موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: الوِلايةُ أصلُ قَبولِ الأعمالِ


جَعَل الشِّيعةُ الإماميَّةُ الإيمانَ بوِلايةِ الأئِمَّةِ أساسًا في قَبوِلِ الأعمالِ الصَّالحةِ عِندَ اللهِ تعالى، وجاءَت رِواياتُهم لتَجعَلَ المَغفِرةَ والرِّضوانَ والجَنَّاتِ لِمَن اعتَقدَ إمامةَ الاثنَي عَشَرَ وإن جاءَ بقُرابِ الأرضِ خَطايا، والطَّردَ والإبعادَ والنَّارَ لِمَن لقيَ اللهَ لا يَدينُ بإمامةِ الاثنَي عَشَر، فقالوا: (إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ نَصَبَ عَليًّا عَلَمًا بَينَه وبَينَ خَلقِه؛ فمَن عَرَفه كان مُؤمِنًا، ومَن أنكَرَه كان كافِرًا، ومَن جَهِلَه كان ضالًّا، ومَن نَصَب مَعَه شَيئًا كان مُشرِكًا، ومَن جاءَ بوِلايتِه دَخَل الجَنَّةَ) [1120] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/ 437). .
وقالوا في رِواياتِهم: (مَن أقَرَّ بوِلايتِنا ثُمَّ ماتَ عليها قُبِلَت منه صَلاتُه وصَومُه، وزَكاتُه وحَجُّه، وإنْ لم يُقِرَّ بوِلايتِنا بَيْنَ يدَيِ اللهِ جَلَّ جَلالُه لم يقبَلِ اللهُ عَزَّ وجَلَّ شَيئًا مِن أعمالِه) [1121] يُنظر: ((أمالي الصدوق)) (ص: 154). .
ورَووا عن أبي عَبدِ اللهِ أنَّه قال: (مَن خالفَكم وإن تَعَبَّدَ، مَنسوبٌ إلى هذه الآيةِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية: 2-4] ) [1122] يُنظر: ((تفسير القمي)) (2/419). .
وزَعَموا أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ نَزَل على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا مُحَمَّدُ، السَّلامُ يُقرِئُك السَّلامَ ويقولُ: خَلقتُ السَّماواتِ السَّبعَ وما فيهنَّ، والأرَضينَ السَّبعَ وما عليهنَّ، وما خَلقتُ مَوضِعًا أعظَمَ مِنَ الرُّكنِ والمَقامِ، ولو أنَّ عَبدًا دَعاني هناك مُنذُ خَلقتُ السَّماواتِ والأرضينَ ثُمَّ لَقِيَني جاحِدًا لوِلايةِ عَليٍّ لأكبَبْتُه في سَقَرَ [1123] يُنظر: ((أمالي الصدوق)) (ص: 290). .
وفي رِوايةٍ: (... لو سَجَدَ حتَّى ينقَطِعَ عُنُقُه ما قَبِلَ اللهُ منه إلَّا بوِلايتِنا أهلَ البَيتِ) [1124] يُنظر: ((الخصال)) لابن بابويه (1/41). .
ورَووا أنَّ اللهَ سُبحانَه قال: (يا مُحَمَّدُ، لو أنَّ عَبدًا يعبُدُني حتَّى ينقَطِعَ ويصيرَ كالشَّنِّ [1125] قال ابنُ فارسٍ: (هو الجِلدُ اليابسُ الخَلقُ البالي). ((مقاييس اللغة)) (3/176). ثُمَّ أتاني جاحِدًا لوِلايتِهم، ما أسكَنْتُه جَنَّتي، ولا أظلَلْتُه تَحتَ عَرشي) [1126] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (27/169). .
ورَووا عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: (لو جاءَ أحَدُكم يومَ القيامةِ بأعمالٍ كأمثالِ الجِبالِ ولم يجِئْ بوِلايةِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ لأكبَّه اللهُ عَزَّ وجَلَّ بالنَّارِ) [1127] يُنظر: ((أمالي الشيخ الطوسي)) (1/314). .
وأنَّه قال: (والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه لو أنَّ عَبدًا جاءَ يومَ القيامةِ بعَمَلِ سَبعينَ نَبيًّا ما قَبِلَ اللهُ ذلك منه حتَّى يلقاه بوِلايتي ووِلايةِ أهلِ بَيتي) [1128] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (27/172). .
وأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ دَخَل الجَنَّةَ، فقال رَجُلانِ مِن أصحابِه: فنحن نَقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما تُقبَلُ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مِن هذا وشيعَتِه، ووضع رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدَه على رَأسِ عليٍّ، وقال لهما: مِن عَلامةِ ذلك ألَّا تَجلِسا مَجلِسَه، ولا تُكَذِّبا قَولَه) [1129] ينُظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (27/201). .
ورَوَوا عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن جِبرائيلَ عليه السَّلامُ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّه قال: (وعِزَّتي وجَلالي لأُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعيَّةٍ في الإسلامِ دانَت بوِلايةِ إمامٍ جائِرٍ ليس مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وإن كانتِ الرَّعيَّةُ في أعمالِها بَرَّةً تَقيَّةً، ولأعفوُنَّ عن كُلِّ رَعيَّةٍ دانَت بوِلايةِ إمامٍ عادِلٍ مِنَ اللهِ تعالى، وإن كانتِ الرَّعيَّةُ في أعمالِها طالحةً سَيِّئةً) [1130] ينُظر: ((الغيبة)) للنعماني (ص: 83). .
ورِواياتُهم في هذه المَسألةِ كثيرةٌ، وقد ذَكرَ المَجلِسيُّ مثلًا 20 رِوايةً في (بابِ أنَّهم عليهم السَّلامُ أهلُ الأعرافِ، لا يدخُلُ الجَنَّةَ إلَّا مَن عَرَفهم وعَرَفوه) [1131] ينُظر: ((بحار الأنوار)) (24/247-256). !
وذَكرَ 71 رِوايةً في (بابِ أنَّه لا تُقبَلُ الأعمالُ إلَّا بالوِلايةِ) [1132] ينُظر: ((بحار الأنوار)) (27/166-202). .
والحَقُّ أنَّه ليس في كِتابِ اللهِ تعالى شَيءٌ مِمَّا يدَّعونَه في ذلك، وهو المَرجِعُ الأوَّلُ في كُلِّ خِلافٍ، وأيضًا لو صَحَّت تلك الرِّواياتُ لرَواها أهلُ الحَديثِ الثِّقاتُ، الذينَ كانوا يحرِصونَ على جَمعِ الرِّواياتِ بأسانيدِها المُتَعَدِّدةِ، ويرحَلونَ في طَلَبِها إلى الأمصارِ البَعيدةِ، وكتَبوا كُلَّ ما سَمِعوا مِن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأقوالِ أصحابِه وأهلِ بَيتِه، ودَوَّنوا العِلمَ النَّافِعَ ولم يُضَيِّعوه، ونَشَروا دينَ اللهِ الذي جاءَ به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يكتُموه.
وفي القُرآنِ العَظيمِ أنَّ أصلَ قَبولِ الأعمالِ هو التَّوحيدُ، وسَبَبُ الخُلودِ في النَّارِ هو الشِّركُ، قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة: 72] ، وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48-116] .
وكُلُّ ما ذُكِرَ في الرِّواياتِ الشِّيعيَّةِ مِنَ المُبالغاتِ تُكذِّبُها آياتُ القُرآنِ؛ فاللهُ سُبحانَه يقولُ: مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة: 62] ، وقال اللهُ تعالى: مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [المائدة: 69] . ولم يذكُرْ سُبحانَه مِن ضِمنِ ذلك الوِلايةَ.
وهم يزعُمونَ أنَّ وِلايةَ الاثنَي عَشَرَ أعظَمُ مِنَ الصَّلاةِ وسائِرِ أركانِ الإسلامِ! والصَّلاةُ ذُكِرَت في القُرآنِ بلفظٍ صَريحٍ واضِحٍ في أكثَرَ مِن ثَمانينَ مَوضِعًا، ولم تُذكَرْ وِلايتُهم مَرَّةً واحِدةً!
وقد جاءَ في رِواياتِهم ما ينقُضُ ما قالوه، وإن كانت تَأويلاتُهم أو تَقيتُهم تَئِدُ مِثلَ هذه النُّصوصِ المُعتَدِلةِ، ومِن ذلك هذه الرِّوايةُ: (قال عَليُّ بنُ أبي طالبٍ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لمَّا نَزَلت: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: 23] . قال جِبرائيلُ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ لكُلِّ دينٍ أصلًا ودِعامةً، وفرعًا وبُنيانًا، وإنَّ أصلَ الدِّينِ ودِعامَتَه قَولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وإنَّ فرعَه وبُنيانَه مَحَبَّتُكم أهلَ البَيتِ وموالاتُكم فيما وافقَ الحَقَّ ودَعا إليه)؛ فالأساسُ هو الإيمانُ بوحدانيَّةِ اللهِ تعالى، وأمَّا محبَّةُ أهلِ البَيتِ فهي نابعةٌ مِن مَحَبَّةِ العَبدِ لرَبِّه دونَ غُلوٍّ فيهم، فذلك جُزءٌ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ لا أنَّ العَمَلَ الصَّالحَ قائِمٌ عليه.

انظر أيضا: