موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: الخَتميَّةُ امتِدادٌ لتاريخِ الشِّيعةِ


يَعتَبرُ الخَتميَّةُ أنفُسَهمُ امتِدادًا لهذا التَّاريخِ الشِّيعيِّ المُتَمَثِّلِ في وِلايةِ أهلِ البَيتِ، بل يَدَّعونَ أنَّ تاريخَ السُّودانِ كُلَّه ما هو إلَّا استِجابةٌ لوِلايةِ أهلِ البَيتِ وتَحقيقٌ لها. وقد قال أحَدُ الخَتميَّةِ: (إنَّ الأئِمَّةَ من آلِ البَيتِ همُ الزُّعَماءُ والقادةُ وأهلُ الكَلمةِ والتَّوجيهِ في كُلِّ المَمالكِ السُّودانيَّةِ، ويَضرِبُ مَثَلًا لذلك بمُلوكِ «العبدلاب»، الذينَ هم أشرافٌ من آلِ البَيتِ، ثمَّ دَولةِ المَهديَّةِ والتي قامَت على يَدِ إمامٍ من آلِ البَيتِ، وهو مُحَمَّد أحمَد المَهديُّ) [1348] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) لخير الدين (ص: 17). .
وإذا كان المَهديُّ من آلِ البَيتِ وزَعامَتُه زَعامةٌ مَشروعةٌ، فلماذا إذَنْ حارَبَه أسلافُ المراغِنةِ؟ وأعانوا على تَقويضِ دَولتِه؟ أمَّا زَعامةُ آلِ الميرغَنيِّ فإنَّها عِندَ الخَتميَّةِ مُتَمَيِّزةٌ عن كُلِّ هذه الزَّعاماتِ. ويَزعُمونَ أنَّ زَعامةَ آلِ الميرغَنيِّ مِن أميَزِ وأعظَمِ الزَّعاماتِ في مُعظَمِ بقاعِ السُّودانِ من قَبلِ الفتحِ التُّركيِّ وإلى يَومِنا هذا، وأنَّه كان لهذه الأسرةِ الطَّاهرةِ من آلِ البَيتِ النَّصيبُ الأوفى في تَشكيلِ وصياغةِ تاريخِ السُّودانِ الحَديثِ [1349] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) لخير الدين (ص: 23). .
وقد حاول الخَتميَّةُ المُعاصِرونَ أن يُضفوا على زُعَمائِهم ما أضفاه الشِّيعةُ على أئِمَّتِهم من إيجابِ الطَّاعةِ الكامِلةِ لهم، والموالاةِ المُطلَقةِ، ورَبَطوا ذلك بحَرَكَتِهمُ السِّياسيَّةِ والأحزابِ التي أنشؤوها، فدَورُ الإمامِ أوِ الزَّعيمِ يَتَمَثَّلُ في الرِّعايةِ وتَوجيهِ الأتباعِ والمُريدينَ في الأمورِ الجَسيمةِ، ودَورُه شَبيهٌ بدَورِ عُلماءِ الشِّيعةِ أوِ المَرجِعيَّةِ الشِّيعيَّةِ في إيرانَ [1350] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) (ص: 24). .
بل إنَّ الرِّعايةَ كما قال أحَدُ الخَتميَّةِ: تَلزَمُ بالنِّسبةِ للخَتميَّةِ من جِهَتَينِ: من جِهةِ أنَّ الخَتميَّةَ طَريقةٌ صوفيَّةٌ، والتَّصَوُّفُ يَقومُ على الالتِزامِ ببَيعةٍ مُعَيَّنةٍ توجِبُ طاعةً تامَّةً للشَّيخِ المُرشِدِ، ومن ثَمَّ فإنَّ طاعةَ أهلِ الطَّريقةِ الخَتميَّةِ لشَيخِهم أمرٌ لا بُدَّ منه، وإن لم يَلتَزِموا بذلك خَرَجوا عنِ الطَّريقةِ إلى غَيرِ رَجعةٍ.
والجِهةُ الثَّانيةُ: المُتَمَثِّلةُ في وُجوبِ وِلايةِ أهلِ البَيتِ عليهم كَبَقيَّةِ المُسلمينَ، على اعتِبارِ أنَّ السَّادةَ المراغِنةَ من أهلِ البَيتِ، فتَجِبُ طاعَتُهم تَبَعًا لهذا. وقد حاول زُعَماءُ الخَتميَّةِ استِغلالَ هذه المَفاهيمِ في المَجالِ السِّياسيِّ، فألزَموا أتباعَهم بنَهجٍ سياسيٍّ مُعَيَّنٍ، والالتِزامَ بمَواقِفِهم في الجَوانِبِ السِّياسيَّةِ، ورَبَطوا ذلك كُلَّه بعَقدِ البَيعةِ، فمَن لم يَتَّبعْ زُعَماءَ الطَّائِفةِ في مَواقِفِهمُ السِّياسيَّةِ سَقَطَت بَيعَتُه، بل يُخشى عليه سوءُ الخاتِمةِ؛ فممَّا قالوه: (تَجِبُ الإشارةُ في هذا المَجالِ إلى أنَّ أيَّ خَتميٍّ انضَمَّ إلى أيِّ حِزبٍ آخَرَ غَيرِ الاتِّحاديِّ الدِّيمُقراطيِّ أو صَوَّت له في الانتِخاباتِ أو عارَضَ قياداتِ الحِزبِ الاتِّحاديِّ الدِّيمُقراطيِّ فإنَّ بَيعَتَه ساقِطةٌ ويُخشى عليه سوءُ الخاتِمةِ؛ لقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما رَواه الحاكِمُ: ((أهلُ بَيتي أمانٌ لأمَّتي منَ الاختِلافِ، فإذا خالفَتْهم قَبيلةٌ منَ العَرَبِ اختَلفوا فصاروا حِزبَ إبليسَ [1351] أخرجه الحاكم (4715) باختلافٍ يسيرٍ، وأخرجه الطبراني (11/196) (11479) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (9/65) بنحوه بذكر "الموالاة لقريش" قال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (1249): ضعيفٌ جِدًّا، وذَكَر ابنُ حبان في ((المجروحين)) (1/347) أنَّ فيه خليد بنَ دعلج، كان كَثيرَ الخَطَأِ فيما يَروي، يُعجِبُني التَّنَكُّبُ عن حَديثِه إذا انفرَدَ، وذَكَر ابنُ عَساكِر في ((تاريخ دمشق)) (8/217) أنَّ فيه إسحاقَ بنَ سَعيدِ بنِ الأركونِ، قال أبو حاتِمٍ: ليس بثِقةٍ، وقال الدَّارَقُطنيُّ: مَتروكُ الحَديثِ، وذَكَرَ الذَّهَبيُّ في ((ميزان الاعتِدال)) (1/663) أنَّ فيه خليد بنَ دعلج، ضَعَّفه غَيرُ واحِدٍ. ) [1352] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) لمحمد خير (ص: 25). ، والحَديثُ لا يَصِحُّ.
فزَعيمُ الخَتميَّةِ كالإمامِ عِندَ الشِّيعةِ لا يُقدَّمُ على رَأيِه، ورَأيُه مُلزِمٌ لِمَن عَداه منَ القادةِ والسِّياسيِّينَ، ومن ثَمَّ عدَّ الخَتميَّةُ من مَلامِحِ الجُمهوريَّةِ الإسلاميَّةِ وُجودَ إمامٍ من أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ تَكونُ له الكَلِمةُ القاطِعةُ والرَّأيُ النِّهائيُّ في كُلِّ أمرٍ منَ الأمورِ، فقال بَعضُهم: يَجِبُ أن يوجَدَ من أئِمَّةِ البَيتِ مَن يَكونُ رَأيُه مُلزِمًا للسِّياسيِّينَ في كُلِّ أمرٍ منَ الأمورِ؛ لأنَّهم لا يَضِلُّونَ بنَصِّ القُرآنِ والسُّنَّةِ، وسَنَدُنا في ذلك وِلايةُ أهلِ البَيتِ التي أعلنَها الرَّسولُ وأخَذَ بها الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ [1353] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) لمحمد خير (ص: 152). .

انظر أيضا: