موسوعة الفرق

المَطلبُ الثَّالثُ: نَسَبُ الرِّفاعيِّ إلى آلِ البَيتِ


نَسَبَ بَعضُهمُ الرِّفاعيَّ إلى آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وألَّف الرِّفاعيُّون العَديدَ منَ الرَّسائِلِ والكُتُبِ لإثباتِ نِسبَتِه إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد تَزَعَّمَ هذه الحَملةَ مُحَمَّد أبو الهدى الصَّيَّاديُّ الذي أخَذَ يَذكُرُ هذه النِّسبةَ في رَسائِله التي كَتَبَها عنِ الرِّفاعيِّ، وخَصَّصَ لهذا المَوضوعِ مُؤَلَّفاتٍ منها:
1- كِتابُ (التَّاريخُ الأوحَدُ للغَوثِ الرِّفاعيِّ الأمجَدِ).
2- كِتابُ (سَلاسِلُ القَومِ).
وكان يَقولُ: (الشَّيخُ الإمامُ أحمَدُ بنُ عَليِّ بنِ يَحيَى بنِ ثابتِ بنِ حازِمِ بنِ أحمَدَ بنِ عَليِّ بنِ الحَسَنِ، المُلقَّبُ برِفاعةَ بنِ المَهديِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ أحمَدَ بنِ موسى بنِ إبراهيمَ المُرتَضى بنِ موسى الكاظِمِ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ الباقِرِ بنِ عَليٍّ زَينِ العابدينَ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه) [487] ((قلادة الجواهر)) (ص: 15،20). .
ومَعَ القَناعةِ التَّامَّةِ بأنَّ النَّسَبَ لا يُقدِّمُ ولا يُؤَخِّرُ في صَلاحِ المَرءِ أو فسادِه، فلا يُجعَلُ الرَّفيُع وضيعًا ولا الوضيعُ رَفيعًا، فإنَّ مَدارَ النَّجاةِ على الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ، غَيرَ أنَّه منَ الضَّروريِّ مُتابَعةُ هذه النِّسبةِ للقَناعةِ التَّامَّةِ بأنَّ الصُّوفيَّةَ دَأَبوا على رَبطِ مَن يُعَظِّمونَ من مَشايِخِهم بآلِ البَيتِ، وعلى وضعِ أنسابٍ مَكذوبةٍ عليهم مِثلَما فعَلوا في عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ؛ حَيثُ نَسَبوه إلى أهلِ البَيتِ مَعَ أنَّه من قَبيلةِ (جنكي دوست) الفارِسيَّةِ [488] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 20، 21). ! وهذا الاسمُ كَما تَرى أعجَميٌّ؛ فعَبدُ القادِرِ فارِسيُّ الأصلِ (بُشْتَبْريُّ) النَّسَبِ [489] يُنظر: ((التاريخ الأوحد)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 8). ، وقِسْ على ذلك!
وقد أنكَرَ المُحَقِّقونَ نِسبةَ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ؛ منهم بَعضُ أهلِ الطَّريقةِ القادِريَّةِ الذين كَتَبوا مُصَنَّفاتٍ ورَسائِلَ تُبطِلُ ما يَدَّعيه الرِّفاعيَّةُ من وُجودِ أيِّ صِلةِ نَسَبٍ بَينَه وبَينَهم.
ومن ذلك كِتابُ (الفَتحُ المُبينُ فيما يَتَعَلَّقُ بتِرياقِ المُحِبِّينَ) لظَهيرِ الدِّينِ القادِريِّ الذي نَقَل فيه عن شَمسِ الدِّينِ ناصِرٍ الدِّمَشقيِّ أنَّه قال: (لم أعلَمْ للرِّفاعيِّ نسبًا صحيحًا إلى عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولا إلى أحَدٍ من ذُرِّيَّتِه الأطايِبِ، وإنَّما الذي وصَل إلينا وساقَه الحُفَّاظُ وصَحَّ لدَينا أنَّه: أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُالشَّيخِ أبي الحَسَنِ عَليِّ بنِ يَحيى بنِ حازِمِبنِ عَليِّ بنِ رِفاعةَ، المَغرِبيُّ الأصلِ البطائحيُّ الرِّفاعيُّ، نَسَبُه إلى جَدِّه الأعلى رِفاعةَ، قدِمَ والدُه أبو الحَسَنِ رَحمةُ اللهِ عليه من بلادِ المَغرِبِ فسَكَنَ البَطائِحَ) [490] ((الفتح المبين)) للقادري (ص: 102). .
وكذلك نَفى عالمُ الأنسابِ (ابن طباطَبا) هو وتِلميذُه ابنُ معيةَ أن تَكونَ للرِّفاعيِّ أيَّةُ صِلةٍ بأهلِ البَيتِ مُنكِرًا أن يَكونَ هنالكَ أبو القاسِمِ مُحَمَّدُ بنُالحَسَنِ بنِ الحُسَينِ بنِ أحمَدَ بنِ موسى. ونَقَل أبو الهدى الصَّيَّاديُّ عنهما قَولَهما: (وما رَأينا مِمَّن يُملي النَّسَبَ للحُسَينِ ذَكَرَ ولدًا اسمُه مُحَمَّدٌ أبو القاسِمِ). ثمَّ قالا: (ولم يَذكُرْ أحَدٌ من عُلماءِ النَّسَبِ للحُسَينِ بنِ أحمَدَ ولدًا اسمُه مُحَمَّدٌ، ولم يَدَّعِ السَّيِّدُ الرِّفاعيُّ هذا النَّسَبَ، وإنَّما ادَّعاه أولادُ أولادِه) [491] ((التاريخ الأوحد)) (46-50). .
وكذلك تَعقَّب مَحمود شُكري الألوسيُّ دَعوى النَّسَبِ التي نافحَ عنها الصَّيَّاديُّ، مُؤَكِّدًا أنَّ دَعوى الانتِساب إلى إبراهيمَ المُرتَضى من موسى الكاظِمِ لا أصلَ لها. قال: (فقد نُقِل عن صاحِبِ «مُختَصَر عُمدةِ الطَّالِبِ» أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ لم يَدَّعِ هذا النَّسَبَ، وإنَّما ادَّعاه البَطنُ الثَّالِثُ من ولدِه، ويَقولونَ: أحمَدُ بنُعَليِّ بنِ الحُسَينِ المَهديِّ بنِ أبي القاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أحمَدَ بنِ موسى بنِ إبراهيمَ المَذكورُ. قال أبو نَصرٍ البُخاريُّ: لا يَصحُّ لإبراهيمَ المُرتَضى عَقِبٌ إلَّا من موسى وجَعفَرٍ، ومَنِ انتَسَبَ إلى غَيرِهما فهو كاذِبٌ) [492] ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (1/ 223، 224). .
وحتَّى عَبدُ الوهَّابِ الشَّعرانيُّ الصُّوفيُّ الذي كان يَذكُرُ الرِّفاعيَّ ومَناقِبَه وأحوالَه، لم يَذكُرْ هذا النَّسَبَ، وإنَّما أورَدَ عِبارةً توحي بالشَّكِّ في صِحَّةِ النِّسبةِ إلى أهلِ البَيتِ؛ فإنَّه قال: (أحمَدُ بنُأبي الحُسَينِ الرِّفاعيُّ مَنسوبٌ إلى رِفاعةَ: قَبيلةٍ منَ العَرَبِ) [493] ((طبقات الشعراني)) (1/ 140). .
ولم تُرضِ هذه العِبارةُ الرِّفاعيَّةَ، فأبدى الصَّيَّاديُّ تَأسُّفَه على كَلمةِ: (مَنسوبٌ) التي ورَدَت في كَلامِ الشَّعرانيِّ، حتَّى قال: (وقد عاتَبَه بذلك الشَّيخُ أحمَدُ القَليوبيُّ في تُحفةِ الرَّاغِبِ على ذلك، فقال: فما أدري من أينَ أتى الشَّيخُ رَحِمَه اللهُ بهذه النِّسبةِ؟) [494] ((((التاريخ الأوحد)) (ص: 29)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 22) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ثمَّ إنَّ عامَّةَ المُؤَرِّخينَ أصحابِ الطَّبَقاتِ تَرجَموا للرِّفاعيِّ ولم يَتَطَرَّقْ واحِدٌ منهم إلى ذِكرِ نِسبَتِه إلى أهلِ البَيتِ.
فالسُّبكيُّ تَرجَمَ للرِّفاعيِّ في طَبَقاتِه ولم يَذكُرْ هذه النِّسبةَ. فإنَّه قال: (الشَّيخُ الزَّاهدُ الكَبيرُ أحَدُ أولياءِ اللهِ العارِفينَ، والسَّاداتِ المُشَمِّرينَ، أهلِ الكَراماتِ الباهرةِ: أبو العَبَّاسِ بنُأبي الحَسَنِ الرِّفاعيُّ المَغرِبيُّ، قدِمَ أبوه إلى العِراقِ...) [495] ((((طبقات الشافعية الكبرى))4) / 40). .
وكذلك الأمرُ بالنِّسبةِ لعامَّةِ المُؤَرِّخينَ كالذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ وابنِ العِمادِ وابنِ الأثيرِ وابنِ خَلِّكان، فإنَّهم تَرجَموا للرِّفاعيِّ ولم يَذكُروا له نِسبةً إلى أهلِ البَيتِ.
مَعَ أنَّ من عادَتِهم أنَّهم إذا تَرجَموا لرَجُلٍ من أهلِ البَيتِ ولم يُفصِّلوا ذِكرَ نَسَبِه، أن يُضيفوا على الأقَلِّ ما يَدُلُّ على نِسبَتِه إليهم، مِثلُ أن يَستَعمِلوا عِبارةَ: (الحُسَينيّ) أو (الحَسَنيِّ) أو (العَلَويِّ) مَعَ اسمِه.
وقد عَلَّل أبو الهدى الصَّيَّاديُّ غَفلةَ المُؤَرِّخينَ عن ذِكرِ نِسبةِ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ بأنَّ عامَّتَهم يُعنَونَ بالوقائِعِ التَّاريخيَّةِ لا على أنسابِ الرِّجالِ وفضائِلِهم [496] ((قلادة الجواهر)) (ص: 22). .
وما قاله غَيرُ صَحيحٍ؛ فإنَّ عامَّةَ المُؤَرِّخينَ ذَكَروا نَسَبَ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ كابنِ الأثيرِ وابنِ خَلِّكانَ وابنِ الوَرديِّ والذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ والصَّفديِّ وابنِ العِمادِ [497] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (11/ 492)، ((((وفيات الأعيان)) لابن خلكان 1)/ (172، ((((تاريخ ابن الوردي)) 2)/ 140)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (21/ 77)، ((((البداية والنهاية)) لابن كثير (12/ 312)، ((((الوافي بالوفيات)) للصفدي (7/ 219)، ((((شذرات الذهب)) لابن العماد (4/ 259). .
وليس الاختِلافُ حَولَ نِسبةِ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ فحَسبُ، وإنَّما الاختِلافُ أيضًا حَولَ حُصولِ العَقِبِ منه!
قال شَمسُ الدِّينِ ناصِرٌ الدِّمَشقيُّ: (إنَّ الرِّفاعيَّ لم يَبلُغْنا أنَّه أعقَبَ كَما جَزَمَ غَيرُ واحِدٍ منَ الأئِمَّةِ المَرضيَّةِ) [498] ((الفتح المبين)) (ص: 105). ويُنظر: ((الإحياء بعد الإنساء)) لشكر (1/ 379). .
وعامَّةُ المُؤَرِّخينَ قد ذَكَروا بأنَّ الرِّفاعيَّ لم يُعقِبْ، وإنَّما العَقِبُ من أخيه [499] يُنظر: ((تاريخ ابن الوردي)) (2/ 140)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (12/ 312)، ((شذرات الذهب)) لابن العماد (4/ 259)، ((الأعلام)) للزركلي (1/ 174). .
غَيرُ أنَّ صاحِبَ كِتابِ (النُّجومُ الزَّواهِرُ) يَذكُرُ أنَّ الرِّفاعيَّ تَزَوَّجَ أختَ زَوجَتِه الأولى، وأعقَبَها السَّيِّدَ قُطبَ الدِّينِ، وأنَّ هذا الأخيرَ تَزَوَّجَ في حَياةِ أبيه وأنجَبَ ولدًا سَمَّاه (منصورًا) [500] ((النجوم الزواهر)) للرجيبي (ص: 91). .
وعلى العَكسِ من ذلك فأبو الهدى الصَّيَّاديُّ ذَكَرَ أنَّ قُطبَ الدِّينِ توُفِّيَ في حَياةِ أبيه ولم يَكُنْ قد تَزَوَّجَ حينَئِذٍ، ودُفِنَ في قُبَّةِ جِدِّه يَحيى النَّجَّارِ، وأنَّ مَن تَؤولُ نِسبَتُهم إلى الرِّفاعيِّ إنَّما هم من بنتَيه زَينَبَ وفاطِمةَ [501] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) ))ص: 133، 321، 323)، ويُنظر لأبي الهدى الصيادي أيضًا: ((الأسرار الإلهية شرح القصيدة الرفاعية في مدح السيد أحمد الرفاعي)) (ص: 202). .
وبما أنَّ الدَّليلَ الذي قدَّمَه الصَّيَّاديُّ وغَيرُه لإثباتِ نِسبةِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ إلى آلِ البَيتِ لم يَكُنْ كافيًا، راحوا يَستَعيضونَ عن ذلك بالرُّؤى والحِكاياتِ المناميَّةِ وغَيرِها!
أمَّا الدَّليلُ الأوَّلُ: فقد ذَكَرَ الصَّيَّاديُّ في كِتابِه (المَعارِفُ المُحَمَّديَّةُ) أنَّ الشَّيخَ أبا الفَضلِ الواسِطيَّ كان يُنكِرُ نِسبةَ الرِّفاعيِّ إلى السُّلالةِ النَّبَويَّةِ، وأنَّه رَجَعَ عن ذلك بسَبَبِ رُؤيا مناميَّةٍ لا تَميلُ النَّفسُ إلى تَصديقِها، وفيها أنَّه رَأى أنَّ القيامةَ قد قامَت، واللِّواءُ على رَأسِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفاطِمةُ بَينَ يَدَيه، والرِّفاعيُّ عن يَمينِها!
قال الواسِطيُّ: (وأنا على خَوفٍ عَظيمٍ، فدَنَوتُ منَ السَّيِّدةِ فاطِمةَ واستَنجَدتُها فأعرَضَت عنِّي وقالت للشَّيخِ الرِّفاعيِّ: يا ولدي أحمَدُ، ما أعجَبَ حالَ هذا الرَّجُلِ، يُنكِرُ نَسَبَك إليَّ ويَستَنجِدُني؟! واللهِ لا نَجدةَ له عِندي إلَّا بواسِطَتِك. فقال لي الرِّفاعيُّ: أمِّي هذه أدرى بأولادِها منك. فقالتِ السَّيِّدةُ فاطِمةُ: الأدَبَ الأدَبَ مَعَ السَّيِّدِ أحمَدَ؛ فإنَّه قِطعةٌ مِن كَبدي!) [502] ((سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين)) لعبد الكريم الرافعي (ص: 5). .
الدَّليلُ الثَّاني عندهم على ثُبوتِ النَّسَبِ: أنَّ الرِّفاعيَّ والجِيلانيَّ قالا ذلك، والتَّأدُّبُ مَعَهما يوجِبُ تَصديقَهما من غَيرِ تَرَدُّدٍ ولا تَثبُّتٍ؛ فإنَّ عَدَمَ تَصديقِ ما قالوه من أنَّهم يَنتَسِبونَ إلى أهلِ البَيتِ قِلَّةُ أدَبٍ في حَقِّهم. والصَّحيحُ أنَّهما لم يُثبْتْ عنهما قَولُ ذلك.
قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (وقال رَجُلٌ مَوصِليٌّ لشَيخِنا الشَّيخِ عَبدِ الرَّحمَنِ جَمالِ الدِّين الحَدَّاديِّ: يا سَيِّدي، إنِّي رَأيتُ بعضًا من كُتُبِ التَّاريخِ سَكَتَ عن نِسبةِ الشَّيخِ عَبد القادِرِ الجيلانيِّ، وسَكَتَ عن نِسبةِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ مَعَ أنَّه عَرَبيُّ الأصلِ وأشهَرُ منه بالسِّيادةِ! وقد قال بَعضُ عُلماءِ فارِسَ:إنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ «بُشْتَبْريُّ» النَّسَبِ، وهَكَذا يَقولُ بَعضُ أهلِ بَيتِه. فقال شَيخُنا قدَّسَ اللهُ سِرَّه: اكفُفْ يا ولدي عنِ الخَوضِ، واعلَمْ أنَّ من كتَبَ التَّاريخَ سَكت عن نِسبةِ الاثنَينِ، إلَّا أنَّ بَعضَ الصُّوفيَّةِ ذَكَرَ نِسبةَ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ حِرصًا عليه لكَيلا يَطعنَ في نَسَبِه مَن لا عِلمَ له؛ لِما اشتَهرَ أنَّه منَ العَجَمِ، ولِما قيل فيه من أنَّه «بُشْتَبْريُّ» النَّسَبِ، والأصلُ الصَّحيحُ أنَّما هو رَجُلٌ فاطِميٌّ لا رَيبَ في نِسبَتِه إلى الجَدِّ الأعظَمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سَكَنَ أجدادُه فارِسَ إلى زَمانِه. وهذا ما يَجِبُ عَلينا اعتِقادُه؛ فإنَّ الأولياءَ أعلمُ منَّا بالأدَبِ الدِّينيِّ والواجِبِ الشَّرعيِّ، ولو لم تَكُنْ نِسبَتُه ثابتةَ الوُصولِ إلى الرَّسولِ لَما ادَّعاها قَطُّ. وأمَّا ما ذَكَرتَه من شُهرةِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ بالسِّيادةِ وكَونِه عَرَبيَّ الأصلِ والمَنشَأِ، فهو السَّبَبُ الذي اعتَمَدَ عليه الصُّوفيَّةُ وسَكَتَ عن ذِكرِ سِلسِلةِ نَسَبِه) [503] ((قلادة الجواهر)) (ص: 20). ويُنظر: ((جمهرة الأولياء)) للمنوفي (2/ 206). .
وممَّا يَستَدِلُّ به الرِّفاعيَّةُ على صِحَّةِ نَسَبِ الرِّفاعيِّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِصَّةُ مَدِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه إلى الرِّفاعيِّ!
وتفصيلُها: أنَّ اللهَ ناداه: قُمْ يا أحمَدُ وزُرْ بَيتَ اللهِ الحَرامِ وزُرِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال الرِّفاعيُّ لرَبِّه: سَمعًا وطاعةً. فسافرَ ومَعَه جَمٌّ غَفيرٌ إلى مَكَّةَ ثمَّ المَدينةِ، ووقَف عِندَ القَبرِ وقال: السَّلامُ عَليك يا جَدِّي، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليك السَّلامُ يا ولدي. فتَواجَدَ الرِّفاعيُّ وقال:
في حالةِ البُعدِ رُوحي كُنتُ أُرسِلُها
تُقَبِّلُ الأرضَ عنِّي وهي نائِبَتي
وهذه دَولةُ الأشباحِ قد حَضَرَت
فامدُدْ يَمينَك كَي تَحظى بها شَفَتي
فانشَقَّ التَّابوتُ، ومَدَّ النَّبيُّ يَدَه إلى الرِّفاعيِّ ليُقَبِّلَها أمامَ جَمعٍ كَبيرٍ منَ النَّاسِ يَزيدونَ على التِّسعينَ ألفًا، وكان من بَينِهم عَبدُ القادِرِ الجيلانيُّ، وعَديُّ بنُمُسافِرٍ، وحَيوةُ بنُقَيسٍ الحَرَّانيُّ [504] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) ص: 15، 20، 108)، ((المعارف المحمدية)) (ص: 34، 59)، ((الكليات الأحمدية)) (ص: 201)، ((العقود الجوهرية)) (ص: 6)، ((ذخيرة المعاد في سيرة بني صياد)) (ص: 33)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 6)، ((ضوء الشمس في قول النبي بني الإسلام على خمس)) (1/174)، ((الغارة الإلهية)) (ص: 56)، ((نور الأنصاف)) (ص: 14)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 59)، كلها لأبي الهدى الصيادي، ((سواد العينين)) للرافعي (ص: (10، ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 12)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 34)، ((إجابة الداعي)) للبرنزحي (ص: 18). وللصيادي كتبٌ خاصَّةٌ بهذه الحادثةِ، هي: ((الفخر المخلَّد في منقبة اليَد)) (ص: 10- 11)، و((الكنز المطلسَم في مدِّ يدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لولَدِه الغوثِ الرِّفاعيِّ الأعظَمِ رَضِيَ اللهُ عنه)) (ص: 5). !
واعتَبَروها حادِثةً مُتَواتِرةً يُضَلَّلُ مُنكِرُها [505] ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 104). ويُنظر: ((منهج قراءة التراث الإسلامي بين تأصيل العالمين وانتحال المبطلين)) للعلمي (ص: 88). كما صَرَّحَ الصَّيَّاديُّ بذلك قائِلًا: (فخُروجُ يَدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لسَيِّدي أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ مُمكِنٌ، ولا يَشُكُّ فيه إلَّا ذو زَيغٍ وضَلالةٍ، أو مُنافِقٌ طَبَعَ اللهُ على قَلبِه، وإنكارُها يُؤَدِّي إلى سوءِ الخاتِمةِ) [506] ((قلادة الجواهر)) (ص: 15، 108)، ((ضوء الشمس)) (ص: 175). .
تعقيبٌ على هذه القِصَّةِ:
إنَّ مُجَرَّدَ تَهديدِ مُنكِرِ هذه القِصَّةِ بسوءِ خاتِمَتِه إنَّما كان بسَبَبِ ضَعفِ الدَّليلِ الذي يُمكِنُ أن يُقدِّمَه الرِّفاعيَّةُ لإثباتِها، وإلَّا فالقِصَّةُ من أساسِها لا تَثبُتُ، والأدِلَّةُ على عَدَمِ ثُبوتِها كالآتي:
أوَّلًا: أنَّ أصحابَ كُتُبِ وتَراجِم الصُّوفيَّةِ الأوائِلِ كالسُّبكيِّ والشَّعرانيِّ وابنِ المُلقِّنِ والمُناويِّ لم يَتَعَرَّضوا لذِكرِ هذه الحادِثةِ، مَعَ أنَّهم كانوا أقرَبَ إلى عَصرِ الرِّفاعيِّ منَ المُتَأخِّرينَ، كالصَّيَّاديِّ، وليس منَ المَعقولِ أن يَحرِصوا على جَمعِ كَلِّ ما رويَ عنه، فيَرووا قِصَّةَ الجَرادةِ والبَعوضةِ، ويُهمِلوا هذه الحادِثةَ التي اهتَزَّت لها بقاعُ الأرضِ، على حَدِّ تَعبيرِ الصَّيَّاديِّ!
ثانيًا: أنَّ المُؤَرِّخينَ من غَيرِ المُتَصَوِّفةِ كالذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ وابنِ خَلِّكانَ لم يَتَعَرَّضوا لذِكرِ هذه الحادِثةِ إطلاقًا، ولو أنَّها وقَعَت حَقيقةً لتَسابقوا إلى كِتابَتِها. وقد ذَكَروا ما اشتَهرَ به الرِّفاعيُّونَ من دُخولِ النِّيرانِ واللَّعِبِ بالحَيَّاتِ ورُكوبِ السِّباعِ غَيرَ أنَّهم لم يَتَطَرَّقوا إلى ذِكرِ هذه الحادِثةِ، الأمرُ الذي يَبعَثُ على الجَزمِ بأنَّ حَبكَها كان مُتَأخِّرًا عنهم.
ثالثًا: أنَّ رواةَ هذه الحادِثةِ همُ الصُّوفيَّةُ الذينَ شَهدَ الرِّفاعيُّ نَفسُه بأنَّهم يَكذِبونَ على مَشايِخِهم وأئِمَّتِهم؛ حَيثُ قال: (واحذَرِ الفِرقةَ التي دَأبُها التَّفكُّهُ بحِكاياتِ الأكابرِ وما يُنسَبُ إليهم؛ فإنَّ أكثَرَ ذلك مَكذوبٌ عليهم، وقال: يا بُنَيَّ إذا نَظَرتَ في القَومِ الذينَ ادَّعَوا التَّصَوُّفَ وجَدتَ أنَّ أكثَرَهم منَ الزَّنادِقةِ الحَروريَّةِ والمُبتَدِعةِ) [507] يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 122،123، 156)، ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) المنسوب للرفاعي (ص: 105). .
وقد ورَدَ عنِ الصُّوفيَّةِ في بَعضِ كُتُبِهم ما يُؤَيِّدُ كَلامَ الرِّفاعيِّ السَّابِقَ، ومن ذلك:
1- ذَكَروا أنَّ إبراهيمَ الأعزَبَ أنشَدَ شِعرًا عِندَ قَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (بارَك اللَّهُ بك، أنتَ مَنظورٌ بعَينِ الرِّضا) [508] يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 69). .
2- أنَّ الشَّيخَ بَهاءَ الدِّينِ الرَّوَّاسَ الرِّفاعيَّ وقَف عِندَ أحَدِ القُبورِ، فخَرَجَ له إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ القَبرِ وأعطاه ورَقةً مَكتوبٌ عليها هكذا (محمد1111).
ويَتَضَمَّنُ هذا الرَّمزُ-بزَعمِهم- مِئاتِ الأسرارِ من كِتابِ (الجَفْرِ) [509] يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 177، 179). .
3- أنَّ الشَّيخَ عليًّا أبا الحَسَنِ الشَّاذِليَّ استَأذَنَ في الدُّخولِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَمِعَ النِّداءَ من داخِلِ الرَّوضةِ الشَّريفةِ يَقولُ له: (يا عَليُّ، ادخُلْ) [510] يُنظر: ((أبو الحسن الشاذلي)) لمحمود (ص: 79). !
4- أنَّ عَبدَ القادِرِ الجَزائِريَّ وقَف تُجاهَ القَبرِ وقال: (يا رَسولَ اللهِ: عَبدُك ببابِك، كَلبُك بأعتابِك، نَظرةٌ منك تُغنيني يا رَسولَ اللهِ، عَطفةٌ منك تَكفيني، فقال له الرَّسولُ: أنت ولدي، ومَقبولٌ عِندي بهذه السَّجعةِ المُبارَكةِ) [511]يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/100). .
5- أنَّ الشَّعَرانيَّ قال: (وممَّا مَنَّ اللهُ عَليَّ: شِدَّةُ قُربي من رَسولِ اللهِ، وهي المَسافةُ بَيني وبَينَ قَبرِه الشَّريفِ في أكثَرِ الأوقاتِ، حتَّى رُبَّما أضَعُ يَدَي على مَقصورَتِه وأنا جالسٌ بمِصرَ، وأكَلِّمُه كما يُكَلِّمُ الإنسانُ جَليسَه) [512] ((لطائف المنن والأخلاق)) (ص: 123). !
وبهذا الزَّعمِ يَصيرُ الأمرُ مُشاهَدةً عِيانيَّةً لا مَناميَّةً! وأيُّ قيمةٍ بَعدَ ذلك لكُتُبِ السُّنَّةِ والحَديثِ ما دامَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَيٌّ حاضِرٌ مَعَ هؤلاء، وهل يَصيرُ اجتِهادُ المُجتَهدينَ في استِخراجِ الأحكامِ إلَّا هَدرًا للوقتِ؟ هلَّا طَلبوا منَ الصُّوفيَّةِ استِفتاءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها تَوفيرًا للوقتِ؟ وكَيف يَتَّفِقُ أن يَشتَهرَ الصُّوفيَّةُ بعَدَمِ الإلمامِ بالشَّريعةِ وبالحَديثِ، ويَخلِطونَ بَينَ الصَّحيحِ والمَوضوعِ منَ الحَديثِ، وبَينَهم رَسولُ اللهِ يَحضُرُهم كُلَّما شاؤوا؟!
6- أنَّ الصَّيَّاديَّ ذَكَرَ أنَّ إبراهيمَ المَتبوليَّ كان يَرى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَتَلقَّى أوامِرَه المُحَمَّديَّةَ، وأنَّ أبا العَبَّاس المُرسي كان يَراه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَرى الانحِجابَ عن رُؤيَتِه نَقصًا في مَقامِ وِلايَتِه، وأنَّ الشَّاذِليَّ لم يَكُنْ طيلةَ حَياتِه يُفارِقُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ يُقسِمُ على ذلك قائِلًا: (واللَّهِ لو غابَ عنِّي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرفةَ عَينٍ ما عَدَدتُ نَفسي منَ المُسلِمينَ) [513] يُنظر: ((الطبقات)) للشعراني (2/ 14)، ((ضوء الشمس)) (1/ 176، 177)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 106، 292) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. !
7- أنَّ الصَّيَّاديَّ ذَكَرَ أنَّ أحَدَ أعيانِ الصُّوفيَّةِ -واسمُه الشَّيخُ جَلالُ الدِّين- كان يَجتَمِعُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقَظةً لا في المَنامِ، فقيل له: كَم مَرَّةً رَأيتَه يَقَظةً؟ قال: (بضعًا وسَبعينَ مَرَّةً)!
فأيُّهما أعظَمُ: مَن يَستَلمُ يَدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً واحِدةً أم مَن يَجلسُ بجانِبِه يَقَظةً ويُحادِثُه أكثَرَ من سَبعينَ مَرَّةً؟! [514] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 422، 423). .
رابعًا: أنَّهم زَعَموا أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُئِيَ في المَنامِ أنَّه شَدَّ الرِّحالَ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ والكَعبةُ تَسيرُ مَعَه، وقد قال: (ها أنا والكَعبةُ زائِرونَ، وجَلسَ يُنادي أهلَ القُرى في طَريقِه أن يَزوروا مَعَه الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ) [515] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59)، ونحوه أيضًا: ((إرشاد المسلمين لطريقة شيخ المتقين)) للفاروثي (ص: 96). .
ثمَّ تَبَيَّنَ للرَّاوي أنَّ الرُّؤيا حَقيقيَّةٌ، فقامَ وذَهَبَ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ مُشارِكًا مَوكِبَ النَّبيَّعليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والكَعبةُ.
خامسًا: أنَّهم رَووا عنِ الرِّفاعيِّ أيضًا أنَّه في العامِ الثَّاني زارَ القَبرَ مَرَّةً أخرى. قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (ولمَّا حَجَّ الرِّفاعيُّ عامَ وفاتِه وزارَ قَبرَ النَّبيِّ الذي هو أفضَلُ منَ الجَنَّةِ، بل منَ العَرشِ والكُرسيِّ، أنشَدَ قائِلًا:
إن قيل زُرتُم بما رَجَعتُم
يا أشرَفَ الرُّسُلِ ما نَقولُ
فخَرَجَ صَوتٌ منَ القَبرِ سَمِعَه كُلُّ من حَضَر وهو يَقولُ:
قولوا رَجَعْنا بكُلِّ خَيرٍ
واجتَمَعَ الفرعُ والأصولُ) [516]((قلادة الجواهر)) (ص: (104. ويُنظر له أيضًا: ((ضوء الشمس)) (1/ 176). .
فالرِّفاعيُّ في كُلِّ مَرَّةٍ من هذه القِصَصِ لا يُخاطِبُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بالشِّعرِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُجيبُه إلَّا بالشِّعرِ! لماذا لا يُخاطِبُه بلُغةِ القُرآنِ من غَيرِ شِعرٍ ولا نَثرٍ ولا سَجعٍ؟ وهل نَسيَ القَومُ قَولَ اللهِ تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ [يس: 69] ، ألم يَعلموا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُبغِضُ الشِّعرَ؟ فقد جاءَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ الشِّعرَ كان أبغَضَ الحَديثِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [517] أخرجه أحمد (25020)، والطيالسي (1593)، والبيهقي (21679)باختلافٍ يسيرٍ.  صحَّح إسنادَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) وقال: على شرط مسلم، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (25020)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/122): رجالُه رجالُ الصَّحيحِ. .
سادِسًا: أنَّه يَلزَمُ من تَكليمِ الرِّفاعيِّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإمساكِ يَدِه عيانًا أن يَصيرَ صَحابيًّا، فيَنالَ شَرَف الصُّحبةِ. ولو قالوا بأنَّها كانت رُؤيا لما لزِمَ ذلك، لكِنَّهم يُصِرُّونَ على أنَّ الحادِثةَ كانت يَقَظةً لا مَنامًا.
سابعًا: ادَّعى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ الجيلانيَّ كان مَوجودًا وقتَ الحادِثةِ. وقد أرادَ الصَّيَّاديُّ من ذِكرِ الجيلانيِّ أن يَجعَل منه شاهدًا على ما حَدَثَ، ولكِن أينَ شَهادةُ الجيلانيِّ نَفسِه بذلك، وهو لم يَذكُرْ في مُصَنَّفاتِه كـ(المُغني) و(الفتحِ الرَّبَّانيِّ) شيئًا من ذلك، ولا رَوى عنه أصحابُه ولا مُتَرجِموه أنَّه شَهدَ على ذلك؟ بل لم يُعرَفْ عنه أبَدًا أنَّه رافقَ الرِّفاعيَّ إلى الحَجِّ؛ فالصَّيَّاديُّ يَأتي لنا بشُهودٍ لم يَشهَدوا؛ إذ لن يَستَطيعَ الجيلانيُّ بَعدَ مَوتِه أن يُكذِّبَ هذه الدَّعوى المَنسوبةَ إليه.
ثامنًا: أنَّ هذين البَيتَينِ اللَّذَينِ أنشَدَهما الرِّفاعيُّ عِندَ القَبرِ مَنسوبانِ إلى غَيرِه.
قال الألوسيُّ: (إنَّ كثيرًا من أهلِ العِلمِ والأدَبِ نسَبَ البَيتَينِ إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ؛ قال الشَّيخُ صَلاحُ الدِّينِ الصَّفويُّ في تَذكِرَتِه: حُكيَ أنَّ ابنَ الفارِضِ لمَّا اجتَمَعَ بالشِّهابِ السَّهرَورديِّ في مَكَّةَ أنشَدَه:
في حالةِ البُعدِ رُوحي كُنتُ أُرسِلُها
تُقَبِّلُ الأرضَ عنِّي وهي نائِبَتي
وهذه دَولةُ الأشباحِ قد حَضَرَت
فامدُدْ يَمينَك كَي تَحظى بها شَفَتي
.... ومِمَّن نَقلَ ذلك الشِّهابُ الخَفاجيُّ في كِتابه «طِرازُ المَجالِسِ») [518] ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (1/ 224، 225). . وأورَدَها كذلك شِهابُ الدِّينِ العُمَريُّ [519] يُنظر: ((مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)) (8/ 370). ، وكبريت في (رِحلةِ الشِّتاءِ والصَّيفِ) [520] يُنظر: ((رحلة الشتاء والصيف)) (ص: 88، 89). .
وقد تَرَتَّبَ على نِسبةِ الرِّفاعيِّ لآلِ البَيتِ غُلوٌّ آخَرُ لدى الرِّفاعيَّةِ؛ فذَكَرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال: (وحَقِّ العَزيزِ سُبحانَه وتعالى: قَبَضَ العَزيزُ جَلَّ جَلالُه من نورِ وجهِه قَبضةً فخَلقَ منها سَيِّدَنا المُصطَفى مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَشَحَت فخَلقَني منها) [521] ((قلادة الجواهر)) (ص: 133). !
وجاءَ في كِتابِ (الرَّوضِ النَّضيرِ) أنَّ اللهَ أمَر كُلَّ نَبيٍّ أن يُعطيَ شيئًا من روحِه إلى الشَّيخِ الرِّفاعيِّ، فأجابَ الأنبياءُ رَبَّهم إلى ذلك، وأعطى كُلٌّ منهم شيئًا من روحِه إلى الشَّيخِ الرِّفاعيِّ، فتَكَوَّنَت روحُه من أرواحِهم ومن رُوحِ جَدِّه المُصطَفى [522]يُنظر: ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 57) على هامش ((رياضة الأسماع)) لأبي الهدى الصيادي. !

انظر أيضا: