موسوعة الفرق

المَبحَثُ الخامِسُ: الدُّعاءُ بالطَّلاسِمِ والرُّموزِ والاستِغاثةُ بالجِنِّ


ورَدَ في كُتُبِ الشِّيعةِ الدُّعاءُ بالرُّموزِ والطَّلاسِمِ والحُروفِ، واعتِبارُهم ذلك مِنَ الحُروزِ المَنقولةِ عن الأئِمَّةِ للشِّفاءِ وغَيرِه.
ومِن أمثِلةِ ذلك ما أورَدَه المَجلِسيُّ: (حِرزٌ لأميرِ المُؤمِنينَ صَلواتُ اللهِ عليه للمَسحورِ والتَّوابعِ والمَصروعِ والسُّمِّ، والسُّلطانِ والشَّيطانِ، وجَميعِ ما يخافُه الإنسانُ، ومَن عَلَّقَ عليه هذا الكِتابَ لا يخافُ اللُّصوصَ والسَّارِقَ، ولا شَيئًا مِنَ السِّباعِ والحَيَّاتِ والعَقارِبِ، وكُلِّ شيءٍ يُؤذي النَّاسَ، وهذه كِتابَتُه:
بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، أي كنوش، أي كنوش، ارشش عطنيطنيطح يا ميططرون فريالسنون ما وما ساما سويا طيطشالوش خيطوش مشفقيش مشاصعوش أو طيعينوش ليطفيتكش، هذا هذا، وما كُنتَ بجانِبِ الغَربيِّ إذ قَضَينا إلى موسى الأمرَ وما كُنتَ مِنَ الشَّاهدينَ، اخرُجْ بقُدرةِ اللهِ منها أيُّها اللَّعينُ، بعِزَّةِ رَبِّ العالمينَ، اخرُجْ منها وإلَّا كُنتَ مِنَ المَسجونينَ، اخرُجْ منها فما يكونُ لك أن تَتَكبَّرَ فيها، فاخرُجْ إنَّك مِنَ الصَّاغِرينَ، اخرُجْ منها مَذمومًا مَدحورًا مَلعونًا كما لُعِنَ أصحابُ السَّبتِ وكان أمرُ اللهِ مَفعولًا، اخرُجْ يا ذَوي المَحزونِ، اخرُجْ يا سوراسور بالاسمِ المَخزونِ، يا ميططرون طرحون مراعون، تَبارَك اللهُ أحسَنَ الخالقينَ، يا هيا شراهيا حَيًّا قَيُّومًا بالاسمِ المَكتوبِ على جَبهةِ إسرافيلَ، اطرُدْ عن صاحِبِ هذا الكِتابِ كُلَّ جِنِّيٍّ وجِنِّيَّةٍ وشَيطانٍ وشَيطانةٍ وتابعٍ وتابعةٍ، وساحِرٍ وساحِرةٍ، وغولٍ وغولةٍ، وكُلِّ متعبِّثٍ وعابثٍ يعبَثُ بابنِ آدَمَ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العَليِّ العَظيمِ، وصَلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ وآلِه الطَّيِّبينَ الطَّاهرينَ [1351] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/ 193). ونقل المجلسيُّ أنَّ من عوذاتِ الأئمَّةِ وأحرازِهم بالألفاظِ أن يقولَ: (أعوذُه بيا أهيا شراهيا...) إلخ. يُنظر: ((بحار الأنوار)) (94/222). .
وذَكرَ المَجلِسيُّ الاستِعانةَ ببَعضِ الحُروفِ العَرَبيَّةِ، وزَعَمَ أنَّها مِن تعوُّذاتِ الأئِمَّةِ، ومِن ذلك: (اللهمَّ بالعَينِ والميمِ والفاءِ والحاءَينِ، بنورِ الأشباحِ، وبتلالي ضياءِ الإصباحِ، وبتَقديرِك لي يا قديرُ في الغُدوِّ والرَّواحِ، اكفِني شَرَّ مَن دَبَّ ومَشى، وتجبَّرَ وعَتا، اللهُ الغالبُ لا لجَأَ منه لهارِبٍ، نَصرٌ مِنَ اللهِ وفتحٌ قَريبٌ، إذا جاءَ نَصرُ اللهِ والفتحُ، إن ينصُرْكم اللهُ فلا غالبَ لكم، كَتَبَ اللهُ لأغلبَنَّ أنا ورُسُلي إنَّ اللهَ قَويٌّ عَزيزٌ، أمِنَ مَنِ استَجارَ باللهِ، لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ) [1352] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (94/372). .
أمَّا الاستِعانةُ بالجِنِّ فقد رَوَوا فيها عن أبي بَصيرٍ عن أبي عَبدِ اللهِ قال: (إذا ضَللتَ الطَّريقَ فنادِ: يا صالِحُ، أو يا أبا صالحٍ، أرشِدونا إلى الطَّريقِ يرحَمُكم اللهُ) [1353] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) لابن بابويه (2/195)، ((وسائل الشيعة)) للعاملي (8/325). .
قال ابنُ بابَويهِ بَعدَ ذِكرِه للرِّوايةِ السَّالفةِ: (رُوِيَ أنَّ البَرَّ موكَّلٌ به صالحٌ، والبَحرَ موكَّلٌ به حَمزةُ) [1354] ((من لا يحضره الفقيه)) (2/195). .
وقد جاءَ في كُتُبِ الشِّيعةِ ما يكشِفُ عن هُويَّةِ صالحٍ، فذَكرَ ابنُ بابَويهِ بإسنادِه عن عليٍّ قال: (ومَن ضَلَّ مِنكم في سَفرٍ وخاف على نَفسِه فليُنادِ: يا صالحُ أغِثْني؛ فإنَّ في إخوانِكم مِنَ الجِنِّ جِنِّيًّا يُسَمَّى صالحًا، يسبَحُ في البلادِ لمَكانِكم مُحتَسِبًا نَفسَه لكم، فإذا سَمِعَ الصَّوتَ أجابَ وأرشَدَ الضَّالَّ مِنكم، وحَبَسَ عليه دابَّتَه) [1355] يُنظر: ((الخصال)) (2/618). ويُنظر: ((وسائل الشيعة)) للعاملي (8/325). .
وهذا مَوروثٌ فيما يبدو عن أهلِ الجاهليَّةِ الأولى، فهو مِن دينِها، كما قال اللهُ سُبحانَه: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: 6] .
قال ابنُ كثيرٍ: (كانت عادةُ العَرَبِ في جاهليَّتِها إذا نَزَلت مَكانًا يَعوذونَ بعَظيمِ ذلك المَكانِ أن يُصيبَهم بشَيءٍ يسوءُهم، كما كان أحَدُهم يَدخُلُ بلادَ أعدائِه في جِوارِ رَجُلٍ كبيرٍ وذِمامَتِه وخِفارَتِه، فلمَّا رَأتِ الجِنُّ أنَّ الإنسَ يعوذونَ بهم مِن خَوفِهم منهم زادوهم رَهَقًا، أي: خَوفًا وإرهابًا وذُعرًا، حتَّى بَقُوا أشَدَّ منهم مَخافةً، وأكثَرَ تَعَوُّذًا بهم، كما قال قتادةُ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أي: إثمًا، وازدادَتِ الجِنُّ عليهم بذلك جُرأةً، فإذا عاذوا بهم مِن دونِ اللهِ رَهقَتْهم الجِنُّ الأذى عِندَ ذلك) [1356] ((تفسير ابن كثير)) (4/454). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (29/108)، ((فتح القدير)) للشوكاني (5/305)، وقد جاء هذا المعنى أيضًا في كتبِ التَّفسيرِ عِندَ الشِّيعةِ: يُنظر: ((البرهان)) للبحراني (4/391)، ((تفسير الصافي)) للكاشاني (5/234)، ((تفسير شبر)) (ص: 535). .

انظر أيضا: