الموسوعة الحديثية


- استَعمَلَ علينا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بحِمصَ سَعيدَ بنَ عامِرِ بنِ جُذَيمٍ الجُمَحيَّ، فلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ حِمصَ قال: يا أهلَ حِمصَ، كيف وَجَدتُم عامِلَكم؟ فشَكَوْه إليه، وكان يُقالُ لِأهلِ حِمصَ: الكُوَيْفةُ الصُّغرى؛ لِشِكايَتِهمُ العُمالَ، قالوا: نَشكو أربَعًا: لا يَخرُجُ إلينا حتى يَتَعالى النَّهارُ. قال: أعظِمْ بها. قال: وماذا؟ قالوا: لا يُجيبُ أحَدًا بلَيلٍ. قال: وعَظيمةٌ. قال: وماذا؟ قالوا: وله يَومٌ في الشَّهرِ لا يَخرُجُ فيه إلينا. قال: عَظيمةٌ. قال: وماذا؟ قالوا: يَغنَظُ الغُنظةَ بَينَ الأيَّامِ، يَعني تَأخُذُه مَوتةٌ. قال: فجَمَعَ عُمَرُ بَينَهم وبَينَه، وقال: اللَّهمَّ لا تُفَيِّلْ رَأْيي فيه اليَومَ، ما تَشكونَ منه؟ قالوا: لا يَخرُجُ إلينا حتى يَتَعالى النَّهارُ. قال: واللهِ إنْ كُنتُ لَأكرَهُ ذِكرَه، ليس لِأهلي خادِمٌ، فأعجِنُ عَجيني، ثم أجلِسُ حتى يَختَمِرَ، ثم أخبِزُ خُبزي، ثم أتَوضَّأُ، ثم أخرُجُ إليهم. فقال: ما تَشكونَ منه؟ قالوا: لا يُجيبُ أحَدًا بلَيلٍ. قال: ما تَقولُ؟ قال: إنْ كُنتُ لَأكرَهُ ذِكرَه، إنِّي جَعَلتُ النَّهارَ لهم، وجَعَلتُ اللَّيلَ للهِ عزَّ وجلَّ. قال: وما تَشكونَ؟ قالوا: إنَّ له يَومًا في الشَّهرِ لا يَخرُجُ إلينا فيه. قال: ما تَقولُ؟ قال: ليس لي خادِمٌ يَغسِلُ ثيابي، ولا لي ثيابٌ أُبَدِّلُها، فأجلِسُ حتى تَجِفَّ، ثم أدْلُكُها، ثم أخرُجُ إليهم مِن آخِرِ النَّهارِ. قال: ما تَشكونَ منه؟ قالوا: يَغنَظُ الغُنظةَ بَينَ الأيَّامِ. قال: شَهِدتُ مَصرَعَ خُبَيبٍ الأنصاريِّ بمَكةَ، وقد بَضَّعتْ قُرَيشٌ لَحمَه، ثم حَمَلوه على جَذَعةٍ، فقالوا: أتُحِبُّ أنَّ مُحمدًا مَكانَكَ؟ فقال: واللهِ ما أُحِبُّ أنِّي في أهلي ووَلَدي وأنَّ مُحمدًا شِيكَ بشَوكةٍ. ثم نادَى: يا مُحمدُ. فما ذَكَرتُ ذلك اليَومَ وتَركي نُصرَتَه في تلك الحالِ وأنا مُشرِكٌ لا أُؤمِنُ باللهِ العَظيمِ إلَّا ظَنَنتُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَغفِرُ لي بذلك الذَّنبِ أبَدًا. قال: فتُصيبُني تلك الغُنظةُ. فقال عُمَرُ: الحَمدُ للهِ الذي لم يُفَيِّلْ فِراسَتي. فبَعَثَ إليه بألْفِ دينارٍ، وقال: استَعِنْ بها على أمْرِكَ. فقالتِ امرَأتُه: الحَمدُ للهِ الذي أغْنانا عن خِدمَتِكَ. فقالَ لها: فهل لكِ في خَيرٍ مِن ذلك؟ نَدفَعُها إلى مَن يَأْتينا بها أحوَجَ ما نَكونُ إليها. قالتْ: نَعَمْ. فدَعا رَجُلًا مِن أهلِ بَيتِه يَثِقُ به، فصَرَّها صُرَرًا ثم قال: انطَلِقْ بهذه إلى أرمَلةِ آلِ فُلانٍ، وإلى يَتيمِ آلِ فُلانٍ، وإلى مِسكينِ آلِ فُلانٍ، وإلى مُبتَلى آلِ فُلانٍ. فبَقيَتْ منها ذَهبيَّةٌ، فقال: أنْفِقي هذه. ثم عادَ إلى عَمَلِه، فقالتْ: ألَا تَشتَري لنا خادِمًا؟ ما فَعَلَ ذلكَ المالُ؟ قال: سيأْتيكِ أحوَجَ ما تَكونينَ.
الراوي : خالد بن معدان | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء
الصفحة أو الرقم : 1/310 | خلاصة حكم المحدث : مرسل وموقوف ووصله مرفوعا يزيد بن أبي زيادة وموسى الصغير عن عبد الرحمن بن سابط
التخريج : أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/245)