موسوعة الفرق

المَبحَثُ الخامِسُ: اعتِقادُ الشِّيعةِ الإماميَّةِ أنَّهم خُلِقوا مِن طينةٍ خاصَّةٍ


يعتَقِدُ الشِّيعةُ الاثنا عَشريَّةُ أنَّ الشِّيعيَّ خُلقَ مِن طينةٍ خاصَّةٍ، بخِلافِ غَيرِهم.
فرَوَوا عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه لعَليٍّ: (يا عَليُّ، شيعتُك هم الفائِزونَ يومَ القيامةِ، فمَن أهانَ واحِدًا منهم فقد أهانَك، ومَن أهانَك فقد أهانَني، ومَن أهانَني أدخَله اللهُ نارَ جَهَنَّمَ خالدًا فيها وبئسَ المَصيرُ، يا عَليُّ أنت مِنِّي وأنا منك، روحُك مِن روحي، وطينَتُك مِن طينتي، وشيعَتُك خُلِقوا مِن فَضلِ طينَتِنا فمَن أحَبَّهم فقد أحَبَّنا، ومَن أبغَضَهم فقد أبغَضَنا، ومَن عاداهم فقد عادانا، ومَن وَدَّهم فقد ودَّنا.
يا عَليُّ، إنَّ شِيعَتَك مَغفورٌ لهم على ما كان فيهم مِن ذُنوبٍ وعُيوبٍ، يا عَليُّ، أنا الشَّفيعُ لشيعَتِك غَدًا إذا قُمتُ المَقامَ المَحمودَ، فبَشِّرْهم بذلك، يا عَليُّ شيعَتُك شيعةُ اللهِ، وأنصارُك أنصارُ اللهِ، وأولياؤُك أولياءُ اللهِ، وحِزبُك حِزبُ اللهِ، يا عَليُّ، سَعِدَ مَن تَولَّاك، وشَقِيَ مَن عاداك) [1925] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (65/7). .
وقد ذَكرَ هذه العَقيدةَ عَدَدٌ مِن أئِمَّتِهم وشُيوخِهم؛ فبَوَّبَ لها الكُلينيُّ في كِتابه (الكافي) بعُنوانِ (باب طينةِ المُؤمِنِ والكافِرِ)، وذَكَر فيها سَبعةَ أحاديثَ، ومِن ذلك: عن عَبدِ اللهِ بنِ كَيسانَ أنَّه قال لأبي عَبدِ اللهِ: (جُعِلتُ فداك! أنا مَولاك عَبدُ اللهِ بنُ كَيسانَ، قال: أمَّا النَّسَبُ فأعرِفُه، وأمَّا أنتَ فلست أعرِفُك، قُلتُ له: إنِّي وُلِدتُ بالجَبَلِ ونَشَأتُ في أرضِ فارِسَ، وإنَّني أُخالطُ النَّاسَ في التِّجاراتِ وغَيرِ ذلك، فأُخالطُ الرَّجُلَ، فأرى له حُسنَ السَّمتِ وحُسنَ الخُلقِ وكَثرةَ أمانةٍ، ثُمَّ أُفتِّشُه فأتَبَيَّنُه عن عَداوتِكم، وأُخالطُ الرَّجُلَ فأرى منه سوءَ الخُلقِ وقِلَّةَ أمانةٍ وزعارةً، ثُمَّ أُفتِّشُه فأتَبَيَّنُه عن وِلايتِكم، فكيف يكونُ ذلك؟ فقال لي: أمَا عَلِمتَ يا ابنَ كَيسانَ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أخَذَ طينةً مِنَ الجَنَّةِ وطينةً مِنَ النَّارِ، فخَلطَهما جَميعًا، ثُمَّ نَزَعَ هذه مِن هذه، وهذه مِن هذه، فما رَأيتَ مِن أولئِك مِنَ الأمانةِ وحُسنِ الخُلُقِ وحُسنِ السَّمتِ فمِمَّا مَسَّتْهم مِن طينةِ الجَنَّةِ، وهم يعودونَ إلى ما خُلِقوا منه، وما رَأيتَ مِن هؤلاء مِن قِلَّةِ الأمانةِ وسوءِ الخُلُقِ والزَّعارةِ، فمِمَّا مَسَّتهم مِن طينةِ النَّارِ، وهم يعودونَ إلى ما خُلِقوا منه [1926] يُنظر: ((الكافي)) (2/4). .
وعن أبي عَبدِ اللهِ قال: (إنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ لمَّا أرادَ أن يخلُقَ آدَمَ عليه السَّلامُ بَعَثَ جبرئيلَ عليه السَّلامُ في أوَّلِ ساعةٍ مِن يومِ الجُمعةِ فقَبَضَ بيمينِه قَبضةً بَلغت قَبضَتُه مِنَ السَّماءِ السَّابعةِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وأخَذَ مِن كُلِّ سَماءٍ تُربةً، وقَبَضَ قَبضةً أُخرى مِنَ الأرضِ السَّابعةِ العُليا إلى الأرضِ السَّابعةِ القُصوى، فأمر اللهُ عَزَّ وجَلَّ كَلِمَته، فأمسَك القَبضةَ الأولى بيمينِه والقَبضةَ الأُخرى بشِمالِه، ففلقَ الطِّينَ فِلقَتَينِ، فذَرَأ مِنَ الأرضِ ذَروًا، ومِنَ السَّماواتِ ذَروًا، فقال للذي بيمينِه: مِنك الرُّسُلُ والأنبياءُ والأوصياءُ والصِّدِّيقونَ والمُؤمِنونَ والسُّعَداءُ ومَن أُريدُ كرامَتَه، فوجَبَ لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشِمالِه: مِنك الجَبَّارونَ والمُشرِكونَ والكافِرونَ والطَّواغيتُ ومَن أُريدُ هَوانَه وشِقوتَه، فوجَبَ لهم ما قال كما قال، ثُمَّ إنَّ الطِّينَتَينِ خُلطَتا جَميعًا، وذلك قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ والنَّوى [الأنعام: 95] ، فالحَبُّ طينةُ المُؤمِنينَ التي ألقى اللهُ عليها مَحَبَّتَه، والنَّوى طينةُ الكافِرينَ الذينَ نَأَوا عن كُلِّ خَيرٍ، وإنَّما سُمِّي النَّوى مِن أجلِ أنَّه نَأى عن كُلِّ خَيرٍ وتَباعَدَ منه، وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم: 19] ،  فالحَيُّ المُؤمِنُ الذي تَخرُجُ طينَتُه مِن طينةِ الكافِرِ، والمَيِّتُ الذي يخرُجُ مِنَ الحَيِّ هو الكافِرُ الذي يخرُجُ مِن طينةِ المُؤمِنِ، فالحَيُّ المُؤمِنُ، والمَيِّتُ الكافِرُ، وذلك قَولُه عزَّ وجَلَّ: أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام: 122] ، فكان مَوتُه اختِلاطَ طينَتِه مَعَ طينةِ الكافِرِ، وكان حَياتُه حينَ فرَّقَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بَينَهما بكلمَتِه، كذلك يُخرِجُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ المُؤمِنَ في الميلادِ مِنَ الظُّلمةِ بَعدَ دُخولِه فيها إلى النُّورِ، ويُخرِجُ الكافِرَ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلمةِ بَعدَ دُخولِه إلى النُّورِ، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يـس: 70]) [1927] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (2/5). .
وعن أبي عَبدِ اللهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (إنَّ اللهَ خَلَقَنا مِن نورِ عَظَمَتِه، ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنا مِن طينةٍ مَخزونةٍ مَكنونةٍ مِن تَحتِ العَرشِ) [1928] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/ 389).  .
ورَوى الصَّفَّارُ عن أبي عَبدِ اللهِ جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (إنَّ اللهَ جَعَل لنا شيعةً، فجَعَلهم مِن نورِه، وصبَغَهم في رَحمَتِه) [1929] يُنظر: ((بصائر الدرجات)) (ص: 70).  .
ورَوى المُفيدُ عن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (خَلقَنا اللهُ مِن نورِ عَظَمَتِه، وصَنَعنا برَحمَتِه، وخَلقَ أرواحَكم مِنَّا) [1930] يُنظر: ((الاختصاص)) (ص: 216).  .
وعَقدَ المَجلِسيُّ في كِتابِه (بحار الأنوارِ) بابًا بعُنوانِ (الطِّينة والميثاق)، ذَكرَ تَحتَه 67 حديثًا.
ومِن هذه الرِّواياتِ رِوايةٌ طَويلةٌ عن إسحاقَ القُمِّيِّ عن أبي جَعفرٍ الباقِرِ، وفيها أنَّ الباقِرَ قال: (يا إسحاقُ، ليس تَدرونَ مِن أينَ أتَيتُم؟ قُلتُ: لا واللهِ، جُعِلتُ فِداك إلَّا أن تُخبرَني. فقال: يا إسحاقُ، إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لمَّا كان متفرِّدًا بالوحدانيَّةِ ابتَدَأ الأشياءَ لا مِن شَيءٍ، فأجرى الماءَ العَذبَ على أرضٍ طَيِّبةٍ طاهرةٍ سَبعةَ أيَّامٍ مَعَ لياليها، ثُمَّ نَضَبَ الماءُ عنها، فقَبَضَ قَبضةً مِن صفاوةِ ذلك الطِّينِ، وهي طينَتُنا أهلَ البَيتِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبضةً مِن أسفَلِ ذلك الطِّينِ، وهي طينةُ شيعَتِنا، ثُمَّ اصطَفانا لنَفسِه، فلو أنَّ طينةَ شيعَتِنا تُرِكَت كما تُرِكَت طينَتُنا، لَمَا زَنى أحَدٌ منهم ولا سَرَقَ ولا لاطَ، ولا شَربَ المُسكِرَ، ولا اكتَسَبَ شيئًا مِمَّا ذَكرتُ، ولكِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أجرى الماءَ المالحَ على أرضٍ مَلعونةٍ سَبعةَ أيَّامِ ولياليَها، ثُمَّ نَضَبَ الماءُ عنها، ثُمَّ قَبَضَ قَبضةً، وهي طينةٌ مَلعونةٌ مَن حَمَأٍ مَسنونٍ -أي طينٍ أسودَ مُتَغَيِّرٍ مُنتِنٍ-، وهي طينةُ خَبالٍ، وهي طينةُ أعدائِنا -يعني أهلَ السُّنَّةِ-، فلو أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ تَرَك طينَتَهم كما أخَذَها لم تَرَوهم في خَلقِ الآدَميِّينَ، ولم يُقِرُّوا بالشَّهادَتَينِ، ولم يصوموا، ولم يُصَلوا، ولم يُزَكُّوا، ولم يحُجُّوا البَيتَ، ولم تَرَوا أحدًا بحُسنِ خُلُقٍ، ولكِنَّ اللهَ تَبارَك وتعالى جَمع الطِّينَتَينِ، طينَتَكم وطينَتَهم، فخَلطَهما وعَركَهما عَرْكَ الأديمِ، ومَزجَهما بالماءينِ، فما رَأيتَ مِن أخيك مِن شَرِّ اللَّفظِ أو زِنًا، أو شَيءٍ مِمَّا ذَكرتُ مِن شُربِ مُسكِرٍ أو غَيرِه، ليس مِن جَوهَريَّتِه، وليسَ مِن إيمانِه، إنَّما هو بمَسحةِ النَّاصِبِ، اجتَرَحَ هذه السَّيِّئاتِ التي ذُكِرَت، وما رَأيتَ مِنَ النَّاصِبِ مِن حُسنِ وَجهٍ وحُسنِ خُلُقٍ، أو صَومٍ، أو صَلاةٍ، أو حَجِّ بَيتٍ، أو صَدَقةٍ، أو مَعروفٍ، فليسَ مِن جَوهَريَّتِه، إنَّما تلك الأفاعيلُ مِن مَسحةِ الإيمانِ اكتَسَبَها وهو اكتِسابُ مَسحةِ الإيمانِ. قُلتُ: جُعِلتُ فِداك! فإذا كان يومُ القيامةِ فمَهْ؟ قال لي: يا إسحاقُ، أيجمَعُ اللهُ الخَيرَ والشَّرَّ في مَوضِعٍ واحِدٍ؟! إذا كان يومُ القيامةِ نَزَعَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَسحةَ الإيمانِ منهم فرَدَّها إلى شيعَتِنا، ونَزَعَ مَسحةَ النَّاصِبِ بجَميعِ ما اكتَسَبوا مِنَ السَّيِّئاتِ فرَدَّها على أعدائِنا، وعادَ كُلُّ شَيءٍ إلى عُنصُرِه الأوَّلِ. قُلتُ: جُعِلتُ فداك! تُؤخَذُ حَسَناتُهم فتُرَدُّ إلينا؟ وتُؤخَذُ سَيِّئاتُنا فتُرَدُّ إليهم؟ قال: إي واللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو...) [1931] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (5/ 247). .
ويَظهَرُ مِن ذلك بوُضوحٍ أنَّ حَسَناتِ الكُفَّارِ ومِن ضِمنِهم -بحَسبِ اعتِقادِهم- عامَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ تُعطى للشِّيعةِ الرَّوافِضِ، وأنَّ سَيِّئاتِهم تُحمَلُ على الكُفَّارِ، ومِن ضِمنِهم أهلُ السُّنَّةِ، وهذا خِلافُ العَدلِ الرَّبَّانيِّ، ومِمَّا يُنكِرُه العَقلُ، وتَأباه الفِطرةُ السَّليمةُ، وقد قال اللهُ تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] ، وقال اللهُ سُبحانَه: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: 38] ، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8] ، وقال اللهُ تعالى: تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ [البقرة: 281] ،  إلى غَيرِ ذلك مِنَ الآياتِ الوارِدةِ في هذا المَعنى، فهي عَقيدةٌ مُخالفةٌ للنَّقلِ والعَقلِ والعَدلِ.

انظر أيضا: