موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّادِسُ: خُرافاتُ البَريلَويَّةِ


ما من قَومٍ مُبتَدِعةٍ إلَّا ولهم قِصَصٌ وحِكاياتٌ، وخُرافاتٌ وتُرَّهاتٌ لتَقويةِ باطِلِهم وتَأييدِ كَذِبِهم؛ كَي لا يَبقَوا بلا سَنَدٍ واستِنادٍ، ولا يُطعَنوا بعَدَمِ الدَّليلِ والبُرهانِ، فعِندَما لا يَجِدونَ مُستَنَدًا لاعتِقاداتِهم وأعمالِهم في الكِتابِ والسُّنَّةِ يَلتَجِئونَ إلى الأساطيرِ الوهميَّةِ والقِصَصِ الخَياليَّةِ، والحِكاياتِ الكاذِبةِ، ويُقدِّمونَها كَأدِلَّةٍ قاطِعةٍ وبَراهينَ ساطِعةٍ.
ومن ذلك أنَّ البَريلَويَّ وهو يُحاوِلُ إثباتَ قُدرةِ الأولياءِ على إغاثةِ المُستَغيثينَ وإجابةِ المُضطَرِّينَ وكَشفِ الضُّرِّ عنِ المكروبينَ، وعِلمِهم بالغَيبِ وحُضورِهم في كُلِّ مَكانٍ وزَمانٍ، قال قَبلُ عن أحَدِ المَشايِخِ إنَّه: (إذا ناداه مُريدُه أجابَه من مَسيرةِ سَنةٍ أو أكثَرَ) [1717] ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/182). .
وممَّا قاله من حِكاياتٍ: (إنَّ سَيِّدي مَديَن بنَ أحمَدَ الأشبونيَّ رَضِيَ اللهُ عنه كان يَتَوضَّأُ، فخَلعَ نَعلَه ورَماها إلى بلادِ المَشرِقِ، وبَعدَ سَنةٍ كامِلةٍ حَضَرَ إليه شَخصٌ ومَعَه تلك النَّعلُ، فقال: يا شَيخي كانت ابنَتي في باديةٍ فتَعَرَّضَ لها رَجُلٌ قَبيحٌ بالسُّوءِ، وابنَتي لم تَكُنْ تَعرِفُ اسمَ شَيخي ومُرشِدي، فنادَت يا شَيخَ أبي، لاحِظْني. فلم تَنطِقْ بهذا الاسمِ ولم تَستَغِثْ به حتَّى جاءَته هذه النَّعلُ وضَرَبَت رَأسَ ذلك الرَّجُلِ، فنَجَتِ ابنَتي) [1718] ((أنوار الانتباه)) (1/182). .
ورَوى بَعضُهم أنَّ فقيرًا كان يَتَسَوَّلُ، فمَرَّةً وقَف على بابِ دُكَّانٍ وسَأل صاحِبَه أن يُعطيَه نُقودًا فامتَنَعَ، فقال له الفقيرُ: أعطِني وإلَّا قَلبتُ عليك الدُّكَّانَ، فاجتَمَعَ النَّاسُ وازدَحَموا ومَرَّ عليهم رَجُلٌ ذو قَلبٍ، فقال للرَّاعي: أعطِه وإلَّا انقَلبَ عليك الدُّكَّانُ، فقال له النَّاسُ: أيُّها الشَّيخُ، إنَّه رَجُلٌ جاهلٌ ومُخالِفٌ للشَّريعةِ كَيف يَستَطيعُ أن يَعمَلَ هذا؟ فقال الشَّيخُ: أنا شاهَدتُ وعايَنتُ قَلبَه فوجَدتُه خاليًا، فألقَيتُ نَظرةَ المُشاهَدةِ في باطِنِ شَيخِه فوجَدتُه خاليًا أيضًا، ولكِنَّني تَعَمَّقتُ وشاهَدتُ شَيخَ شَيخِه فوجَدتُه منَ العارِفينَ المُتَصَرِّفينَ، ورَأيتُه واقِفًا لأن يُنطِقَ هذا الفقيرَ ويُنَفِّذَ ما نَطَقَ به ويَقلبَ على الرَّاعي دُكَّانَه [1719] يُنظر: ((ملفوظات مجدد المائة الحاضرة)) لابن البريلوي (ص: 189). .
ومنَ الحِكاياتِ العَجيبةِ الغَريبةِ التي ذَكَروها لبَيانِ قوَّةِ الأولياءِ وقُدرَتِهم: أنَّ شَخصًا حَضَرَ أبا يَزيدَ البِسطاميَّ فرَآه يَنظُرُ إلى السَّماءِ وعَيناه تَفيضُ منَ الدَّمعِ، فقال له: يا سَيِّدي، ما هذا؟ قال: ذَهَبتُ إلى العَرشِ وطَويتُ الأرضَ بقدَمٍ واحِدةٍ، فإذا أراه -أي العَرشَ- فاغرًا فاهُ في طَلَبِ الرَّبِّ كالذِّئبِ الجائِعِ، فاستَغرَبتُ وصَرَختُ: إنَّ هذا لشَيءٌ عُجابٌ! يُخبرُنا الرَّحمَنُ أنَّه على العَرشِ استَوى، فجِئتُ إليك في طَلَبِه، وأجِدُك في هذا الحالِ؟ فأجابَ العَرشُ: أمَّا ما قاله لي جَلَّ وعَلا: يا عَرشُ، إن تُريدُ أن تَجِدَني فاطلُبْني في قَلبِ بايزيدَ [1720] يُنظر: ((حكايات رضوية)) لمحمد خليل. .
وحَكى البَريلَويُّ أنَّ رَجُلينِ عالِمينِ حضرَا إلى وليٍّ من أولياءِ اللهِ وصَلَّيا خَلفَه، فقَرَأ القُرآنَ في الصَّلاةِ ولم يُرَتِّلْه تَرتيلًا ولم يُخرِجِ الحُروفَ من مَخارِجِها بحَسبِ قَواعِدِ التَّجويدِ، فخَطَرَ في بالِهما: أيُّ وليٍّ هذا الذي لا يَعرِفُ قَواعِدَ التَّجويدِ؟ فعَرَف الوليُّ ما اختَلجَ في صُدورِهما ولكِنَّه سَكَتَ، ثمَّ ذَهَبَ الرَّجُلانِ العالِمانِ إلى النَّهرِ للغُسلِ وخَلَعا أثوابَهما ووضَعاها على الحافَةِ، فجاءَ أسَدٌ وجَمع الأثوابَ وجَلسَ عليها فانتَظَرا ذَهابَه حتَّى يَخرُجا ولكِنَّه لم يَذهَبْ، وبلغَ الخَبَرُ إلى الوليِّ فأسرَعَ إلى الأسَدِ وأخَذَه من أذُنِه ولطَمَه على خَدِّه الأيمَنِ، فولَّى وجهَه ثمَّ لطَمَه على الجانِبِ الأيسَرِ فانحَرَف يَمينًا، ثمَّ قال: قَوَّمتُمُ اللِّسانَ -إشارةً إلى عِلمِهم بالتَّجويدِ والقِراءةِ- ونَحنُ قَوَّمنا القُلوبَ، وكان هذا رَدًّا منه على ما خَطَرَ في قُلوبِهما [1721] يُنظر: ((حكايات رضوية)) نقلًا عن ((الملفوظات)) لابن البريلوي (ص: 110). .
وقال البَريلَويُّ: (إنَّ حَضرةَ سَيِّدي سَيِّد مُحَمَّد كان من أكابرِ العُلماءِ وأجِلَّةِ الأشرافِ، ومَرَّةً كان يَمشي في الطَّريقِ إذ رَأى حَضرةَ نَصير الدِّينِ مَحمود شراغ الدِّهْلَويِّ على مَركَبِه، فبادَرَ إليه وقَبَّل رُكبَتَه، فقال له شَيخُه: اذهَبْ إلى الأسفَلِ أيُّها الشَّريفُ! فقَبَّل السَّيِّدُ مُحَمَّد رِجلَه، فقال له شَيخُه: وإلى الأسفَلِ منها أيضًا، فتَأخَّرَ السَّيِّدُ مُحَمَّد وقَبَّل الأرضَ التي مَسَّتها سَنابِكُ خَيلِ شَيخِه، فاستَغرَبَ النَّاسُ وقالوا: إنَّ سَيِّدًا جَليلًا مِثلَ الشَّريفِ مُحَمَّد قَبَّل رُكبةَ الشَّيخِ فلم يَرضَ، فقَبَّل رِجلَه فلم يَرضَ، ثمَّ قَبَّل سَنابِكَ خَيلِه ولم يَرضَ، حتَّى قَبَّل الأرضَ أمامَه! فقال السَّيِّد مُحَمَّد: إنَّ النَّاسَ لا يَعلمونَ ما أعطاني شَيخي بهذه القُبُلاتِ؛ فإنَّني لمَّا قَبَّلتُ رُكبَته انكَشَف عليَّ عالمُ النَّاسوتِ، ولمَّا قَبَّلتُ رِجلَه انكَشَف عليَّ عالمُ المَلكوتِ، وعِندَ تَقبيلي سَنابِكَ الخَيلِ تَنوَّر عليَّ عالمَ الجَبَروتِ، ولمَّا قَبَّلتُ الأرضَ ظَهَرَ عليَّ كُلُّ ما كان في عالمِ اللَّاهوتِ) [1722] ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) لابن البريلوي (ص: 63- 64). .
وممَّا حَكَوه: (إنَّ شَقيقينِ قُتِلا في سَبيلِ اللهِ، وكان لهما أخٌ ثالثٌ، فلمَّا جاءَ يَومُ زَواجِه حَضَرا في حَفلةِ الزِّفافِ، فاستَغرَبَ الأخُ الثَّالثُ حُضورَهما، فقالا: نَحنُ أُرسِلْنا خِصِّيصًا للمُشارَكةِ في هذه الحَفلةِ، ثمَّ هما اللَّذانِ تولَّيا عُقدةَ النِّكاحِ، وبَعدَ ذلك رَجَعا إلى مَكانِهما) [1723] يُنظر: ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((أنوار الانتباه)) للبريلوي (ص: 116). .
وحَكى أحَدُ البَريلَويِّين: (أنَّ امرَأةً صالحةً ماتَت في جونبور -مَدينةٍ من مُدُنِ الهندِ- ورَجُلٌ غَيرُ صالحٍ من جونبور ماتَ في المَدينةِ المُنَوَّرةِ ودُفِنَ في البَقيعِ، فانتَقَلتِ المَرأةُ الصَّالحةُ من جونبور إلى البَقيعِ، ونُقِلت جُثَّةُ ذلك الرَّجُلِ من قَبرِه إلى قَبرِها جونبور، ورَأى النَّاسُ هذه الحادِثةَ بأعيُنِهم) [1724] يُنظر: ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار خان (ص: 26). .
وأيضًا: (إنَّ الشَّيخَ الجيلانيَّ نَظَرَ نَظرةَ الغَضَبِ إلى الحِدَأةِ فسَقَطَت مَيِّتةً، ثمَّ لمَسَها فطارَت حَيَّةً) [1725] يُنظر: ((باغ فردوس)) للرضوى (ص: 27). .
وممَّا حَكاه البَريلَويُّ: (إنَّ عارِفًا كان يَبحَثُ عن شَيخٍ ومُرشِدٍ كامِلٍ، ولكِنَّه لم يهتَدِ إليه؛ ففي ليلةٍ منَ اللَّيالي قال للَّه عَزَّ وجَلَّ: وعِزَّتِك وجَلالِك صَباحًا أبايِعُ أوَّلَ شَخصٍ ألتَقيه بَعدَ طُلوعِ الفجرِ، فلمَّا أصبَحَ خَرَجَ عن بَيتِه ووقَف في الطَّريقِ يَنتَظِرُ أوَّلَ القادِمينَ، وكان سارِقًا حامِلًا لسَرِقَتِه، فبادَرَ إليه وأخَذَ يَدَه وقال له: مُدَّ يَدَك أبايِعْك، فاستَغرَبَ السَّارِقُ وتَحَيَّرَ وأرادَ أن يهرُبَ منه ولكِنَّه لم يَترُكْه حتَّى اضطُرَّ إلى أن يَبوحَ بحَقيقَتِه، فقال له: يا شَيخُ، ماذا تُريدُ منِّي وأنا سارِقٌ مَشهورٌ ونَهَّابٌ مَعروفٌ، وهذا هو مالُ السَّرِقةِ على غارِبي؟
قال له العارِفُ: مَهما يَكُنْ منَ الأمرِ فأنا حَلَفتُ باللهِ أن لا ألتَقيَ بأوَّلِ شَخصٍ في الصَّباحِ إلَّا وأبايِعُه على يَدِه، فأنتَ أوَّلُ مَن لقيتُه، فلا أترُكُك إلَّا أن تَأخُذَ بَيعَتي، ولمَّا رَأى الخَضِرَ عليه السَّلامُ هذه الواقِعةَ ورَأى صِدقَ الطَّالِبِ حَضَرَ وأخَذَ بيَدِ السَّارِقِ وخَلعَ عليه جَميعَ مَراتِبِ الوِلايةِ ومَناصِبِها، واجتازَ به المَقاماتِ وأدخَله في الكَلِمةِ وهو واقِفٌ على مَوقِفِه، ثمَّ أمَرَه أن يَأخُذَ بَيعةَ ذلك العارِفِ) [1726] يُنظر: ((حكايات رضوية)) للبركاتي (ص: 71- 72). .
فهؤلاء همُ القَومُ وتلك هي حُجَجُهم وبَراهينُهم في إثباتِ العَقائِدِ الدِّينيَّةِ والأحكامِ الشَّرعيَّةِ! ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم: 30] .


انظر أيضا: