موسوعة الفرق

المطلَبُ الثَّالثُ: عقيدةُ ابنِ سَبَأٍ وأتباعِه وضَلالاتُهم


يمكِنُ من خلالِ كُتُبِ الشِّيعةِ استخلاصُ أهَمِّ عقائِدِ ابنِ سَبَأٍ الضَّالَّةِ التي كان يدعو إليها، والتي تسَرَّبت إلى فِرَقِ الشِّيعةِ.
وقد ذَكَر ابنَ سَبَأٍ وعقائدَه وجماعتَه كثيرٌ من مُؤَرِّخي الشِّيعةِ؛ منهم:
1- سَعدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ القُمِّيُّ [141] ((المقالات والفرق)) لسعد القمي (ص: 21). .
2- الطُّوسيُّ شَيخُ الطَّائفةِ [142] ((رجال الطوسي)) (ص: 51).
3- التُّسْتَريُّ [143]  ((قاموس الرجال)) (5/ 463). .
4- عباسٌ القُمِّيُّ  [144] ((تحفة الأحباب)) (ص: 184). .
5- صاحِبُ (روضةِ الصَّفا) [145] ((روضة الصفا)) (3/ 393). .
وغيرُهم كثيرٌ، كما ذكَرَ ابنَ سَبَأٍ وعقائِدَه: ابنُ حَزمٍ [146] ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (1/ 164) و (2/ 91) و (4/ 138، 142). ، والأسْفَرايِينيُّ [147] ((التبصير في الدين)) (ص: 108، 109). ، والفَخرُ الرَّازيُّ )) [148] اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)) (ص: 57). وغيرُهم.
وقد كان ليهوديَّتِه أثَرٌ في العقائِدِ المُنحَرِفةِ التي ادَّعاها، وبَقِيت أفكارُه في المَذهَبِ الشِّيعيِّ، وأكَّد طائفةٌ من العُلَماءِ أنَّ ابنَ سَبَأٍ هو مؤسِّسُ المَذهَبِ الشِّيعيِّ [149] يعتَبِرُ ابنُ تيميَّةَ ابنَ سَبَأٍ أوَّلَ من أحدَث القَولَ بالعِصمةِ لعَليٍّ، وبالنَّصِّ عليه في الخلافةِ، وأنَّه أراد إفسادَ دينِ الإسلامِ، كما أفسد بُولَسُ دينَ النَّصارى. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (4/518). وكذا المرتضى الزيدي في كتابه ((المنية والأمل)) (ص: 125). ومن المعاصِرين أبو زهرة الذي ذكر أنَّ عبدَ اللهِ بنَ سَبَأٍ هو الطَّاغوتُ الأكبَرُ الذي كان على رأسِ الطَّوائفِ النَّاقمين على الإسلامِ الذين يكيدون لأهلِه، وأنَّه قال برجعةِ عليٍّ، وأنَّه وصيُّ محمَّدٍ، ودعا إلى ذلك، وذكر أبو زهرة أنَّ فتنةَ ابنِ سَبَأٍ وزُمرتِه كانت من أعظَمِ الفِتَنِ التي نَبَت في ظِلِّها المذهَبُ الشِّيعيُّ. يُنظر: ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (1/31-33). وكذلك سعيد الأفغاني الذي يرى أنَّ ابنَ سَبَأٍ أحَدُ أعضاءِ جمعيَّةٍ سِرِّيةٍ (تلموديَّة) غايتُها تقويضُ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ، وأنَّها تعمَلُ لحِسابِ دَولةِ الرُّومِ. يُنظر: ((عائشة والسياسة)) (ص: 60). .
أهَمُّ الضَّلالاتِ التي نادى بها ابنُ سَبَأٍ:
1- القَولُ بالوَصيَّةِ:
كان عبدُ اللَّهِ بنُ سَبَأٍ أوَّلَ من قال بوصيَّةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وأنَّه خليفتُه على أمَّتِه مِن بَعدِه بالنَّصِّ.
قال النُّوبَختيُّ: (وحكى جماعةٌ من أهلِ العِلمِ من أصحابِ عَليٍّ عليه السَّلامُ أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ كان يهوديًّا فأسلمَ ووالى عَليًّا عليه السَّلامُ، وكان يقولُ وهو على يهوديَّتِه في يوشَعَ بنِ نونٍ بَعدَ موسى عليه السَّلامُ بهذه المقالةِ، فقال في إسلامِه بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عَليٍّ عليه السَّلامُ بمِثلِ ذلك، وهو أوَّلُ مَن شَهَر القولَ بفَرضِ إمامةِ عَليٍّ عليه السَّلامُ، وأظهَر البراءةَ من أعدائِه وكاشَف مُخالِفيه؛ فمِن هناك قال من خالف الشِّيعةَ: إنَّ أصلَ الرَّفضِ مأخوذٌ من اليهوديَّةِ) [150] ((فرق الشيعة)) (ص: 44). وبنحوِ ما قال النُّوبَختيُّ قال آخَرون من مؤرِّخي الشِّيعةِ، يُنظر: ((رجال الكشي)) (ص: 101)، ((تنقيح المقال في أحوال الرجال)) للمامقاني، ((قاموس الرجال)) لمحمد تقي التستري (5/462). ، فهذا كلامُ أحَدِ مُؤَرِّخي الشِّيعةِ المُعتَمَدين عندَهم.
وذكَر المُؤَرِّخُ الشِّيعيُّ الإيرانيُّ مير خواند في تاريخِه باللُّغةِ الفارسيَّةِ ما ترجَمتُه: إنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ توجَّه إلى مِصرَ حينما عَلِم أنَّ مُخالِفي عثمانَ بنِ عَفَّانَ كثيرون هناك، فتظاهَر بالعِلمِ والتَّقوى، حتى افتَتَن النَّاسُ به، وبعدَ رُسوخِه فيهم بدأ يُرَوِّجُ مَذهَبَه ومَسلَكَه، وأنَّ لكُلِّ نبيٍّ وصيًّا وخليفةً، فوصيُّ رسولِ اللَّه وخليفتُه ليس إلَّا عَليًّا، المتحَلِّيَ بالعِلمِ والفتوى، والمتزَيِّنَ بالكَرَمِ والشَّجاعةِ، والمتَّصِفَ بالأمانةِ والتُّقى، وقال للنَّاسِ: إنَّ الأمَّةَ ظَلَمت عَليًّا، وغَصَبت حَقَّه من الخلافةِ والوِلايةِ، ويَلزَمُ الآن على الجميعِ مُناصرتُه ومعاضَدتُه، وخَلْعُ طاعةِ عُثمانَ وبيعتُه، فتأثَّر كثيرٌ من المِصريِّين بأقوالِه وآرائِه، وخرجوا على الخليفةِ عُثمانَ [151] ((روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفاء)) (2/ 292)، وهو كتابُ تاريخٍ باللُّغةِ الفارِسيَّةِ، وقد نُشِر مُترجمًا باللُّغةِ العَرَبيَّةِ بترجمةِ أحمد عبد القادر الشاذلي - طبعة الدار المصرية للكتاب القاهرة سنة 1988م. !
وقال أحمد أمين: (انتَشَرت الجماعةُ السِّرِّيَّةُ في آخِرِ عَهدِ عُثمانَ تدعو إلى خَلعِه وتوليةِ غَيرِه، ومن هذه الجمعيَّاتِ من كانت تدعو إلى عليٍّ، ومن أشهَرِ الدُّعاةِ له عبدُ اللَّهِ بنُ سَبَأٍ -وكان من يهودِ اليَمَنِ فأسلم-  فقد تنقَّل في البَصرةِ والكوفةِ والشَّامِ ومِصرَ يقولُ: إنَّه كان لكُلٍّ نبيٍّ وَصيٌّ، وعليٌّ وصيُّ محمَّدٍ، فمَن أظلَمُ ممَّن لم يُجِزْ وَصيَّةَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووثَب على وَصيِّه؟ وكان من أكبَرِ الذين ألَّبوا على عُثمانَ حتَّى قُتِل) [152] ((فجر الإسلام)) (ص: 354). .
وقال أيضًا: (وَضَع تعاليمَ لهَدمِ الإسلامِ، وألَّف جمعيَّةً سِرِّيَّةً لبثِّ تعاليمِه، واتَّخذ الإسلامَ سِتارًا يستُرُ به نيَّاتِه، نزل البَصرةَ بَعدَ أن أسلَمَ، ونشَرَ فيها دعوتَه، فطرَدَه واليها، ثُمَّ أتى الكوفةَ فأُخرِجَ منها، ثُمَّ جاء مِصرَ فالتَفَّ حولَه ناسٌ من أهلِها، وأشهَرُ تعاليمِه: الوِصايةُ والرَّجعةُ، فأمَّا الوِصايةُ فقد أبداها قَبلُ، وكان قَولُه فيها أساسَ تأليبِ أهلِ مِصرَ على عُثمانَ، بدعوى أنَّ عُثمانَ أخَذ الخِلافةَ من عَليٍّ بغيرِ حَقٍّ، وأيَّد رأيَه بما نَسَب إلى عثمانَ من مَثالِبَ) [153] ((فجر الإسلام)) (ص: 269، 270). .
2- ابنُ سَبَأٍ أوَّلُ مَن قال بألوهيَّةِ ورُبوبيَّةِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
3- أوَّلُ مَن ادَّعى النُّبوَّةَ من فِرَقِ الشِّيعةِ الغُلاةِ:
روى الكَشِّيُّ بسَنَدِه عن أبي جَعفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ كان يدَّعي النُّبُوَّةَ، وزعَم أنَّ أميرَ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنه هو اللَّهُ، تعالى اللَّهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا! فبَلَغ ذلك أميرَ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنه، فدعاه وسأله فأقَرَّ بذلك، وقال: نعَمْ، أنت هو، وقد كان أُلقيَ في رُوعي أنَّك أنت اللَّهُ، وأنِّي نبيٌّ، فقال له أميرُ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنه: وَيْلَك! قد سَخِرَ منك الشَّيطانُ، فارجِعْ عن هذا -ثَكِلَتْك أمُّك- وتُبْ! فأبى فحبَسَه واستتابه ثلاثةَ أيَّامٍ، فلم يَتُبْ؛ فأحرَقَه بالنَّارِ [154] يُنظر: ((رجال الكشي)) (ص: 98). .
وقال الحسَنُ بنُ عَليٍّ الحَليُّ في كتابِه (الرِّجال)، وهو من أشهَرِ كُتُبِ الشِّيعةِ في بيانِ أحوالِ الرِّجالِ: (عبدُ اللَّهِ بنُ سَبَأٍ رجَع إلى الكُفرِ وأظهَر الغُلُوَّ، كان يدَّعي النُّبُوَّةَ وأنَّ عَليًّا عليه السَّلامُ هو اللَّهُ، فاستتابه عليه السَّلامُ ثلاثةَ أيَّامٍ فلم يرجع، فأحرَقَه في النَّارِ في جملةِ سَبعينَ رَجُلًا ادَّعَوا فيه ذلك) [155] ((كتاب الرجال)) (ص: 469). ويُنظَرُ نحوُ هذا في كتاب: ((تنقيح المقال)) للماماقاني، وهو إمامُ مُتأخِّري الشِّيعةِ في الرِّجالِ (2/184). .
وقال الإستراباديُّ: (إنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ كان يدَّعي النُّبُوَّةَ، ويزعُمُ أنَّ أميرَ المُؤمِنين عَليًّا هو اللَّهُ تعالى! فبلغ أميرَ المُؤمِنين ذلك فدعاه وسأله، فأقَرَّ، وقال: نعم، أنت هو. فقال له أميرُ المُؤمِنين: قد سَخِر منك الشَّيطانُ، فارجِعْ عن هذا وتُبْ ثَكِلَتك أمُّك! فأبى، فحبَسَه ثلاثةَ أيَّامٍ، فلم يَتُبْ، فأحرَقه بالنَّارِ) [156] ((منهج المقال)) (ص: 203). .
4- ابنُ سَبَأٍ أوَّلُ من أحدَثَ القَولَ برَجعةِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه إلى الدُّنيا بَعدَ موتِه:
روى سعدُ بنُ عبدِ اللَّهِ القُمِّيُّ: (أنَّ السَّبَئيَّةُ قالوا للذي نعاه: كذَبْتَ يا عَدُوَّ اللَّهِ! لو جِئْتنا -واللَّهِ- بدِماغِه في صُرَّةٍ فأقمْتَ على قَتلِه سَبعينَ عَدلًا ما صدَّقْناك، ولعَلِمْنا أنَّه لم يمُتْ ولم يُقتَلْ، وإنَّه لا يموتُ حتَّى يسوقَ العَرَبَ بعصاه، ويملِكَ الأرضَ! ثُمَّ مضَوا من يومِهم حتَّى أناخوا ببابِ عَليٍّ، فاستأذنوا عليه استئذانَ الواثِقِ بحياتِه، الطَّامِعِ في الوُصولِ إليه، فقال لهم مَن حضَره من أهلِه وأصحابِه ووَلَدِه: سُبحانَ اللَّهِ! ما عَلِمتُم أنَّ أميرَ المُؤمِنين قد استُشهِدَ؟! قالوا: إنَّا لنعلَمُ أنَّه لم يُقتَلْ، ولا يموتُ حتَّى يسوقَ العَرَبَ بسَيفِه وسَوطِه، كما قادهم بحُجَّتِه وبُرهانِه، وإنَّه ليَسمَعُ النَّجوى، ويَعرِفُ تحتَ الدِّثارِ الثَّقيلِ، ويَلمَعُ في الظَّلامِ كما يَلمَعُ السَّيفُ الصَّقيلُ الحُسامُ) [157] ((المقالات والفرق)) (ص: 21). .
وكان من هؤلاء السَّبَئيَّةِ رجُلٌ اسمُه رُشَيدٌ الهَجَريُّ، الذي صرَّح بمُعتَقَدِه أمامَ عامِرٍ الشَّعبيِّ.
قال ابنُ حِبَّانَ: (كان يؤمِنُ بالرَّجعةِ، قال الشَّعبيُّ: دخَلتُ عليه يومًا فقال: خرَجْتُ حاجًّا فقُلتُ: لأعهَدَنَّ بأميرِ المُؤمِنين عَهدًا، فأتيتُ بيتَ عَليٍّ عليه السَّلامُ، فقُلتُ لإنسانٍ: استأذِنْ لي على أميرِ المُؤمِنين، قال: أوليس قد مات؟! قلتُ: قد مات فيكم، واللَّهِ إنَّه ليتنفَّسُ الآن تنَفُّسَ الحَيِّ! فقال: أما إذ عرَفْتَ سِرَّ آلِ محمَّدٍ فادخُلْ، قال: فدخَلْتُ على أميرِ المُؤمِنين وأنبَأَني بأشياءَ تكونُ، فقال له الشَّعبيُّ: إن كنتَ كاذِبًا فلعَنَك اللَّهُ! وبلغ الخبرُ زيادًا، فبعث إلى رُشَيدٍ الهَجَريِّ، فقَطَع لِسانَه، وصَلَبه على بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ) [158] ((المجروحين)) لابن حبان (1/298). ويُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (2/52). .
وقال الدَّارَقُطنيُّ: (رُشَيدٌ الهَجَريُّ من الشِّيعةِ، أدرك عَليَّ بنَ أبي طالبٍ، ولم يكُنْ مستقيمًا في مَذهَبِه) [159] ((المؤتلف والمختلف)) (2/ 1066).
وذكَره الطُّوسيُّ الشِّيعيُّ ضِمنَ أصحابِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه [160] ((رجال الطوسي)) (ص: 41). .
ويعتَبِرُ بعضُ الشِّيعةِ رُشَيدًا الهَجَريَّ من أبوابِ الأئمَّةِ، والبابُ عِندَهم هو حَلقةُ الوَصلِ بَيْنَ الشِّيعةِ والإمامِ، قالوا: كان رُشيدٌ بابًا للحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهما [161] يُنظر: ((العلويون فدائيو الشيعة المجهولون)) لعلي عزيز العلوي (ص: 31). .
وقد قال برَجعةِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه بَعدَ موتِه بَعضُ فِرَقِ الشِّيعةِ، كالإماميَّةِ الاثنَي عَشريَّة.
قال محمَّد رضا المظَفَّر: (إنَّ الذي تذهَبُ إليه الإماميَّةُ أخذًا بما جاء عن آلِ البيتِ عليهم السَّلامُ أنَّ اللَّهَ تعالى يُعيدُ قومًا من الأمواتِ إلى الدُّنيا في صُوَرِهم التي كانوا عليها، فيُعِزُّ فريقًا ويُذِلُّ فريقًا آخَرَ، ويُديلُ المحِقِّين من المُبطِلين والمظلومين منهم من الظَّالِمين، وذلك عِندَ قيامِ مَهديِّ آلِ محمَّدٍ عليه وعليهم أفضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، ولا يرجعُ إلَّا مَن علَتْ درجتُه في الإيمانِ، أو مَن بلغ من الفسادِ، ثُمَّ يصيرون بَعدَ ذلك إلى الموتِ، ومِن بعدِه إلى النُّشورِ، وما يستحِقُّونه من الثَّوابِ أو العِقابِ، كما حكى اللَّهُ تعالى في قرآنِه الكريمِ، تمنَّى هؤلاء المرتجِعين الذين لم يَصلُحوا بالارتجاعِ، فنالوا مَقْتَ اللَّهِ أن يخرُجوا ثالثًا لعلَّهم يُصلِحون: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ[غافر:11] ) [162] ((عقائد الإمامية)) (ص: 67، 68). .
والتَّفسيرُ الصَّحيحُ للآيةِ التي استدَلَّ بها المظَفَّرُ: ما رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قولُه: (هي مِثلُ التي في البَقَرةِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28] كانوا أمواتًا في أصلابِ آبائِهم، ثُمَّ أخرجَهم فأحياهم، ثُمَّ يميتُهم، ثُمَّ يحييهم بَعدَ الموتِ) [163] يُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (5/347). .
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (كنتُم أمواتًا قبلَ أن يَخلُقَكم فهذه مِيتةٌ، ثُمَّ أحياكم فهذه حياةٌ، ثُمَّ يميتُكم فتُرجَعون إلى القُبورِ، فهذه مِيتةٌ أُخرى، ثُمَّ يبعَثُكم يومَ القيامةِ، فهذه حياةٌ، فهما مِيتتانِ وحياتانِ، فهو كقولِه: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 28] ) [164] يُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (5/347). .
وروى القُمِّيُّ بسَنَدِه إلى أبي عبدِ اللَّهِ أنَّه فسَّر قَولَه تعالى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: 42] بالرَّجعةِ، وقال: صيحةُ القائِمِ من السَّماءِ، ذلك يومُ الخروجِ، قال هي: الرَّجعةُ [165] ((تفسير القمي)) (2/327). .
وقال القُمِّيُّ: (حَدَّثني أبي عن ابنِ أبي عُمَيرٍ عن المُفَضَّلِ عن أبي عبدِ اللَّهِ عليه السَّلامُ في قولِه تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا [النمل:82] قال: ليس أحدٌ من المُؤمِنين قُتِل إلَّا يرجِعُ حتَّى يموتَ، ولا يرجِعُ إلَّا مَن محَضَ الإيمانَ مَحْضًا، ومَن مَحَض الكُفرَ مَحْضًا) [166] ((تفسير القمي)) (2/130/131). .
وهذه التَّفاسيرُ لتلك الآياتِ غيرُ صحيحةٍ، بل إنَّ كثيرًا من تفاسيرِ الشِّيعةِ لا تَذكُرُ ذلك [167] يُنظر مَثَلًا تفسيرُ الآياتِ المذكورةِ في: ((تفسير مجمع البيان)) للطَّبرسيِّ الشِّيعيِّ، ((تفسير الميزان)) للطباطبائي الشِّيعيِّ. .
قال أحمد أمين عن ابنِ سَبَأٍ: (أمَّا الرَّجعةُ فقد بدأَ قولَه بأنَّ محمَّدًا يرجِعُ، وكان ممَّا قاله: العَجَبُ ممَّن يُصَدِّقُ أنَّ عيسى يرجِعُ، ويُكذِّبُ أنَّ محمَّدًا يرجِعُ، ثُمَّ نراه تحوَّلَ -ولا ندري لأيِّ سَبَبٍ- إلى القولِ بأنَّ عَليًّا يرجِعُ! وقال ابنُ حزمٍ: إنَّ ابنَ سَبَأٍ قال -لمَّا قُتِل عَليٌّ- لو أتيتُموني بدماغِه ألفَ مَرَّةٍ ما صَدَّقْنا موتَه، ولا يموتُ حتَّى يملأَ الأرضَ عَدلًا كما مُلِئَت جَورًا، وفِكرةُ الرَّجعةِ هذه أخذها ابنُ سَبَأٍ من اليهوديَّةِ؛ فعندهم أنَّ النَّبيَّ إلياسَ عليه السَّلامُ صَعِد إلى السَّماءِ، وسيعودُ فيعيدُ الدِّينَ والقانونَ، ووُجِدَت الفِكرةُ في النَّصرانيَّةِ أيضًا في عُصورِها الأُولى) [168] ((فجر الإسلام)) (ص: 269، 270). .
5- ادَّعى ابنُ سَبَأٍ أنَّ عَليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه هو دابَّةُ الأرضِ، وأنَّه هو الذي خَلَق الخَلقَ وبَسَط الرِّزقَ:
قال القُمِّيُّ: (أمَّا قَولُه: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً إلى قولِه: بِآيَاتِنَا [النمل:82] ؛ فإنَّه حدَّثني أبي عن ابنِ أبي عُمَيرٍ عن أبي بصيرٍ عن أبي عبدِ اللَّهِ عليه السَّلامُ، قال: انتهى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أميرِ المُؤمِنين وهو نائمٌ في المسجِدِ، قد جمَع رَملًا، ووضَع رأسَه عليه، فحرَّكه برِجْلِه، ثُمَّ قال له: قُمْ يا دابَّةَ اللَّهِ، فقال رجلٌ من أصحابِه: يا رسولَ اللَّهِ، أيُسَمِّي بعضُنا بعضًا بهذا الاسمِ؟ فقال: لا واللَّهِ، ما هو إلَّا له خاصَّةً، وهو الدَّابَّةُ التي ذكَر اللَّهُ في كتابِه: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] ، ثُمَّ قال: يا عَليُّ، إذا كان آخِرُ الزَّمانِ أخرَجَك اللَّهُ في أحسَنِ صُورةٍ ومعك مِيسَمٌ [169] المِيسَمُ: المِكواةُ أو الشَّيءُ الذي يُوسَمُ به الدَّوابُّ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (13/114)، ((القاموس المحيط)) للفيرزابادي (4/188). تَسِمُ به أعداءَك!) [170] ((تفسير القمي)) (2/130، 131). .
وروى القُمِّيُّ أيضًا في تفسيرِه عن أبي عبدِ اللَّهِ قال: (قال رجُلٌ لعمَّارِ بنِ ياسرٍ، يا أبا اليَقظانِ، آيةٌ في كتابِ اللَّهِ أفسَدَت قلبي، قال عمَّارٌ: وأيَّةُ آيةٍ هي؟ فقال: هذه الآيةُ: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] . فأيَّةُ دابَّةِ الأرضِ هذه؟ قال عمَّارٌ: واللَّهِ، ما أجلِسُ ولا آكُلُ ولا أشرَبُ حتَّى أريكَها، فجاء عمَّارٌ مع الرَّجُلِ إلى أميرِ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنه وهو يأكُلُ تمرًا وزُبدًا، فقال: يا أبا اليَقظانِ هَلُمَّ، فجَلَس عمَّارٌ يأكُلُ معه، فتعجَّب الرَّجُلُ منه، فلمَّا قام عمَّارٌ قال الرَّجُلُ: سُبحانَ اللَّهِ! حلَفْتَ أنَّك لا تأكُلُ ولا تَشرَبُ حتَّى تُرينيها، قال عمَّارٌ: أريتُكها إنْ كُنتَ تَعقِلُ!) [171] ((تفسير القمي)) (2/131). ويُنظر: ((مجمع البيان في تفسير القرآن)) للطبرسي الشيعي (4/234). .
وروى ابنُ عساكِرَ عن الصَّادِقِ عن آبائِه عن جابِرٍ قال: (لمَّا بويعَ عَليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه خَطَب النَّاسَ فقام إليه عبدُ اللَّهِ بنُ سَبَأٍ، فقال له: أنت دابَّةُ الأرضِ، فقال له: اتَّقِ اللَّهَ، فقال له: أنت المَلِكُ! فقال: اتَّقِ اللَّهَ، فقال له: أنت خلَقْتَ الخَلقَ وبسَطْتَ الرِّزقَ، فأمَرَ بقَتلِه، فاجتمَعَت الرَّافِضةُ فقالت: دَعْه وانْفِه) [172] ((تاريخ دمشق)) (29/ 9). .
6- قالت السَّبَئيَّةُ أتباعُ ابنِ سَبَأٍ: إنَّهم لا يموتونَ، وإنَّما يطيرون بَعدَ مماتِهم، وسُمُّوا بـ (الطَّيَّارةِ).
قال ابنُ طاهِرٍ المَقدِسيُّ: (أمَّا السَّبئيَّةُ فإنَّهم يُقالُ لهم: الطَّيَّارةُ، يَزعُمون أنَّهم لا يموتون، وإنَّما موتُهم طَيرانُ نُفوسِهم في الغَلَسِ) [173] ((البدء والتاريخ)) (5/129). .
ولقد استخدم بعضُ مُؤَرِّخي الشِّيعةِ هذه التَّسميةَ في تجريحِ الرُّواةِ.
قال الطُّوسيُّ الشِّيعيُّ في ترجمةِ نَصرِ بنِ صباحٍ البَلخيِّ: (لَقِيَ جِلَّةَ مَن كان في عصرِه من المشايخِ والعُلَماءِ، وروى عنهم، إلَّا أنَّه قيل: كان من الطَّيَّارةِ، غالٍ) [174] ((رجال الطوسي)) (ص: 515). .
ونَصرُ بنُ الصَّباحِ هذا عدَّه الماماقانيُّ من أئمَّةِ الشِّيعةِ الذين صنَّفوا في مَعرفةِ الرِّجالِ، وقال الماماقانيُّ: (من تتبَّع الرِّجالَ يَظهَرُ له أنَّ المشايِخَ قد أكثَروا من النَّقلِ عنه على وَجهِ الاعتمادِ، وقد بلَغ إلى حَدٍّ لا مزيدَ عليه) [175] ((مقياس الهداية ملحق تنقيح المقال)) (ص: 121). .
7- قال قومٌ من السَّبَئيَّةِ بانتقالِ رُوحِ القُدُسِ في الأئمَّةِ، وقالوا: (بتناسُخِ الأرواحِ):
قال ابنُ طاهِرٍ المَقدِسيُّ: (ومن الطَّيَّارةِ أي: السَّبَئيَّةِ قومٌ يَزعُمون أنَّ رُوحَ القُدُسِ كانت في النَّبيِّ كما كانت في عيسى، ثُمَّ انتقَلَت إلى عَليٍّ، ثُمَّ إلى الحَسَنِ، ثُمَّ إلى الحُسَينِ، ثُمَّ كذلك في الأئمَّةِ، وعامَّةُ هؤلاء يقولون بالتَّناسُخِ والرَّجعةِ) [176] ((البدء والتاريخ)) (5/129). .
وعقيدةُ تناسُخِ الأرواحِ لا يقولُ بها جميعُ الشِّيعةِ، ولعَلَّ كتابَ الحَسَنِ بنِ موسى النُّوبَختيِّ المسَمَّى بـ (الرَّدِّ على أصحابِ التَّناسُخِ) صنَّفه في الرَّدِّ على هذه الفِرْقةِ الشِّيعيَّةِ الغاليةِ [177] يُنظر: ((مقدمة فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 17). ، ولعَلَّ هذه الفِرْقةَ قد انقرَضَت، وإنَّما المقصوُد بهذا بيانُ تأثيرِ عقائدِ عبدِ اللَّهِ بنِ سَبَأٍ في فِرَقِ الشِّيعةِ مِن بَعدِه. 
8- قالت السَّبَئيَّةُ: هُدينا بوَحيٍ ضَلَّ عنه النَّاسُ، وعِلمٍ خَفِيَ عن عامَّةِ النَّاسِ.
9- قالت السَّبَئيَّةُ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَتَم تِسعةَ أعشارِ الوَحيِ.
ادَّعى السَّبَئيَّةُ تخصيصَ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه وأهلِ بيتِه بعُلومٍ سِرِّيَّةٍ خاصَّةٍ، لا يعلَمُها غيرُهم.
وقد صارت هذه الدَّعوى من أصولِ الاعتقادِ عِندَ الشِّيعةِ.
وقد نفى ذلك عَليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه؛ قال أبو الطُّفَيلِ عامِرُ بنُ واثِلةَ: (كنتُ عِندَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، فأتاه رجُلٌ، فقال: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسِرُّ إليك؟ قال: فغَضِب، وقال: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسِرُّ إليَّ شيئًا يَكتُمُه النَّاسَ) [178] رواه مسلم (1978). .
وسُئِل عَليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: هل عندَكم شيءٌ ممَّا ليس في القرآنِ وممَّا ليس عِندَ النَّاسِ؟ فنفى ذلك نفيًا قاطعًا [179] رواه البخاري (6903) عن أبي جُحَيفةَ قال: سألتُ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عنه: هل عندَكم شيءٌ ما ليس في القرآنِ؟ وقال مرَّةً: ما ليس عندَ النَّاسِ. فقال: (والذي فَلَق الحَبَّ وبَرَأ النَّسَمةَ، ما عندنا إلَّا ما في القرآنِ، إلَّا فَهمًا يُعطى رجُلٌ في كتابِه، وما في الصَّحيفةِ. قُلتُ: وما في الصَّحيفةِ؟ قال: العَقلُ، وفَكاكُ الأسيرِ، وألَّا يُقتَلَ مُسلِمٌ بكافِرٍ). . بل إنَّه خَطَب على المِنبَرِ وبيَّنَ للنَّاسِ أنَّه ليس عندَه شيءٌ يتلوه غيرُ القرآنِ الكريمِ [180] رواه البخاري (7300)، ومسلم (1370) من حديثِ يزيدَ التَّيميِّ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البُخاريِّ: (خَطَبَنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه على مِنبَرٍ مِن آجُرٍّ، وعليه سَيفٌ فيه صحيفةٌ مُعَلَّقةٌ، فقال: واللهِ ما عندَنا من كتابٍ يُقرَأُ إلَّا كتابُ اللهِ، وما في هذه الصَّحيفةِ. فنَشَرها فإذا فيها أسنانُ الإبِلِ، وإذا فيها: المدينةُ حَرَمٌ مِن عَيرٍ إلى كذا، فمَن أحدث فيها حدَثًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والنَّاسِ أجمعين، لا يَقبَلُ اللهُ منه صرفًا ولا عدلًا. وإذا فيه: ذِمَّةُ المسلِمين واحِدةٌ يسعى بها أدناهم، فمَن أخفَرَ مُسلِمًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والنَّاسِ أجمعين، لا يَقبَلُ اللهُ منه صرفًا ولا عدلًا. وإذا فيها: من والى قومًا بغيرِ إذنِ مَواليه فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والنَّاسِ أجمعين، لا يَقبَلُ اللهُ منه صرفًا ولا عدلًا).
وقد ردَّ على مقالتِهم هذه أحَدُ أئمَّةِ أهلِ البَيتِ، وهو الحسَنُ بنُ محمَّدِ بنِ الحنَفيَّةِ حفيدُ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، في رسالةِ الإرجاءِ، مُبَيِّنًا بُطلانَ تلك الدَّعوى [181] قال ابنُ حَجَرٍ: الحَسَنُ بنُ محمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ الهاشِميُّ، أبو محمَّدٍ المدَنيُّ، وأبوه يُعرَفُ بابنِ الحَنَفيَّةِ... المرادُ بالإرجاءِ الذي تكلَّم الحسَنُ بنُ محمَّدٍ فيه غيرُ الإرجاءِ الذي يَعيبُه أهلُ السُّنَّةِ المتعلِّقِ بالإيمانِ، وذلك أنِّي وَقفتُ على كتابِ الحَسَنِ بنِ محمَّدِ المذكورِ ... فذكر كلامًا كثيرًا في الموعِظةِ والوَصِيَّةِ لكتابِ اللهِ واتِّباعِ ما فيه، وذَكَر اعتقادَه، ثمَّ قال في آخِرِه: "ونوالي أبا بكرٍ وعُمَرَ رضيَ اللهُ تعالى عنهما، ونجاهِدُ فيهما؛ لأنَّهما لم تقتَتِلْ عليهما الأمَّةُ ولم تَشُكَّ في أمرِهما، ونرجئُ مَن بعدهما ممَّن دخل في الفتنةِ فنَكِلُ أمرَهم إلى اللهِ" إلى آخِرِ الكلامِ؛ فمعنى الذي تكلَّم فيه الحَسَنُ أنَّه كان يرى عَدَمَ القَطعِ على إحدى الطَّائفتينِ المُقتَتِلتينِ في الفِتنةِ بكونِه مخطِئًا أو مصيبًا، وكان يرى أنَّه يرجئُ الأمرَ فيهما، وأمَّا الإرجاءُ الذي تعلَّق بالإيمانِ فلم يُعَرِّجْ عليه). ((تهذيب التهذيب)) (2/32). ، فقال: (مِن خُصومةِ هذه الشَّبيبةِ التي أدرَكْنا أن يقولوا: هُدِينا بوَحيٍ ضَلَّ عنه النَّاسُ، وعِلمٍ خَفِيٍّ، ويَزعُمون أنَّ نبيَّ اللَّهِ كتَم تسعةَ أعشارِ القُرآنِ. ولو كان نبيُّ اللَّهِ كاتمًا شيئًا ممَّا أنزَل اللَّهُ، لكَتَم شأنَ امرأةِ زَيدٍ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ [الأحزاب: 37] ، وقولَه: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم: 1] ، وقَولَه: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء: 74] ) [182] يُنظر: ((شرح نهج البلاغة)) لابن أبي الحديد (2/309)، وقد رواها محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في كتاب ((الإيمان)) (ص: 145). ويُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (2/426). .
10- قالت السَّبَئيَّةُ: إنَّ عَليًّا في السَّحابِ، وإنَّ الرَّعدَ صَوتُه، والبَرقَ سَوطُه.
قالوا بأنَّ عَليًّا: (هو الذي يجيءُ في السَّحابِ، والرَّعدُ صَوتُه، والبَرقُ تبسُّمُه) [183] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/174). .
وكان بعضُ غُلاةِ الشِّيعةِ إذا سَمِع صَوتَ الرَّعدِ يقولُ: عليك السَّلامُ يا أميرَ المُؤمِنينَ [184] يُنظر: ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 234). وقد ذكَر هذا المعتقَدَ عن بعضِ الشِّيعةِ: ابنُ أبي الحديدِ في كتابِه ((شرح نهج البلاغة)) (2/309). !

انظر أيضا: