موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّامنُ: بَعضُ مُخالَفاتِ الطَّريقةِ الخَتميَّةِ والرَّدُّ عليها


المخالفةُ الأولى:
زَعم مُحَمَّد عُثمان الميرغَنيُّ شَيخُ الطَّريقةِ الخَتميَّةِ أنَّ اللهَ كَلَّمَه وقال له: أنتَ تَذكِرةٌ لعِبادي، ومَن أرادَ الوُصولَ إليَّ فليَتَّخِذْك سَبيلًا، وأنَّ مَن أحَبَّك وتَعلَّق بك هو الذي خَلَدَ في رَحمَتي، ومَن أبغَضَك وتَباعَد عنك فهو الظَّالمُ المَعدودُ له العَذابُ الأليمُ. وهذا في كِتابِ (الطَّريقةُ الخَتميَّةُ) بعُنوانِ (الهباتُ المُقتَبَسةُ) [1360] ((الطريقة الختمية)) للمرغني (ص: 76). .
الرَّدُّ على ذلك من وُجوهٍ:
أولًا: كَيف يَدَّعي الميرغَنيُّ أنَّ اللهَ تعالى كَلَّمه وخاطَبَه، واللهُ عزَّ وجَلَّ يقولُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51] ؟
ثانيًا: كَيف يَدَّعي الميرغَنيُّ أنَّه هو السَّبيلُ إلى اللهِ، وقد بَيَّنَ اللهُ في كِتابه الكَريمِ أنَّ سَبيلَ التَّقَرُّبِ إليه عن طَريقِ كِتابِه وسُنَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس الطَّريقةَ الخَتميَّةَ؟! حَيثُ يَقولُ اللهُ تعالى: وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام: 155] ، ويقولُ اللهُ تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر: 7] ، وقد جاءَ في الحَديثِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تَرَكتُ فيكُم ما إنِ اعتَصَمتُم به فلن تَضِلُّوا أبَدًا: كِتابَ اللهِ، وسُنَّةَ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [1361] أخرجه الحاكم (318)، والبيهقي (20833). صَحَّحه ابنُ حَزمٍ في ((أصول الأحكامِ)) (2/251)، والألبانيُّ في ((صَحيح الترغيب)) (40)، وجَوَّد إسنادَه ابنُ باز في ((مَجموع الفتاوى)) (24/182)، وقال الحاكِم: سائِرُ رواتِه مُتَّفَقٌ عليهم، وهذا الحَديثُ لخُطبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَّفَقٌ على إخراجِه في الصَّحيحِ... وله شاهدٌ. . وقد بَيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ كُلَّ طَريقٍ غَيرِ هذا فهو من طُرُقِ الشَّيطانِ، صوفيًّا كان أو غَيرَه، وذلك في قَولِه تعالى: وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153] ، وقد بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه في تَفسيرِها أنَّه خَطَّ خطًّا مُستَقيمًا على الأرضِ، وقال: ((هذا سَبيلُ اللهِ، وهذه السُّبُلُ، على كُلِّ سَبيلٍ منها شَيطانٌ يَدعو إليه)) [1362] أخرجه أحمد (4142)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11174)، والدارمي (202). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (4/281)، وحَسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (848)، وصحَّح إسنادَه القرطبي في ((التفسير)) (9/116)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (6/89)، وحَسَّنه الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (165)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (4142).
ثالثًا: كَيف يَتَجَرَّأُ الميرغَنيُّ ويَزعُمُ أنَّ اللهَ تعالى قال له: مَن أحَبَّك يخلُدُ في رَحمَتي، ومَن أبغَضَك فله العَذابُ الأليمُ؟!
فهذه دَعوى مُخالِفةٌ للكِتابِ والسُّنَّةِ، واللهُ تعالى يَقولُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 31 - 32] . فهَل هو ودَعوتُه قائِمةٌ حَقًّا على اتِّباعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أم أنَّهم يَسيرونَ بغَيرِ طَريقَتِه ويَستَنُّونَ بغَيرِ سُنَّتِه وهَديه؟!
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [المائدة: 18] .
فقولُ اللهِ تعالى: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ أي: ليس الأمرُ كما زَعَمتُم أنَّكُم أبناءُ اللهِ وأحِبَّاؤُه، بل أنتُم خَلقٌ خَلقَكُمُ اللهُ مِثلَما خَلقَ سائِرَ بَني آدَمَ.
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ أي: يُعامِلُكُم كما يُعامِلُ سائِرَ البَشَرِ، فتَجري عليكُم بحِكمَتِه أحكامُه الدَّائِرةُ بَينَ عَدلِه وفَضلِه، ولا تَغتَرُّوا بتلك الأمانيِّ، وبمَنازِلِ أنبيائِكُم وصالِحي آبائِكُم عِندَ البارِي؛ فإنَّهم إنَّما نالوا القُربَ منه بطاعَتِه، واجتِنابِ مَعصيَتِه، فجِدُّوا أنتُم أيضًا في ذلك.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: وللهِ عزَّ وجلَّ وحدَه أمْرُ تدبيرِ جميعِ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ وما بينَهما وتَصريفِه، فهم خلقُه ومِلكُه، وإليه وَحدَه سُبحانَه المرجِعُ والمنقلَبُ في الآخرةِ، فأيُّ شيءٍ خصَّكم بهذه الفضيلةِ التي تَزْعُمونها، وأنتم مِنْ جُملةِ المماليكِ، ومِن جُملةِ مَن يرجِعُ إلى اللهِ في الدَّارِ الآخِرَةِ، فيُجازيكم بأعمالِكم؟ واعلَموا يا مَن تدَّعونَ أنَّكم أبناءُ الله وأحبَّاؤه أنَّه إنْ عذَّبكم بذُنُوبِكم لم يكُن لكم منه مانِعٌ، ولا لكم عنه دافِعٌ؛ لأنَّه لا نسَبَ بينَه وبينَ أحدٍ فيُحابِيَه، فاتَّقوا غَضَبَه وعِقابَه، ولا تغترُّوا بالأمانيِّ وفَضائِلِ الآباءِ [1363] يُنظر: ((التفسير المحرر – سورة المائدة)) (ص: 134، 135). .



انظر أيضا: