موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالثُ: مُؤَلَّفاتُه


لم يَكتُبِ البَريلَويُّ كِتابًا، وإنَّما كَتَبَ جَوابَ الاستِفتاءاتِ التي طَلبَها أتباعُه، فكان يَرُدُّ على أسئِلتِهم ويُفتيهم بمَعونةِ أشخاصٍ عَديدينَ كانوا موظَّفينَ عِندَه لأداءِ هذه المُهمَّةِ، وكان على كُلِّ واحِدٍ منهم أن يَجمَعَ الجَوابَ من كُتُبٍ فِقهيَّةٍ، ورُبَّما كانت تُرسَلُ الاستِفتاءاتُ إلى مُدُنٍ أخرى لوُجودِ بَعضِ الكُتُبِ وبَعضِ المُساعِدينَ فيها هناكَ، فكانوا يُرسِلونَ الأجوِبةَ بالعِباراتِ المَنقولةِ من بُطونِ تلك الكُتُبِ، ثمَّ تُجمَعُ هذه الفتاوى كُلُّها وتُقدَّمُ، والبَريلَويُّ يَجمَعُها ويَصوغُها في عِباراتِه، وعلى ذلك يوجَدُ فيها الإبهامُ الشَّديدُ والتَّعقيدُ والإغلاقُ، وقد تورِثُ الحَيرةَ والاضطِرابَ، ثمَّ قَبل إرسالِها إلى المُستَفتي كان يُطلِقُ عليها الاسمَ المُناسِبَ للاستِفتاءِ وتاريخَ كِتابةِ الفتوى، وبَعدَ نَقلِها عِندَه يُرسِلُها إلى المُستَفتينَ، وأحيانًا كان يَطبَعُها قَبلَ أن يُرسِلَها بصورةِ كُتَيِّبٍ أو رِسالةٍ، فهذا كان دَأبَه.
وكان يُراعي في الفتاوى أن يَكونَ فيها الرَّدُّ على المُتَمَسِّكينَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والدُّعاةِ إلى التَّوحيدِ الخالصِ، فقَلَمُه مُنطَلِقٌ في عَرضِ المَسائِلِ المُخالفةِ من قَبيلِ عِلمِ الغَيبِ للرُّسُلِ والأولياءِ والصَّالحينَ، وكَونِهم من جِنسِ البَشَرِ أوِ النُّورِ، ووُجودِهم في بُقعةٍ من بقاعِ العالمِ في آنٍ واحِدٍ، وحَياتِهم بَعدَ وفاتِهم، وتَصَرُّفاتِهمُ الكامِلةِ في عالمِ الكَونِ والتَّدبيرِ أثناءَ وُجودِهم في الدُّنيا وغيابِهم منها، وقُدرَتِهم واختياراتِهم، والتَّبَرُّكِ بالقُبورِ وأصحابِها وبالتَّماثيلِ والصُّوَرِ، وغَيرِ ذلك منَ المَسائِلِ. وعلى ذلك يُمكِنُ القَولُ بأنَّه لم يُؤَلِّفْ إلَّا ما يُعَدُّ على أصابعِ اليَدَينِ؛ لأنَّ جُلَّ فتاويه -إن لم تَكُنْ كُلُّها- يَدورُ حَولَ هذه المَواضيعِ الواحِدةِ المُتَّحِدةِ في ذاتِها وجَوهَرِها.
وأمَّا قَولُ البَريلَويِّين: إنَّ كُتُبَه تَتَجاوزُ الألفَ، فهذا ممَّا لا يَثبتُ بالدَّليلِ؛ لأنَّ لفظةَ الكِتابِ لا تَشمَلُ إلَّا فتاواه التي طُبِعَت في ثَماني مُجَلَّداتٍ فقَط، والباقي كُلُّها رَسائِلُ وكُتَيِّباتٌ لا يُطلقُ عليها اسمُ الكِتابِ.
وقد فرَّقَ جُلَّ هذه الرَّسائِلِ -إن لم يَكُنْ كُلُّها- في تلك المُجَلَّداتِ وأدرَجَها فيها، ومِثالُ ذلك في (الفتاوى الرضويَّة): المُجَلَّدِ الأوَّلِ من تلك المُجَلَّداتِ الثَّمانيةِ، فهو مُشتَمِلٌ على إحدى وثَلاثينَ رِسالةً. وهذه هي أسماؤها:
1- الجودُ الحُلوُ. 2- تَنويرُ القِنديلِ. 3- آخِرُ مَسائِلَ. 4- النَّميقةُ الأنقى. 5- رَحب السَّاعة. 6- هبةُ الحَميرِ. 7- مَسائِلُ أُخَرُ. 8- فَصلُ البئرِ. 9- بارِقُ النُّورِ. 10- ارتِفاعُ الحُجُبِ. 11- الطِّرسُ المُعَدَّلُ. 12- الطَّلبةُ البَديعةُ. 13- بَرَكاتُ السَّماءِ. 14- عَطاءُ النَّبيِّ. 15- النُّورُ والنَّورقُ. 16- سَمع النَّدر. 17- حُسنُ التَّعَمُّمِ. 18- بابُ العَقائِدِ. 19- قَوانينُ العُلماءِ. 20- الجَدُّ السَّعيدُ. 21- مَجلى الشَّمعةِ. 22- تِبيانُ الوُضوءِ. 23- الدِّقَّةُ والتِّبيانُ. 24- النَّهيُ النَّميرُ. 25- الظَّفَرُ لقَولِ زُفَرَ. 26- المَطَرُ السَّعيدُ. 27- لُمَعُ الأحكامِ. 28-المُعَلِّم الطِّراز. 29- نبه القَوم. 30- أحلى الأعلامِ. 31- الأحكامُ والعِلَلُ.
وبَعضُ هذه الرَّسائِلِ لا تَشتَمِلُ إلَّا على سِتِّ صَفحاتٍ، مِثلُ (تَنويرِ القِنديل) وسَبعِ صَفحاتٍ، مِثلُ (تِبيانِ الضَّوءِ)، والبَعضُ على ثَماني صَفحاتٍ، مِثلُ (لُمَعِ الأحكامِ) و(هبةِ الحَميرِ) [1425] يُنظر: ((المجمل المعدد لتأليفات المجدد)) للبهاري. .
ومنَ السَّهلِ أن يُقالَ عن شَخصٍ: إنَّه ألَّف ألفَ كِتابٍ أو ألفينِ أو أكثَرَ؛ لأنَّ هذا القَولَ لا يَحتاجُ إلى كَثيرِ العناءِ والكُلفةِ، ومنَ الصَّعبِ أن يَثبُتَ له ذلك، فهكذا القَومُ.
والبَريلَويُّ نَفسُه ذَكَرَ في إحدى كُتَيِّباتِه بأنَّه ألَّف حتَّى ذلك اليَومِ مِائَتَي كِتابٍ [1426] يُنظر: ((الدولة المكية)) لأحمد رضا خان (ص: 10). ، وعَلَّقَ ابنُه عليه بأنَّ هذا العَدَدَ منَ الكُتُبِ هي التي كُتِبَت رَدًّا على الوهَّابيَّةِ، وأمَّا جَميعُ مُؤَلَّفاتِه فتَبلُغُ أربَعَمِائةِ كِتابٍ، منها فتاواه [1427] يُنظر: ((الدولة المكية)) لأحمد رضا خان (ص: 11). .
وأمَّا تِلميذُه وخَليفتُه البَهاريُّ فهو لم يَستَطِعْ أن يَعُدَّ أكثَرَ من ثَلاثمِائةٍ وخَمسينَ رِسالةً وكُتَيِّبًا [1428] يُنظر: ((المجمل المعدد)). .
ثمَّ اجتَمَعَ القَومُ واستَقَلُّوا هذا العَدَد وحاولوا أن يُجازِفوا ويُبالغوا، فلم يَستَطِعْ آخِرُهم أن يَعُدَّ أكثَرَ من ثَمانيةٍ وأربَعينَ وخَمسِمِائةِ كِتابٍ [1429] يُنظر: ((أنوار رضا)) لكيشنز (ص: 325). .
وكَثيرٌ ممَّا عَدُّوه من جُملةِ مُؤَلَّفاتِه عِبارةٌ عن حَواشٍ على كُتُبِ الحَديثِ والفِقهِ وغَيرِها. فذَكَروا جَميعَ الكُتُبِ التي كانت في مَكتَبةِ البَريلَويِّ وكان يُلقي عليها النَّظَراتِ، أو يُعَلِّقُ على صَفحةٍ أو صَفحَتَينِ منها، فجَعَلوها مُصَنَّفًا لمجدِّدِهم، وعَدُّوها في جُملةِ كُتُبه ومُؤَلَّفاتِه، ولم يُطبَعْ منها ولا كُتَيِّبٌ فضلًا عن كِتابٍ، وعلى هذا يُمكِنُ لكُلِّ شَخصٍ أن يَدَّعيَ ويَقولَ: إنَّ مُؤَلَّفاتِه تَجاوزَتِ الآلافَ المُؤَلَّفةَ!
وقد كَتَبَ مُحَمَّد بُرهان الحَقِّ القادِريُّ الرَّضويُّ: (إنَّ البَريلَويَّ كان مُجَدِّدًا، والدَّليلُ عليه أنَّه كَتَب الفتاوى التي لا يوجَدُ لها مَثيلٌ في المُتَقدِّمينَ والمُتَأخِّرينَ، والتي تَشتَمِلُ على اثنَي عَشَر مُجَلَّدًا ضَخمًا في القَطعِ الكَبيرِ، ويَشتَمِلُ كُلُّ مُجَلَّدٍ على أكثَرَ من ألفِ صَفحةٍ) [1430] ((البريلوي)) للبستوي (ص: 180). والمَعروفُ أنَّه لم يُطبَعْ منها إلَّا ثَماني مُجَلَّداتٍ، ثمَّ إنَّ أيَّ واحِدٍ من تلك المُجَلَّداتِ لا يَشتَمِلُ على ألفِ صَفحةٍ فضلًا عنِ الزِّيادةِ عليها.
كما أنَّ كُتَّابَ تلك الفتاوى كانوا مُتَعَدِّدينَ من أنصارِ البَريلَويِّ وأتباعِه وتَلامِذَتِه ومُؤَيِّديه، كما سَبَقَتِ الإشارةُ إلى ذلك، وقد ذَكَرَ البَهاريُّ في غَيرِ مَوضِعٍ من كِتابِه الذي كَتَبَه في تَرجَمَتِه أنَّ البَريلَويَّ كانت تَأتيه الاستِفساراتُ فيوزِّعُها على الكُتَّابِ للجَوابِ عليها، كما أقَرَّ بذلك البَريلَويُّ نَفسُه في خِطابِه الذي كَتَبَه إلى أحَدِ المُعاصِرينَ والمُناصِرينَ له، فقال فيه: (إنَّني أرسِلُ إليكُم شَخصًا الذي هو مُدَرِّسٌ في مَدرَسَتي ومُعينٌ لي في الفتاوى) [1431] يُنظر: ((حياة أعلى حضرة)) (ص: 244). .
وكَتَبَ في خِطابٍ آخَرَ: (وصَلتُ إلى عِباراتِ التَّفاسيرِ وأحتاجُ إلى ما بَقيَ منها. وما هو تَفسيرُ روحِ المَعاني؟ ومَن هو الآلوسيُّ البَغداديُّ؟ لا أعرِفُه، إن كان لدَيك تَرجَمتُه أو شَيءٌ منَ الكِتابِ فأخبِرْني بذلك، وأيضًا أحتاجُ إلى عِباراتِ هَوامِشِ المَدارِك) [1432] يُنظر: ((حياة أعلى حضرة)) للبهاري (ص: 266). .
وقال أيضًا: (أحتاجُ في مَسألةِ الخِضابِ إلى العِباراتِ الكامِلةِ من هذه الكُتُبِ، إن كانت هذه الكُتُبُ مَوجودةً عِندَك فبها ونِعمَت، وإلَّا فاذهَبْ إلى «بتنه» وانقُلْها من هناكَ: «التَّاتارخانيَّة»، «زاد المَعاد»، «عقد الفريد» لابن عبد ربِّه، «نُزهة المَجالسِ»، «صُراح»، «قاموس»، «تاج العَروسِ»، «خالق زمخشرَي»، «مَغرِب» مطرزي، «مِصباح المُنير»، «مُختار الصِّحاح»، «نِهاية ابن الأثيرِ»، «مَجمَع البحار»، «تُحفة مَخزَنِ الأدويةِ»، «تَذكِرة أنطاكي»، «جامِع ابنِ بَيطارٍ»، «أنوار الأسرار»، «مرقاة»، «أشِعَّة اللُّمعات»، «فتح الباري»، «عُمدة القاري»، «إرشاد السَّاري»، «شَرح مُسلمٍ للنَّوويِّ»، «شَرح شَمائِل التِّرمِذيِّ»، «شَرح شِرعة الإسلامِ»، «شَرح مَشارِقِ الأنوارِ»، «تَيسير السِّراج المُنير»، و«شَرح الجامِع الصَّغير») [1433] يُنظر: ((حياة أعلى حضرة)) للبهاري (ص: 281). .
وبهذا كُلِّه يَثبُتُ أنَّه لم يَكُنْ وحيدًا في كِتابةِ هذه الفتاوى، بل كان له المُساعِدونَ والأعوانُ الذينَ كانوا يُحَقِّقونَ المَسائِلَ ثمَّ يُقدِّمونَها إليه، فكان يُرسِلُها إلى المُستَفتينَ ويَنسُبُها إلى نَفسِه.

انظر أيضا: