موسوعة الفرق

المَطلبُ الرَّابعُ: مَراتِبُ اليَزيديَّةِ وطَبَقاتُهم


تُقسَّمُ الرِّئاسةُ عِندَهم إلى قِسمَينِ: دُنيَويَّةٌ ودينيَّةٌ.
فالرَّئيسُ الدُّنيَويُّ: يُدعى (مِير) مُختَصَرةٌ منَ الكَلمةِ العَرَبيَّةِ (أمير). وهو وكيلُ الشَّيخِ عَديٍّ، أوكَلَه مَوضِعَه، وقال له: (أنتَ ولدي، وقِبلتُك مَحَلُّ ذُرِّيَّتي، وهي حَرامٌ على مَن لا يَسيرُ على أصولِ هذا الدِّينِ. وكُلُّها سَلَّمتُها بيَدِك). والمَيرُ من نَسلِ المَلِكِ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ، والطَّائِفةُ كُلُّها تَنتَسِبُ إليه. ويُلقَّبُ (مِير شيخان)، ويُقيمُ عادةً في قَصرِ الإمارةِ الواقِعِ في قَريةِ (باعدري)، والتي تَبعُدُ مَسافةَ 45 كم إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ من مَدينةِ الموصِلِ العِراقيَّةِ. ويَتِمُّ انتِخابُ الأميرِ مِن قِبَلِ الطَّائِفةِ، بشَرطِ أن يَكونَ من نَسلِ الأسرةِ الحاكِمةِ، على حَسَبِ عاداتِهمُ المَوروثةِ. ولا يَشتَرِكُ في الانتِخابِ رِجالُ الدِّينِ ولا زُعَماءُ القَبائِلِ.
وأمَّا الرِّئاسةُ الدِّينيَّةُ فرِجالُ الدِّينِ عِندَهم على سَبعِ طَبَقاتٍ، ولا يَجوزُ لأيِّ طَبَقةٍ أن تَتَخَطَّى مَقامَها. ورَجُلُ الدِّينِ في الدِّيانةِ اليَزيديَّةِ ذو أهَمِّيَّةٍ كَبيرةٍ؛ لأنَّه يُشرِفُ على كُلِّ مَظاهرِ الحَياةِ الدِّينيَّةِ والاجتِماعيَّةِ. ولكُلِّ فِئةٍ من رِجالِ الدِّينِ مَقامٌ ووظيفةٌ.
والفئاتُ السَّبعُ للرُّؤَساءِ الدِّينيِّينَ هي:
1- بابا شيخ:
أي: الشَّيخُ الكَبيرُ، وهو الرَّئيسُ الأعلى. ويَتَّصِفُ بالتُّقى وخِفَّةِ الرُّوحِ والإنصافِ والعَدلِ والاستِقامةِ. وهو يُمَثِّلُ السُّلطةَ الدِّينيَّةَ والحَجَّ المُقدَّسَ، ويَكونُ من سُلالةِ الشَّيخِ فَخرِ الدِّينِ، وهو أخو الشَّيخِ حَسَن شَمسِ الدِّينِ.
2- الشَّيخُ:
ومَشايِخُ اليَزيديَّةِ ثَلاثُ فِرَقٍ هي: الأديانيَّةُ، والشَّمسانيَّةُ، والقابانيَّةُ. ويَرجِعُ نَسَبُها جَميعًا إلى أصلٍ واحِدٍ هو يَزيدُ بنُ مُعاويةَ، وقد حَلَّ فيهم جُزءٌ منَ اللهِ تعالى بزَعمِهم، ويَملِكونَ بزَعمِهمُ التَّصَرُّفَ في شُؤونِ العالَمِ. وهم مُخَوَّلونَ في التَّجَوُّلِ بَينَ القُرى جَميعًا.
3- بير:
وتَعني كَلِمةُ (بير) بالكُرديَّةِ العَجوزَ، وهو عِندُهم شَيخُ الطَّريقةِ أو رَئيسُها. ويَجمَعونَ الكَلمةَ بقَولِهم (بيورة) أي: الشُّيوخُ. وتُطلَقُ هذه الصِّفةُ على مَن هم دُونَ مَرتَبةِ الشُّيوخِ. والبيورةُ من أُسَرٍ مُتَعَدِّدةٍ، ويُشتَرَطُ أن يَكونوا جَميعًا من سُلالةٍ بيريَّةٍ؛ لأنَّ وظيفتَهم وِراثيَّةٌ، وتَمنَحُهمُ الشَّريعةُ اليَزيديَّةُ حَقَّ إجراءِ الزَّواجِ، وحَقَّ التَّجَوُّلِ في القُرى، وهم مُكَلَّفونَ في بَعضِ المُناسَباتِ بالذَّهابِ إلى قَريةِ الشَّيخِ عَدِيٍّ لإطعامِ المُريدينَ بأموالِهم، ولإرشادِهم ووعظِهم. واليَزيديَّةُ يَعتَقِدونَ أنَّ رَحمةَ اللهِ تعالى وغُفرانَه بأيدي هؤلاءِ البيورةِ.
4- الفقيرُ:
تُطلَقُ لفظةُ (فقيرٍ) عِندَهم على الزَّاهدِ والمُتَعَبِّدِ، الذي عَزَف عن زُخرُفِ الدُّنيا للظَّفَرِ بنَعيمِ الآخِرةِ. ونَعيمُ الآخِرةِ في نَظَرِهم هو البَقاءُ الأبَديُّ (على مَذهَبِ الحُلولِ والتَّناسُخِ)، ويَحتَرِمُه النَّاسُ جَميعًا، وكَلامُه مَسموعٌ لدى كُلِّ الفِئاتِ.
5- القَوَّالُ (أو المُرَتِّلُ):
وتُطلَقُ على مَن يُنشِدُ في المَحافِلِ الدِّينيَّةِ أو في أيَّامِ الأعيادِ والأفراحِ. وغالبًا ما يَكونُ القَوَّالون منَ الشُّعَراءِ المَحَلِّيِّينَ. ويَقولونَ: إنَّهم رافقوا الشَّيخَ عَديًّا عَبرَ باديةِ الشَّامِ، وظَلُّوا مَعَه على المَحَبَّةِ، وهو الذي مَنَحَهم حَقَّ إنشادِ القَصائِدِ والمَدائِحِ النَّبَويَّةِ، وخَصَّهم بحِفظِ أسرارِ الشَّريعةِ والحَوادِثِ التَّاريخيَّةِ، ويَعتَزُّونَ بأنَّهم يُصاحِبونَ المَلَكَ طاووسًا، ويُنشِدونَ أمامَه المَدائِحَ في اللهِ وفي المَلائِكةِ، ويَتَجَوَّلونَ في القُرى ليَجمَعوا النُّذورَ والصَّدَقاتِ، وكُلَّما قاموا بزياراتِهمُ الدِّينيَّةِ نَظَّفوا المَكانَ منَ الغُبارِ ومن بَقايا الزُّوَّارِ وأوساخِهم، وهم يَتَباهَونَ بهذه المُهمَّةِ ويَعُدُّونَها شَرَفًا وَرِثوه عن آبائِهم.
6- الكوجك:
يُعتَبَرُ عِندَهم بمَنزِلةِ النَّبيِّ، والكَواجِكُ طائِفةٌ كَبيرةُ العَدَدِ، وأغلَبُهم حُجَّاجٌ تَرَكوا بلادَهم ليَعيشوا حَولَ مِنطَقةِ ليش الجَبليَّةِ، ويَعمَلوا هناكَ كحَطَّابينَ للمَزارِ المُقدَّسِ، وهم موزَّعونَ بَينَ سِنجارَ وشَيخانَ، ويَختَلِفونَ عن سائِرِ المَراتِبِ بلباسِهمُ الأبيَضِ، وحِزامِهمُ الصُّوفيِّ الأسودِ اللَّونِ أوِ الأحمَرِ، بحَلَقاتٍ مُمَيَّزةٍ.
7- المُريدونَ:
هم عامَّةُ النَّاسِ، المُطيعونَ لأوامِرِ رُؤَسائِهمُ الدِّينيِّينَ طاعةً عَمياءَ، وهم يَعتَقِدونَ أنَّ التَّدَخُّلَ في الشُّؤونِ الدِّينيَّةِ يُذِلُّهم ويُخرِجُهم عن مِلَّتِهم، وعلى كُلِّ امرِئ رَجُلًا كان أوِ امرَأةً أن يَكونَ له شَيخٌ وبيرٌ يُقدِّمُ لهما صَدَقاتِه ونُذورَه، ويَتَعَلَّمُ منهما ويَستَرشِدُ بهما. وإن ماتَ بيرُ مَجموعةٍ منَ المُريدينَ العامَّةِ، أو حَرَقَه الأميرُ، ولم يَكُنْ في سُلالةِ هذا البيرِ أحَدٌ يَحُلُّ مَحَلَّه، فعليهمُ الاتِّصالُ بالأميرِ ليُعَيِّنَ بيرًا مُرشِدًا. والمُريدونَ يَتَزَوَّجونَ فيما بَينَهم، ولا يَجوزُ لهمُ التَّزاوُجُ بالطَّبَقاتِ الأخرى [1780] يُنظر: ((اليزيديون واقعهم تاريخهم معتقداتهم)) لمحمد التوبخي (ص: 109). .

انظر أيضا: