موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: الرَّافِضةُ أوَّلُ مَن أحدَثَ المَشاهِدَ المُعَظَّمةَ


لمَّا ضَعُفت سُلطةُ الخُلَفاءِ العَبَّاسيِّينَ وقَويَ النُّفوذُ الرَّافِضيُّ والباطِنيُّ، أُحدِثَتِ المُشاهِدُ على القُبورِ، وانفتَحَ هذا البابُ الكَبيرُ مِنَ الشَّرِّ على أُمَّةِ الإسلامِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (ظَهَرَت بِدعةُ التَّشَيُّعِ التي هيَ مِفتاحُ بابِ الشِّركِ، ثُمَّ لَمَّا تَمَكَّنَتِ الزَّنادِقةُ أمَروا ببناءِ المَشاهدِ وتَعطيلِ المَساجِدِ، مُحتَجِّينَ بأنَّه لا تُصَلَّى الجُمُعةُ والجَماعةُ إلَّا خَلفَ المَعصومِ. ورَوَوا في إنارةِ المَشاهِدِ وتَعظيمِها والدُّعاءِ عِندَها مِنَ الأكاذيبِ ما لَم أجِدْ مِثلَه فيما وقَفتُ عليه مِن أكاذيبِ أهلِ الكِتابِ، حَتَّى صَنَّف كَبيرُهمُ ابنُ النُّعمانِ كِتابًا في "مَناسِكِ حَجِّ المَشاهِدِ"، وكَذَبوا فيه على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأهلِ بَيتِه أكاذيبَ بَدَّلوا بها دينَه وغَيَّروا مِلَّتَه، وابتَدَعوا الشِّركَ المُنافيَ للتَّوحيدِ؛ فصاروا جامِعينَ بَينَ الشِّركِ والكَذِبِ!) [345] ((مجموع الفتاوى)) (27/ 161- 162). .
وأهلُ التَّاريخِ والآثارِ قد أقاموا البَراهينَ على صِدقِ ما قاله ابنُ تيميَّةَ؛ فالدُّكتورة سُعاد ماهر -أُستاذةُ العِمارةِ الإسلاميَّةِ بجامِعةِ القاهرةِ- أثبَتَت في مَوسوعَتِها (مَساجِدُ مِصرَ وأولياؤُها الصَّالحونَ) أنَّ أوائِلَ الأضرِحةِ التي شُيِّدَت عليها المَشاهِدُ هيَ أضرِحةُ الشِّيعةِ الرَّافِضةِ، فأثبَتَت أنَّ أوَّلَ ضَريحٍ في الإسلامِ أُقيمَت عليه قُبَّةٌ عُرِفت بقُبَّةِ الصَّليبيَّةِ، وأنَّها بُنيَت عامَ 284ه على قَبرِ الخَليفةِ المُنتَصِرِ العَبَّاسيِّ، ونَقَلَت عَنِ الطَّبَريِّ أنَّ أُمَّ الخَليفةِ العَبَّاسيِّ المُنتَصِرِ استَأذَنَت في بناءِ ضَريحٍ مُنفصِلٍ لولَدِها، فأذِنَ لَها؛ إذ كانتِ العادةُ قَبلَ ذلك أن يُدفَنَ الخَليفةُ في قَصرِه، وتلك الأُمُّ هي أمُّ وَلَدٍ نَصرانيَّةٌ روميَّةٌ، فهيَ بحُكمِ عَقيدَتِها وما تَرَبَّت عليه مِن تَعظيمِ القُبورِ طَلبَت ذلك، وأُجيبَت إليه عِندَما تَمَكَّنَ نِساءُ القَصرِ مِن تَسييرِ الحَياةِ، وغَلبْنَ على الخُلَفاءِ في حالِ ضَعفِهم وانصِرافِهم إلى شَهَواتِهم ومَلَذَّاتِهم؛ إذَن فالتَّأثيرُ النَّصرانيُّ ظاهِرٌ في إنشاءِ هذا المَشهَدِ.
وقالت: (يَليها مِن حَيثُ التَّاريخُ ضَريحُ إسماعيلَ السَّامانيُّ، المَبنيُّ سَنةَ 296ه في مَدينةِ بُخارى، ثُمَّ ضَريحُ الإمامِ عَليٍّ في النَّجَفِ الذي بَناه الحَمدانيُّونَ سَنةَ 317ه، ثُمَّ ضَريحُ مُحَمَّدِ بنِ موسى في مَدينةِ قُمَّ بإيرانَ سَنةَ 366ه، ثُمَّ ضَريحُ السَّبع بَناتٍ في الفُسطاطِ سَنةَ 400ه) [346] ((مساجد مصر وأولياؤها الصالحون)) (1/ 46). .

انظر أيضا: