موسوعة الفرق

المَطلبُ الثَّاني: الاستِغاثةُ بالأئِمَّةِ


الاستغاثةُ [1146] الاستغاثةُ: طَلَبُ الغَوثِ، وهو إزالةُ الشِّدَّةِ، كالاستنصارِ طَلَبِ النَّصرِ، والفَرْقُ بَيْنَ الدُّعاءِ والاستغاثةِ: أنَّ الدُّعاءَ عامٌّ في كُلِّ الأحوالِ، والاستغاثةُ هي الدُّعاءُ للهِ في حالةِ الشَّدائدِ. يُنظر: ((الرد على البكري) لابن تَيميَّةَ (ص: 88)، ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان آل الشيخ (ص: 214)، ((القول السديد)) للسعدي (ص: 48). فيما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ عِبادةٌ لا يجوزُ صَرفُها لغَيرِه، فلا يُستَغاثُ إلَّا باللهِ وحدَه، ولكِنَّ الشِّيعةَ تَدعو إلى الاستِغاثةِ بأئِمَّتِهم فيما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ وَحدَه، وقد خَصَّصَت بَعضُ رِواياتِها وظيفةَ كُلِّ إمامٍ في هذا البابِ، فقالت: (أمَّا عَليُّ بنُ الحُسَينِ فللنَّجاةِ مِنَ السَّلاطينِ ونَفثِ الشَّياطينِ، وأمَّا مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ وجَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ فللآخِرةِ وما تَبتَغيه مِن طاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأمَّا موسى بنُ جَعفرٍ فالتَمِسْ به العافيةَ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأمَّا عَليُّ بنُ موسى فاطلُبْ به السَّلامةَ في البَراريِّ والبحارِ، وأمَّا مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ فاستَنزِلْ به الرِّزقَ مِنَ اللهِ تعالى، وأمَّا عَليُّ بنُ مُحَمَّدٍ فللنَّوافِلِ وبرِّ الإخوانِ وما تَبتَغيه مِن طاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأمَّا الحَسَنُ بنُ عَليٍّ فللآخِرةِ، وأمَّا صاحِبُ الزَّمانِ فإذا بَلغَ مِنك السَّيفُ الذَّبحَ فاستَعِنْ به؛ فإنَّه يُعينُك) [1147] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/33). !
وقد ذَكرَ المَجلِسيُّ دُعاءً يتَضَمَّنُ الاستِغاثةَ بالأئِمَّةِ، يُعتَبرُ تَطبيقًا لهذا النَّصِّ السَّابقِ [1148] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (94/33). .
وقالوا: هم (الشِّفاءُ الأكبَرُ والدَّواءُ الأعظَمُ لمَن استَشفى بهم) [1149] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/33). .
وفي رِوايةٍ طَويلةٍ جِدًّا فيها خِطابٌ ومُناجاةٌ للمَهديّ المُنتَظَرِ: (ما شَيءٌ منه إلَّا وأنتم له السَّبَبُ وإليه السَّبيلُ... فلا نَجاةَ ولا مَفزَعَ إلَّا أنتم، ولا مذهَبَ عنكم يا أعيُنَ اللهِ النَّاظِرةَ) [1150] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/37). .
وورَدَ في كُتُبِهم التَّرغيبُ في كِتابةِ رِقاعٍ توضَعُ على قُبورِ الأئِمَّةِ؛ لأنَّ قُبورَهم وأضرِحَتَهم مَناطُ الرَّجاءِ ومَفزَعُ الحاجاتِ عِندَهم، ومِن ذلك أنَّهم قالوا: (إذا كان لك حاجةٌ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ فاكتُبْ رُقعةً على بَرَكةِ اللهِ، واطرَحْها على قَبرٍ مِن قُبورِ الأئِمَّةِ إن شِئتَ، أو فشُدَّها واختِمْها واعجِنْ طينًا نَظيفًا واجعَلْها فيه، واطرَحْها في نَهرٍ جارٍ، أو بئرٍ عَميقةٍ، أو غَديرِ ماءٍ؛ فإنَّها تَصِلُ إلى السَّيِّدِ عليه السَّلامُ، وهو يتَولَّى قَضاءَ حاجَتِك بنَفسِه) [1151] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/29). .
ومِمَّا ذَكروا أنَّه يكتُبُ في الرُّقعةِ مُستَغيثًا بالمَهديِّ: (بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، كتَبتُ يا مَولاي -صَلواتُ اللهِ عليك- مُستَغيثًا، وشَكوتُ ما نَزَل بي مُستَجيرًا باللهِ عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ بك، مِن أمرٍ قد دَهَمَني، وأشغَلَ قَلبي، وأطال فِكري، وسَلبَني بَعضَ لُبِّي، وغَيَّرَ خَطيرَ نِعمةِ اللهِ عِندي، أسلَمَني عِندَ تَخَيُّلِ وُرودِه الخَليلُ، وتَبرَّأ مِنِّي عِندَ تَرائي إقبالِه إليَّ الحَميمُ، وعَجَزَت عن دِفاعِه حيلتي، وخانَني في تَحَمُّلِه صَبري وقوَّتي؛ فلجَأتُ فيه إليك، وتَوكَّلتُ في المَسألةِ للهِ جَلَّ ثَناؤُه عليه وعليك، في دِفاعِه عنِّي، عِلمًا بمَكانِك مِنَ اللهِ رَبِّ العالمينَ، وليِّ التَّدبيرِ، ومالِكِ الأُمورِ، واثِقًا بك في المُسارَعةِ في الشَّفاعةِ إليه جَلَّ ثَناؤُه في أمري، مُتَيقِّنًا لإجابَتِه تَبارَك وتعالى إيَّاك بإعطاءِ سُؤلي، وأنتَ يا مَولاي جَديرٌ بتَحقيقِ ظَنِّي، وتَصديقِ أمَلي فيك في أمرِ -كذا وكذا- فيما لا طاقةَ لي بحَملِه، ولا صَبرَ لي عليه، وإن كُنتُ مُستَحِقًّا له ولأضعافِه بقَبيحِ أفعالي وتَفريطي في الواجِباتِ التي للهِ عَزَّ وجَلَّ، فأغِثْني يا مَولاي صَلواتُ اللهِ عليك عِندَ اللهَفِ، وقدِّمِ المَسألةَ للهِ عَزَّ وجَلَّ في أمري قَبلَ حُلولِ التَّلَفِ، وشَماتةِ الأعداءِ؛ فبك بُسِطَتِ النِّعمةُ عليَّ. واسألُ اللهَ جَلَّ جَلالُه لي نَصرًا عَزيزًا، وفتحًا قَريبًا، فيه بُلوغُ الآمالِ وخَيرُ المُبادي وخَواتيمُ الأعمالِ، والأمنُ مِنَ المَخاوِفِ كُلِّها في كُلِّ حالٍ؛ إنَّه جَلَّ ثَناؤُه لِما يشاءُ فعَّالٌ، وهو حَسْبي ونِعمَ الوكيلُ في المَبدَأِ والمَآلِ) [1152] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/29). .
وذَكروا أنَّه يصعَدُ النَّهرَ أو الغَديرَ ويُنادي على أحَدِ أبوابِ المَهديِّ المُنتَظَرِ [1153] هم أربعةٌ: عثمانُ بنُ سعيدٍ، وابنُه محمَّدٌ، والحسَنُ بنُ روحٍ، وعليٌّ السمريُّ. يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/30). ، فيُنادي أحَدَهم ويقولُ: (يا فُلانُ بنَ فُلانٍ، سَلامُ اللهِ عليك، أشهَدُ أنَّ وفاتَك في سَبيلِ اللهِ، وأنت حَيٌّ عِندَ اللهِ مَرزوقٌ، وقد خاطَبتُك في حَياتِك التي لك عِندَ اللهِ جَلَّ وعَزَّ، وهذه رُقعَتي وحاجتي إلى مَولانا عليه السَّلامُ، فسَلِّمْها إليه، فأنتَ الثِّقةُ الأمينُ) [1154] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/3). .
قالوا: (ثُمَّ ارمِها في النَّهرِ أو البئرِ أو الغَديرِ، تُقضى حاجَتُك إن شاءَ اللهُ) [1155] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/3). .
وقد وضَعَ الشِّيعةُ الإماميَّةُ رِواياتٍ في مَشروعيَّةِ إرسالِ رِقاعٍ إلى المَهديِّ المُنتَظَرِ لطَلَبِ الاستِغاثةِ والنَّجدةِ منه فيما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ؛ فمِن ذلك أيضًا قَولُهم: تَكتُبُ رُقعةً إلى صاحِبِ الزَّمانِ [1156] يعني الإمامَ الثَّاني عَشَرَ عِندَ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، وهم يلقِّبونه بالمهديِّ المنتَظَرِ وبصاحِبِ الزَّمانِ. وتَكتُبُ فيها: (بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، تَوسَّلتُ بحُجَّةِ اللهِ الخَلَفِ الصَّالحِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ [1157] جاء عندهم رواياتٌ تنهى عن التَّصريحِ باسمِه، كما في ((الكافي)) (1/332)، وهذه الرِّوايةُ تناقِضُ ما رَوَوه. بنِ عَليِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ موسى بنِ جَعفرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ النَّبَأِ العَظيمِ، والصِّراطِ المُستَقيمِ، والحَبلِ المَتينِ، عِصمةِ المَلجَأِ، وقَسيمِ الجَنَّةِ والنَّارِ، أتَوسَّلُ إليك بآبائِك الطَّاهرينِ، وأُمَّهاتِك الطَّاهراتِ، الباقياتِ الصَّالحاتِ، أن تَكونَ وسيلتي إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ في كشفِ ضُرِّي، وحَلِّ عُقَدي، وفَرجِ حَسرَتي، وكَشفِ بَليَّتي) [1158] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/29). .
قالوا: (ثُمَّ تَكتُبُ رُقعةً أُخرى للهِ سُبحانَه وتُطَيِّبُ الرُّقعَتَينِ، وتَجعَلُ رُقعةَ الباري تعالى في رُقعةِ الإمامِ رَضِيَ اللهُ عنه، وتَطرَحُهما في نَهرٍ جارٍ أو بئرِ ماءِ) [1159] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/28). .
وصاحِبُ الزَّمانِ عِندَهم قد عَجَزَ عن الخُروجِ إلى شيعَتِه خَوفًا مِنَ القَتلِ، كما تُقَرِّرَ نُصوصُهم المُعتَبَرةُ! فكيف يُطلَبُ منه قَضاءُ الحاجاتِ ودَفعُ المَكروهاتِ، وقد عَجَزَ عن حِمايةِ نَفسِه، فتَوارى عن الأنظارِ؟!
والحُسَينُ رَضِيَ اللهُ عنه لم يستَطِعْ أن يدفعَ عن نَفسِه القَتلَ، فكيف يُطلبُ منه ما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ؟!
وقد نَقَل الشِّيعةُ أدعيةً لأئِمَّتِهم ليس فيها سُؤالٌ أو استِغاثةٌ بأحَدٍ غَيرِ اللهِ تعالى؛ فعن جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه كان يقولُ في دُعائِه: (اللهمَّ إنِّي أصبَحتُ لا أملِكُ لنَفسي ضَرًّا ولا نَفعًا، ولا حَياةً ولا مَوتًا ولا نُشورًا، قد ذَلَّ مَصرَعي، واستكان مَضجَعي، وظَهَر ضُرِّي، وانقَطَعَ عُذري، وقَلَّ ناصِري، وأسلَمَني أهلي ووالِدي ووَلَدي بَعدَ قيامِ حَجَّتِك علَيَّ، وظُهورِ بَراهينِك عِندي، ووُضوحِ أدِلَّتِك لي. اللهمَّ وقد أعيتِ الحِيَلُ، وتغلَّقت الطُّرُقُ، وضاقَتِ المَذاهِبُ، ودَرَسَتِ الآمالُ إلَّا مِنك، وانقَطَعَ الرَّجاءُ إلَّا مِن جِهَتِك) [1160] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (86/318). .
هذا ما يجأرُ به جَعفرٌ الصَّادِقُ ويلجَأُ به إلى اللهِ، فهو لا يملكُ شَيئًا مِنَ النَّفعِ أو الضَّرِّ لنَفسِه، فكيف لغَيرِه؟! وإذا كان ذلك في حَياتِه فهو بَعدَ مَوتِه أعجَزُ!
وكثيرٌ مِنَ الأئِمَّةِ نَقل الشِّيعةُ عنهم أمثالَ هذه الدَّعَواتِ التي فيها إخلاصُ الدُّعاءِ للهِ وحدَه، وأنَّه لا ينفعُ ولا يضُرُّ إلَّا هو سُبحانَه دونَ ما سِواه [1161] يُنظر مثلًا: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (86/240) وما بعدها، و (94/ 89) وما بعدها. .

انظر أيضا: