موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: تَفسيرُ الحَسَنِ العَسكريِّ


التَّفسيرُ المَنسوبُ للحَسَنِ بنِ عَليٍّ العَسكريِّ (ت 260ه) وهو الإمامُ الحادي عَشَرَ عِندَ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، يرويه أبو يعقوبَ يوسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زيادٍ، وأبو الحَسَنِ عَليُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ، وقد زَعَما أنَّ الحَسَنَ العَسكريَّ أملى عليهما هذا التَّفسيرَ، وهو تَفسيرٌ غَيرُ كامِلٍ، يتَناولُ تَفسيرَ سورةِ الفاتِحةِ، وسورةِ البَقَرةِ إلى قُبَيلِ خاتِمَتها بأربَعِ آياتٍ، وأُلحِقَ به مُستَدرَكاتٌ مَنسوبةٌ للحَسَنِ العَسكريِّ، وهي عِبارةٌ عن تَفسيراتٍ مَنسوبةٍ إليه وتَتَعَلَّقُ بتَفسيرِ بَعضِ الآياتِ مِن سورٍ أُخرى، وفي الجُملةِ هو تَفسيرٌ يُبَيِّنُ عَقيدةَ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، كتَعظيمِ الأئِمَّةِ، ويُخضِعُ الآياتِ الكريمةَ لذلك.
وقد اختَلف أعلامُ الشِّيعة وباحِثوهم حَولَ نِسبةِ الكِتابِ للحَسَنِ العَسكريِّ على أقوالٍ؛ مِنها:
القَولُ الأوَّلُ: عَدَمُ اعتِبارِ الكِتابِ بأكمَلِه، وأنَّه مَكذوبٌ ومَوضوعٌ على الحَسَنِ العَسكريِّ، ومِنَ القائِلينَ بهذا: ابنُ الغضائريِّ، والحليُّ، والدَّامادُ، والإستراباديُّ، والأردبيليُّ، والبَلاغيُّ، والخُوئيُّ، وغَيرُهم.
قال مُحَمَّد جَواد البَلاغي: (وأمَّا التَّفسيرُ المَنسوبُ إلى الإمامِ الحَسَنِ العَسكريِّ فقد أوضَحنا في رِسالةٍ مُنفرِدةٍ في شأنِه أنَّه مَكذوبٌ مَوضوعٌ، ومِمَّا يدُلُّ على ذلك نَفسُ ما في التَّفسيرِ مِنَ التَّناقُضِ والتَّهافُتِ في كلامِ الرَّاويينِ، وما يزعُمانِ أنَّه رِوايةٌ وما فيه مِن مُخالفةِ الكِتابِ المَجيدِ، ومَعلومِ التَّاريخِ) [2167] ((آلاء الرحمن)) (1/49). .
القَولُ الثَّاني: اعتِبارُ الكِتابِ في الجُملةِ، وصِحَّةُ نِسبَتِه للعَسكريِّ، ومِنَ القائِلينَ بهذا المجلسيَّانِ الأوَّلُ والثَّاني، والفيضُ الكاشانيُّ، وهاشِمٌ البَحرانيُّ، وآقا بُزُرْك الطِّهرانيُّ.
قال المَجلسيُّ الثَّاني: (كِتابُ تَفسيرِ الإمامِ عليه السَّلامُ مِنَ الكُتُبِ المَعروفةِ، واعتَمَدَ الصَّدوقُ عليه وأخَذَ مِنه، وإن طَعنَ فيه بَعضُ المُحدَثينَ، ولكِنَّ الصَّدوقَ رَحِمَه اللهُ أعرَفُ وأقرَبُ عَهدًا مِمَّن طَعنَ فيه، وقد رَوى عنه أكثَرُ العُلماءِ مِن غَيرِ غَمزٍ فيه) [2168] ((بحار الأنوار)) (1/28). .
ومِنهم مَن ذَهَبَ إلى القَولِ بالتَّفصيلِ؛ فبَعضُه مُعتَبرٌ، وبَعضُه مَردودٌ، ومِنَ القائِلينَ بهذا الدَّاوريُّ [2169] يُنظر: ((أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق)) للداوري (ص: 284)، (المفسرون حياتهم ومنهجهم)) لإيازي (2/640)، ((دراسة حول التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام)) لعبد الرؤوف حسن الربيع (مجلة رسالة القلم/ العدد: 28). ويُنظر تفصيل هذه المسألة أيضًا في: ((بحث حول سند تفسير الإمام العسكري عليه السلام)) في ذيل التفسير المنسوب إليه. .
وذَكرَ مُسلمٌ الدَّاوريُّ قَولًا ثالثًا وهو التَّفصيلُ؛ ففي الكِتابِ رِواياتٌ مُعتَبرةٌ، وأُخرى غَيرُ مُعتَبرةٍ كسائِرِ كُتُبِ المَرويَّاتِ والأخبارِ، فقال: (وأمَّا القَولُ الثَّالثُ: فهو الذي نَختارُه مِن بَينِ الأقوالِ. وعليه فيُعامَلُ الكِتابُ مُعامَلةَ سائِرِ الكُتُبِ؛ فإنَّه يشتَمِلُ على أُمورٍ يبعُدُ التَّصديقُ بها لكونِها على خِلافِ ما ورَدَ في كُتُبِ السِّيرةِ والتَّاريخِ. كقَضايا الحَجَّاجِ والمُختارِ. وكذلك اشتِمالُه على القَضايا الغَريبةِ، كقَضيَّةِ الشَّخصِ الذي أُريدَ أن يُقامَ عليه الحَدُّ، فظَهَرَت له كراماتٌ، وما ورَدَ مِن أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه أخَذَ تفَّاحةً مِنَ الجَنَّةِ، فلمَّا شَقَّها رَأى حوريَّةً، وغَيرِها مِنَ الرِّواياتِ؛ فإنَّها وإن كانت قابلةً للتَّوجيهِ إلَّا أنَّها ليست عاديَّةً...
وعليه فلا يُمكِنُنا القَولُ باعتِبارِ جَميعِ ما في الكِتابِ، وقد وقَفْنا على قِسمٍ مِنَ الكِتابِ، وحاصِلُ ما تبَيَّن لنا أنَّ القَولَ بأنَّ الكِتابَ مَوضوعٌ لا يُمكِنُ الموافقةُ عليه؛ فإنَّ مَصدَرَ القَول بالوضعِ هو ابنُ الغضائريِّ، وتابعُه العَلَّامةُ والتفريشيُّ وغَيرُهما، وكلامُ ابنِ الغضائريِّ لا يُعتَمَدُ عليه. كما لا يُمكِنُنا الموافقةُ على القَولِ بأنَّ الكِتابَ كُلَّه صادِرٌ عنِ الإمامِ؛ لعَدَمِ الدَّليلِ على ذلك، وحينَئِذٍ يُعامَلُ الكِتابُ مُعامَلةَ سائِرِ الكُتُبِ، فإن كانت الرِّوايةُ مُعتَبرةً أخذْنا بها، وإلَّا فلا) [2170] ((أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق)) (ص: 284). .
وقال مُحَمَّد عَلي إيازي: (اعتِبارُ هذا التَّفسيرِ المَشهورِ بتَفسيرِ الإمامِ العَسكريِّ مَحلُّ مُناقَشةٍ واختِلافٍ بَينَ المُحَدِّثينَ والمُفسِّرينَ والفُقَهاءِ وأصحابِ كُتُبِ الرِّجالِ الشِّيعةِ مُنذُ القَرنِ الرَّابعِ إلى عَصرِنا؛ فمِنهم مَن يقولُ بصُدورِه عنِ الإمامِ ويأخُذُه كسائِرِ الكُتُبِ المُعتَبرةِ الحديثيَّةِ ومصدرًا لتَفسيرِ آياتِ القُرآنِ الكريمِ، ومِنهم مَن يعتَقِدُ بكونِه مَوضوعًا ومختَلَقًا على الإمامِ، ومِنهم مَن يرى أنَّ سَنَدَه ضَعيفٌ ولكِنْ بَعضُ مَنقولاتِه صَحيحٌ وصادِرٌ عنِ المَعصومِ، ومَرويٌّ في سائِرِ كُتُبِ الحَديثِ والتَّفسيرِ) [2171] ((المفسرون حياتهم ومنهجهم)) (2/640). .
وقال أيضًا: (وعلى أيِّ حالٍ فيُعَدُّ هذا مِن أشهَرِ كُتُبِ التَّفسيرِ بالمَأثورِ وأقدَمِهم، وتَتَجَلَّى أهَمِّيَّتُه في النَّاحيتَينِ المَذهَبيَّةِ والتَّاريخيَّةِ:
فأهَمِّيَّتُه المَذهَبيَّةُ أنَّه رَوى في التَّفسيرِ رِواياتٍ كثيرةً حَولَ تَفسيرِ الكلماتِ والقِصَصِ وأخبارِ الأُمَمِ والأحكامِ والفضائِلِ ومَعاني الآياتِ الكريمةِ، وتَأثُّرُه مِن كُتُبِ التَّفسيرِ والتَّاريخِ الشِّيعيِّ.
وأهَمِّيَّتُه التَّاريخيَّةُ لقِلَّةِ الوسائِطِ وقُربِه إلى عَهدِ الأئِمَّةِ المَعصومينَ) [2172] ((المفسرون حياتهم ومنهجهم)) (2/639). .
أمثلةٌ مِنَ التَّفسيرِ المَنسوبِ للحَسَنِ العَسكريِّ:
1- جاءَ في تَفسيرِ الحَسَنِ العَسكريِّ في قَولِ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4] : (مَن دَفعَ فَضلَ أميرِ المُؤمِنينَ على جَميعِ مَن بَعدَ النَّبيِّ فقد كذَّبَ بالتَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ وصُحُفِ إبراهيمَ، وسائِر كُتُبِ اللهِ المُنَزَّلةِ؛ فإنَّه ما نَزَل شَيءٌ مِنها إلَّا وأهمُّ ما فيه -بَعدَ الأمرِ بتَوحيدِ اللهِ تعالى والإقرارِ بالنُّبوَّةِ- الاعتِرافُ بوِلايةِ عليٍّ والطَّيِّبينَ مِن آلِه عليه السَّلامُ...
ولقد حَضَرَ رَجُلٌ عِندَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، فقال له: ما تَقولُ في رَجُلٍ يُؤمِنُ بما أنزَل اللهُ على مُحَمَّدٍ، وما أنزَل على مَن قَبلَه، ويُؤمِنُ بالآخِرةِ، ويُصَلِّي ويُزَكِّي، ويصِلُ الرَّحِمَ، ويعمَلُ الصَّالحاتِ، ولكِنَّه مَعَ ذلك يقولُ: ما أدري الحَقَّ لعَليٍّ أو لفُلانٍ، فقال له عَليُّ بنُ الحُسَينِ: ما تَقولُ أنتَ في رَجُلٍ يفعَلُ هذه الخَيراتِ كُلَّها إلَّا أنَّه يقولُ: لا أدري النَّبيُّ مُحَمَّدٌ أو مُسَيلِمةُ؟ هَل ينتَفِعُ بشَيءٍ مِن هذه الأفعالِ؟ فقال: لا. فقال: وكذلك قال صاحِبُك هذا، كيف يكونُ مُؤمِنًا بهذه الكُتُبِ مَن لا يدري أمُحمَّدٌ النَّبيُّ أم مُسَيلِمةُ الكذَّابُ؟ وكذلك كيف يكونُ مؤمِنًا بهذه الكُتُب أو مُنتَفِعًا به مَن لا يدري أعَليٌّ مُحِقٌّ أم فلانٌ؟) [2173] ((تفسير الإمام الحسن العسكري)) (ص: 98). .
2- جاءَ في تَفسيرِ الحَسَنِ العَسكريِّ في قَولِ اللهِ سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] : (لمَّا ذَكرَ هؤلاء المُؤمِنينَ ومَدَحَهم بتَوحيدِ اللهِ وبنُبوَّةِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ، ووصيِّه عليٍّ وَليِّ اللهِ، ذَكَر الكافِرينَ المُخالفينَ لهم في كُفرِهم، فقال: إنَّ الذينَ كفروا بما آمَنَ به هؤلاء المُؤمِنونَ بتَوحيدِ اللهِ تعالى، وبنُبوَّةِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ، وبوصيِّه عليٍّ وليِّ اللهِ، وبالأئِمَّةِ الطَّاهرينَ الطَّيِّبينَ، خيارِ عِبادِه المَيامين، القَوَّامينَ بمَصالحِ خَلقِ اللهِ تعالى: سَواءٌ عليهم أأنذَرْتَهم وخَوَّفْتَهم أم لم تُنذِرْهم ولم تُخَوِّفْهم فهم لا يُؤمِنونَ...
قال مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ الباقِر: إنَّ رَسولَ اللهِ لَمَّا قدِمَ المَدينةَ، وظَهَرَت آثارُ صِدقِه، وآياتُ حَقِّه، وبَيِّناتُ نُبوَّتِه، كادَته اليهودُ أشَدَّ كَيدٍ، وقَصَدوه أقبَحَ قَصدٍ، يقصِدونَ أنوارَه ليطمِسوها، وحُجَجَه ليُبطِلوها، وكان مِمَّن قَصَدَه للرَّدِّ عليه وتَكذيبِه مالِكُ بنُ الصَّيفِ، وكَعبُ بنُ الأشرَفِ، وحُيَيُّ بنُ الأخطَبِ، وأبو ياسِرِ بنُ الأخطَبِ، وأبو لُبابةَ بنُ عَبدِ المُنذِرِ، وشَيبةُ، فقال مالِكٌ لرَسولِ اللهِ: يا مُحَمَّدُ، تَزعُمُ أنَّك رَسولُ اللهِ؟ قال رَسولُ اللهِ: كذلك قال اللهُ خالِقُ الخَلقِ أجمَعينَ، قال: يا مُحَمَّدُ لن نُؤمِنَ أنَّك رَسولُه حتَّى يُؤمِنَ لك هذا البِساطُ الذي تَحتَنا، ولن نَشهَدَ لك أنَّك مِنَ اللهِ جِئتَنا حتَّى يشهَدَ لك هذا البِساطُ، وقال أبو لُبابةَ بنُ عَبدِ المُنذِرِ: لن نُؤمِنَ لك يا مُحَمَّدُ أنَّك رَسولُ اللهِ ولا نَشهَدُ لك به، حتَّى يُؤمِنَ ويشهَدَ لك به هذا السَّوطُ الذي في يدي، وقال كَعبُ بنُ الأشرَفِ: لن نُؤمِنَ لك أنَّك رَسولُ اللهِ ولن نُصَدِّقَك به حتَّى يُؤمِنَ لك هذا الحِمارُ الذي أركبُه، فقال رَسولُ اللهِ: إنَّه ليس للعِبادِ الاقتِراحُ على اللهِ تعالى، بَل عليهمُ التَّسليمُ للهِ، والانقيادُ لأمرِه، والاكتِفاءُ بما جَعَله كافيًا، أمَا كفاكم أن أنطَقَ التَّوراةَ والإنجيلَ والزَّبورَ وصُحُفَ إبراهيمَ بنُبوَّتي، ودَلَّ على صِدقي، وبَيَّن فيها ذِكرَ أخي ووصيِّي وخَليفتي في أُمَّتي، وخَيرِ ما أترُكُه على الخَلائِقِ مِن بَعدي، عَليِّ بنِ أبي طالبٍ؟ فلمَّا فرَغَ رَسولُ اللهِ مِن كلامِه هذا أنطَقَ اللهُ البِساطَ فقال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، إلهًا واحدًا أحدًا صمَدًا قيُّومًا أبدًا، لم يتَّخِذْ صاحِبةً ولا ولدًا، ولم يُشرِكْ في حُكمِه أحدًا. وأشهَدُ أنَّك يا مُحَمَّدُ عَبدُه ورَسولُه، أرسَلك بالهدى ودينِ الحَقِّ ليُظهِرَك على الدِّينِ كُلِّه ولو كرِهَ المُشرِكونَ. وأشهَدُ أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بنِ هاشِمِ بنِ عَبدِ مَنافٍ أخوك ووصيُّك، وخَليفتُك في أُمَّتِك، وخَيرُ مَن تَرَكْتَه على الخَلائِقِ بَعدَك، إنَّ مَن والاه فقد والاك، ومَن عاداه فقد عاداك، ومَن أطاعَه فقد أطاعَك، ومَن عَصاه فقد عَصاك) [2174] ((تفسير الإمام الحسن العسكري)) (ص: 100). .
وفي نِهايةِ تلك القِصَّةِ أنَّ البساطَ تَحَرَّك وأوقَعَ مَن عليه، وأنَّه نَطَقَ ثانيًا ليُبَيِّنَ أنَّ اللهَ تعالى أنطَقَه ليشهَدَ هذه الشَّهادةَ، وأنَّه لا يجلسُ عليه إلَّا المُؤمِنونَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لسَلمانَ والمِقدادِ وأبي ذَرٍّ وعَمَّارٍ: (قوموا فاجلِسوا عليه، فإنَّكم بجَميعِ ما شَهدَ به هذا البساطُ مُؤمِنونَ، فجَلسوا عليه، وبمِثل هذا شَهدَ السَّوطُ، ثُمَّ الحِمارُ، ثُمَّ قال: فلمَّا انصَرَف القَومُ مِن عِندِ رَسولِ اللهِ ولم يُؤمِنوا، أنزَل اللهُ: يا مُحَمَّدُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ... [البقرة: 6] ) [2175] ((تفسير الإمام الحسن العسكري)) (ص: 102-106). .
3- جاءَ في تَفسيرِ الحَسَنِ العَسكريِّ عِندَ قَولِ اللهِ سُبحانَه: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة: 16] أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (أمَا إنَّ من شيعةِ عليٍّ لَمَن يأتي يومَ القيامةِ وقد وُضِعَ له في كِفَّةِ ميزانِه مِنَ الآثامِ ما هو أعظَمُ مِنَ الجِبال الرَّواسي، والبحارِ الثِّبارِ، يقولُ الخَلائِقُ: هَلك هذا العَبدُ! فلا يشُكُّونَ أنَّه مِنَ الهالكينَ، وفي عَذابِ اللهِ مِنَ الخالدينَ، فيأتيه النِّداءُ مِن قِبَلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: يا أيُّها العَبدُ الخاطِئُ الجاني هذه الذُّنوبَ الموبِقاتِ، فهل بإزائِها حَسَناتٌ تَكافِئُها، فتَدخُلَ جَنَّةَ اللهِ برَحمةِ اللهِ، أو تَزيدُ عليها فتَدخُلَها بوعدِ الله؟ يقولُ العَبدُ: لا أدري، فيقولُ مُنادي رَبِّنا عزَّ وجَلَّ: فإنَّ رَبِّي يقولُ: نادِ في عَرَصاتِ القيامةِ: ألا إنِّي فُلانُ بنُ فُلانٍ، مِن أهل بَلَدِ كذا وكذا، وقَريةِ كذا وكذا، قد رُهِنتُ بسَيِّئاتٍ كأمثالِ الجِبالِ والبحارِ، ولا حَسَناتِ لي بإزائِها، فأيُّ أهلِ هذا المَكانِ لي عِندَه يدٌ أو عارِفةٌ فليُغِثْني بمجازاتي عنها، فهذا أوانُ أشَدُّ حاجَتي إليها، فيُنادي الرَّجُلُ بذلك، فأوَّلُ مَن يُجيبُه عَليُّ بنُ أبي طالبٍ: لبَّيك لبَّيك، أيُّها المُمتَحَنُ في مَحَبَّتي، المَظلومُ بعَداوتي، ثُمَّ يأتي هو ومَعَه عَدَدٌ كثيرٌ وجَمعٌ غَفيرٌ، وإن كانوا أقَلَّ عددًا مِن خُصَمائِه الذينَ لهم قِبَلَه الظُّلاماتُ، فيقولُ ذلك العَدَدُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، نحن إخوانُه المُؤمِنونَ، كان بنا بارًّا ولنا مُكرِمًا، وفي مُعاشَرَتِه إيَّانا مَعَ كثرةِ إحسانِه إلينا متواضِعًا، وقد بَذَلْنا له جَميعَ طاعاتِنا، وبَذَلْناها له، فيقولُ عليٌّ: فبماذا تَدخُلونَ جَنَّةَ رَبِّكم؟ فيقولونَ: برَحمَتِه الواسِعةِ التي لا يعدَمُها مَن والاك يا أخا رَسولِ اللهِ، فيأتي النِّداءُ مِن قِبَلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: يا أخا رَسولِ اللهِ، هؤلاء إخوانُه المُؤمِنونَ قد بَذَلوا له، فأنتَ ماذا تَبذُلُ له؟ فإنِّي أنا الحاكِمُ ما بَيني وبَينَه مِنَ الذُّنوبِ، قد غَفرتُها له بموالاتِه إيَّاك، وما بَينَه وبَينَ عِبادي مِنَ الظُّلاماتِ فلا بُدَّ مِن فصلِ الحُكمِ بَينَه وبَينَهم. فيقولُ عليٌّ: يا رَبِّ، أفعَلُ ما تَأمُرُني. فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: يا عَليُّ، اضمَنْ لخُصَمائِه تَعويضَهم عن ظُلاماتِهم قِبَلَه، فيضمَنُ لهم عليٌّ ذلك، ويقولُ لهم: اقتَرِحوا عليَّ ما شِئتُم أُعطيكموه عِوَضًا عن ظُلاماتِكم قِبَلَه. يقولونَ: يا أخا رَسولِ اللهِ، تَجعَلُ لنا ثَوابَ نَفَسٍ مِن أنفاسِك ليلةَ بُيوتِك على فِراشِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ، فيقولُ عليٌّ: قد وهَبتُ ذلك لكم، فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: فانظُروا يا عِبادي، الآنَ إلى ما نِلتُموه مِن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ فِدًى لصاحِبِه مِن ظُلاماتِه، ويُظهرُ لكم ثَوابُ نَفَسٍ واحِدٍ في الجِنانِ مَن عجايبِ قُصورِها وخَيراتِها، ثُمَّ قال رَسولُ اللهِ: أذلك خَيرٌ نُزُلًا أم شَجَرةُ الزَّقُّومِ المُعَدَّةُ لمُخالفي أخي ووصيِّي عَليِّ بنِ أبي طالبٍ؟) [2176] ((تفسير الإمام الحسن العسكري)) (ص: 131). .
4- جاء في تفسيرِ الحَسَنِ العَسكَريِّ في قَولِ اللهِ تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 23] نِسبةُ مُعجِزاتٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإلى عَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، ومِن ذلك: الغَمامةُ التي أظَلتِ الرَّسولِ الكريمِ في تِجارَتِه للشَّامِ، وكان مكتوبًا عليها: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، أيَّدتُه بعَليٍّ سَيِّدِ الوصيِّينَ، وشَرَّفتُه بأصحابِه الموالينَ له ولعَليٍّ ولأوليائِهما، والمُعادينَ لأعدائِهما، ومِنها: تَسليمُ الجِبالِ والصُّخورِ والأحجارِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَبشيرُه بوصيِّه وبابِ مَدينةِ عِلمِه عَليِّ بنِ أبي طالبٍ [2177] يُنظر: ((تفسير الإمام الحسن العسكري)) (ص: 150). .
5- جاء في تفسيرِ الحَسَنِ العَسكَريِّ في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة: 53] : (لمَّا أكرَمَهمُ اللهُ بالكِتابِ والإيمانِ به والانقيادِ له، أوحى اللهُ بَعدَ ذلك إلى موسى عليه السَّلامُ: يا موسى، هذا الكِتابُ قد أقَرُّوا به، وقد بَقي الفُرقانُ، فرقُ ما بَينَ المُؤمِنينَ والكافِرينَ والمُحِقِّينَ والمُبطِلينَ، فجَدِّدْ عليهمُ العَهدَ به، فإنِّي قد آليتُ على نَفسي قَسَمًا حَقًّا لا أتَقَبَّلُ مِن أحَدٍ إيمانًا ولا عملًا إلَّا مَعَ الإيمانِ به. قال موسى عليه السَّلامُ: ما هو يا رَبِّ؟
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: يا موسى، تَأخُذُ على بَني إسرائيلَ: أنَّ محمَّدًا خَيرُ البَشَرِ وسَيِّدُ المُرسَلينَ، وأنَّ أخاه ووصيَّه عَليًّا خَيرُ الوصيِّينَ، وأنَّ أولياءَه الذينَ يُقيمُهم سادةُ الخَلقِ، وأنَّ شيعَتَه المُنقادينَ له المُسلمينَ له ولأوامِرِه ونَواهيه ولخُلفائِه نُجومُ الفِردَوسِ الأعلى، ومُلوكُ جَنَّاتِ عَدنٍ. قال: فأخَذَ عليهم موسى ذلك؛ فمِنهم مَن اعتَقدَه حَقًّا، ومِنهم مَن أعطاه بلسانِه دونَ قَلبِه، فكان المُعتَقِدُ مِنهم حَقًّا يَلوحُ على جَبينِه نورٌ مُبينٌ، ومَن أعطاه بلسانِه دونَ قَلبِه ليس له ذلك النُّورُ، فذلك الفُرقانُ الذي أعطاه اللهُ عزَّ وجَلَّ موسى عليه السَّلامُ، وهو فرقُ ما بَينَ المُحِقِّينَ والمُبطِلينَ. ثُمَّ قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي: لعلَّكم تَعلمونَ أنَّ الذي به يَشرُفُ العَبدُ عِندَ اللهِ عزَّ وجَلَّ هو اعتِقادُ الوِلايةِ، كما شَرُف به أسلافُكم) [2178] ((تفسير الإمام الحسن العسكري)) (ص: 233). .

انظر أيضا: