موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: نَشأةُ النُّصَيريَّةِ


تَرَكت وفاةُ الحَسَنِ العَسكريِّ -الإمامِ الحاديَ عَشَرَ للشِّيعةِ الاثني عَشريَّةِ- دونَ عَقِبٍ ثَغرةً كبيرةً وخلافًا حادًّا بَينَ الشِّيعةِ أنفُسِهم؛ فقدِ اختَلفوا إلى عِدَّةِ فِرَقٍ بَين مُؤَيِّدٍ للقَولِ بوُجودِ ابنٍ للحَسَنِ العَسكريِّ يُسَمَّى محمَّدًا، ونافٍ لوُجودِه أصلًا.
ولمَّا كان الزَّمانُ لا يخلو عِندَ الشِّيعةِ مِن وُجودِ إمامٍ مَعصومٍ يتَولَّى تَصريفَ شُؤونِ النَّاسِ، وإلَّا لتَعَطَّلتِ الحَياةُ بزَعمِهم، وكان هذا الإمامُ الثَّاني عَشَرَ مَستورًا غَيرَ ظاهرٍ، أوجَدوا في أذهانِهم فِكرةَ (الباب) إليه، والبابُ شَخصٌ مُخلِصٌ لآلِ البَيتِ، يكونُ حَلقةَ الاتِّصالِ بَينَ النَّاسِ وبَينَ الإمامِ المَستورِ.
ويستَدِلُّونَ على هذه البابيَّةِ الخُرافيَّةِ بما يزعُمونَ مِن رِواياتٍ عنِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، منها: ((مَن طَلَب العِلمَ فعليه بالبابِ)) [3582] أخرجه الطبراني (11/65) (11061)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (3/412)، والحاكم (4637) مطولاً باختلاف يسير من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال يحيى بن معين كما في ((تاريخ بغداد)) للمزي (11/205): كذب، ليس له أصل، منكر جداً، وقال الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (3/9): ليس له أصل كذب، وقال العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (3/149): لا يصح في هذا المتن حديث، وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (2/136): لا أصل به ، و ((أنا مَدينةُ العِلمِ وعَليٌّ بابُها))      [3583] أخرجه العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (3/149)، والطبراني (11/65) (11061)، والحاكم (4637) مطولاً من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال يحيى بن معين كما في ((تاريخ بغداد)) للمزي (11/205): كذب، ليس له أصل، منكر جداً، وقال الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (3/9): ليس له أصل كذب، وقال العقيلي: لا يصح في هذا المتن حديث، وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (2/136): لا أصل به ، ومِن هنا وضَعوا قائِمةً بالأبوابِ أوَّلُهم عَليُّ بنُ أبي طالبٍ، وهو بابٌ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وسَلمانُ الفارِسيُّ، وهو بابٌ لعَليٍّ، وهَكذا إلى الإمامِ الحاديَ عَشَرَ أي: الحَسَنِ العَسكريِّ.
ثُمَّ اختَلفت كلمَتُهم، فادَّعى النُّصَيريُّونَ أنَّ الإمامَ الغائِبَ الثَّاني عَشَرَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ العَسكريِّ لم يكُنْ له بابٌ، بَل كان البابُ للإمامِ الحادي عَشَر-الحَسَنِ العَسكريِّ- أبا شُعَيبٍ مُحَمَّدَ بنَ نُصَيرٍ، ومِن هنا وقَعَ الخِلافُ بَينَالنُّصَيريَّةِ والإماميَّةِ الاثني عَشريَّةِ؛ مِمَّا أدَّى إلى انفِصالِ ابنِ نُصَيرٍ ومَن تَبعَه عنِ الاثنَي عَشريَّةِ.
وبَعدَ وفاةِ ابنِ نُصَيرٍ تَناوبَ على زَعامةِ النُّصَيريَّةِ عِدَّةُ أشخاصٍ أثْرَوا المَذهَبَ النُّصَيريَّ بأفكارِهم وتَنَوُّعِ المُعتَقَداتِ وتَعَدُّدِ الطُّرُقِ والآراءِ، كان مِن أبرَزِهم أبو مُحَمَّدٍ الجنبلانيُّ، وتِلميذُه الحُسَينُ بنُ حَمدانَ الخصيبيُّ، ومُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ الجليُّ، وعَليٌّ الجسريُّ، والمَيمونُ بنُ سُرورِ بنِ قاسِمٍ الطَّبَرانيُّ، وحَسَنٌ المكزونُ السِّنجاريُّ، وهو آخِرُ مَظهَرٍ لقوَّةِ النُّصَيريَّةِ، قال سُليمانُ الحَلبيُّ عنِ الحالِالنُّصَيريَّةِ بَعدَ وفاتِه: (وبَعدَ وفاةِ الحَسَنِ المكزونِ تَفرَّق النُّصَيريُّونَ إلى عِدَّةِ مَراكِزَ دينيَّةٍ غَيرِ مُرتَبطةٍ ببَعضِها البَعض، يتَبَوَّأُ كُلٌّ منها لمَرجِعٍ دينيٍّ يُطلِقونَ عليه لقَبَ الشَّيخِ، واستَقَلَّ كُلُّ شَيخٍ برِئاسةِ مَركزٍ صَغيرٍ إلى أنِ استَطاعوا بالأمسِ القَريبِ وفي غَفلةِ المُسلمينَ «غفاة البَشَر» في سوريا وغَيرِها مِنَ السَّيطَرةِ على نِظامِ الحُكمِ في سوريا، فعادَت لهم سَطوتُهم وقوَّتُهم مَرَّةً أُخرى يتَحَكَّمونَ بها في رِقابِ المُسلمينَ) [3584] ((طائفة النصيرية تاريخها وعقائدها)) (ص: 42). .
ولكِنَّهم في هذا الظُّهورِ الجَديدِ اتَّخَذوا لهم أسماءً بَرَّاقةً خادِعةً مِثلُ حِزبِ البَعثِ الاشتِراكيِّ، ودَعوى التَّقدُّميَّةِ والتَّحَرُّرِ، وما إلى ذلك، وهم إنَّما غَيَّروا الاسمَ لإبعادِ الأنظارِ عن حَقيقَتِهم قَدرَ الإمكانِ ولجَلبِ السَّاقِطينَ إلى صُفوفِهم.

انظر أيضا: