موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالثُ: أدِلَّةُ الشِّيعةِ الإماميَّةِ على جَوازِ التَّقيَّةِ والرَّدُّ عليها


تَلمَّسَ الشِّيعةُ لمَبدَأِ التَّقيَّةِ بمَفهومِهم لها نصوصًا حَمَّلوها ما لم تَحتَمِلْه مِنَ المَعاني التي يعتَقِدونَ أنَّها تُؤَيِّدُ ما يذهَبونَ إليه، ومِن تلك الأدِلَّةِ التي تَمَسَّكوا بها ما ذَكرَه مُحَمَّد صادِق بَحر العُلومِ في تَعليقِه على كِتابِ فِرَقِ الشِّيعةِ للنُّوبختيِّ بقَولِه: (التَّقيَّةُ مِمَّا دَلَّ على وُجوبِه العَقلُ إذا كانت لدَفعِ الضَّرَرِ الواجِبِ، وقد دَلَّ عليه أيضًا القُرآنُ العَظيمُ، ثُمَّ نَقَل عن الطَّبَرسيِّ بَعضَ الآياتِ التي يحتَجُّ بها، منها قَولُ اللهِ تعالى: لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] ، وقولُه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106] [1918] يُنظر: هامش ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 85). ويُنظر: ((الكافي)) للكليني (2/172). .
وقال مُحَمَّد مَهدي الحُسَينيُّ الشِّيرازيُّ عن الشِّيعةِ: (هم يرَونَ التَّقيَّةَ؛ لقَولِه تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] ) [1919] ((قضية الشيعة)) (ص: 6). .
ومَعنى الآيةِ كما قال البَغويُّ: (أنَّ اللهَ نَهى المُؤمِنينَ عن موالاةِ الكُفَّارِ ومُداهَنَتِهم ومباطنتِهم إلَّا أن يكونَ الكُفَّارُ غالبينَ ظاهرينَ، أو يكونَ المُؤمِنُ في قَومٍ كفَّارٍ يخافُهم، فيُداريهم باللِّسانِ، وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ؛ دفعًا عن نَفسِه مِن غَيرِ أن يستَحِلَّ دمًا حرامًا أو مالًا حرامًا، أو يُظهِرَ الكُفَّارَ على عَوراتِ المُسلِمينَ) [1920] ((تفسير البغوي)) (1/ 292). .
وأمَّا آيةُ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل: 106] فمَعناها: أي: إلَّا مَن كان حالُه مُشرِفًا على الخَطَرِ، واضطُرَّ إلى القَولِ بالكُفرِ، فله أن يقولَ به مِن غَيرِ أن يعتَقِدَ ويعمَلَ به.
قال ابنُ جَريرٍ في تَفسيرِ الآيةِ بَعدَ أن ذَكرَ أنَّها نَزَلت في عَمَّارِ بنِ ياسِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (فتَأويلُ الكلامِ إذَنْ: مَن كفرَ باللهِ بَعدَ إيمانِه إلَّا مَن أُكرِهَ على الكُفرِ، فنَطَقَ بكَلِمةِ الكُفرِ بلسانِه، وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ، موقِنٌ بحَقيقَتِه، صَحيحٌ على عَزمِه، غَيرُ مَفسوحِ الصَّدرِ بالكُفرِ، لكِنْ مَن شَرحَ بالكُفرِ صدرًا فاختارَه وآثَرَه على الإيمانِ، وباحَ به طائعًا، فعليهم غَضَبٌ مِنَ اللهِ ولهم عَذابٌ عَظيمٌ) [1921] ((تفسير ابن جرير)) (14/182). .
والإماميَّةُ لم يقصُروا التَّقيَّةَ الشِّيعيَّةَ على أتباعِ الأنبياءِ فقَط، بل جَوَّزوها حتَّى على الأنبياءِ، وهذا خَطَأٌ وخِلافُ الحَقِّ، فإنَّ الأنبياءَ لا يسلُكونَ التَّقيَّةَ التي يُريدُها الشِّيعةُ، فكِتمانُ الحَقِّ وإظهارُ الموافقةِ للكُفَّارِ لا يجوزُ لهم، وإلَّا لما انتَشَرت دَعوتُهم، ولما ظَهَرَ الخِلافُ بَينَهم وبَينَ أقوامِهم، ولما حَصَل عليهم مِنَ الأخطارِ ورُبَّما القَتلِ ما حَصَل مِمَّا لم يكُن ليقَعَ أبدًا لو استَعمَل الأنبياءُ التَّقيَّةَ!
وقد يقولُ بَعضُ الشِّيعةِ في احتِجاجِهم بالسُّنَّةِ: إنَّنا نُجِدُ في السِّيرةِ النَّبَويَّةِ أنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُلينُ القَولَ ويبتَسِمُ في وُجوهِ بَعضِ الفَسَقةِ والظَّلَمةِ، وهذا كما يرى هؤلاء تَقيَّةٌ! والواقِعُ أنَّ هذه الأفعالَ التي صَدَرت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما كانت مِن بابِ المُداراةِ، ومِن بابِ حُسنِ الخَلقِ، وتَأليفِ القُلوبِ، وقد وقَعت تلك المَواقِفُ لأُناسٍ ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخافُ مِن جانِبهم شيئًا حتَّى يُقالَ: إنَّها تَقيَّةٌ منه لهم! ثُمَّ لم تَكُنْ هذه المُداراةُ في أُمورِ الدِّينِ؛ إذ لم يُعرَفُ عن أحَدٍ مِنَ الأنبياءِ أنَّه دارى أحدًا في دينِه، وإنَّما هو حُسنُ الخُلقِ، ومُقابَلةُ النَّاسِ بالبِشرِ مَعَ تَألُّفِهم لأقوامِهم، ولا يُنافي هذا أن يقَعَ في القَلبِ كراهيةُ ما هم عليه مِن فُجورٍ مَعَ مَحَبَّةِ الخَيرِ لهم وإرشادِهم إليه، وبذلِ النُّصحِ لهم بصِدقٍ وإخلاصٍ [1922] يُنظر: ((مختصر التحفة الاثني عشرية)) للألوسي (ص: 288-296). .
إنَّ على الشِّيعةِ أن تَجعَلَ نُصبَ أعيُنِها تلك القاعِدةَ الأخلاقيَّةَ التي فرَضَها الإسلامُ على المُسلمينَ، وهي أنَّ المُسلمَ لا يُخادِعُ ولا يُداهنُ، ولا يعمَلُ إلَّا الحَقَّ، ولا يقولُ إلَّا الحَقَّ ولو كان عليه، وأنَّ العَمَلَ الحَسَنَ حَسَنٌ في كُلِّ مَكانٍ، والعَمَلَ القَبيحَ قَبيحٌ في كُلِّ مَكانٍ. وليَعلَموا أيضًا أنَّ ما نَسَبوه إلى الإمامِ الصَّادِقِ مِن أنَّه قال: (التَّقيَّةُ ديني ودينُ آبائي) [1923] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (63/495). إنْ هو إلَّا كذِبٌ على ذلك الإمامِ [1924] يُنظر: ((الشيعة والتصحيح)) للموسوي (ص: 59). ويُنظر: ((فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها)) لغالب عواجي (1/390- 395). .

انظر أيضا: