موسوعة الفرق

المَبحَثُ الخامِسُ: الفِرَقُ المُنتَسِبةُ إلى الإسماعيليَّةِ


ظَهَرَ التَّفَرُّقُ في طائِفةِ الإسماعيليَّةِ كسائِرِ فِرَقِ الشِّيعةِ، فحَصَلَتِ انشِقاقاتٌ كثيرةٌ داخِلَ هذه الطَّائِفةِ، فتَشَعَّبَت إلى فِرَقٍ أخرى، منها:
1- الإسماعيليَّةُ الخالِصةُ:
هم الذين قالوا: إنَّ الإمامَ بَعدَ جَعفَرٍ الصَّادِقِ ابنُه إسماعيلُ بنُ جَعفَرٍ، وأنكَروا مَوتَ إسماعيلَ في حَياةِ أبيه، وقالوا: إنَّ ذلك كان منه على جِهةِ التَّلبيسِ؛ لأنَّه خافَ عليه فغَيَّبَه عن أعدائِه، وزَعَموا أنَّ إسماعيلَ لا يَموتُ حتَّى يَملِكَ الأرضَ ويَقومَ بأمورِ النَّاسِ، وأنَّه هو القائِمُ؛ لأنَّ أباه أشارَ إليه بالإمامةِ بَعدَه، وقَلَّدَهم ذلك له، وأخبَرَهم أنَّه صاحِبُهم، وهذه الفِرقةُ تَنتَظِرُ إسماعيلَ بنَ جَعفَرٍ، وقيلَ بأنَّ هذه الفِرقةَ هي الخَطَّابيَّةُ أتباعُ أبي الخَطَّابِ قَبلَ مَوتِه، ولمَّا تُوُفِّي أبو الخَطَّابِ انضَمَّ أتباعُه إلى الإسماعيليَّةِ [2955] يُنظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 68 - 71). .
2- الإسماعيليَّةُ المباركيَّةُ أو الإسماعيليَّةُ الثَّانيةُ:
هم القائِلونَ بأنَّ الإمامَ بَعدَ جَعفَرٍ الصَّادِقِ هو مُحَمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ جَعفَرٍ، وقالوا: إنَّ الأمرَ كان لإِسماعيلَ في حَياةِ أبيه، فلمَّا توُفِّيَ قَبلَ أبيه جَعَلَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأمرَ لمُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ، وكان الحَقُّ له، ولا يَجوزُ غَيرُ ذلك؛ لأنَّها لا تَنتَقِلُ من أخٍ إلى أخٍ بَعدَ الحَسَنِ والحُسَينِ رَضيَ اللهُ عنهما، ولا يَكونُ الإمامُ إلَّا في الأعقابِ، ولم يَكُنْ لإخوةِ إسماعيل عبد اللهِ وموسى الكاظِمِ في الإمامةِ حَقٌّ كما لم يَكُنْ لمُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ فيها حَقٌّ مَعَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، وأصحابُ هذه المَقالةِ يُسَمَّونَ المباركيَّةَ نِسبةً إلى رَئيسٍ لهم يُسَمَّى المُبارَكَ كان مَولًى لإِسماعيلَ بنِ جَعفَرٍ [2956] يُنظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 69- 76). .
3- فِرقةُ القَرامِطةِ:
فِرقةٌ باطِنيَّةٌ ثَوريَّةٌ انشَقَّت عن حَركَتِها الأمِّ الإسماعيليَّةِ، وأصبَحَت فرعًا من فُروعِها، وسُمُّوا بالقَرامِطةِ والقِرْمِطيَّةِ نِسبةً إلى زَعيمِها وداعيَتِها الأوَّلِ: حَمدان قِرْمِط، وقيلَ: سُمِّيَت برَئيسٍ لهم مِنَ الأنباطِ كان يُلَقَّبُ بقِرْمِطوَيه، وكان حَمدانُ من أهلِ الكوفةِ مائِلًا إلى الزُّهدِ، فصادَفَه أحَدُ دُعاةِ الباطِنيَّةِ فدَعاه إلى مَذهَبِه، ودار بَينَهما مُحاوَرةٌ استَجابَ فيها حَمدانُ لجَميعِ ما دَعاه إليه هذا الباطِنيُّ، وأخَذَ العَهدَ والميثاقَ على حَمدانَ بالبَيعةِ للإِمامِ الإسماعيليِّ، والتِزامِ سِرِّ الإمامِ وسِرِّ هذا الدَّاعيةِ؛ ومِن ثَمَّ انتُدِبَ حَمدانُ للدَّعوةِ وصارَ أصلًا من أصولِها، وكان القَرامِطةُ في الأصلِ على مَقالةِ المباركيَّةِ، ثُمَّ خالَفوهم فقالوا: لا يَكونُ بَعدَ مُحَمَّدٍ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا سَبعةُ أئِمَّةٍ؛ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ، وهو إمامٌ رَسولٌ، والحَسَنُ، والحُسَينُ، وعَليُّ بنُ الحُسَينِ، ومُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ، وجَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، ومُحَمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ جَعفَرٍ [2957] يُنظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 72)، ((فضائح الباطنية)) للغزالي (ص: 12). ويُنظر للاستزادة: طائفة القرامطة من هذه الموسوعة. .
4- فِرقةُ الدَّروزِ:
هذه الفِرقةُ من فِرَقِ الباطِنيَّةِ الإسماعيليَّةِ التي جاهَرَت بالغُلوِّ في شَخصيَّةِ الحاكِمِ بأمرِ اللَّهِ العُبَيديِّ، فانشَقَّت عن المَذهَبِ الإسماعيليِّ، ورَغمَ انشِقاقِها عن الإسماعيليَّةِ وتَفَرُّدِها ببَعضِ المُعتَقَداتِ فإنَّها تُعتَبَرُ من فِرَقِ الإسماعيليَّةِ [2958] يُنظر: ((أصول الإسماعيلية)) للسلومي (ص: 358). ويُنظر للاستزادة: طائفةُ الدُّروزِ من هذه الموسوعةِ. .
5- الإسماعيليَّةُ المُستعليةُ:
يُعتَبَرُ انقِسامُ الطَّائِفةِ الإسماعيليَّةِ إلى مُستَعليةٍ ونزاريةٍ أشهَرَ انقِسامٍ وافتِراقٍ مُنذُ تَأسيسِها وبدايَتها إلى عَصرِنا الحاضِرِ؛ حَيثُ اتَّجَهَت كُلُّ فِرقةٍ إلى إمامٍ من أئِمَّتِها في فترةِ الظُّهورِ وتَمَسَّكَت به، وبإمامةِ نَسلِه من بَعدِه إن كان له نَسلٌ، وصارَ لكُلِّ فِرقةٍ منهما كُتُبٌ خاصَّةٌ بها، وكانت دَولةُ الصُّلَيحيِّينَ في اليَمَنِ تُمَثِّلُ الإسماعيليَّةَ المُستَعليةَ، ودَولةُ الصَّبَّاحيِّينَ أوِ الحَشَّاشينَ في أَلَمُوتَ وجَنوبِ فارِسَ تُمَثِّلُ الإسماعيليَّةَ النِّزاريَّةَ.
وسَبَبُ هذا الانقِسامِ أنَّ المُستَنصِرَ العُبَيديَّ وهو الإمامُ الثَّامِنُ من أئِمَّةِ الظُّهورِ عِندَ الإسماعيليَّةِ لمَّا ماتَ في شَهرِ ذي الحِجَّةِ من عامِ 487هـ، أقامَ أميرُ الجُيوشِ الأفضَلُ ابنَه أحمَدَ بنَ المُستَنصِرِ المُلَقَّبَ بالمُستَعلي باللهِ، وخالَفَه في ذلك أخوه الأكبَرُ نِزارُ بنُ المُستَنصِرِ، وبَعدَ مُناوَشاتٍ بَينَهما فَرَّ إلى الإسكَندَريَّةِ ثُمَّ حارَبَه الأفضَلُ حتَّى ظَفِرَ به فقَتَلَه، ثُمَّ أمر الأفضَلُ النَّاسَ بتَقبيلِ الأرضِ فقال لهم: قَبِّلوا الأرضَ لمَولانا المُستَعلي باللهِ وبايِعوه؛ فهو الذي نَصَّ عليه الإمامُ المُستَنصِرُ قَبلَ وفاتِه بالخِلافةِ مِن بَعدِه [2959] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (8/173)، ((الخطط)) للمقريزي (2/34 -35). .
وانقَسَمَتِ الإسماعيليَّةُ من حينِئذٍ إلى مُستَعليةٍ أتباعِ المُستَعلي، ونزاريَّةٍ أتباعِ نِزارٍ.
وبَعدَ ذلك أُطلِقَ عليهم لَقَبُ الإسماعيليَّةِ الطَّيبيَّةِ، نِسبةً إلى الطَّيِّبِ بنِ الآمِرِ بأحكامِ اللهِ، الذين يَزعُمونَ أنَّه استَتَرَ سَنةَ 525هـ، مَعَ أنَّه لم يَكُنْ للآمِرِ بأحكامِ اللهِ عَقِبٌ، وقدِ ادَّعَتِ المَلِكةُ بنتُ أحمَدَ الصُّليحيَّةُ إمامَته وكَفالَتَها له؛ فالإسماعيليَّةُ المُستَعليةُ يَزعُمونَ إمامةَ الطَّيِّبِ بنِ الآمِرِ بأحكامِ اللهِ، وإمامةَ نَسلِه المَستورينَ من بَعدِه، وهؤلاء هم إسماعيليَّةُ مِصرَ واليَمَنِ وبَعضِ بلادِ الشَّامِ، ويُطلَقُ عليهم الإسماعيليَّةُ الغَربيَّةُ تَمييزًا لهم عن الإسماعيليَّةِ الشَّرقيَّةِ، وهم الإسماعيليَّةُ النِّزاريَّةُ في بلادِ فارِسَ أصحابُ الحَسَنِ بنِ الصَّبَّاحِ. وقدِ انقَرَضَتِ الدَّولةُ الصُّليحيَّةُ عامَ 563هـ، ولم يَقُمْ أتباعُ هذه الفِرقةِ بأيِّ نَشاطٍ سياسيٍّ يُذكَرُ، واتَّجَهوا نَحوَ التِّجارةِ، واتَّخَذوا التَّقيَّةَ والسَّترِ أسلوبًا في نَقلِ الدَّعوةِ الإسماعيليَّةِ المُستَعليةِ الطَّيبيَّةِ إلى شِبهِ القارَّةِ الهِنديَّةِ، وظَهَرَ لهم لَقَبٌ جَديدٌ ومُسَمًّى يَتَناسَبُ مَعَ مِهنَتِهم، وهو (البهرةُ)، فهي كلِمةٌ هِنديَّةٌ قديمةٌ مَعناها التَّاجِرُ [2960] يُنظر: ((طائفة الإسماعيلية)) لمحمد كامل حسين (ص: 46 - 62). .
6- الإسماعيليَّةُ النِّزاريَّةُ:
تَقدَّم أنَّ هذه الفِرقةَ تَكَوَّنَت بَعدَ وفاةِ المُستَنصِرِ عامَ 487ه، وكان بحَسَبِ تَقاليدِ الإسماعيليَّةِ قد نَصَّ على إمامةِ ابنِه الأكبَرِ نِزارٍ، لَكِنَّ الوَزيرَ الجَماليَّ صَرف النَّصَّ إلى أخيه المُستَعلي ابنِ أختِ الوَزيرِ، وحَصَلَ من جَرَّاءِ ذلك انقِسامُ الإسماعيليَّةِ إلى مُستَعليةٍ ونِزاريَّةٍ، وقد تَمَّ قَتلُ نِزارٍ في الإسكَندَريَّةِ، ولم يَكُنْ له عَقِبٌ إلَّا أنَّ أحَدَ دُعاةَ الإسماعيليَّةِ، وهو الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ، انتَصَرَ لنِزارٍ، وأصبَحَ يَدعو له ولأبنائِه مِن بَعدِه، وجَعَلَ نَفسَه نائِبًا للإِمامِ المَستورِ من وَلَدِ نِزارٍ، وكان داهيةً شُجاعًا، عالِمًا بالهَندَسةِ والحِسابِ والنُّجومِ، وكان مُقدَّمَ الإسماعيليَّةِ بأصبَهانَ، ورَحَلَ منها، وطافَ البِلادَ، فدَخل مِصرَ وأكرَمه المُستَنصِرُ الفاطِميُّ، وأعطاه مالًا، وأمَرَه بأن يَدعوَ النَّاسَ إلى إمامَتِه، فعادَ إلى الشَّامِ والجَزيرةِ وديارِ بَكرٍ والرُّومِ، ورَجَعَ إلى خُراسانَ، ودَخلَ كاشغرَ وما وراءَ النَّهرِ، داعيًا إلى المُستَنصِرِ، ثُمَّ استَولى على قَلعةِ أَلَمُوتَ في نَواحي قَزوينَ، واستَقَرَّ فيها إلى أن توُفِّيَ سَنةَ 518هـ. وأصبَحَ يُطلَقُ على فِرقَتِه الإسماعيليَّةِ النِّزاريَّةِ نِسبةً إلى نِزارِ بنِ المُستَنصِرِ، كما يُطلَقُ عليها اسمُ الدَّعوةِ الجَديدةِ تَمييزًا لها عن الدَّعوةِ الإسماعيليَّةِ الأولى، ويُسَمِّيها بَعضُ الكُتَّابِ المُعاصِرينَ إسماعيليَّةَ إيرانَ نِسبةً إلى مَكانِها الأمِّ [2961] يُنظر: ((طائفة الإسماعيلية)) لمحمد كامل حسين (ص: 62)، ((الأعلام)) للزركلي (2/ 193، 194)، ((دولة الإسماعيلية في إيران)) لجمال الدين (ص: 42). .
وحينَ بَدَأ ضَعفُ دَولةِ الحَشَّاشيِّينَ أوِ الإسماعيليَّةِ النِّزاريَّةِ في قَلعةِ أَلَمُوتَ ظَهر داعيةٌ إسماعيليٌّ نِزاريٌّ في بلادِ الشَّامِ، اسمُه راشِدُ الدِّينِ سِنان، ويُلَقَّبُ بشَيخِ الجِبالِ، وحاوَلَ تَجميعَ طائِفةِ الإسماعيليَّةِ من جَديدٍ، ولا سيَّما في مَدينةِ سَلَمِيَةَ السُّوريَّةِ التي كانت مَقَرًّا للأئِمَّةِ المَستورينَ والإمامِ الظَّاهِرِ عُبَيدِ اللَّهِ المَهديِّ [2962] يُنظر: ((طائفة الإسماعيلية)) لمحمد كامل حسين (ص: 98). ويُنظر للاستزادةِ: طائفةُ الحشَّاشينَ من هذه الموسوعةِ. .
والنِّزاريَّةُ انقَسَمَت بَعدَ مَوتِ أحَدِ أئِمَّتها، وهو شَمسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ رُكنِ الدِّينِ خورشاه، المُتَوَفَّى عامَ 710ه [2963] يُنظر: ((تاريخ الدعوة الإسماعيلية)) لغالب (ص: 277) وما بعدَها. ، فانقَسَموا إلى طائِفةٍ نِزاريَّةٍ مؤمنيَّةٍ، وهم أتباعُ مُؤمِنِ بنِ شَمسِ الدِّينِ، وطائِفةٍ نِزاريَّةٍ قاسِميَّةٍ نِسبةً إلى قاسِمِ بنِ شَمسِ الدِّينِ، وهذه الطَّائِفةُ القاسِميَّةُ قيلَ: إنَّها تُشَكِّلُ الأغلَبيَّةَ السَّاحِقةَ مِنَ الإسماعيليَّةِ [2964] يُنظر: ((الإسماعيلية وفرقها)) للمجاهد (301-302). .
فبَعدَ مَوتِ شَمسِ الدِّينِ تَنازَعَ ابناه مُؤمِنٌ وقاسِمٌ على الإمامةِ، وذلك حينَ أرسَلَ قاسِمٌ أخاه مُؤمِنًا إلى بلادِ فارِسَ وقَزوينَ ليَكونَ مُمَثِّلًا له هناك، لَكِنَّه ادَّعى الإمامةَ لنَفسِه وتَبِعَه على ذلك كثيرٌ من أهلِ فارِسَ والشَّامِ. فأصبَحوا فريقَينِ: القاسِميَّةُ التي انتَشَرَت في الهِندِ، وكان لها شَأنٌ هناك وأصبَحَت مَركَزًا أساسيًّا لهم، وانتَشَرَت أيضًا في إيرانَ على يَدِ أحمَدَ بنِ قاسِمٍ، ولهم أتباعٌ في سوريا حتَّى اليَومِ. وأمَّا المؤمنيَّةُ فقدِ انقَطَعَت عِندَهم الإمامةُ سَنةَ 1210ه حينَ انقَطَعَ الاتِّصالُ بإمامِهم أميرِ مُحَمَّد شاه، وهم يتواجَدون اليَومَ في القُدموسِ ومِصيافَ في سوريا [2965] يُنظر: ((الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة في العالم)) لشحادة والكسواني (ص: 160). .

انظر أيضا: