موسوعة الفرق

الفرْعُ الأوَّلُ: من المُصَنَّفاتِ الشِّيعيَّةِ في التَّاريخِ: كِتابُ (وَقعةُ صِفِّينَ)


وهو أحَدُ كُتُبِ نَصرِ بنِ مُزاحِمٍ المِنقَريِّ الكوفيِّ المتوفَّى سنةَ 212هـ، وله كتُبٌ أخرى منها: وقعةُ الجَمَلِ، الغاراتُ، مَقتَلُ حُجرِ بنِ عَديٍّ، مَقتَلُ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ [628] يُنظر: ((منهج كتابة التاريخ الإسلامي)) للسلمي (ص: 489). .
ونصرُ بنُ مُزاحِمٍ من غلاةِ الشِّيعةِ؛ قال فيه العُقَيليُّ: (كان يذهَبُ إلى التَّشيُّعِ، وفي حديثِه اضطرابٌ وخَطَأٌ كثيرٌ)، ثمَّ ساق له نموذجًا يمثِّلُ انحرافَه في المَرويَّاتِ، وذلك في تفسيرِ قَولِ اللَّهِ تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر: 33] قال نصرٌ: الذي جاء بالصِّدقِ مُحمَّدٌ، والذي صَدَّقَ به عَليٌّ، ثمَّ عَلَّق العُقيليُّ على ذلك بقَولِه: (وهذا لا يُتابَعُ عليه) [629] ((الضعفاء الكبير)) (4/300). .
وترجَم له الخطيبُ في تاريخِ بَغدادَ، ونقل طَرَفًا من أقوالِ العُلَماءِ فيه، قال الجَوزجانيُّ: (كان نصرٌ زائغًا عن الحَقِّ مائلًا)، ثمَّ عَلَّق الخطيبُ بقولِه: (أراد بذلك غُلُوَّه في الرَّفضِ)، ونقل عن صالحِ بنِ مُحمَّدٍ قَولَه: (نصرُ بنُ مُزاحِمٍ روى عن الضُّعَفاءِ أحاديثَ مناكيرَ)، وعن الحافِظِ أبي الفتحِ مُحمَّدِ بنِ الحُسَينِ قَولَه: (نصرُ بنُ مُزاحِمٍ غالٍ في مَذهَبِه) [630] ((تاريخ بغداد)) (13/283). .
وذَكَره ابنُ عَديٍّ في كتابِه (الضُّعَفاءُ)، وساق عددًا من الأحاديثِ التي تفرَّد نصرٌ بروايتِها، ثمَّ قال ابنُ عَديٍّ: (وهذه الأحاديثُ لنَصرِ بنِ مُزاحِمٍ مع غيرِها ممَّا لم أذكُرْها عمَّن رواها، عامَّتُها غيرُ محفوظةٍ) [631] ((الكامل في ضعفاء الرجال)) (7/2502). .
وقال عنه الذَّهبيُّ: (رافضيٌّ جَلْدٌ، تركوه،... قال العُقيليُّ: شيعيٌّ في حديثِه اضطِرابٌ وخطَأٌ كثيرٌ... وقال أبو خيثمةَ: كان كذَّابًا. وقال أبو حاتمٍ: واهي الحديثِ، متروكٌ، وقال الدَّارَقُطنيُّ: ضعيفٌ) [632] ((الميزان)) (4/253، 254). .
ونَقَل ابنُ حَجَرٍ عن الخليليِّ قولَه في نَصرِ بنِ مُزاحِمٍ: (ضعَّفه الحُفَّاظُ جِدًّا) [633] ((لسان الميزان)) (8/268). .
نماذِجُ من كتابِ (وَقعةُ صِفِّينَ)
وردت في هذا الكتابِ خُطبةٌ مرويَّةٌ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللَّهُ عنه حينَ عَزَم على الخُروجِ إلى صِفِّينَ، فقال فيها: (… سيروا إلى أعداءِ السُّنَنِ والقرآنِ، سيروا إلى بقيَّةِ الأحزابِ، قَتَلةِ المهاجرينَ والأنصارِ!) [634] ((وقعة صفين)) (ص: 94). . وحاشا عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه أن يقولَ هذا في جيشِ الشَّامِ، بل كان يقاتِلُهم على أنَّهم بُغاةٌ لا كُفَّارٌ.
وفي روايةٍ أخرى يصوِّرُ نَصرُ بنُ مُزاحِمٍ مُعاويةَ رَجُلًا محتالًا يبحَثُ عن رجالٍ يتحدَّثون له في مسبَّةِ عليٍّ؛ ففي روايةٍ إسنادُها مُسلسَلٌ بالضُّعَفاءِ والمجاهيلِ، قال نصرُ بنُ مُزاحِمٍ: (وفي حديثِ مُحمَّدِ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ عن الجُرجانيِّ، قال: لمَّا قَدِم عُبَيدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ على معاويةَ بالشَّامِ أرسَلَ معاويةُ إلى عمرِو بنِ العاصِ فقال: إنَّ اللَّهَ قد أحيا لك عُمَرَ بالشَّامِ بقُدومِ عُبَيدِ اللَّهِ، وقد رأيتُ أن أقيمَه خطيبًا فيَشهَدَ على عليٍّ بقَتلِ عُثمانَ وينالَ منه، فقال: الرَّأيُ ما رأيتَ، فبعث إلى عُبَيدِ اللَّهِ فأتاه، فقال له معاويةُ: يا ابنَ أخي إنَّ لك اسمَ أبيك، فانظُرْ بمِلءِ عينيك، وتكلَّم بكُلِّ فيك، فأنت المأمونُ المُصَدَّقُ، فاصعَدِ المنبَرَ واشتُمْ عليًّا، واشهَدْ عليه أنَّه قَتَل عُثمانَ، فلمَّا امتنع من ذلك هجَره معاويةُ، واستخفَّ بحَقِّه وفسَّقَه!) [635] ((وقعة صفين)) (ص: 82). .
تلك بعضُ مَرويَّاتِ نَصرِ بنِ مُزاحِمٍ في كتابِه (وَقعةُ صِفِّينَ)، وقد نقل عنه الطَّبريُّ في تاريخِه رواياتٍ كثيرةً فيها الطَّعنُ في أمِّ المُؤمِنين عائشةَ وطلحةَ وأبي موسى الأشعَريِّ، وغيرِهم من الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين، فنقل ابنُ جريرٍ من طريقِ نصرِ بنِ مزاحِمٍ بإسنادينِ فيهما انقِطاعٌ عن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها أنَّها قالت: (اقتُلوا نعثلًا تعني عُثمانَ فقد كَفَر!) [636] يُنظر: ((تاريخ الطبري)) (4/459). .
وقد أورد ابنُ جريرٍ مِثلَ هذه الرِّواياتِ بالأسانيدِ التي فيها قومٌ ضُعَفاءُ ومجاهيلُ وانقِطاعٌ، ومَن أسنَدَ فقد أعذَرَ؛ فإنَّ أهلَ العلمِ يعلمون ضَعفَ هذه الرِّواياتِ بالنَّظَرِ في أسانيدِها التَّالفةِ؛ ولذا فهم لا يعتَمِدون عليها، لكِنَّ الشِّيعةَ استغلُّوا هذه الرِّواياتِ، واعتمدوا عليها، وأيَّدوا بها مَذهَبَهم في الطَّعنِ في الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم.
قال ابنُ جريرٍ في أوَّلِ تاريخِه: (لِيَعلَمِ النَّاظِرُ في كتابِنا هذا أنَّ اعتمادي في كُلِّ ما أحضَرْتُ ذِكْرَه فيه ممَّا شرَطْتُ أنِّي راسمُه فيه، إنَّما هو على ما رَويتُ من الأخبارِ التي أنا ذاكِرُها فيه، والآثارِ التي أنا مُسنِدُها إلى رواتِها فيه،... فما يكُنْ في كتابي هذا من خَبَرٍ ذَكَرناه عن بعضِ الماضين ممَّا يَستنكِرُه قارئه، أو يَستَشنِعُه سامِعُه؛ من أجلِ أنَّه لم يَعرِفْ له وجهًا في الصِّحَّةِ، ولا معنًى في الحقيقةِ، فلْيَعلَمْ أنَّه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلِنا، وإنَّما أُتِيَ مِن قِبَلِ بعضِ ناقليه إلينا، وإنَّا إنَّما أدَّينا ذلك على نحوِ ما أُدِّيَ إلينا) [637] ((تاريخ الطبري)) (1/7). .

انظر أيضا: