» الذي أوصى بالإمارةِ من بَعدِه إلى ولدِه إسماعيلَ بك، وهو جَدِّي المُباشِرُ، ولأنَّه كان حينَذاكَ قاصِرًا ولم يَبلُغْ سِنَّ الرُّشدِ فقدِ استَلمَتِ الإمارةَ أختُه الكُبرى «ميان خاتون» كوصيَّةٍ مُؤَقَّتةٍ، ولكِنَّها رَفضَت فيما بَعدُ تَسليمَ الإمارةِ إلى أخيها وفضَّلت تَسليمَها إلى ابنِها «سَعيد بك». بَعدَ استِفحالِ الخِلافِ انقَسَمَتِ الإمارةُ إلى اتِّجاهَينِ، كُلٌّ منهما مَعَ طَرَفٍ. أنصارُ جَدِّي «إسماعيلَ بك» في سِنجارَ، وأنصارُ «ميان خاتون» في «الشَّيخانِ»؛ حَيثُ سَيطَرَت على مَزارِ «الشَّيخِ عَديٍّ». بَعدَ الحَربِ العالميَّةِ الأولى وسَيطَرةِ الإنكِليزِ وقيامِ الحُكومةِ المَلَكيَّةِ تَمَّ دَعمُ جَدِّي ومُناصَرَتُه بسَبَبِ رَفضِه للمَطالِبِ العُثمانيَّةِ بوِلايةِ الموصِلِ. أخيرًا تَمَّ الإقرارُ بأن يَستَلمَ جَدِّي الإمارةَ الدِّينيَّةَ والدُّنيَويَّةَ، وأن تَكونَ لمُنافِسِه «سَعيد بك» حَقُّ الإشرافِ على المَزارِ المُقدَّسِ، وأن يَتِمَّ تَقاسُمُ عائِداتِ المَزارِ. ولكِنَّ الخِلافَ بالحَقيقةِ لم يَنتَهِ تَمامًا، بل انتَقَل إلى ولدَيهما من بَعدِهما «بايزيدَ بك بنِ إسماعيلَ بك» و«تحسين بك بن سَعيد بك». في أعوامِ السَّبعيناتِ تَدَخَّل الرَّئيسُ صَدَّام حُسَين شَخصيًّا لحَلِّ الخِلافِ حتَّى تَوصَّلتِ المُداوَلاتُ في عامِ 1980م إلى صُدورِ مَرسومٍ جُمهوريٍّ موقَّعٍ منَ الرَّئيسِ يُقَرِّرُ فيه تَعيينَ عَمِّي «بايزيد بك» أميرًا للطَّائِفةِ. وبَعدَ وفاةِ عَمِّي انتَقَلتِ الإمارةُ إلى أبي «الأميرِ مُعاويةَ»، ومنه انتَقَلت إليَّ عامَ 1991م. أمَّا الأميرُ تَحسين بك فإنَّه لا زال حَيًّا ويُشرِفُ على مَزارِنا المُقدَّسِ. وهو رَغمَ مُطالبَتِه بالإمارةِ فإنَّه لا يَمتلِكُ أيَّةَ وثائِقَ رَسميَّةٍ بذلك) [1779] يُنظر: ((صحيفة الزمان)) (عدد كانون الأول/عام 2000م). .

انظر أيضا: