موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: التَّعريفُ بشَيخِ الطَّريقةِ الشَّاذِليَّةِ


هو تَقيُّ الدِّينِ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبدِ الجَبَّارِ المَغرِبيُّ، المَولودُ في بلدةِ غمارةَ في المَغرِبِ سَنةَ 571هـ [1021] يُنظر: ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله (ص: 47)، ((درة الأسرار)) لابن الصباغ (ص: 22)، ((أبو الحسن الشَّاذلي)) لبُوذينة (ص: 13-14). ويُنظر: ((البدر المنير على حزب الشَّاذلي الكبير)) لقاوقجي (ص: 24). .
وقدِ اختُلف في نَسَبِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ، فمُريدوه يَنسُبونَه إلى الأشرافِ ويَصِلونَ نَسَبَه إلى الحَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولو أنَّهم يَختَلِفونَ فيما بَينَهم في أسماءِ آبائِه، فالبَعضُ يَنسُبونَه إلى إدريسَ بنِ عبدِ اللهِ المُبايَعِ له ببلادِ المَغرِبِ [1022] يُنظر: ((جامع الأصول في الأولياء)) للكُمُشْخَانَوِي (ص: 115). وبعضُهم إلى غيرِه [1023] يُنظر: (لطائف المنن) لابن عطاء الله (ص: 135)، ((طبقات الأولياء)) لابن الملقن (ص: 459). ويُنظر: هامش ((نفحات الأنس)) للجامي (ص: 752) فقد جاء في بعض طبعاتِ هذا الكتابِ أنَّه حَسَنيٌّ وفي بعضِها: حُسَينيٌّ. .
قال الذَّهَبيُّ في تَرجَمةِ الشَّاذِليِّ: (عليُّ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبدِ الجَبَّارِ بنِ تَميمِ بنِ هُرمُزَ بنِ حاتِمِ بنِ قُصَيِّ بنِ يوسُفَ، أبو الحَسَنِ الشَّاذِليُّ، المَغرِبيُّ، الزَّاهِدُ، نَزيلُ الإسكَندَريَّةِ، وشَيخُ الطَّائِفةِ الشَّاذِليَّةِ. وقدِ انتَسَبَ في بَعضِ مُؤَلَّفاتِه في التَّصَوُّفِ إلى عليِّ بنِ أبي طالبٍ، فقال بَعدَ يوسُفَ المَذكورِ: ابنُ يوشَعَ بنِ ورَدَ بنِ بَطَّالِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أحمَدَ بنِ عيسى بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. وهذا نَسَبٌ مَجهولٌ لا يَصحُّ ولا يَثبُتُ، وكان الأَولى به تَركُه وتَركُ كَثيرٍ ممَّا قاله في تَواليفِه في الحَقيقةِ) [1024] ((تاريخ الإسلام)) (48/ 273). .
وذَكَرَ ابنُ عَطاءِ اللهِ السَّكَندَريُّ -وهو تِلميذُ أبي العَبَّاسِ المُرسي، والمُرسي هو تِلميذُ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ وخَليفتُه- أنَّ مَبدَأ ظُهورِه بشاذِلةَ، وهي قَريةٌ بالقُربِ من مَدينةِ تُونسَ، ولكِنَّ مَنشَأَه بالمَغرِبِ الأقصى فلم يُعرَفْ بالمَنشَأِ والمَولِدِ، بل نُسِبَ إلى مَبدَأِ ظُهورِه [1025] يُنظر: ((لطائف المنن)) لابن عطاء (ص: 135). .
وكان قد خَرَجَ من غمارةَ في حُدودِ سَنةِ 620ه، ودَخل تونسَ في طَريقِه إلى الحَجِّ، فلمَّا حَجَّ بَيتَ اللهِ الحَرامَ دَخَل بَغدادَ وبَدَأ يُفتِّشُ عنِ القُطبِ الصُّوفيِّ في عَصرِه -بحَسبِ زَعمِه- فقال له أبو الفتحِ الواسِطيُّ: (يا أبا الحَسَنِ، إنَّك تَبحَثُ عنِ القُطبِ بالعِراقِ، مَعَ أنَّ القُطبَ ببلادِك، ارجِعْ إلى بلادِك تَجِدْه) [1026] يُنظر: ((درة الأسرار)) لابن الصباغ (ص: 22). ، فرَجَعَ إلى بلادِه باحِثًا ومُفتِّشًا عنِ القُطبِ، يَسألُ عنِ المُقبِلِ والمُدَبِرِ والرَّاحِلِ والمُقيمِ إلى أنِ اجتَمَعَ به، وهو أبو مُحَمَّدٍ عبدُ السَّلامِ بنُ مشَيشٍ، الذي عُرِف بكراماتِه، وله نَصُّ صَلاةٍ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عُرِفت باسمِه (الصَّلاةُ المشَيشيَّةُ) [1027] يُنظر: ((أبو الحسن الشَّاذلي)) لبُوذينة (ص: 14) وما بعدها. ، قال الشَّاذِليُّ: (أتَيتُ إليه وهو ساكِنٌ مَغارةً برِباطِ رَأسِ جَبَلٍ، فاغتَسَلتُ في عَينٍ أسفلَ الجَبَلِ، وخَرَجتُ عن عِلمي وعَمَلي، وطَلعتُ إليه فقيرًا، وإذا به هابِطٌ إليَّ، فقال: مَرحَبًا يا عليُّ، وذَكَر نَسَبي إلى رَسولِ اللهِ، ثمَّ قال لي: يا عليُّ، طَلعتَ إلينا فقيرًا من عِلمِك وعَمَلِك، وأخَذتَ منَّا غِنى الدُّنيا والآخِرةِ، فأخَذَني منَ الدَّهَشِ فأقَمتُ عِندَه أيَّامًا إلى أن فتَحَ اللهُ عليَّ بَصيرَتي) [1028] يُنظر: ((جامع الأصول في الأولياء)) للكُمُشْخَانَوِي (ص: 116)، ((المدرسة الشَّاذليَّة وإمامها أبو الحسن الشَّاذليّ)) لمحمود (ص: 23). !
وبَعدَها أمَرَه ابنُ مُشيشٍ بالرُّجوعِ إلى تونسَ، فرَحَل إلى شاذِلةَ في تونسَ، وإلى جَبلِ زَغوانَ الذي قيل: إنَّه يَقَعُ في مُحيطِ شاذِلةَ، حَيثُ اعتَكَف للعِبادةِ، وهناكَ ارتَقى مَنازِلَ عاليةً، كَما تَزعُمُ الصُّوفيَّةُ.
قال مُحَمَّدُ بنُ عُثمانَ الحشائِشيُّ عن دُخولِ الشَّيخِ أبي الحَسَنِ لإفريقيَّةَ وحُلولِه بشاذِلةَ: (المَشهورُ المُتَعارَفُ أنَّه عِندَ حُلولِه بإفريقيَّةَ نَزَل بقَريةِ شاذِلةَ بأمرٍ من شَيخِه ابن مُشَيشٍ؛ ولذلك انتَسَبَ إليها، أمَّا مَوقِعُها فبالمَكانِ المَعروفِ بمُصَلَّى العيدَينِ بالقُربِ من ضَريحِ الوليِّ الصَّالحِ سَيِّدي عليٍّ الحَطَّابِ أحَدِ تَلاميذِ الشَّيخِ وأصحابِه. والمَشهورُ أنَّه أوَّلُ مَن صاحَبَه وأخَذَ عنه، وله مَعَه كَراماتٌ مَشهورةٌ) [1029] ((الدر الثمين)) (ص: 38). .
قال الشَّاذِليُّ: (كُنتُ في سِياحتي في مَبدَأِ أمري حَصَل لي تَرَدُّدٌ: هل ألزَمُ البَراريَ والقِفارَ للتَّفرُّغِ للطَّاعةِ والأذكارِ أو أرجِعُ إلى المَدائِنِ والدِّيارِ لصُحبةِ العُلماءِ والأخيارِ؟ فوُصِف لي وليٌّ هنالكَ، وكان برَأسِ جَبلٍ فصَعِدَت إليه، فما وصَلتُ إليه إلَّا ليلًا، فقُلتُ في نَفسي: لا أدخُلُ عليه في هذا الوقتِ، فسَمِعتُه يَقولُ من داخِل المَغارةِ: اللَّهمَّ إنَّ قَومًا سَألوك أن تُسَخِّرَ لهم خَلقَك، فسَخَّرتَ لهم خَلْقَك، فرَضوا منك بذلك، اللَّهمَّ وإنِّي أسألُك اعوِجاجَ الخَلقِ عليَّ حتَّى لا يَكونَ مَلجَئي إلَّا إليك. قال: فالتَفتُّ إلى نَفسي وقُلتُ: يا نَفسُ انظُري من أيِّ بحرٍ يَغتَرِفُ هذا الشَّيخُ. فلمَّا أصبَحتُ دَخَلتُ إليه فأُرعِبتُ من هَيبَتِه. فقُلت له: يا سَيِّدي كَيف حالُك؟ فقال: أشَكو إلى اللهِ من بَردِ الرِّضا والتَّسليمِ كَما تَشكو أنتَ من حَرِّ التَّدبيرِ والاختيارِ. فقُلتُ: يا سَيِّدي، أمَّا شَكوايَ من حَرِّ التَّدبيرِ والاختيارِ فقد ذُقتُه وأنا الآنَ فيه، وأمَّا شَكواك مَن بَردِ الرِّضا والتَّسليمِ، فلماذا؟
فقال: أخاف أن تَشغَلني حَلاوتُها عنِ اللهِ! قُلتُ: يا سَيِّدي، سَمِعتُك البارِحةَ تَقولُ: اللَّهمَّ إنَّ قَومًا سَألوك أن تُسَخِّرَ لهم خَلقَك، فسَخَّرتَ لهم خَلقَك، فرَضوا منك بذلك، اللَّهمَّ وإنِّي أسألُك اعوِجاجَ الخَلقِ عليَّ حتَّى لا يَكونَ مَلجَئي إلَّا إليك، فتَبَسَّمَ ثمَّ قال: يا بُنَيَّ، ما تَقولُ: سَخِّرْ لي خَلقَك، قُلْ: يا رَبِّ كُنْ لي، أتُرى إذا كان لك أيَفوتُك شَيءٌ؟ فما هذه الجِنايةُ؟) [1030] يُنظر: ((لطائف المنن)) (ص: 159، 160)، ((التنوير في إسقاط التدبير)) (ص: 29)، كلاهما لابن عطاء الله. .
وعلى هذا الجَبَلِ يَزعُمُ أتباعُه أنَّه ارتَقى مَنازِلَ، وتَخَطَّى مَراتِبَ حَيثُ نَبَعَت له عَينٌ تَجري بماءٍ عَذبٍ. ثمَّ بَدَأتِ المَلائِكةُ تَحُفُّ بأبي الحَسَنِ، بَعضُها يَسألُه فيُجيبُه، وبَعضُها يَسيرُ مَعَه، ثمَّ تَأتيه أرواحُ الأولياءِ زَرافاتٍ ووُحدانًا تَحُفُّ بأبي الحَسَن وتَتَبَرَّكُ به [1031] يُنظر: ((أبو الحسن الشَّاذلي)) لمحمود (ص: 33). ! وبَعدَ تَجاوُزِ هذه المَراتِبِ كُلِّها التي أهَّلَته لأن يُخاطِبَ الرَّبَّ بدونِ واسِطةٍ ولا مَلَكٍ، كَلَّمَه الرَّبُّ تَبارَكَ وتعالى كَما يَزعُمونَ، فقال له: يا عليُّ، اهبِطْ إلى النَّاسِ يَنتَفِعوا بك. فقال: يا رَبِّ أقِلْني منَ النَّاسِ فلا طاقةَ لي بمُخاطَبَتِهم. فقيل له: انزِلْ فقد أصحَبناك السَّلامةَ، ودَفَعْنا عنك الملامةَ. فقال: تَكِلُني إلى النَّاسِ آكُلُ مِن دُرَيهِماتِهم؟ فقيل له: أنفِقْ عَلِيُّ، وأنا المَليُّ، إن شِئتَ منَ الجَيبِ وإن شِئتَ منَ الغَيبِ! ونَزَل الشَّاذِليُّ رَضِيَ اللهُ عنه من على الجَبَلِ ليُغادِرَ شاذِلةَ، ويَستَقبِلَ مَرحَلةً جَديدةً، فقدِ انتَهَتِ المَرحَلةُ الأولى التي رَسَمَها له شَيخُه. وفيما يَتَعلَّقُ بنَسَبِه إلى شاذِلةَ، قال: قُلتُ: يا رَبِّ، لمَ سَمَّيتَني بالشَّاذِليِّ، ولستُ بشاذِليٍّ؟ فقيل لي: يا عليُّ، ما سَمَّيتُك بالشَّاذِليِّ وإنَّما أنتَ الشَّاذُّ لي، بتَشديدِ الذَّالِ المُعجَمةِ، يَعني: المُفرَدَ لخِدمَتي ومَحَبَّتي [1032] يُنظر: ((أبو الحسن الشَّاذلي)) لمحمود (ص: 35). .
ورُويَ أنَّه قيل لأبي الحَسَنِ: مَن هو شَيخُك؟ فقال: (كُنتُ أنتَسِبُ إلى الشَّيخِ عبدِ السَّلامِ بنِ مُشَيشٍ، وأنا الآنَ لا أنتَسِبُ لأحَدٍ، بل أعومُ في عَشَرةِ أبحُرٍ: خَمسةٌ منَ الآدَميِّينَ: النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وخَمسةٍ منَ الرُّوحانيِّينَ: جِبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ وعِزرائيلَ، والرُّوحِ الأكبَرِ) [1033] يُنظر: ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله (ص: 146)، ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (2/ 7)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 176)، ((النفحة العلية)) لزكي (ص: 229). .
ثمَّ رَحَل إلى الإسكَندَريَّةِ، ثمَّ حَجَّ بَيتَ اللهِ تعالى ورَجَعَ إلى تونسَ، ويُقالُ: إنَّه رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ فقال له: (يا عليُّ، انتَقِلْ إلى الدِّيارِ المِصريَّةِ تُرَبِّي فيها أربَعينَ صِدِّيقًا)، فرَجَعَ إلى الإسكِندريَّةِ وأقامَ فيها، حَيثُ تَزَوَّجَ وأنجَبَ أولادَه، منهم: شِهابُ الدِّينِ أحمَدُ، وأبو الحَسَنِ عليٌّ، وأبو عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ شَرَفُ الدِّينِ، وابنَتُه زَينَبُ، وعَريفةُ الخَيرِ [1034] يُنظر: ((أبو الحسن الشَّاذلي)) لبُوذينة (ص: 36). . وفي الإسكَندَريَّةِ أصبَحَ له أتباعٌ ومُريدونَ، وانتَشَرَت طَريقَتُه في مِصرَ بَعدَ ذلك، وانتَشَرَ صيتُه على أنَّه أحَدُ أقطابِ الصُّوفيَّةِ.
وكان ضَريرًا كَما سَمَّاه ابنُ المُلقِّنِ والشَّعرانيُّ بالضَّريرِ الزَّاهدِ [1035] يُنظر: ((طبقات الأولياء)) لابن الملقن (ص: 458)، ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (2/4). ، ولكِن لم يَتَضَرَّرْ عَيناه إلَّا بَعدَ مُدَّةٍ من تَحصيلِ العِلمِ، كَما يَبدو من تَرجَمَتِه في مُختَلِفِ الكُتُبِ [1036] يُنظر: ((دائرة المعارف الإسلامية)) (ص: 562). .
وقيل: إنَّه اشتَغَل بالعُلومِ الشَّرعيَّةِ مُنذُ صِغَرِه حتَّى أتقَنَها وصارَ يُناظِرُ عليها. ثمَّ انتَهَجَ التَّصَوُّفَ وجَدَّ واجتَهَدَ حتَّى ظَهَرَ صَلاحُه وخَبَرُه [1037] يُنظر: ((درة الأسرار)) لابن الصباغ (ص: 5). ويُنظر: ((جامع الأصول في الأولياء)) (2/42). .
وقال الذَّهَبيُّ في تَرجَمةِ الشَّاذِليِّ: (هو رَجُلٌ كَبيرُ القَدرِ، كَثيرُ الكَلامِ عالي المَقامِ. له شِعرٌ ونَثرٌ فيه مُتَشابِهاتٌ وعِباراتٌ، يُتَكَلَّفُ له في الاعتِذارِ عنها.
ورَأيتُ شَيخَنا عِمادَ الدِّينِ قد فتَرَ عنه في الآخِرِ، وبَقيَ واقِفًا في هذه العِباراتِ، حائِرًا في الرَّجُلِ؛ لأنَّه كان قد تَصَوَّف على طَريقَتِه، وصَحِبَ الشَّيخَ نَجمَ الدِّينِ الأصبهانيَّ نَزيلَ الحَرَمِ، ونَجمُ الدِّينِ صَحِبَ الشَّيخَ أبا العَبَّاسِ المُرسي صاحِبَ الشَّاذِليِّ. وكان الشَّاذِليُّ ضَريرًا، وللخَلقِ فيه اعتِقادٌ كَبيرٌ.
وشاذِلةُ: قَريةٌ إفريقيَّةٌ قدِمَ منها، فسَكَنَ الإسكَندَريَّةَ مُدَّةً، وسارَ إلى الحَجِّ، فحَجَّ مَرَّاتٍ، وكانت وفاتُه بصَحراءِ عَيذابَ [1038] قال المقريزي: (اعلَمْ أنَّ حُجَّاجَ مِصرَ والمغربِ أقاموا زيادةً على مائتي سنةٍ لا يتوجَّهون إلى مكَّةَ شرَّفها اللهُ تعالى إلَّا من صحراءِ عَيذابَ يركَبون النِّيلَ من ساحِلِ مدينةِ مِصرَ الفُسطاطِ إلى قُوصٍ، ثمَّ يركبون الإبِلَ من قُوصٍ، ويَعبرون هذه الصَّحراءَ إلى عَيذابٍ، ثمَّ يركبون البَحرَ في الجلابِ إلى جُدَّةَ ساحِلِ مكَّةَ، وكذلك تجارُ الهندِ واليَمَنِ والحَبَشةِ، يَرِدون في البَحرِ إلى عَيذابٍ، ثمَّ يَسلُكون هذه الصَّحراءَ إلى قُوصٍ، ومنها يَرِدون مدينةَ مِصرَ، فكانت هذه الصَّحراءُ لا تزالُ عامِرةً آهلةً بما يصدُرُ أو يَرِدُ من قوافِلِ التُّجَّارِ والحُجَّاجِ، حتَّى إن كانت أحمالُ البهارِ كالقِرفةِ والفُلفلِ ونحوِ ذلك لتوجَدُ مُلقاةً بها والقُفولُ صاعِدةٌ وهابطةٌ لا يعترِضُ لها أحدٌ، إلى أن يأخُذَها صاحِبُها. فلم تَزَلْ مَسلَكًا للحُجَّاجِ في ذَهابِهم وإيابِهم، زيادةً على مائتي سَنةٍ من أعوامِ بضعٍ وخمسينَ وأربعِمائةٍ، إلى أعوامِ بِضعٍ وسِتِّين وسِتِّمائةٍ...). ((المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)) (1/ 373-374). وهو قاصِدٌ الحَجَّ، فدُفِنَ هناكَ في أوائِلِ ذي القَعدةِ) [1039] ((تاريخ الإسلام)) (48/ 273). .
وقال ابنُ تيميَّةَ في سياقِ حَديثِه عنِ الأورادِ والأذكارِ والأدعيةِ التي يَضَعُها بَعضُ الشُّيوخِ الصَّالحينَ وفيها عَدَدٌ منَ المُنكَراتِ: (أبو الحَسَنِ الشَّاذِليُّ رَحمةُ اللهِ عليه كان من خَيرِ هؤلاء الشُّيوخِ وأفضَلِهم مَعرفةً وحالًا، وأحسَنِهمُ اعتِقادًا وعَمَلًا، وأتبَعِهم للشَّريعةِ وأكثَرِهم تَعظيمًا للكِتابِ والسُّنَّةِ، وأشَدِّهم تَحريضًا على مُتابَعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وله كَلِماتٌ حَسَنةٌ في مِثلِ ذلك... فالرَّجُلُ الصَّالحُ الحَسَنُ التَّعَبُّدِ المُجتَهِدُ في اتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ إذا كان منه كَلامٌ أو دُعاءٌ أو ذِكرٌ فيه خَطأٌ لم يُعاقَبْ على ذلك، ولا سَقَطَ به ما يَستَحِقُّه منَ الموالاةِ والمَحَبَّةِ والحُرمةِ؛ فإنَّ اللهَ قد غَفرَ لهذه الأمَّةِ الخَطَأَ والنِّسيانَ... ولا يَجوزُ أن يُتبَّعَ أحَدٌ في خَطَأٍ يَتَبَيَّنُ أنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ بخِلافِه، وما زال لأئِمَّةِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ -الذينَ لهم في الأمَّةِ لسانُ صِدقٍ، وهم عِندَ الأمَّةِ من أكابرِ أولياءِ اللهِ المُتَّقينَ- أقوالٌ خَفيَت عليهم فيها السُّنَّةُ، فلا يُتَّبَعونَ فيها ولا يُساءُ القَولُ فيهم لأجلِها، بل لا بُدَّ من اتِّباعِ الحَقِّ وتَعظيمِ أهلِ الإيمانِ والتَّقوى... وهذه الأحزابُ المَنقولةُ عن طائِفةٍ منَ المَشايِخِ فيها أمورٌ مُخالِفةٌ للسُّنَّةِ، فبَيانُها مَعَ التَّرَحُّمِ على المَشايِخِ والصَّالحينَ والاستِغفارِ لهم من تَمامِ الدِّينِ... والمَقصودُ هنا أنَّ الشَّاذِليَّ رَحمه اللهُ من خيارِ الشُّيوخِ الذينَ في أحزابِهم ما يُنكَرُ في نَفسِه، وقد ذَكَرْنا أنَّ الشَّاذِليَّ رَحمةُ اللهِ عليه من خيارِ هؤلاء الشُّيوخِ، ومَعَ ذلك فقد وقَعَ في حِزبِه وغَيرِ حِزبِه كَلِماتٌ مُنكَرةٌ توجِبُ مَنعَ النَّاسِ أنَّ يقرؤوا هذا الحِزبَ فضلًا عن أن يَجتَمِعوا إليه أو يَتَّخِذوا ذلك سُنَّةً راتِبةً لها أوقاتٌ مُعتادةٌ... وإذا كان هذا في مِثلِ حِزبِ الشَّاذِليِّ رَحِمَه اللهُ الذي هو أرجَحُ مَن غَيرِه، فكَيف بما هو دونَه؟!) [1040] ((الرد على الشَّاذلي في حزبيه، وما صنفه في آداب الطريق)) (ص: 18، 24، 25، 34). .
وتَرجَمَ له السُّيوطيُّ بقَولِه: (الشَّيخُ أبو الحَسَنِ الشَّاذِليُّ شَيخُ الطَّائِفةِ الشَّاذِليَّةِ. هو الشَّريفُ تَقيُّ الدِّينِ عليُّ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَبدِ الجَبَّارِ. قال الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ بنِ دَقيقِ العيدِ: ما رَأيتُ أعرفَ باللهِ منَ الشَّاذِليِّ. وقال الشَّيخُ تاجُ الدِّينِ بنُ عَطاءِ اللهِ: مَنشَؤُه بالغَربِ الأقصى، ومَبدَأُ ظُهورِه بشاذِلةَ، وله السِّياحاتُ الكَثيرةُ، والمُنازَلاتُ الجَليلةُ، والعُلومُ الكَثيرةُ، لم يَدخُلْ في طَريقِ اللهِ حتَّى كان يُعِدُّ للمُناظَرةِ في العُلومِ الظَّاهرةِ، وعُلومٍ جَمَّةٍ، جاءَ في هذا الطَّريقِ بالعَجَبِ العُجابِ، وشَرَحَ من عِلمِ الحَقيقةِ الأطنابَ، ووسَّعَ للسَّالكينَ الرِّكابَ. وكان الشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ بنُ عَبدِ السَّلامِ يَحضُرُ مَجلِسَه، ويَسمَعُ كَلامَه. قال الشَّيخُ تاجُ الدِّينِ: أخبَرَني والدي قال: دَخَلتُ على الشَّيخِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ، فسَمِعتُه يَقولُ: واللهِ لقد يَسألونَني عنِ المَسألةِ لا يَكونُ لها عِندي جَوابٌ، فأرى الجَوابَ مُسَطَّرًا في الدَّواةِ والحَصيرِ والحائِطِ) [1041] ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) (1/ 520). !
وكان من هَديِه وسيرَتِه ونَصيحَتِه لأتباعِه الاعتِدالُ في شُؤونِ الدُّنيا وعَدَمُ رَفضِ مَتاعِها بالكامِلِ. قال أبو العَبَّاسِ المُرسي: (دَخَلتُ على الشَّيخِ وفي نَفسي أن آكُلَ الخَشِنَ وألبَسَ الخَشِنَ، فقال لي: يا أبا العَبَّاسِ، اعرِفِ اللهَ وكُنْ كَيف شِئتَ) [1042] يُنظر: ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله (ص: 130). .
ودَخَل على الشَّيخِ أبي الحَسَنِ فقيرٌ عليه مَلابِسُ شَعرٍ، فلمَّا فرَغَ الشَّيخُ من كَلامِه دَنا منَ الشَّيخِ، وأمسَكَ مَلابسَه وقال: يا سَيِّدي، ما عُبدَ اللهُ بهذا اللِّباسِ الذي عليك! فأمسَكَ الشَّيخُ مَلابسَه فوجَدَ خُشونَتَه، وقال: ولا عُبِدَ اللهُ بهذا اللِّباسِ الذي عليك! لباسي يَقولُ: أنا غَنيٌّ عنكُم فلا تُعطوني، ولباسُك يَقولُ: أنا فقيرٌ إليكُم فأعطوني [1043] يُنظر: ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله (ص: 130). .
قال ابنُ عَطاءِ اللهِ السَّكَندَريُّ مُعَقِّبًا على ذلك: (وهَكَذا طَريقُ الشَّيخِ أبي العَبَّاسِ وشَيخِه أبي الحَسَنِ وطَريقةُ أصحابِهما: الإعراضُ عن لُبسِ زيٍّ يُنادي على سِرِّ اللَّابِسِ بالإفشاءِ، ويُفصِحُ عن طَريقِه بالإبداءِ، ومَن لبسَ الزِّيَّ فقدِ ادَّعى... وأمَّا لُبسُ اللِّباسِ اللَّيِّنِ وأكلُ الطَّعامِ الشَّهيِّ وشُربُ الماءِ البارِدِ، فليس القَصدُ إليه بالذي يوجِبُ العَتبَ منَ اللهِ إذا كان مَعَه الشُّكرُ للَّهِ. وقد قال الشَّيخُ أبو الحَسَنِ: يا بُنَيَّ، بَرِّدِ الماءَ فإنَّك إن شَرِبتَ الماءَ السَّاخِنَ فقُلتَ: الحَمدُ للَّهِ، تَقولُها بكَزازةٍ، وإذا شَرِبتَ الماءَ البارِدَ، فقُلتَ: الحَمدُ للَّهِ، استَجابَ كُلُّ عُضوٍ فيك بـ «الحَمدُ للَّهِ». والأصلُ في هذا قَولُه سُبحانَه وتعالى حِكايةً عن موسى عليه السَّلامُ: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ألا تَرى كَيف تَولَّى إلى الظِّلِّ قَصدَ الشُّكرِ للَّهِ على ما يَنالُه منَ النِّعمةِ؟!) [1044] يُنظر: ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله (ص: 131). .
وقال مُصطَفى بنِ مُحيي الدِّينِ البَيروتيُّ: (كان لا يَأمُرُ أحَدًا بتَركِ حِرفتِه أو تِجارَتِه، بل يُعَرِّفُه الطَّريقَ وهو باقٍ على حالتِه؛ ولذا قيل في وصفِه: إنَّه مُسَهِّلُ الطَّريقةِ على الخَليقةِ.. وكان لا يُحِبُّ المُريدَ الذي لا سَبَبَ له، وعلى هذا جَرَت أتباعُه إلى يَومِنا هذا... ومن طَريقِه الإعراضُ عن لُبسِ الزِّيِّ والمُرَقَّعاتِ... وكان يَقولُ: ليس هذا الطَّريقُ بالرَّهبانيَّةِ، ولا بأكلِ النُّخالةِ والشَّعيرِ، وإنَّما هو بالصَّبرِ على الأوامِرِ واليَقينِ في الهدايةِ؛ قال تعالى: وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةً ‌يَهۡدُونَ ‌بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] ) [1045] يُنظر: ((الإلهامات السنية في شرح الوظيفة الشَّاذليَّة)) (ص: 24). .
قال السُّيوطيُّ: (ماتَ في ذي القَعدةِ سَنةَ سِتٍّ وخَمسينَ وسِتّمِائةٍ بصَحراءِ عَيذابَ مُتَوجِّهًا إلى مَكَّةَ) [1046] ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) (1/ 520). .
قيل: إنَّه لمَّا كان في وادي حميثرةَ من صَحراءِ عَيذابَ وجَّهَ الحَديثَ لأصحابِه في إحدى الأمسيَّاتِ قائِلًا لهم: (إذا أنا مُتُّ فعليكُم بأبي العَبَّاسِ المُرسي، فإنَّه الخَليفةُ من بَعدي، وسيَكونُ له بَينَكُم مَقامٌ عَظيمٌ، وهو بابٌ من أبوابِ اللهِ سُبحانَه وتعالى) [1047] يُنظر: ((أبو الحسن الشَّاذليّ)) لبُوذينة (ص: 40). .
وعلَّقَ على ذلك شَيخُ الأزهَرِ عبدُ الحليمِ مَحمود، فقال: (قد كان للشَّيخِ أولادٌ ذُكورٌ، فلم يُفكِّرْ في أن يَستَخلِفَ أحَدَهم، وإنَّما استَخلف مَن رَآه أحَقَّ بالخِلافةِ، ونَرجو أن يَعتَبرَ به رِجالُ الطُّرُقِ في العَصرِ الرَّاهنِ فلا يَجعلوا الطَّريقةَ مَورِدَ رِزقٍ تورَّثُ كَما يُورَّثُ العَقارُ) [1048] يُنظر: ((قضية التصوف: المدرسة الشَّاذليَّة)) (ص: 42). .
ولا يَزالُ ضَريحُه مَوجودًا إلى الآنَ، وتُقامُ عِندَه عَدَدٌ منَ البدَعِ، وقد جُدِّدَ بناؤُه مَعَ غُرَفٍ للزُّوَّارِ في هذا العَصرِ على يَدِ بَعضِ المِصريِّينَ. وفي كُلِّ عامٍ يَحُجُّ الآلافُ منَ الصُّوفيَّةِ الشَّاذِليَّةِ من داخِلِ مِصرَ وخارِجِها إلى قَبرِه في احتِفالِ مَولِدِه في العَشرةِ الأوائِلِ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ، حتَّى عيدِ الأضحى المُبارَكِ، وذلك في مَقامِ ضَريحِه المَوجودِ في وادي حميثرةَ من صَحراءِ عَيذابَ جَنوبَ البَحرِ الأحمَرِ، والذي يَبعُدُ عن أسوانَ حَوالي 390 كلم [1049] يُنظر: مقدمة تحقيق كتاب ((الرد على الشَّاذلي)) لابن تيمية (ص: 31). .
ومن أبرَزِ الشَّعائِرِ التي يَقومُ بها المُريدونَ عِندَ الزِّيارةِ: الدُّعاءُ داخِلَ مَقامِ الشَّاذِليِّ، وفي وقفةِ عيدِ الأضحى يَومَ عَرَفةَ، يَمكُثُ البَعضُ على جَبلِ حميثرةَ حتَّى الزَّوالِ، تَقليدًا لشَعائِرِ يَومِ عَرَفةَ، مَعَ الذَّبحِ هناكَ [1050] يُنظر: موقع ((اليوم السابع)) الإلكتروني. !
قال ابنُ تيميَّةَ عن غُلوِّ بَعضِ أتباعِ أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ فيه: (صَرَّحَ بَعضُهم بأنَّه يَعلمُ كُلَّ ما يَعلمُه اللهُ، ويَقدِرُ على كُلِّ ما يَقدِرُ اللَّهُ عليه، وادَّعَوا أنَّ هذا كان للنَّبيِّ، ثمَّ انتَقَل إلى الحَسَنِ بنِ عليٍّ، ثمَّ منَ الحَسَنِ إلى ذُرِّيَّتِه واحِدًا بَعدَ واحِدٍ حتَّى انتَهى ذلك إلى أبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ، ثمَّ إلى ابنِه، خاطَبَني بذلك مَن هو من أكابرِ أصحابِهم! وحَدَّثَني الثِّقةُ من أعيانِهم أنَّهم يَقولونَ: إنَّ مُحَمَّدًا هو اللهُ! وحَدَّثَني بَعضُ الشُّيوخِ الذينَ لهم سُلوكٌ وخِبرةٌ أنَّه كان هو وابنُ هودٍ في مَكَّةَ فدَخَلا الكَعبةَ فقال له ابنُ هودٍ، وأشارَ إلى وسَطِ الكَعبةِ: هذا مَهبِطُ النُّورِ الأوَّلِ. وقال له: لو قال لك صاحِبُ هذا البَيتِ: أريدُ أن أجعَلَك إلهًا، ماذا كُنتَ تَقولُ له؟ قال: فقَفَّ شَعري من هذا الكَلامِ وانخَنَستُ، أو كَما قال) [1051] ((مجموع الفتاوى)) (14/365). !
واختُلف هَل لأبي الحَسَنِ الشَّاذِليِّ مُؤَلَّفاتٌ أم لا؟ ففريقٌ يَرى أنَّ أبا الحَسَنِ لم يُؤَلِّفْ شَيئًا، بدَليلِ أنَّه سُئِل: هَل لدَيك كُتُبٌ؟ فقال: كُتُبي أصحابي! ومنَ العُلماءِ مَن ذَكَرَ أنَّه ألَّف، ونَقَل من كُتُبِه، ورَدَّ عليها، كابنِ تيميَّةَ والذَّهَبيِّ والصَّفَديِّ، ومنهم مَن سَمَّى طائِفةً منها، مِثلُ: الاختِصاصُ منَ الفوائِدِ القُرآنيَّةِ والخَواصِّ، التَّسَلِّي والتَّصَبُّرُ على قَضاءِ الإلهِ من أحكامِ أهلِ التَّجَبُّرِ والتَّكَبُّرِ. وعَدَدٌ منَ الأحزابِ: حِزبُ البَحرِ، حِزبُ البَرِّ، وغَيرُها [1052] يُنظر: مقدمة تحقيق كتاب ((الرد على الشَّاذلي)) لابن تيمية (ص: 32، 33)، ((درة الأسرار)) لابن الصباغ (ص: 6). .

انظر أيضا: