موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: مَنهَجُ التَّزكيةِ عِندَ الصُّوفيَّةِ


الواقِعُ أنَّ الصُّوفيَّةَ مِن أجهَلِ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ بآثارِ النُّبوَّةِ، وأكثَرِها تَرويجًا للأحاديثِ الضَّعيفةِ والمَوضوعةِ، وذلك واضِحٌ جَليٌّ في مُصَنَّفاتِهم؛ فإنَّها مَليئةٌ بالأخبارِ المَوضوعةِ وما لا أصلَ له، بالإضافةِ إلى كَثرةِ الحِكاياتِ والخُرافاتِ التي يُعَوِّضونَ بها فَقْرَهم بالآثارِ النَّبَويَّةِ، ويَظهَرُ ذلك أيضًا في مَناهِجِ التَّزكيةِ عِندَهم؛ حَيثُ يَطلُبونَ زَكاةَ نُفوسِهم بما لم يَشرَعْه اللهُ عزَّ وجَلَّ ولا رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذه بَعضُ وسائِلِهم في ذلك:
1- إنشادُ الشِّعرِ: رَوى بَعضُهم كَذِبًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنشَدَه أعرابيٌّ شِعرًا فقال:
قد لسَعَت حَيَّةُ الهَوى كَبِدي
فلا طَبيبَ لها ولا راقي
سِوى الحَبيبِ الذي شُغِفتُ به
فمِنه دائي ومِنه تِرياقي
وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَواجَدَ حَتَّى سَقَطَتِ البُردةُ عن مَنكِبَيه، وقال: ((ليس بكَريمٍ مَن لم يَتَواجَدْ عِندَ ذِكرِ المَحبوبِ)) [225] أخرَجَه ابنُ القَيسرانيُّ مُحَمَّد بنُ طاهِر المَقدِسيُّ في ((صفوة التصوف)) (413) عن أنَسٍ قال: كُنَّا عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ... فتَواجَدَ الأصحابُ مَعَه حَتَّى سَقَطَ رِداؤُه عن مَنكِبَيه ... فقال: ((ليسَ بكَريمٍ مَن لم يَهتَزَّ عِندَ ذِكرِ سَماعِ الحَبيبِ)). قال ابنُ تيميَّةَ في ((مَجموع الفَتاوى)) (11/563): مَكذوبٌ مَوضوعٌ باتِّفاقِ أهلِ العِلمِ، وقال الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (558): موضوعٌ. .
قال ابنُ تيميَّةَ: (هذا حَديثٌ كَذِبٌ بإجماعِ العارِفينَ بسيرةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسُنَّتِه وأحوالِه) [226] ((مجموع الفتاوى)) (11/ 598). .
وقال ابنُ الجَوزيِّ: (هذه الطَّائِفةُ إذا سَمِعَتِ الغِناءَ تَواجَدَت وصَفَّقَت وصاحَت ومَزَّقَتِ الثِّيابَ، وقَد لبَّسَ عليهم إبليسُ في ذلك وبالَغَ، وقَدِ احتَجُّوا بما رويَ عن سَلمانَ الفارِسيِّ رَضيَ اللهُ عنه لمَّا نَزَلَت: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 43] أنَّه صاحَ صَيحةً ووَقَعَ على رَأسِه ثُمَّ خَرَجَ هارِبًا ثَلاثةَ أيَّامٍ. والجَوابُ: أنَّ ما ذَكَروه عن سَلمانَ فمُحالٌ وكَذِبٌ، ثُمَّ ليس له إسنادٌ، والآيةُ نَزَلَت بمَكَّةَ وسَلمانُ إنَّما أسلَمَ بالمَدينةِ، ولَم يُنقَلْ عن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ مِثلُ هذا أصلًا... واعلَمْ -وفَّقَك اللهُ- أنَّ قُلوبَ الصَّحابةِ كانَت أصغى القُلوبِ، وما كانوا يَزيدونَ عِندَ الوَجدِ على البُكاءِ والخُشوعِ... وهذا حَديثُ العِرباضِ بنِ ساريةَ رَضيَ اللهُ عنه: ((وعَظَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَوعِظةً ذَرَفَت مِنها العُيونُ، ووَجِلَت مِنها القُلوبُ)) [227] أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه الترمذي، والبزار كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1164)، وابن حبان في ((صحيحه)) (5)، والحاكم في ((المستدرك)) (333)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/582). . قال أبو بَكرٍ الآجُرِّيُّ: "ولَم يَقُلْ: صَرَخْنا ولا ضَرَبْنا صُدورَنا كما يَفعَلُ كَثيرٌ مِنَ الجُهَّالِ الذينَ يَتَلاعَبُ بهم الشَّيطانُ"... والتَّصفيقُ مُنكَرٌ يُطرِبُ ويُخرِجُ عن حَدِّ الِاعتِدالِ، ويَتَنَزَّه عن مِثلِه العُقَلاءُ، ويَتَشَبَّه فاعِلُه بالمُشرِكينَ فيما كانوا يَفعَلونَه عِندَ البَيتِ مِنَ التَّصديةِ، وهي التي ذَمَّهم اللهُ عزَّ وجَلَّ بها، فقال: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيةً [الأنفال: 35] ، فالمُكاءُ: الصَّفيرُ، والتَّصديةُ: التَّصفيقُ... فإذا قَوِيَ طَرَبُهم رَقَصوا، وقَدِ احتَجَّ بَعضُهم بقَولِه تعالى لأيُّوبَ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: 42] ... وهذا الاحتِجاجُ بارِدٌ؛ لأنَّه لو كان أُمِر بضَربِ الرِّجْلِ فرَحًا كان لهم فيه شُبهةٌ، وإنَّما أُمِر بضَربِ الرِّجلِ ليَنبُعَ الماءُ. قال ابنُ عَقيلٍ: "أينَ الدَّلالةُ في مُبتَلًى أُمِرَ عِندَ كَشفِ البَلاءِ بأن يَضرِبَ برِجلِه الأرضَ ليَنبُعَ الماءُ إعجازًا مِنَ الرَّقصِ؟") [228] يُنظر: ((تلبيس إبليس)) (ص: 223- 232). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (وبالجُملةِ فقَد عُرِفَ بالِاضطِرارِ مِن دينِ الإسلامِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَشرَعْ لصالِحي أُمَّتِه وعُبَّادِهم وزُهَّادِهم أن يَجتَمِعوا على استِماعِ الأبياتِ المُلَحَّنةِ مَعَ الضَّربِ بالكَفِّ أو ضَربٍ بالقَضيبِ أوِ الدُّفِّ، كما لم يُبِحْ لأحَدٍ أن يَخرُجَ عن مُتابَعَتِه واتِّباعِ ما جاءَ به مِنَ الكِتابِ والحِكمةِ لا في باطِنِ الأمرِ ولا في ظاهِرِه، ولا لعامِّيٍّ ولا لخاصِّيِّ، ولَكِنْ رَخَّص النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أنواعٍ مِنَ اللَّهوِ في العُرسِ ونَحوِه؛ رَخَّصَ للنِّساءِ أن يَضرِبنَ بالدُّفِّ في الأعراسِ والأفراحِ، وأمَّا الرِّجالُ على عَهدِه فلم يَكُنْ أحَدٌ مِنهم يَضرِبُ بالدُّفِّ ولا يُصَفِّقُ بكَفٍّ، بل قد ثَبَتَ عنه في الصَّحيحِ أنَّه قال: ((التَّصفيقُ للنِّساءِ، والتَّسبيحُ للرِّجالِ)) [229] أخرجه البخاري (1203)، ومسلم (422) مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، بلَفظِ: ((التَّسبيحُ للرِّجالِ، والتَّصفيقُ للنِّساءِ)). ، ولَعَن المُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بالرِّجالِ، والمُتَشَبِّهينَ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساءِ [230] أخرجه البخاري (5885) عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قال: ((لعنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُتَشَبِّهينَ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بالرِّجالِ)). [231] ((مجموع الفتاوى)) (11/ 567، 568). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (تكَلَّم كَثيرٌ مِنَ المُتَأخِّرينَ في السَّماعِ: هل هو مَحظورٌ أو مَكروهٌ أو مُباحٌ؟ وليس المَقصودُ بذلك مُجَرَّدَ رَفعِ الحَرَجِ، بل مَقصودُهم بذلك أن يُتَّخَذَ طَريقًا إلى اللهِ يَجتَمِعُ عليه أهلُ الدِّياناتِ لصَلاحِ القُلوبِ، والتَّشويقِ إلى المَحبوبِ، والتَّخويفِ مِنَ المَرهوبِ، والتَّحَزُّنِ على فواتِ المَطلوبِ، فتُستَنزَلُ به الرَّحمةُ، وتُستَجلَبُ به النِّعمةُ، وتُحَرَّكُ به مَواجيدُ أهلِ الإيمانِ، وتُستَجلى به مَشاهِدُ أهلِ العِرفانِ، حتَّى يَقولَ بَعضُهم: إنَّه أفضَلُ لبَعضِ النَّاسِ أو للخاصَّةِ مِن سَماعِ القُرآنِ مِن عِدَّةِ وُجوهٍ، حَتَّى يَجعَلونه قُوتًا للقُلوبِ، وغِذاءً للأرواحِ، وحاديًا للنُّفوسِ يَحدوها إلى السَّيرِ إلى اللهِ ويَحُثُّها على الإقبالِ عليه.
ولِهذا يوجَدُ مَنِ اعتادَه واغتَذى به لا يَحِنُّ إلى القُرآنِ، ولا يَفرَحُ به، ولا يَجِدُ في سَماعِ الآياتِ كما يَجِدُ في سَماعِ الأبياتِ، بَل إذا سَمِعوا القُرآنَ سَمِعوه بقُلوبٍ لاهيةٍ وألسُنٍ لاغيةٍ، وإذ سَمِعوا سَماعَ المُكاءِ والتَّصْديةِ خَضَعَتِ الأصواتُ، وسَكَنَتِ الحَرَكاتُ!... ومَن كانَت له خِبرةٌ بحَقائِقِ الدّينِ وأحوالِ القُلوبِ ومَعارِفِها وأذواقِها ومَواجيدِها عَرَفَ أنَّ سَماعَ المُكاءِ والتَّصديةِ لا يَجلِبُ للقُلوبِ مَنفَعةً ولا مَصلَحةَ إلَّا وفي ضِمنِ ذلك مِنَ الضَّرَرِ والمَفسَدةِ ما هو أعظَمُ مِنه؛ فهوَ للرُّوحِ كالخَمرِ للجَسَدِ، يَفعَلُ في النُّفوسِ فِعلَ حُمَيَّا الكُؤوسِ، ولِهذا يورِثُ أصحابَه سُكرًا أعظَمَ مِن سُكرِ الخَمرِ فيَجِدونَ فيه لذَّةً بلا تَمييزٍ كما يَجِدُ الشَّارِبُ، بل يَحصُلُ لهم أكثَرُ وأكبَرُ مِمَّا يَحصُلُ لشارِبِ الخَمرِ، يَصُدُّهم ذلك عن ذِكرِ اللهِ وعنِ الصَّلاةِ أعظَمَ مِمَّا يَصُدُّهم الخَمرُ، ويوقِعُ بَينَهم العَداوةَ والبَغضاءَ أعظَمَ مِنَ الخَمرِ، حَتَّى يَقتُلَ بَعضُهم بَعضًا مِن غَيرِ مَسِّ يَدٍ، بَل بما يَقتَرِنُ بهم مِنَ الشَّياطينِ؛ فإنَّهم يَحصُلُ لهم أحوالٌ شَيطانيَّةٌ بحَيثُ تَتَنَزَّلُ عليهم الشَّياطينُ في تلك الحالِ) [232] ((مجموع الفتاوى)) (11/573، 574). .
2- الذِّكرُ بالِاسمِ المُفرَدِ مُظهَرًا أو مُضمَرًا:
قال ابنُ تيميَّةَ: (الشَّرعُ لم يَستَحِبَّ مِنَ الذِّكْرِ إلَّا ما كان كَلامًا تامًّا مُفيدًا، مِثلُ: "لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، ومِثلُ "اللهُ أكبَرُ"، ومِثلُ "سُبحانَ اللَّهِ والحَمدُ للَّهِ"، ومِثلُ "لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ"، ومِثلُ تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: 78] تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك: 1] سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الحديد: 1] تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ [الفرقان: 1] . فأمَّا الِاسمُ المُفرَدُ مُظهَرًا مِثلُ: "اللَّه اللَّه"، أو مُضمَرًا مِثلُ "هو هو"، فهذا ليس بمَشروعٍ في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ، ولا هو مَأثورٌ أيضًا عن أحَدٍ مِن سَلَفِ الأُمَّةِ ولا عن أعيانِ الأُمَّةِ المُقتَدى بهم، وإنَّما لهَجَ به قَومٌ مِن ضُلَّالِ المُتَأخِّرينَ، ورُبَّما اتَّبَعوا فيه حالَ شَيخٍ مَغلوبٍ فيه مِثلَما يُروى عنِ الشِّبليِّ أنَّه كان يَقولُ: "اللَّه اللَّه". فقيلَ له: لمَ لا تَقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فقال: أخافُ أن أموتَ بَينَ النَّفيِ والإثباتِ! وهذه مِن زَلَّاتِ الشِّبليِّ التي قد تُغفَرُ له لصِدقِ إيمانِه وقوَّةِ وَجْدِه وغَلَبةِ الحالِ عليه؛ فإنَّه كان رُبَّما يُجَنُّ ويُذهَبُ به إلى المارِستانِ ويَحلِقُ لحيتَه! وله أشياءُ من هذا النَّمَطِ التي لا يَجوزُ الاقتِداءُ به فيها، وإن كان مَعذورًا أو مَأجورًا فإنَّ العَبدَ لو أرادَ أن يَقولَ: "لا إلهَ إلَّا اللَّه" وماتَ قَبلَ كَمالِها لم يَضُرَّه ذلك شَيئًا؛ إذِ الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، بل يُكتَبُ له ما نَواه. ورُبَّما غَلا بَعضُهم في ذلك حتَّى يَجعَلوا ذِكرَ الاسمِ المُفرَدِ للخاصَّةِ، وذِكرَ الكَلمةِ التَّامَّةِ للعامَّةِ. ورُبَّما قال بَعضُهم: "لا إلهَ إلَّا اللَّهُ" للمُؤمنينَ، و"اللَّهُ" للعارِفينَ، و"هو" للمُحَقِّقَينَ! ورُبَّما اقتَصَرَ أحَدُهم في خَلوتِه أو في جَماعَتِه على "الله اللَّه اللَّه" أو على "هو" أو "يا هو" أو "لا هو إلَّا هو". ورُبَّما ذَكَرَ بَعضُ المُصَنِّفينَ في الطَّريقِ تَعظيمَ ذلك. واستَدَلَّ عليه تارةً بوَجدٍ، وتارةً برَأيٍ، وتارةً بنَقلٍ مَكذوبٍ. كَما يَروي بَعضُهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَقَّنَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ أن يَقولَ: اللهُ اللَّهُ اللَّهُ. فقالها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَلاثًا، ثمَّ أمَرَ عَليًّا فقالها ثَلاثًا [233] لا وجودَ له في كُتُبِ السُّنَّةِ المُسندةِ. قال ابنُ تيميَّةَ في ((مَجموع الفَتاوى)) (10/557): مَوضوعٌ باتِّفاقِ أهلِ العِلمِ بالحَديثِ. . وهذا حَديثٌ مَوضوعٌ باتِّفاقِ أهلِ العِلمِ بالحَديثِ، وإنَّما كان تَلقينُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للذِّكرِ المَأثورِ عنه، ورَأسُ الذِّكرِ "لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، وهي الكَلِمةُ التي عَرَضَها على عَمِّه أبي طالِبٍ حينَ المَوتِ. وقال: يا عَمِّ، قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمةً أُحاجُّ لك بها عِندَ اللهِ [234] أخرجه البخاري (3884)، ومسلم (24) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ المُسَيِّبِ بنِ حَزْنٍ رَضيَ اللهُ عنه.  ، وقال: إنّي لأعلَمُ كَلِمةً لا يَقولُها عَبدٌ عِندَ المَوتِ إلَّا وجَدَ رُوحَه لها رَوحًا [235] أخرجه من طُرُقٍ: ابن ماجه (3795)، وأحمد (187) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وطَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (205)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (1297)، وابن القَيِّم في ((الجواب الكافي)) (150)، والألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (3795)، وصحَّحه بطُرُقِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (187)، وحسَّنه ابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/112). ، وقال: مَن كان آخِرَ كَلامِه لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ [236] أخرجه أبو داود (3116) واللفظ له، وأحمد (22127) مِن حَديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/369)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/188)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3116)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3116)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (1299)، وحسَّنه النووي في ((المجموع)) (5/110). ، وقال: مَن ماتَ وهوَ يَعلَمُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ [237] أخرجه مسلم (26) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه. ، وقال: أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فعَلوا ذلك عَصَموا مِنّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللهِ [238] أخرجه مسلم (21) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه. وأخرجه البخاري (2946) بلفظ: "أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فمَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فقَد عَصَمَ مِنّي نَفسَه ومالَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ". ، والأحاديثُ كَثيرةٌ في هذا المَعنى. وقَد كَتَبتُ فيما تَقَدَّمَ مِن "القَواعِدِ" بَعضَ ما يَتَعَلَّقُ بهاتَينِ "الكَلِمَتَينِ" العَظيمَتَينِ الجامِعَتَينِ الفارقِتَينِ: شَهادةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وشَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه صَلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ تَسليمًا؛ فأمَّا ذِكرُ الِاسمِ المُفرَدِ فلَم يُشرَعْ بحالٍ، وليس في الأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ ما يَدُلُّ على استِحبابِه، وأمَّا ما يَتَوَهَّمُه طائِفةٌ مِن غالِطي المُتَعَبِّدينَ في قَولِه تعالى: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام: 91] ، ويَتَوَهَّمونَ أنَّ المُرادَ قَولُ هذا الِاسمِ، فخَطَأٌ واضِحٌ، ولَو تَدَبَّروا ما قَبلَ هذا تَبَيَّنَ مُرادُ الآية؛ فإنَّه سُبحانَه قال: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: 91] ، أي: قُلِ اللهُ أنزَلَ الكِتابَ الذي جاءَ به موسى، فهذا كَلامٌ تامٌّ وجُملةٌ اسميَّةٌ مُرَكَّبةٌ مِن مُبتَدَأٍ وخَبَرٍ... وكذلك بالأدِلَّةِ العَقليَّةِ الذَّوقيَّةِ؛ فإنَّ الاسمَ وحدَه لا يُعطي إيمانًا ولا كُفرًا ولا هُدًى ولا ضَلالةً، ولا عِلمًا ولا جَهلًا، ولَو كَرَّرَ الإنسانُ اسمَ اللهِ ألفَ مَرَّةٍ لم يَصِرْ بذلك مُؤمِنًا ولَم يَستَحِقَّ ثَوابَ اللهِ ولا جَنَّتَه؛ فإنَّ الكُفَّارَ مِن جَميعِ الأُمَمِ يَذكُرونَ الِاسمَ المُفرَدَ سَواءٌ أقَرُّوا به وبوَحدانيَّتِه أم لا.
فإن قيلَ: فالذَّاكِرُ والسَّامِعُ للاسمِ المُجَرَّدِ قد يَحصُلُ له وَجدُ محبَّةٍ وتَعظيمٍ للَّهِ ونَحوِ ذلك. قُلتُ: نَعَم، ويُثابُ على ذلك الوَجدِ المَشروعِ والحالِ الإيمانيِّ، لا لأنَّ مُجَرَّدَ الِاسمِ مُستَحَبٌّ، وإذا سَمِعَ ذلك حَرَّكَ ساكِنَ القَلبِ، وقد يَتَحَرَّكُ السَّاكِنُ بسَماعِ ذِكرٍ مُحَرَّمٍ أو مَكروهٍ، حَتَّى قد يَسمَعُ المُسلِمُ مَن يُشرِكُ باللهِ أو يَسُبُّه، فيَثورُ في قَلبِه حالُ وَجدٍ ومَحَبَّةٍ للَّهِ بقوَّةِ نُفرَتِه وبُغضِه لِما سَمِعَه.
والعَبدُ أيضًا قد يَدعوه داعٍ إلى الكُفرِ أوِ المَعصيةِ فيَستَعصِمُ ويَمتَنِعُ ويورِثُه ذلك إيمانًا وتَقوى، وليس السَّبَبُ مَأمورًا به، وقَد قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] ، ففَرقٌ بَينَ أن يَكونَ نَفسُ السَّبَبِ مُوجِبًا للخَيرِ ومُقتَضيًا، وبَينَ أن لا يَكونَ، وإنَّما نَشَأ الخَيرُ مِنَ المَحَلِّ.
فثَبَتَ بما ذَكَرْناه أنَّ ذِكرَ الِاسمِ المُجَرَّدِ ليس مُستَحَبًّا، فضلًا عن أن يَكونَ هو ذِكرَ الخاصَّةِ.
وأبعَدُ مِن ذلك ذِكرُ الِاسمِ المُضمَرِ، وهوَ: "هو"؛ فإنَّ هذا بنَفسِه لا يَدُلُّ على مُعَيَّنٍ، وإنَّما هو بحَسَبِ ما يُفَسِّرُه مِن مَذكورٍ أو مَعلومٍ، فيَبقى مَعناه بحَسَبِ قَصدِ المُتَكَلِّمِ ونيَّتِه؛ ولِهذا قد يَذكُرُ به مَن يَعتَقِدُ أنَّ الحَقَّ الوُجودُ المُطلَقُ، وقد يَقولُ: لا هو إلَّا هو، ويَسري قَلبُه في وَحدةِ الوُجودِ، ومَذهَبِ فِرعَونَ والإسماعيليَّةِ وزَنادِقةِ هؤلاء المُتَصَوِّفة المُتَأخِّرينَ، بحَيثُ يَكونُ قَولُه "هو" كقَولِه "وجودُه"، وقَد يَعني بقَولِه "لا هو إلَّا هو" أي: أنَّه هو الوُجودُ، وأنَّه ما ثَمَّ خَلقٌ أصلًا، وأنَّ الرَّبَّ والعَبدَ والحَقَّ والخَلقَ شَيءٌ واحِدٌ، كما بَيَّنتُه مِن مَذهَبِ الِاتِّحاديَّةِ، ومِن أسبابِ هذه الِاعتِقاداتِ والأحوالِ الفاسِدةِ الخُروجُ عنِ الشَّريعةِ والمِنهاجِ الذي بُعِثَ به الرَّسولُ إلينا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ البِدَعَ هي مَبادِئُ الكُفرِ ومَظانُّ الكُفرِ، كما أنَّ السُّنَنَ المَشروعةَ هي مَظاهِرُ الإيمانِ ومُقَوِّيةٌ للإيمانِ، فإنَّه يَزيدُ بالطَّاعةِ ويَنقُصُ بالمَعصيةِ) [239] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (10/ 556، 565). .
3- تَحريمُ ما أحَلَّ اللهُ تعالى مِنَ المَطاعِمِ والمَشارِبِ ولُبسُ الصُّوفِ:
قال ابنُ الجَوزيِّ: (قد بالَغَ إبليسُ في تَلبيسِه على قُدَماءِ الصُّوفيَّةِ فأمَرَهم بتَقليلِ المَطعَمِ وخُشونَتِه، ومَنعَهم شُربَ الماءِ البارِدِ، وكانَ في القَومِ مَن يَبقى الأيَّامَ لا يَأكُلُ إلَّا أن تَضعُفَ قوَّتُه، وفيهم مَن يَتَناوَلُ كُلَّ يَومٍ الشَّيءَ اليَسيرَ الذي لا يُقيمُ البَدَنَ، وقد كان مِنهم قَومٌ لا يَأكُلونَ اللَّحمَ، حَتَّى قال بَعضُهم: أكلُ دِرهَمٍ مِنَ اللَّحمِ يُقَسِّي القَلبَ أربَعينَ صباحًا... وقَد صَنَّفَ لهم أبو عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ التِّرمِذيُّ كِتابًا سَمَّاه "رياضةَ النُّفوسِ" قال فيه: "فيَنبَغي للمُبتَدي في هذا الأمرِ أن يَصومَ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ تَوبةً مِنَ اللهِ، ثُمَّ يُفطِرَ فيَطعَمَ اليَسيرَ، ويَأكُلَ كِسرةً كِسرةً، ويَقطَعَ الإدامَ والفَواكِهَ واللَّذَّة ومُجالَسةَ الإخوانِ، والنَّظَرَ في الكُتُبِ، وهذه كُلُّها أفراحٌ للنَّفسِ؛ فيَمنَعُ النَّفسَ لذَّتَها حَتَّى تَمتَلِئَ غَمًّا"... وهذا الذي نَبَّهْنا عنه مِنَ التَّقَلُّلِ الزَّائِدِ الحَدِّ قد انعَكَسَ في صوفيَّةِ زَمانِنا فصارَتُ همَّتُهم في المَآكِلِ، كما كانَت هِمَّةُ مُتَقَدِّميهم في الجوعِ!) [240] يُنظر: ((تلبيس إبليس)) (ص: 206-221). .
أمَّا لُبس الصُّوفِ فقَد كانوا يَلبَسونَه تَقرُّبًا بذلك إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، ويَحتَجُّونَ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لبِسَ الصُّوفَ، وأمَّا لُبسُه إيَّاه فقَد لبِسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَذلك القُطنَ والكَتَّانَ، وما رويَ في فضلِ لُبسِ الصُّوفِ فمِنَ المَوضوعاتِ التي لا تَثبُتُ، بَل تَعَمُّدُ لُبسِ الصُّوفِ والدُّونِ مِنَ المَلابِسِ مِنَ البِدَعِ التي تُخالِفُ ما كان عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ رَضيَ اللهُ عنهم.
قال ابنُ الجَوزيِّ: (قد كان السَّلَفُ يَلبَسونَ الثّيابَ المُتَوَسِّطةَ لا المُرتَفِعةَ ولا الدُّونَ، ويَتَخَيَّرونَ أجوَدها للجُمعةِ والعيدَينِ ولِقاء الإخوانِ، ولَم يَكُنْ غَيرُ الأجوَدِ عِندَهم قَبيحًا) [241] ((تلبيس إبليس)) (ص: 198). .
وقال أيضًا: (اعلَمْ أنَّ اللِّباسَ الذي يُزري بصاحِبِه يَتَضَمَّنُ إظهارَ الزُّهدِ، وإظهارَ الفَقرِ، وكَأنَّه لسانُ شَكوى مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ويوجِبُ احتِقارَ اللَّابِسِ، وكُلُّ ذلك مَكروهٌ ومَنهيٌّ عنه... وقَد كان مِنَ الصُّوفيَّةِ مَن إذا لبِسَ ثَوبًا خَرَق بَعضَه، ورُبَّما أفسَدَ الثَّوبَ الرَّفيعَ القَدْرِ) [242] ((تلبيس إبليس)) (ص: 200). .
4- الرَّهبانيَّةُ وتَرْكُ النِّكاحِ:
قال ابنُ الجَوزيِّ: (النِّكاحُ مَعَ خَوفِ العنَتِ واجِبٌ، ومِن غَيرِ خَوفِ العنَتِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ عِندَ جُمهورِ الفُقَهاءِ، ومَذهَبُ أبي حَنيفةَ وأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ: أفضَلُ مِن جَميعِ النَّوافِلِ؛ لأنَّه سَبَبٌ في وُجودِ الوَلَدِ... وقَد لبَّسَ إبليسُ على كَثيرٍ مِنَ الصُّوفيَّةِ فمَنَعَهم مِنَ النِّكاحِ، فقُدَماؤُهم تَرَكوا ذلك تَشاغُلًا بالتَّعَبُّدِ ورَأوا النِّكاحَ شاغِلًا عن طاعةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وهؤلاء وإن كانَت بهم حاجةٌ إلى النِّكاحِ أو بهم نَوعُ شَوقٍ إليه فقَد خاطَروا بأبدانِهم وأديانِهم، وإن لم يَكُنْ بهم حاجةٌ إليه فاتَتهم الفَضيلةُ، وفي الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((وفي بُضعِ أحَدِكُم صَدَقةٌ، قالوا: يَأتي أحَدُنا شَهوَتَه ويَكونُ له فيها أجرٌ! قال: أرَأيتُم لو وضَعَها في الحَرامِ أكانَ عليه وِزرٌ؟ قالوا: نَعَم، قال: كذلك إذا وضَعَها في الحَلالِ كان له أجرٌ)) [243] أخرجه مسلم (1006) عن أبي ذَرٍّ أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أهلُ الدُّثورِ بالأُجورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويَصومونَ كما نَصومُ، ويَتَصَدَّقونَ بفُضولِ أموالِهم. قال: ((أوليس قد جَعَلَ اللَّهُ لكم ما تَصَّدَّقونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسبيحةٍ صَدَقةً، وكُلِّ تَكبيرةٍ صَدَقةً، وكُلِّ تحميدةٍ صَدَقةً، وكُلِّ تهليلةٍ صَدَقةً، وأمرٌ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عن مُنكَرٍ صَدَقةٌ، وفي بُضعِ أحَدِكم صَدَقةٌ)). قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أيَأتي أحَدُنا شَهوَتَه ويَكونُ له فيها أجرٌ؟ قال: ((أرَأيتُم لو وضَعَها في حَرامٍ أكانَ عليه فيها وِزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعَها في الحَلالِ كان له أجرٌ)). ولم نَقِفْ عليه في صَحيحِ البُخاريِّ. . ... فأمَّا جَماعةٌ مِن مُتَأخِّري الصُّوفيَّةِ فإنَّهم تَرَكوا النِّكاحَ ليُقالَ: زاهِدٌ، والعَوامُّ تُعَظِّمُ الصُّوفيَّ إذا لم تَكُنْ له زَوجةٌ، فيَقولونَ: ما عَرَفَ امرَأةً قَطُّ... واللهُ تعالى مَنَّ على الخَلقِ بقَولِه خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إليهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمةً [الروم: 21] ، وفي الحَديثِ الصَّحيحِ عن جابِرٍ رَضيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له ((هَلَّا تَزَوَّجتَ بكرًا تَلاعِبُها وتُلاعِبُك؟)) [244] أخرجه البخاري (2967) واللفظ له، ومسلم (715). ، وما كان بالذي يَدُلُّه على ما يَقطَعُ أُنسَه باللهِ تعالى، أتُرى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا كان يَنبَسِطُ إلى نِسائِه ويُسابِقُ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها أكانَ خارِجًا عنِ الأُنسِ باللهِ؟ هذه كُلُّها جَهالاتٌ بالعِلمِ... وقَد حَمَلَ الجَهلُ أقوامًا فجَبُّوا أنفُسَهم، وزَعَموا أنَّهم فعَلوا ذلك حَياءً مِنَ اللهِ تعالى، وهذه غايةُ الحَماقةِ!) [245] يُنظر: ((تلبيس إبليس)) (292- 296). .

انظر أيضا: