موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابعُ: عَقيدَتُهم في اليومِ الآخِرِ والثَّوابِ والعِقابِ


اليومُ الآخِرُ في المَذهَبِ الدَّرْزيِّ ليس فيه مَوتٌ للأرواحِ ولا قيامةٌ لها ولا بَعثٌ.
(فالأرواحُ لا تَموتُ لتُبعَثَ، ولا تَنامُ لتوقَظَ، بل إنَّ يومَ الحِسابِ نِهايةُ مَراحِلِ الأرواحِ وتَطويرِها؛ إذ يبلُغُ التَّوحيدُ غايتَه مِنَ الانتِصارِ مِنَ العَقائِدِ الشِّرْكيَّةِ، وينتَهي الانتِقالُ والمُرورُ في الأقمِصةِ المُختَلفةِ) [3476] ((مذهب الدروز والتوحيد)) للنجار (ص: 81). .
(وفي هذا اليومِ كما يزعُمونَ يظهَرُ المَعبودُ «الحاكِمُ بأمرِ اللَّهِ» في الصُّورةِ النَّاسوتيَّةِ، ولم تُحَدِّدْ رَسائِلُ الدُّروزِ تاريخَ هذا اليومِ، ولكنَّها تَقولُ: إنَّه سَيكونُ في شَهرِ جُمادى أو رَجَبٍ، وعَلامةُ قُربِ هذا اليومِ: هو عِندَما يتَسَلَّطُ المَسيحيُّونَ واليهودُ على البلادِ، ويستَسلِمُ النَّاسُ إلى الآثامِ والفسادِ والآراءِ الفاسِدةِ، ويتَمَلَّكُ شَخصٌ مِن ذُرِّيَّةِ الإمامِ يعمَلُ ضِدَّ شَعبِه وأُمَّتِه، ويضَعُ نَفسَه تَحتَ سُلطانِ المُخادِعينَ، ويتَمَلَّكُ اليهودُ بَيتَ المَقدِسِ، إلى غَيرِ ذلك مِن عَلاماتِ السَّاعةِ التي يذكُرونَها) [3477] ((طائفة الدروز)) لمحمد كامل حسين (ص: 124). .
وفي ذلك اليومِ يزعُمونَ أنَّ حَمزةَ سَيكونُ صاحِبَ الجَزاءِ والقِصاصِ؛ ولذلك يُخاطِبُ أتباعَه بقَولِه: (يومَ قيامي بسَيفِ مَولانا الحاكِمِ سُبحانَه ومجازاتي للخَلائِقِ أجمَعينَ، وأخذي لَكمُ الحَقَّ والقِصاصَ، وإنالةِ إحساني لأهلِ الوفاءِ مِنكم والإخلاصِ، وانتِزاعي النُّفوسَ مِنَ الأجسادِ مِن أهلِ الفُسوقِ والعِنادِ، وقَتلي الوالدَينِ والأولادِ، وأُنيلُكم أموالَكم) [3478] ((الرسالة الموسومة بالإعذار والإنذار)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/247). .
أمَّا الثَّوابُ والعِقابُ فيُفهَمُ مِن كِتاباتِ حَمزةَ أنَّ العَذابَ الواقِعَ بالإنسانِ هو نُقلَتُه مِن دَرَجةٍ عاليةٍ إلى دَرَجةٍ دونَها مِن دَرَجاتِ الدِّينِ، وقِلَّةُ مَعيشَتِه وعَمى قَلبِه في دينِه ودُنياه، ويستَمِرُّ تَنَقُّلُه مِن جَسدٍ إلى جَسَدٍ بتَناسُخِ روحِه في الأجسادِ، وهو كُلَّما تَنتَقِلُ روحُه مِن جَسدٍ إلى جَسَدٍ تَقِلُّ مَنزِلَتهُ الدِّينيَّةُ.
أمَّا الثَّوابُ فهو زيادةُ دَرَجَتِه في العُلومِ الدِّينيَّةِ وارتِفاعُه مِن دَرَجةٍ إلى دَرَجةٍ إلى أن يبلُغَ إلى دَرَجةِ حَدِّ المكاسِرِ [3479] يُنظر: ((طائفة الدروز)) لمحمد كامل حسين (ص: 125). .
وهم يُنكِرونَ وُجودَ الجَنَّةِ والنَّارِ، ويسخَرونَ مِنَ القائِلينَ بهما، قال التَّميميُّ: (وأمَّا زَعمُهم بأنَّ الجَنَّةَ عَرضُها السَّمَواتُ والأرضُ فقد جَهِلوا مَعنى هذا القَولِ، فإذا كان عَرضُها السَّمَواتِ والأرضَ، فكيف يكونُ طولُها؟ وأين تَكونُ النَّارُ فيها؟... وأمَّا مَعنى الطُّولِ والعَرضِ فإنَّ طَولَها هو العَقلُ الكُلِّيُّ، الذي هو قائِمُ الزَّمانِ إمامُ المُتَّقينَ بالحَقِّ، ومُجَرِّدُ سَيفِ التَّوحيدِ، ومُفني كُلِّ جَبَّارٍ عنيدٍ، وكان عَرضُها مِثلَ النَّفسِ القابِلِ لبَرَكاتِ العَقلِ والتَّأييدِ.
وأمَّا النَّارُ فهي مِن حَيثُ المَحسوسُ المُحرِقةُ للأجسامِ، ومِن أسمائِها ما يُحمَدُ ومِنها ما يُذَمُّ، وأمَّا النَّارُ الكُبرى والنَّارُ الموقَدةُ التي تَطَّلعُ على الأفئِدةِ، فإنَّها مِثلُ العَقل؛ لأنَّه مَطَّلِعٌ على سَرائِرِ العالمِ، وأمَّا المَذمومُ مِنها نارُ العَذابِ، وهي الهاويةُ، والجَحيمُ، وهذه الأسماءُ مَعنى الشَّريعةِ التي هو وأهلُها غَوَوا ولَحِقوا فيها العَذابَ) [3480] ((رسالة الزناد)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/272، 273). .
إلى هذا الحَدِّ تَذهَبُ العَقيدةُ الدَّرْزيَّةُ في اليومِ الآخِرِ، وفي الثَّوابِ والعِقابِ، وهي عَقيدةٌ لا تُؤمِنُ بالغَيبيَّاتِ وتَرفُضُها جَميعًا؛ ولهذا فهم يُنكِرونَ وُجودَ المَلائِكةِ والجِنِّ؛ فالمَلائِكةُ في نَظَرِهم هم أتباعُ المَذهَبِ الدَّرْزيِّ، والشَّياطينُ هم مُخالفو هذه العَقيدةِ [3481] يُنظر: ((عقيدة الدروز)) للخطيب (ص: 169). .

انظر أيضا: