موسوعة الفرق

الفرَعُ الثَّالثُ: عَقيدةُ التَّناسُخِ


جاءَ في كِتابِ (الجَلوةِ): (وإذا شِئتَ أرسَلتُه تَكرارًا ثانيًا وثالثًا إلى هذا العالمِ أو غَيرِه بتَناسُخِ الأرواحِ) [1790] يُنظر: ((مذهب اليزيدية)) لسهيل قاشا (ص: 172). .
واعتِقادُهم هذا شَبيهٌ باعتِقادِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ، وهو يَجري على أربَعِ دَرَجاتٍ:
الرَّسخُ: انتِقالُ النَّفسِ النَّاطِقةِ من بَدَنِ الإنسانِ إلى أجسامٍ نَباتيَّةٍ.
المَسخُ: انتِقالُ النَّفسِ النَّاطِقةِ من بَدَنِ الإنسانِ إلى أجسامٍ حَيَوانيَّةٍ.
الفَسخُ: انتِقالُ النَّفسِ النَّاطِقةِ من بَدَنِ الإنسانِ إلى الجَماداتِ.
النَّسخُ: انتِقالُ النَّفسِ النَّاطِقةِ من بَدَنِ الإنسانِ إلى بَدَنِ إنسانٍ آخَرَ.
ويَرَونَ أنَّ الأرواحَ قِسمانِ:
الأرواحُ الشِّرِّيرةُ:
تَحُلُّ في أجسامِ الحَيَواناتِ الخَبيثةِ والسَّيِّئةِ كالكَلبِ والحِمارِ والخِنزيرِ. وحُلولُ الأرواحِ الشِّرِّيرةِ في هذه الأجسامِ نَوعٌ من تَعذيبِها.
الأرواحُ الخَيِّرةُ:
تَحومُ في الفضاءِ لتَكشِفَ للأحياءِ أسرارَ الكائِناتِ والمُغَيَّباتِ؛ لأنَّها دائِمًا في تَماسٍّ مَعَ العالمِ؛ لذا يُمضي اليزيديُّون ليلتَهم حَولَ جُثمانِ فَقيدِهم، مَشغولينَ بالعِبادةِ والتَّضَرُّعِ والصَّلاةِ؛ فلعَلَّهم يَرَونَ المَيِّتَ في مَنامِهم، فيُخبرُهم على أيِّ صورةٍ سيَعودُ، وفي جِسمِ أيِّ فِئةٍ ستَحُلُّ رُوحُه، وهل هو في عِدادِ أهلِ جَهَنَّمَ أم في عِدادِ أهلِ الجَنَّةِ؟ فإن رَأوا أنَّ رُوحَ مَيِّتِهم ستَذهَبُ إلى رُوحِ إنسانٍ شَكَروا اللهَ، أمَّا إذا كانت روحُه ستَحُلُّ في جِسمِ حَيَوانٍ، فإنَّ أفرادَ أسرَتِه يَبذُلونَ ما في وُسعِهم من خَيراتٍ، ويَعمِدونَ إلى النُّذورِ؛ فلعَلَّ روحَ المَيِّتِ تَنتَقِلُ من جِسمِ الحَيَوانِ إلى جِسمِ إنسانٍ آخَرَ [1791] ولهذا يَعمِدُ كَثيرٌ من أغنياءِ اليَزيديَّةِ -إذا لم يَكُنْ لهم ورَثةٌ شَرعيُّونَ- إلى إخفاءِ أموالِهم في أماكِنَ مُعَيَّنةٍ، ويَضَعونَ عليها عَلاماتٍ فارِقةً، حتَّى إذا عادوا إلى الحَياةِ ثانيةً نَعِموا بهذه الأموالِ مَرَّةً أخرى. يُنظر: ((اليزيديون واقعهم تاريخهم معتقداتهم)) للتوبخي (ص: 89).
وهم يَعتَقِدونَ أنَّ الخَليفةَ العَبَّاسيَّ (المُقتَدِرَ باللهِ) قَتَل مَنصورًا الحَلَّاجَ -وهو مُقدَّسٌ عِندَهم- فسَكَبوا على رَأسِه ماءً. فسَرَت روحُه فوقَ الماءِ. وبالأمرِ المُقدَّرِ أخَذَت أختُ الحَلَّاجِ جَرَّتَها لتَملأَها ماءً. وفي طَريقِ عَودَتِها عَطِشَتِ الفتاةُ فشَرِبَت منَ الجَرَّةِ، فتَسَرَّبَت روحُ أخيها إلى جِسمِها عن طَريقِ مَعِدَتِها، وحَمَلت فورًا من غَيرِ أن تُدرِكَ سَبَبَ حَملِها، حتَّى وضَعَت وَليدَها، فكان الوليدُ شَبيهًا بأخيها الحَلَّاجِ. ولمَّا كان المَولودُ من حَيثُ نَسَبُه وحَسَبُه ابنَ الحَلَّاجِ، فقدِ استَدَلُّوا على حُدوثِ التَّناسُخِ؛ ولهذا فهم لا يَشرَبونَ الماءَ منَ الكوزِ أوِ الإبريقِ، ولا من أيِّ وِعاءٍ ذي مِقبَضٍ، ولا ممَّا شَرِبَ غَريبٌ بَعضَه [1792] يُنظر: ((اليزيديون واقعهم تاريخهم معتقداتهم)) للتوبخي (ص: 88). .

انظر أيضا: