موسوعة الفرق

المَطلبُ الأوَّلُ: الدُّعاءُ بأسماءِ الأئِمَّةِ


جاءَ في أخبارِ الشِّيعةِ عن أبي جَعفرٍ أنَّه قال: (مَن دَعا اللهَ بنا أفلحَ، ومَن دَعا بغَيرِنا هَلك واستُهلِك) [1136] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (91/2). .
وقالوا: (إنَّ دُعاءَ الأنبياءِ استُجيبَ بالتَّوسُّلِ والاستِشفاعِ بهم صَلواتُ اللهِ عليهم أجمَعينَ) [1137] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (26/319). .
وقد استَشهَدَ على ذلك المَجلِسيُّ بـ (11 رِوايةً مِن رِواياتِهم) [1138] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (26/319-334). .
كما عَرَضَ لرِواياتٍ كثيرةٍ مُماثِلةٍ في أبوابِ أحوالِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، وبالأخَصِّ في أحوالِ آدَمَ وموسى وإبراهيمَ عليهم السَّلامُ، وكذا في أبوابِ مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1139] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (26/334). .
وجاءَت رِواياتٌ كثيرةٌ في هذا المَعنى في عَدَدٍ مِن مَصادِرِهم المُعتَمَدةِ [1140] يُنظر: ((تفسير الحسن العسكري)) (ص: 117)، ((تفسير العياشي)) (1/41)، ((الخصال)) (1/130)، ((معاني الأخبار)) (ص: 42) كلاهما لابن بابويه، ((الاحتجاج)) للطبرسي (ص: 27)، ((وسائل الشيعة)) للعاملي (4/1139). .
وفي إحدى رِواياتِهم عن الرِّضا أنَّه قال: (لمَّا أشرَف نوحٌ عليه السَّلامُ على الغَرَقِ دَعا اللهَ بحَقِّنا، فدَفعَ اللهُ عنه الغَرَقَ، ولمَّا رُمي إبراهيمُ في النَّارِ دَعا اللهَ بحَقِّنا فجَعَل اللهُ النَّارَ عليه بَردًا وسَلامًا، وإنَّ موسى عليه السَّلامُ لمَّا ضَرَبَ طَريقًا في البَحرِ دَعا اللهَ بحَقِّنا فجَعَله يَبَسًا، وإنَّ عيسى عليه السَّلام لمَّا أرادَ اليهودُ قَتلَه دَعا اللهَ بحَقِّنا فنُجِّيَ مِنَ القَتلِ، فرَفعَه اللهُ) [1141] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (26/325). .
وكما أنَّ الاستِجابةَ لدُعاءِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ كانت بسَبَب الأئِمَّةِ، فإنَّ ما جَرى لبَعضِ الأنبياءِ مِن مِحَنٍ وبَلاءٍ هو في زَعمِهم بسَبَبِ مَوقِفِهم مِنَ الأئِمَّةِ، فرَووا أنَّ آدَمَ عليه السَّلامُ لمَّا أسكنَه اللهُ الجَنَّةَ مُثِّل له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليٌّ والحَسَنُ والحُسَينُ رَضِيَ اللهُ عنهم، فنَظَرَ إليهم بحَسَدٍ، ثُمَّ عُرِضَت عليه الوِلايةُ فأنكَرَها، فرَمَته الجَنَّةُ بأوراقِها، فلمَّا تابَ إلى اللهِ مِن حَسَدِه وأقَرَّ بالوِلايةِ ودَعا بحَقِّ الخَمسةِ: مُحَمَّدٍ، وعَليٍّ، وفاطِمةَ، والحَسَنِ، والحُسَينِ؛ غَفرَ اللهُ له! وذلك قَولُه: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة: 37] [1142] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (26/326). .
وادَّعَوا أنَّ يونُسَ عليه السَّلامُ حَبسه اللهُ في بَطنِ الحوتِ لإنكارِه وِلايةَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولم يُخرِجْه حتَّى قَبِلَها [1143] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (26/333). .
هذا ما تَقولُه الرِّواياتُ المَذكورةُ في بَعضِ كُتُبِهم، ولكِنَّ اللهَ سُبحانَه يقولُ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180] . ولم يقُلْ سُبحانَه: فادعوه بأسماءِ الأئِمَّةِ أو مَقاماتِ الأئِمَّةِ أو مَشاهِدِهم!
وقال اللهُ جلَّ شأنُه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] ، ولو كان أساسُ قَبولِ الدُّعاءِ ذِكْرَ أسماءِ الأئِمَّةِ، لقال: ادعوني بأسماءِ الأئِمَّةِ أستَجِبْ لكم، بل إنَّ هذا الأمرَ الذي تَدَّعيه الشِّيعةُ مِن أسبابِ رَدِّ الدُّعاءِ وعَدَمِ قَبولِه؛ لأنَّ الإخلاصَ في الدُّعاءِ للهِ أصلٌ في الإجابةِ والقَبولِ، كما قال اللهُ تعالى: فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر: 14] ، وهؤلاء الأئِمَّةُ هم مِنَ البَشَرِ، قال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأعراف: 194] .
ولم يجعَلِ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بَينَه وبَينَ خَلقِه في عِبادَتِه ودُعائِه وليًّا صالحًا ولا مَلَكًا مُقَرَّبًا ولا نَبيًّا مُرسَلًا، بل الجَميعُ عِبادٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ، كما قال اللهُ تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [النساء: 172] ، وقال اللهُ سُبحانَه: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم: 93] .
ودَعوى أنَّ دُعاءَ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ استُجيبَ بالتَّوسُّلِ بالأئِمَّةِ هي دَعوى لا دَليلَ عليها؛ إذ ليس للأئِمَّةِ وُجودٌ في حَياةِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، وهي دَعوةٌ صَريحةٌ للشِّركِ باللهِ سُبحانَه؛ إذ إنَّهم جَعَلوا مِفتاحَ الإجابةِ وأساسَ القَبولِ هو ذِكرَ أسماءِ الأئِمَّةِ! وهذا زَعمٌ غَيرُ صَحيحٍ؛ إذ إنَّ الأنبياءَ عليهم السَّلامُ -كما جاءَ في قَولِ أصدَقِ القائِلينَ- إنَّما دَعَوا اللهَ عَزَّ وجَلَّ باسمِه سُبحانَه وبوحدانيَّتِه جَلَّ شَأنُه، فقال سُبحانَه عن يونُسَ: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87] ، والكَلِماتُ التي قالها آدَمُ عليه السَّلامُ وزَوجُه هي كما قال اللهُ سُبحانَه: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23] ، ودُعاءُ الأنبياءِ والصَّالحينَ المَذكورُ في القُرآنِ ورَدَ كُلُّه بإخلاصِ الدُّعاءِ للهِ وحدَه دونَ ما سِواه، وليس فيه تَوسُّلٌ إلى اللهِ بأحَدٍ مِن خَلقِه.
وفي كُتُبِ الشِّيعةِ نَفسِها ما يُناقِضُ هذه الدَّعوى عن الأئِمَّةِ في مُناجاتِهم للهِ ودُعائِهم له، فرَوَوا عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان يقولُ: (إلهي أُفكِّرُ في عَفوِك، فتَهونُ عليَّ خَطيئَتي، ثُمَّ أذكُرُ العَظيمَ مِن أخذِك فتعظُمُ عليَّ بَليَّتي، ثُمَّ قال: آهٍ! إنْ أنا قَرَأتُ في الصُّحُفِ سَيِّئةً أنا ناسيها وأنت مُحصيها، فتَقولُ: خُذوه! فيا له مِن مَأخوذٍ لا تُنجيه عَشيرَتُه، ولا تَنفَعُه قَبيلتُه) [1144] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (94/92). .
وما مِن إمامٍ إلَّا قد رَووا عنه الكثيرَ مِن أمثالِ هذا الدُّعاءِ الذي فيه إخلاصٌ للهِ، وعَدَمُ التَّوسُّلِ إليه بأحَدٍ مِن عِبادِه [1145] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (ج: 94). .

انظر أيضا: