موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالثُ: استِمرارُ ما دَرَجَ عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مِن تَسويةِ القُبورِ والنَّهيِ عَن تَعظيمِها إلى نِهايةِ القُرونِ المُفضَّلةِ


قال الشَّافِعيُّ: (لَم أرَ قُبورَ المُهاجِرينَ والأنصارِ مُجَصَّصةً... وقد رَأيتُ مِنَ الوُلاةِ مَن يَهدِمُ بمَكَّةَ ما يُبنى فيها، فلَم أرَ الفُقَهاءَ يَعيبونَ ذلك) [341] ((الأم)) (1/ 277). .
ثُمَّ قال: (وأكرَهُ أن يُبنى على القَبرِ مَسجِدٌ، وأن يُسَوَّى، أو يُصَلَّى عليه وهو غَيرُ مُسَوًّى، أو يُصَلَّى إليه، قال: وإن صَلَّى إلَيه أجَزأه، وقد أساءَ، أخبَرَنا مالِكٌ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((قاتَلَ اللهُ اليَهودَ والنَّصارى؛ اتَّخَذوا قُبورَ أنبيائِهم مَساجِدَ، ولا يَبقى دينانِ بأرضِ العَرَبِ)) [342] أخرجه الشافعي في ((الأم)) (2/633). والحديثُ أخرجه مرسَلًا مالك (2/892)، وعبد الرزاق (19368)، والبيهقي (12079) من حديثِ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ رَضِيَ اللهُ عنه. قال البيهقي، وابن كثير في ((البداية والنهاية)) (5/209): مرسَلٌ، وقال ابنُ عبد البر في ((التمهيد)) (1/165): مَقطوعٌ، يَتَّصِلُ مِن وُجوهٍ حِسانٍ، وقال ابنُ حَجَرٍ في ((تغليق التَّعليق)) (3/304): مُرسَلٌ يَتَقَوَّى بمُرسَلٍ آخَرَ. ولَكِنْ قَولُه: "قاتَلَ اللهُ اليَهودَ والنَّصارى؛ اتَّخَذوا قُبورَ أنبيائِهم مَساجِدَ" أخرجه البخاري (437)، ومسلم (530) دونَ ذِكرِ النَّصارى، مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ الله عنه. وقَولُه: "ولا يَبقى دينانِ بأرضِ العَرَب" أخرجه أحمد (26352)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1066) مِن حَديثِ عائِشةَ رَضيَ الله عنها. صحَّحه الدارقطني في ((العلل)) (7/256)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (26352)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1623)، وحسَّن إسنادَه الألباني في ((التعليقات الرضية)) (3/493). ، وأكرَهُ هذا للسُّنَّةِ والآثارِ، وأنَّه كَرِهَ -واللهُ أعلَمُ- أن يُعَظَّمَ أحَدٌ مِنَ المُسلمينَ، يَعني: يُتَّخَذُ قَبرُه مَسجِدًا، ولَم تُؤمَنْ في ذلك الفِتنةُ والضَّلالُ على مَن يَأتي بَعدُ) [343] ((الأم)) (1/278). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (ولَم يَكُنْ في العُصورِ المُفضَّلةِ "مَشاهِدُ" على القُبورِ، وإنَّما كَثُرَ بَعدَ ذلك في دَولةِ بَني بُوَيهِ لَمَّا ظَهَرَتِ القَرامِطةُ بأرضِ المَشرِقِ والمَغرِبِ، وكان بها زَنادِقةٌ كُفَّارٌ مَقصودُهم تَبديلُ دينِ الإسلامِ، وكان في بَني بُوَيهِ مِنَ الموافقةِ لَهم على بَعضِ ذلك ومِن بدَعِ الجَهميَّةِ والمُعتَزِلةِ والرَّافِضةِ ما هو مَعروفٌ لأهلِ العِلمِ؛ فبَنَوا المَشاهِدَ المَكذوبةَ، كمَشهَدِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه وأمثالِه) [344] ((مجموع الفتاوى)) (27/ 167). .

انظر أيضا: