موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: مَوقِفُ الإسلامِ مِنَ القُبورِ والأضرِحةِ


الإسلامُ لَم يَأتِ بتَقديسِ القُبورِ والأضرِحةِ.
والمُتَأمِّلُ في نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ ونُصوصِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم وتابعيهم بإحسانٍ يَجِدُ أنَّ تَقديسَ القُبورِ والغُلُوَّ فيها دَخيلٌ على الإسلامِ؛ فأحاديثُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الثَّابتةُ جاءت بالنَّهيِ الصَّريحِ عَن كُلِّ ذَريعةٍ تُفضي إلى ذلك المَفهومِ، ومِن ذلك:
قَولُه: ((لا تَجعَلوا بُيوتَكُم قُبورًا، ولا تَجعَلوا قَبري عيدًا، وصَلُّوا علَيَّ؛ فإنَّ صَلاتَكُم تَبلُغُني حَيثُ كُنتُم)) [320] أخرجه أبو داود (2042) واللفظ له، وأحمد (8804) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2042)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2042)، وحسَّنه ابنُ تيميَّةَ في ((الإخنائية)) (265)، ومحمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (207)، وابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (3/314). .
وقَولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللَّهمَّ لا تَجعَلْ قَبري وثَنًا يُعبَدُ، لَعَنَ اللهُ قَومًا اتَّخَذوا قُبورَ أنبيائِهم مَساجِدَ)) [321] أخرجه أحمد (7358)، والحميدي (1025)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (7823) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. حسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1443)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (13/88)، والألباني في ((تحذير الساجد)) (25)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7358) وقولُه: "لعن اللهُ قومًا اتَّخذوا قبورَ ..." أصلُه في صحيحِ البخاري (437)، ومسلم (530). .
وعَن عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال لأبي الهيَّاجِ: ألَّا أبعَثُك على ما بَعَثَني عليه رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ((أن لا تَدَعَ تِمثالًا إلَّا طَمَستَه، ولا قَبرًا مُشرِفًا إلَّا سَوَّيتَه)) [322] أخرجه مسلم (969). .
((ونَهى رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُجَصَّصَ القَبرُ، وأن يُقعَدَ عليه، وأن يُبنى عليه)) [323] أخرجه مسلم (970) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
وفي رِوايةٍ زيادةُ: ((أو أن يُكتَبَ عليه)) [324] أخرجها أبو داود (3226) والترمذي (1052) والنسائي (2027) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحها ابنُ حِبان في ((صحيحه)) (3164)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/320)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3226)، وصحَّح إسنادَها ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (4/337). .
وعلى ذلك سارَ السَّلَفُ الصَّالحُ مِن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ومَن تَبعَهم بإحسانٍ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (لَم يَكُنْ على عَهدِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وتابعيهم مِن ذلك شَيءٌ في بلادِ الإسلامِ؛ لا في الحِجازِ ولا اليَمَنِ، ولا الشَّامِ ولا العِراقِ، ولا مِصرَ، ولا خُراسانَ ولا المَغرِبِ، ولَم يَكُنْ قد أُحدِث مَشهدٌ، لا على قَبرِ نَبيٍّ، ولا صاحِبٍ، ولا أحَدٍ مِن أهلِ البَيتِ، ولا صالحٍ أصلًا، بَل عامَّةُ هذه المَشاهدِ مُحدَثةٌ بَعدَ ذلك، وكان ظُهورُها وانتِشارُها حينَ ضَعُفت خِلافةُ بَني العَبَّاسِ، وتَفرَّقَتِ الأُمَّةُ، وكَثُرَ فيهمُ الزَّنادِقةُ المُلَبِّسونَ على المُسلمينَ، وفشَت فيهم كَلِمةُ أهلِ البدَعِ، وذلك مِن دَولةِ المُقتَدِرِ في أواخِرِ المِائةِ الثَّالثةِ؛ فإنَّه إذ ذاكَ ظَهَرَتِ القَرامِطةُ العُبَيديَّةُ القدَّاحيَّةُ في أرضِ المَغرِبِ، ثُمَّ جاؤوا بَعدَ ذلك إلى أرضِ مِصرَ) [325] ((مجموع الفتاوى)) (27/466). .

انظر أيضا: