موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّالثُ: أوجُه تَشابُهٍ بَينَ التَّصَوُّفِ والدِّياناتِ الهِنديَّةِ


عَرَف المُسلمونَ الهِندَ في مَطلَعِ القَرنِ الثَّاني الهجريِّ عن طَريقِ التِّجارةِ، وعن طَريقِ السِّياحةِ الهنديَّةِ التي كانت مُشتَهِرةً عِندَ الهنودِ الذينَ تَرَكوا الدُّنيا والمَلذَّاتِ فساحوا في العِراقِ وغَيرها من بلادِ المُسلمينَ.
والمُطَّلعُ على أديانِ الهندِ يَجِدُ كَثيرًا منَ الفِكرِ الشَّبيهِ بالفِكرِ الصُّوفي، من ذلك:
1- التَّأمُّلُ: يوجَدُ تَشابُهٌ بَينَ مُعتَقَداتِ البَراهمةِ -وهم حُكَماءُ الهنودِ- وبَينَ الصُّوفيَّةِ؛ فإنَّ الكَهَنةَ الهنودَ عن طَريقِ التَّأمُّلِ يَصبُونَ إلى الوُصولِ إلى الكَمالِ الرُّوحيِّ.
2- التَّناسُخُ والفَناءُ: البوذيَّةُ وإن كانت قد تَأثَّرَت بالبَراهمةِ في فِكرةِ الفَناءِ غَيرَ أنَّ النِّرفانا الكُبرى هي منَ الفِكرِ البوذيِّ؛ حَيثُ يَرى البَراهمةُ أنَّ الرُّوحَ تَخرُجُ إلى جَسَدٍ آخَرَ، ولكِنَّ النِّرفانا الكُبرى تَعني الفَناءَ المُطلَقَ، وهو عَودةُ الرُّوحِ إلى مَنشَئِها لتَحُلَّ في اللهِ تعالى بزَعمِهم.
3- اليوغا: وهي عِبارةٌ عن رياضاتٍ شاقَّةٍ للجَسَدِ للوُصولِ إلى قَتلِ الشَّهوةِ، وتَحريرِ النَّفسِ من رَغَباتِها، وتَعويدِ الجَسَدِ على الهدوءِ، وأحيانًا يُكَرِّرونَ بَعضَ الألفاظِ (الذِّكْرَ عِندَهم).
4- وَحدةُ الوُجودِ: يَعتَقِدونَ -كما تُشيرُ كُتُبهمُ القديمةُ- أنَّ جَميعَ أشكالِ الحَياةِ منَ الحَياةِ الإلهيَّةِ إلى حَياةِ أصغَرِ الخَلائِقِ هي ذاتٌ واحِدةٌ، وهي ماثِلةٌ في كُلِّ مَخلوقٍ.
5- المظهَرُ العامُّ: مِثلُ لُبسٍ الخِرقةِ والمُرقَّعاتِ، واستِعمالِ السُّبَحِ ذاتِ الأعدادِ الكَبيرةِ.
6- القُدراتُ والمُعجِزاتُ: ففي التَّدَيُّنِ الهِنديِّ، أنَّ الرَّجُلَ إذا اشتَغَل بالرِّياضاتِ وتَهذيبِ النَّفسِ يُمنَحُ القُدرةَ على ثَمانيةِ أشياءَ، وهي:
1- التَّمَكُّنُ من تَلطيفِ البَدَنِ حتَّى يخفى عنِ الأعيُنِ، وقال بهذا عَدَدٌ منَ الصُّوفيَّةِ؛ حَيثُ زَعَموا أنَّ الوليَّ عِندَهم يُشاهَدُ في أدنى الأرضِ، وبَعدَ قَليلٍ في أقصاها، وقد يُشاهدُ في مَكانينِ مَعًا!
2- التَّمَكُّنُ من تَخفيفِ البَدَنِ حتَّى يَستَويَ عِندَه وطءُ السَّوائِلِ والوَحلِ والتُّرابِ.
3- التَّمَكُّنُ من تَعظيمِه حتَّى يُرى في صورةٍ هائِلةٍ عَجيبةٍ، وهذا ما تَزعُمُه الصُّوفيَّةُ من أنَّ أحَدَهم يَكبُرُ حتَّى يَملأَ الغُرفةَ.
4- انطِواءُ المَسافاتِ بَينَه وبَينَ المَقاصِدِ الشَّاسِعةِ، وهذا ما يَزعُمُه بَعضُ الصُّوفيَّةِ من أنَّ أحَدَهم يُصَلِّي الصُّبحَ في المَدينةِ والظُّهرَ في مَكَّةَ والعَصرَ في بَيتِ المَقدِسِ، أو أنَّه يَتَحَرَّكُ في لحَظاتٍ من نَجدٍ إلى عَرَفةَ ويَرجِعُ ويَنقُلُ لهم أخبارَ الحَجيجِ.
5- التَّمَكُّنُ من فِعلِ ما يُريدُ.
6- التَّمَكُّنُ من تَحصيلِ العِلمِ الذي يُريدُ.
7- التَّمَكُّنُ مِن التَّرؤُّسِ على أيِّ طائِفةٍ.
8- خُضوعُ المرؤوسينَ وطاعَتُهم، وهذا واضِحٌ عِندَ الصُّوفيَّةِ، فيَستَطيعُ الشَّيخُ جَعْلَ المُريدِ يُطيعُه طاعةً مُطلَقةً.

انظر أيضا: