موسوعة الفرق

الفَرعُ الثَّالِثُ: المَكارِمةُ في مِنطَقةِ المزاحنِ باليَمَنِ


تَقدَّم أنَّ الإسماعيليَّةَ السُّلَيمانيَّةَ المَكارِمةَ يتواجَدون إلى الآنَ في قُرى حِرازٍ غَربَ مَدينةِ صَنعاءَ، وفي مَدينةِ صَنعاءَ، فكَثيرٌ من تُجَّارِ شارِعِ بابِ السَّلامِ في حَيِّ بابِ اليَمَنِ شَرقَ صَنعاءَ هم مِنَ المَكارِمةِ، وبَعضُهم يَسكُنُ في نقم غَربَ صَنعاءَ، ولهم هناك مَسجِدٌ خاصٌّ بهم، ولهم مَركَزٌ دينيٌّ يُسَمَّى الحاتِميَّ في صَنعاءَ في شارِع صفر في حَيِّ حدَّةَ، ولهم مَقبَرةٌ خاصَّةٌ في جَبَلِ عَصرٍ غَربَ صَنعاءَ، وهم مَعروفونَ في بَعضِ قُرى مُحافِظةِ إبَّ وسَطَ اليَمَنِ، مِثلُ مِنطَقةِ عراسٍ، وعزلةِ المزاحنِ، وغَيرِها، ويَصعُبُ التَّحَدُّثُ بالتَّفصيلِ عن جَميعِ المَكارِمةِ في جَميعِ تلك المَناطِقِ، ولكَونِ عَقائِدِهم وعاداتِهم مُتَشابِهةً إلى حَدٍّ كبيرٍ، فسَيُكتَفى بذِكرِ المَكارِمةِ في عزلةِ المزاحنِ الواقِعةِ في مِنطَقةِ العِدين غَربَ مَدينةِ إبَّ وسَطَ اليَمَنِ [2997] يُنظر لهذا الفرع: ((الإسماعيلية وفرقها)) للمجاهد (ص: 251) وما بعدَها. .
أبرَزُ الأسَرِ المُكرميَّةِ في عزلةِ المزاحنِ:
بَنو الهَمدانيِّ، والأزاهِرُ، وبَنو الزَّاهِرِ، وبَنو عمرةَ، وبَنو ظافِرٍ، والعنادِلةُ.
بعضُ أحوالِ المَكارِمةِ في مِنطَقةِ المزاحنِ باختِصارٍ:
أوَّلًا: الجانِبُ التَّعَبُّديُّ:
لَدى المَكارِمةِ رُتبةٌ يُسَمُّونَها رُتبةَ المَنصوبِ، يَستَحِقُّها مَن يَنوبُ عن الدَّاعي في المِنطَقةِ، ويَقومُ بجَمعِ الزَّكواتِ والنُّذورِ، والهِباتِ، كما يَقومُ بأخذِ العَهدِ والميثاقِ يَومَ الغَديرِ في الثَّامِنَ عَشَرَ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ، كما يَقومُ بإبلاغِ الأتباعِ عن مَواعيدِ الصَّومِ والإفطارِ والعيدِ، إضافةً إلى القيامِ بصَلاةِ الجُمعةِ التي يَتَجَمَّعُ النَّاسُ فيها في مَسجِدٍ واحِدٍ يَخطُبُ بهم المَنصوبُ الذي يُطلِقُ عليه لَقبَ: الحاجِّ، ويَقومُ بالصَّلاةِ على المَوتى كذلك.
ثانيًا: الجانِبُ الاعتِقاديُّ:
عَقائِدُ المَكارِمةِ هي في الأصلِ عَقائِدُ الإسماعيليَّةِ نَفسُها، وهي عَقيدةٌ باطِنيَّةٌ، تَزعُمُ أنَّ للإِسلامِ ظاهرًا وباطنًا، وبذلك صَرَفوا آياتِ اللهِ عن مُرادِها، وفَسَّروا القُرآنَ بما يُناسِبُ مَذهَبَهم [2998] يُنظر: مبحثُ أبرَز معتَقَداتِ الإسماعيليَّةِ من هذه الموسوعةِ. .
ومن جُملةِ مُعتَقداتِهم:
1- العَمَلُ بالتَّقيَّة كمَبدَأٍ أساسيٍّ، فإذا جاؤوا إلى قُرى أهلِ السُّنَّةِ في مُناسَبةٍ أو ضيافةٍ فإنَّهم يُصَلُّونَ مَعَهم الجَماعةَ، ثُمَّ يُعيدونَها إذا خَلَوا وحدَهم.
وإذا سُئِلَ أحَدُهم عن الصَّحابةِ، أو عن القُرآنِ، أو عن مَذهَبِه، فإنَّه يَتَرَضَّى عن الصَّحابةِ، ويَتَظاهَرُ بقِراءةِ القُرآنِ، ويَزعُمُ أنَّ مَذهَبَه حَنَفيٌّ.
وإذا كانوا جَماعةً، وفيهم رَجُلٌ سُنِّيٌّ يَقولُ بَعضُهم لبَعضٍ: (شريم)، وهي كلِمةٌ يَستَخدِمونَها عِندَ وُجودِ مَن لا يَثِقونَ به؛ ليُنَبِّهَ بَعضُهم بعضًا بوُجودِ مُخالِفٍ، فلا يُظهِرونَ أمامَه شيئًا مِمَّا يُعابُ عليهم.
2- قَبلَ أن يَموتَ أحَدُهم لا بُدَّ أن يوصيَ بمالٍ أو عَقارٍ للمَنصوبِ؛ حتَّى يُصَلِّيَ عليه، ويَستَدِلُّونَ على ذلك بقَولِ اللهِ تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة: 103] ، فيَزعُمونَ أنَّ مَعناها أن يَأخُذَ المَنصوبُ مالًا أو ما يَقومُ مَقامَه مُقابِلَ صَلاةِ الجِنازةِ عليهم، والشَّخصُ الذي لا يُصَلِّي عليه الحاجُّ "المَنصوبُ" يَعتَبِرونَه مِنَ المَغضوبِ عليهم، حتَّى إنَّهم إذا غَضِبَ أحَدُهم على شَخصٍ دَعا عليه قائلًا: لا صَلَّى عَلَيك الحاجُّ!
3- شِراءُ الصَّلاةِ، فإذا تَهاوَنَ الواحِدُ منهم بالصَّلاةِ أوصى قَبلَ مَوتِه بشِراءِ صَلاةٍ له من مالِه، أو يَشتَريها بَعضُهم لقَريبٍ له، فيَشتَري ما يَشاءُ مِنَ الرَّكَعاتِ، ويَدفَعُ قيمَتَها مُباشَرةً للدَّاعي، أو يُسَلِّمُ المُبلَغَ إلى المَنصوبِ، والذي بدَورِه يوصِلُها إلى الدَّاعي، وللدَّاعي أعوانٌ أشبَهُ بالمُقاوِلينَ، فيُقاوِلُهم على ما تَمَّ بَيعُه مِنَ الرَّكَعاتِ، ويُعطي كُلُّ مُقاوِلٍ قيمةَ عَدَدٍ مِنَ الرَّكَعاتِ، ويَستَحِبُّونَ أن يُصَلِّيَها المُقاوِلُ في مَكَّةَ في شَهرِ رَمَضانَ، فيُصَلِّي صَلاةً سَريعةً عن فُلانِ بنِ فُلانٍ كذا رَكعةً، وعن فُلانِ بنِ فُلانٍ كذا رَكعةً، مُقابِلَ ما دُفِعَ له مِنَ المالِ على تلك الرَّكَعاتِ!
4- يُؤَدُّونَ زَكاةَ الفِطرِ في لَيلةِ القَدرِ التي يَعتَقِدونَ أنَّها لَيلةُ الثَّالِثِ والعِشرينَ من رَمَضانَ، فيُؤَدِّيها رَبُّ المَنزِلِ على كُلِّ مَن كان مَعَه في المَنزِلِ، وإن لم يَكُنْ من أقارِبِه، فتَجِبُ على صاحِبِ البَيتِ لضُيوفِه؛ ولذلك فإنَّهم في تلك اللَّيلةِ يَحرِصونَ على عَدَمِ استِقبالِ أيِّ ضَيفٍ، أو قَريبٍ، أو غَريبٍ، أو عابِرِ سَبيلٍ حتَّى لا تَجِبَ عليهم زَكاتُهم.
5- المُكرميُّ منهم يُؤَدِّي البَيعةَ في عُمرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ تقريبًا:
البَيعةُ الأولى: البَيعةُ العامَّةُ التي يُؤَدِّيها العَوامُّ والخَواصُّ في الثَّامِنَ عَشَرَ من ذي الحِجَّةِ، وهذه بَيعةٌ نَصُّها طَويلٌ جِدًّا.
البَيعةُ الثَّانيةُ: تُؤخَذُ على الذين دَرَسوا المَنهَجَ المُعتَمَدَ، وأصبَحوا مُهَيَّئينَ لقَبولِ المَعاني الباطِنةِ التي ستُلقى عليهم في المَرحَلةِ القادِمةِ، وهذه يُؤَدِّيها المُبايِعُ عِندَ الدَّاعي.
البَيعةُ الثَّالِثةُ: وهي عِبارةٌ عن تَوثيقِ البَيعةِ الثَّانيةِ، يُؤَدِّيها في بَلَدِه عِندَ المَنصوبِ في الثَّامِنَ عَشَرَ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ أيضًا.
ثالثًا: الجانِبُ التَّعليميُّ:
يَسعَونَ للسَّيطَرةِ على المَركَزِ التَّعليميِّ في المِنطَقةِ كهَدَفٍ إستِراتيجيٍّ بَعيدِ المَدى؛ وذلك من خِلالِ المَناصِبِ التي يَحصُلونَ عليها في إدارةِ المَركَزِ التَّعليميِّ لمُديريَّةِ فَرعِ العِدين بَينَ الحينِ والآخَرِ، وقد أصبَحَ نائِبُ مُديرِ المَركَزِ التَّعليميِّ من أبناءِ هذه الطَّائِفةِ، وكَذلك مُديرُ الشُّؤونِ الماليَّةِ، أمَّا المَدارِسُ الحُكوميَّةُ فبَعدَ أن كانت إدارَتُها سُنِّيَّةً من خارِجِ المِنطَقةِ، وكان بَعضُهم من دُعاةِ أهلِ السُّنَّةِ، ففي ظِلِّ الصِّراعِ السِّياسيِّ في اليَمَنِ تَمَّ تَغييرُ كثيرٍ مِنَ المَديرينَ، واستَفادَ المَكارِمةُ من هذا الصِّراعِ، فسَيطَروا في عُزلةِ المزاحنِ على عِدَّةِ مَدارِسَ حُكوميَّةٍ.
رابعًا: الجانِبُ السِّياسيُّ والاجتِماعيُّ:
انتَمى غالِبيَّتُهم إلى حِزبِ المُؤتَمَرِ الشَّعبيِّ العامِّ، وهو الحِزبُ الحاكِمُ في اليَمَنِ، وصارَ بَعضُهم مِنَ القياداتِ البارِزةِ للحِزبِ في مُديريَّةِ فَرعِ العِدين.
ويَتَمَتَّعُ مَشايِخُ القَبائِلِ منهم بسُلُطاتٍ واسِعةٍ في المُديريَّةِ، ولهم نُفوذٌ على كثيرٍ من مَشايِخِ أهلِ السُّنَّةِ، الذين تَربُطُهم بهم عَلاقاتٌ حِزبيَّةٌ واجتِماعيَّةٌ.

انظر أيضا: