موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: دَرَجاتُ دُعاةِ الإسماعيليَّةِ


أوَّلًا: الإمامُ
إنَّ رُتبةَ الإمامِ تُمَثِّلُ القيادةَ العُليا المُطلَقةَ، فهي أعلى سُلطةٍ وأرفَعُها في الدَّعوةِ، وهي مَصدَرُ كُلِّ قانونٍ أو تَنظيمٍ أو تَشريعٍ [2937] يُنظر: ((القرامطة)) لتامر (ص: 103). .
وبالَغَ الإسماعيليَّةُ في رُتبةِ الإمامِ حتَّى قالوا: (إنَّ أهَمِّيَّتَه تَأتي بَعدَ النَّاطِقِ أي: النَّبيِّ المُرسَلِ فهو يَقومُ بتَأويلِ الشَّرائِعِ، ويُدرِكُ العُلومَ الإلَهيَّة من حَيثُ لا يَتَهَيَّأُ للواحِدِ إدراكُها واستِفادَتُها) [2938] ((الإيضاح)) لأبي فراس (ص: 161). .
ثانيًا: البابُ أو بابُ الأبوابِ
تُعتَبَرُ هذه المَرتَبةُ سِرِّيَّةً للغايةِ؛ حَيثُ لا يَعرِفُ شاغِلَها إلَّا الإمامُ نَفسُه، فهي من أرفَعِ مَراتِبِ الدَّعوةِ بَعدَ رُتبةِ الإمامِ الدِّينيَّةِ مُباشَرةً، وقد وُصِفَ بابُ الأبوابِ بأنَّه (بابُ صاحِبِ الزَّمانِ الذي تُؤتى منه إليه، وحُجَّتُه على الخَلقِ، وحامِلُ عِلمِه، وصاحِبُ دَعوَتِه) [2939] ((أعلام الإسماعيلية)) لغالب (ص: 23). .
ثالثًا: داعي الدُّعاةِ
رُتبةٌ تَلي رُتبةَ البابِ أوِ الحُجَّةِ كما يُسَمُّونَه، قال المَقريزيُّ عن أوصافِ مَن يَلي هذه المَرتَبةَ: (إنَّ داعيَ الدُّعاةِ يَلي قاضيَ القُضاةِ، ويَتَزَيَّا بزيِّه في اللِّباسِ وغَيرِه، ويُشتَرَطُ فيمَن يَصِلُ إلى هذه الرُّتبةِ أن يَكونَ عالِمًا بجَميعِ مَذاهِبِ أهلِ البَيتِ، يُقرَأُ عليه، ويَأخُذُ العَهدَ على مَن يَنتَقِلُ من مَذهَبِه إلى مَذهَبِهم، وبَينَ يَدَيه من نُقَباءِ المُعَلِّمينَ اثنا عَشَر نقيبًا، وله نوَّابٌ في سائِرِ البِلادِ) [2940] ((الخطط المقريزية)) (2/226). .
رابعًا: داعي البلاغِ
يُعتَبَرُ أحَدَ الحُدودِ السَّبعةِ المُتِمِّينَ لدَورِ الإمامِ، ورابِعَ الحُجَجِ التي بانَ عنها البابُ، وهي داعي البَلاغِ والحُجَّةُ والبابُ والإمامُ [2941] يُنظر: ((أربعة كتب إسماعيلية)) جمع شتروطمان (ص: 51). .
ومِن مُهِمَّاتِ داعي البَلاغِ الاحتِجاجُ بالبُرهانِ في إثباتِ الحُدودِ العُلويَّةِ ومَراتِبها في وجوداتِها، مَعَ تَعريفِ المَعادِ حَسبَما هو وارِدٌ في مُعتَقَداتِ الباطِنيَّةِ [2942] يُنظر: ((راحة العقل)) للكرماني (ص: 252). .
وهذا بالنِّسبةِ للمُعتَقداتِ وتَأويلِها، أمَّا النَّواحي التَّنظيميَّةُ فيُعتَبَرُ داعي البَلاغِ مسؤولًا عن تَبليغِ الأوامِرِ التي يُرسِلُها داعي الدُّعاةِ إلى الأقاليمِ، وعن وُصولِها، كما عليه تَحريرُ الرَّسائِلِ، وكِتابةُ البَلاغاتِ، فهو قائِمٌ بالبَلاغِ والإبلاغِ لكُلِّ شَيءٍ في حينِه [2943] يُنظر: ((القرامطة)) لتامر (ص: 403، 104). .
خامسًا: الدَّاعي المُطلَقُ
تُشيرُ المَصادِرُ الباطِنيَّةُ إليه بخَطَّينِ يتَّصِلُ أحَدُهما بالآخَرِ، ويُكَنَّى عنهما بالسُّلَّمِ؛ تشبيهًا له بسُلَّمِ نَجاةٍ تَرتَقي به النُّفوسُ إلى أن تَحُلَّ في حَظيرةِ القُدسِ بوَساطَتِه ووَساطةِ مَن فوقَه مِنَ الحُدودِ، وهو يَقومُ مَقامَ الإمامِ في أوقاتِ الفَتَراتِ؛ لاستِتارِ دُعاةِ البَلاغِ والحُجَجِ والأبوابِ باستِتارِ الإمامِ [2944] يُنظر: ((رسالة الاسم الأعظم)) لمجهول (ص: 174، 175). .
سادسًا: الدَّاعي المَحدودُ أوِ المَحصورُ
يَتَعَلَّقُ به مَراسِمُ العِبادةِ العِلميَّةِ الظَّاهِرةِ، وتَعريفُ الحُدودِ السُّفليَّةِ وأدوارِها صغارًا وكبارًا [2945] يُنظر: ((راحة العقل)) للكرماني (ص: 252، 256). .
وتُشيرُ بَعضُ المَصادِرِ الباطِنيَّةِ إلى الدَّاعي المَحصورِ بالطَّميسِ والأبتَرِ، ومَعنى ذلك أنَّ الطَّميسَ فيه إشارةٌ إلى أنَّ رُتبَتَه خَفيَّةٌ في الدَّعوةِ لا تَكادُ تُعرَفُ عِندَ أكثَرِ أهلِها، وكَونُه أبتَرَ إشارةٌ إلى أنَّه ليس له إقامةُ حَدٍّ ولا إطلاقُه [2946] ينظر: ((رسالة الاسم الأعظم)) لمجهول (ص: 174). .
سابعًا وثامِنًا: الجَناحُ الأيمَنُ والأيسَرُ
الجَناحُ الأيمَنُ والجَناحُ الأيسَرُ دَرَجَتانِ من دَرَجاتِ الدُّعاةِ، وهما مُلحَقانِ بصورةٍ دائِمةٍ بالدَّاعي المُطلَقِ، فهما جَناحاه اللَّذانِ يُقدِّمانِ له الخِدماتِ أثناءَ جَولاتِه في الأقاليمِ للدِّعايةِ، ويُطلَقُ عليهما أحيانًا اليَدُ، أي: أنَّهما يُقدِّمانِ الخِدماتِ للدَّاعي، كما تُقّدِّمُ اليَدُ الخِدماتِ للجِسمِ، وعليهما مُهِمَّتانِ شاقَّتانِ؛ فإنَّ عليهما أن يَذهَبا مسبقًا إلى البَلَدِ التي يُقَرِّرُ الدَّاعي الذَّهابَ إليه، فيَدرُسانِ أوضاعَه السِّياسيَّةَ والعِلميَّةَ والأدَبيَّةَ، وحالةَ نَدَواتِه ومَدارِسِه، وطَبَقاتِ أهلِه وعُلَمائِه وشُعَرائِه، ونَفسيَّاتِهم، ونَواحيَ القوَّةِ والضَّعفِ لَدَيهم، ومُيولَهم وأديانَهم، وما هم عليه مِنَ المَكانةِ الاجتِماعيَّةِ، وبَعدَ أن يَدرُسا كُلَّ شَيءٍ عن البَلَدِ يَعودانِ إلى الدَّاعي المُطلَقِ، ويُقدِّمانِ له تَقريرَهما، فيَنتَقِلُ إلى البَلَدِ المُقَرَّرِ على ضَوءِ تَقريرِهما، بَينَما يَنتَقِلُ الجَناحانِ إلى البَلَدِ الثَّاني المُقَرَّرِ زيارَتُه [2947] ينظر: ((القرامطة)) لتامر (ص: 105). .
تاسعًا: المأذونُ
تَناوَل فلاسِفةُ الإسماعيليَّةِ هذه الدَّرَجةَ بالإيضاحِ، ولَكِنَّهم اختَلَفوا حَولَ أقسامِ المَأذونينَ. فالسِّجِستانيُّ ذَكَرَ أنَّهم ثَلاثةُ أقسامٍ:
1- مَأذونٌ مُطلَقٌ.
2- مَأذونٌ مَحدودٌ.
3- مَأذونٌ [2948] يُنظر: ((تحفة المستجيبين)) للسجستاني (ص: 154). .
والكرمانيُّ اعتَبَرَهم قِسمَينِ:
1- مَأذونٌ مُطلَقٌ.
3- مَأذونٌ مَحدودٌ.
وقال عن الأخيرِ: (إنَّه هو المكاسِرُ) [2949] ((راحة العقل)) للكرماني (ص: 256). .
ومَرتَبةُ المَأذونِ كبيرةٌ ولا تَتَوافَرُ إلَّا فيمَن كان على عِلمٍ تامٍّ بمَذاهِبِ خُصومِه ومَوضِعِ الضَّعفِ فيها مَعَ كونِه ذا حُجَّةٍ وفَصاحةٍ مُتَمَكِّنًا من أصولِ مَذهَبِه [2950] يُنظر: ((ديوان المؤيد)) لحسين (ص: 54). . ومِنَ المَهامِّ التي يَقومُ بها المَأذونُ العَمَلُ مَعَ المُستَجيبينَ الذين لهم رَغبةٌ في التَّزَوُّدِ بالتَّأويلاتِ الباطِنيَّةِ، وعِندَئذٍ يَبدَأُ بأخذِ العُهودِ والمَواثيقِ المُؤَكَّدةِ عليهم بأن لا يُفشوا سِرًّا ولا يُطلِعوا على آرائِه أحدًا. فإذا وثِقَ منهم بَدَأ يُكاشِفُهم ببَعضِ الأسرارِ الخَفيَّةِ التي لا يَنزَعِجُ منها أحَدٌ ولا يَنفِرُ منها مُستَجيبٌ. ولا يَزالُ يَتَدَرَّجُ بهم من رَأيٍ إلى رَأيٍ ومِن مَسألةٍ إلى أخرى حتَّى يَطمَئِنَّ المَأذونُ إلى هؤلاء المُستَجيبينَ ويَطمَئِنُّوا هم إليه، وعِندَئذٍ يُنقَلون إلى الدَّاعي الذي هو أرقى مِنَ المَأذونِ رُتبةً [2951] يُنظر: ((طائفة الإسماعيلية)) لحسين (ص: 138)، ((أعلام الإسماعيلية)) لغالب (ص: 22). .
عاشِرًا: المكاسِرُ
تَعتَبَرُ هذه الدَّرَجةُ مِنَ المَراكِزِ الظَّاهِرةِ للدُّعاةِ، وهي أقَلُّ مَرتَبةً من مَراتِبِهم؛ حَيثُ إنَّ من مَهامِّه الأساسيَّةِ مُخالَطةَ النَّاسِ بلا تَحَفُّظِ، وتَرغيبَهم إلى عَقيدَتِه وفِكرَتِه، ومِن ثَمَّ اختيارُ مَن يَصلُحُ للدَّعوةِ والوُلوجِ في مَراتِبِهم، ويُحَدِّدُ الكرمانيُّ مَهامَّ المُكاسِرِ بقَولِه: (عليه جَذبُ الأنفُسِ المُستَجيبةِ) [2952] ((راحة العقل)) للكرماني (ص 256). .
وفَلاسِفةُ الإسماعيليَّةِ قديمًا وحديثًا تَحَدَّثوا عن هذه الدَّرَجةِ كثيرًا لظُهورِها وعَدَمِ استِتارِ أصحابِها [2953] يُنظر على سبيل المثال: ((المجالس المؤيدية)) للشيرازي (2/211)، ((الذخيرة)) للوليد (ص: 65)، ((طائفة الإسماعيلية)) لحسين (ص: 134، 135)، ((أعلام الإسماعيلية)) لغالب (ص: 20-22). .
وكان يَسمَحُ له بمُناقَشةِ العُلَماءِ من غَيرِ الإسماعيليَّةِ أمامَ الجَماهيرِ بقَصدِ إظهارِ عَجزِهم وتَشكيكِ النَّاسِ في مَعلوماتِهم، أمَّا أولئك الذين يَلمِسُ أنَّهم أبرَعُ منه فإنَّه كان يَتَجَنَّبُ مُناظَرَتَهم ما أمكَنَه، وإذا اضطُرَّ إلى مُناقَشَتِهم فيَلجَأُ إلى الكَلامِ عن المَعنى الباطِنِ لأمورِ الدِّينِ حتَّى يَبدوَ أمامَ النَّاسِ أنَّه يَعلَمُ ما خَفِيَ على غَيرِه خاصَّةً، وأنَّ المُكاسِرَ كان يَطلُبُ من هؤلاء العُلَماءِ الإجابةَ عن بَعضِ الأسئِلة التي لا يُمكِنُ الإجابةُ عليها، وكانت هذه المُناقَشاتُ تُسفِرُ عن إظهارِ فصاحَتِه وغالِبًا ما كان يَلتَفُّ حَولَه في النِّهاية أعدادٌ غَيرُ قَليلةٍ مِنَ السَّامِعينَ وخاصَّةً السُّذَّجَ منهم يَلتَمِسونَ مَعرِفةَ الإجابةِ الصَّحيحةِ عليها، وكان يَعمِدُ إلى تَركِهم فترةً مِنَ الزَّمَنِ، ثُمَّ يَلتَقي بهم مَرَّةً أخرى ويَدَّعي لمَن أنسَ منهم استِعدادًا لقَبولِ الدَّعوة أنَّه تَعَرَّفَ على أحَدِ العُلَماءِ الأفذاذِ الذي يَستَطيعُ الإجابةَ عن هذه الأسئِلةِ فيُهرَعونَ إلى مُقابَلَتِه ولم يَكُن هذا العالَمُ الذي يُشيرُ إليه سِوى أحـدِ كِـبـارِ دُعـاةِ الإسماعيليَّةِ والذي غالِبًا ما يَختارونَه من بَينِ أبناءِ البيئةِ التي سَيُباشِرُ فيها نَشاطَه حتَّى يَطمَئِنَّ إليه الجَميعُ ولا يَرتابَ أحَدٌ في أمرِه [2954] يُنظر: ((قرامطة العراق)) لعيلان (ص: 164). .

انظر أيضا: