موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: أبرَزُ شَخصيَّاتِ الطَّريقةِ القادِريَّةِ قديمًا وحَديثًا


من أبرَزِ أعلامِ وشَخصيَّاتِ الطَّريقةِ القادِريَّةِ:
1- عليُّ بنُ الِهيتيِّ:
عليُّ بنُ الهِيتيِّ نِسبةٌ إلى قَريةِ (هِيتَ) في العِراقِ [961] يُنظر: ((القطر المختار من بحور الأئمة الأخيار)) لتميم مردم بك (ص: 132). .
وهو أحَدُ أكابِرِ القادِريَّةِ ومَشايِخِها في العِراقِ، ويَنسُبُ له القادِريَّةُ الكَراماتِ والأفعالَ الخارِقةَ والأحوالَ الجَليَّةَ، وهو أحَدُ أركانِ هذه الطَّريقةِ وأعلامُ رِجالِها. وممَّا ذَكَرَه القادِريَّةُ عنه: أنَّه (أحَدُ من يُذكَرُ عنه القُطبيَّةُ... وهو الذي أتاه الخِطابُ: يا مُلكي تَصَرَّفْ في مُلكي) [962] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 92، 93). .
كان من أصحابِ الجيلانيِّ والمُنتَفِعينَ منه، وأكثَرَ النَّاسِ تَرَدُّدًا عليه وخِدمةً له ووُدًّا [963] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 92- 94). .
وممَّا يُحكى عنِ العلاقةِ بَينَ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ وعليِّ بنِ الهِيتيِّ، ما ذَكَرَه أبو حَفصٍ البَزَّارُ، فقال: (مَرِض الشَّيخُ عليُّ بنُ الهيتيِّ فعادَه الشَّيخُ مُحيي الدِّينِ عَبدُ القادِرِ رَضِيَ اللهُ عنه وأرضاه، فاجتَمَعَ هناكَ الشَّيخُ بقا، والشَّيخُ أبو سَعيدٍ القيلويُّ، والشَّيخُ أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ عليٍّ الصَّرصَريُّ، رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ، فأمر الشَّيخُ عليُّ بنُ الهِيتيِّ خادِمَه أبا الحَسَنِ الجَوسَقيَّ بمَدِّ السُّفرةِ فبَسَطَها، ووقَف مُفكِّرًا بمَن يَبدَأُ بوضعِ الخُبزِ بَينَ يَدَيه، ثمَّ أخَذَ يَنبِذُ خُبزًا كَثيرًا، فدارَ على خِوانِ السُّفرةِ دَفعةً واحِدةً من غَيرِ أن يُقدِّمَ بَعضَ الحاضِرينَ على بَعضٍ في ذلك، فقال الشَّيخُ عَبدُ القادِرِ للشَّيخِ عليِّ بنِ الهِيتيِّ: ما أحسَنَ خادِمَك هذا! قد مدَّ السُّفرةَ بالحالِ، فقال: أنا وهو غِلمانُك) [964] ((الروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر)) للديري (ص: 192). .
توُفِّيَ سَنةَ 564ه، وقد تَجاوزَ 120 سَنةً [965] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 93)، ((القول المختار من بحور الأئمة الأخيار)) لتميم مأمون مردم بك (ص: 132). .
2- شهابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرديُّ:
هو عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللَّهِ السُّهْرَوَرديُّ. وقد وُلِدَ في رَجَبٍ سَنةَ 539ه، وقِدَم من سُهْرَوَردَ وهو شابٌّ إلى بَغدادَ، وصَحِبَ عَمَّه أبا النَّجيبِ السُّهْرَوَرديَّ (ت: 563ه) ولازَمَه وأخَذَ عنه الفِقهَ والوعظَ والتَّصَوُّفَ، وصَحِبَ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ [966] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 94، 95). ويُنظر أيضًا: ((معجم البلدان)) للحموي (3/ 290). .
وليس هو شِهابَ الدِّينِ السُّهْرَوَرديَّ صاحِبَ (حِكمةِ الإشراقِ) المُتَوفَّى سَنةَ 582ه.
قال ابنُ النَّجَّارِ: (وكان شِهابُ الدِّينِ شَيخَ وقَتِه في عِلمِ الحَقيقةِ، وانتَهَت إليه الرِّياسةُ في تَربيةِ المُريدينَ، ودُعاءِ الخَلقِ إلى اللهِ، والتَّسليكِ. صَحِبَ عَمَّه، وسَلَك طَريقَ الرِّياضاتِ والمُجاهَداتِ، وقَرَأ الفِقهَ والخِلافَ والعَرَبيَّةَ، وسَمِعَ، ثمَّ لازَمَ الخَلوةَ والذِّكرَ والصَّومَ إلى أن خَطَرَ له عِندَ عُلوِّ سِنِّه أن يَظهَرَ للنَّاسِ ويَتَكَلَّمَ، فعَقد مَجلِسَ الوعظِ بمدرَسةِ عَمِّه، فكان يَتَكَلَّمُ بكَلامٍ مُفيدٍ من غَيرِ تَزويقٍ، ويَحضُرُ عِندَه خَلْقٌ عَظيمٌ، وظَهَرَ له القَبولُ منَ الخاصِّ والعامِّ، واشتَهَرَ اسمُه، وقُصِدَ منَ الأقطارِ، وظَهَرَت بَرَكاتُ أنفاسِه على خَلقٍ منَ العُصاةِ، فتابوا، ووصَل به خَلْقٌ إلى اللهِ، وصارَ أصحابُه كالنُّجومِ، ونَفذَ رَسولًا إلى الشَّامِ مَرَّاتٍ، وإلى السُّلطانِ خَوارِزم شاه، ورَأى منَ الجاهِ والحُرمةِ ما لم يَرَه أحَدٌ، ثمَّ رُتِّبَ بالرِّباطِ النَّاصِريِّ، وبرِباط المَأمونيَّةِ، ورِباطِ البِسطاميِّ، ثمَّ إنَّه أضرَّ وأُقعِد، ومَعَ هذا فما أخَلَّ بالأورادِ، ودَوامِ الذِّكْرِ وحُضورِ الجَمعِ في محَفَّةٍ والمُضيِّ إلى الحَجِّ، إلى أن دَخل في عَشرِ المِائةِ، وضَعُف، فانقَطَعَ... وكان تامَّ المُروءةِ، كَبيرَ النَّفسِ، ليس للمالِ عِندَه قدرٌ، لقد حَصَل له ألوفٌ كَثيرةٌ فلم يَدَّخِر شَيئًا، وماتَ ولم يُخَلِّف كَفنًا. وكان مَليحَ الخَلْقِ والخُلُقِ، مُتَواضِعًا، كامِلَ الأوصافِ الجَميلةِ) [967] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (22/ 375، 376). .
وقد ألَّف كِتابَ (عَوارِفُ المَعارِفِ) لتَوضيحِ مَفاهيمِ التَّصَوُّفِ الخاصَّةِ بالطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ ومُصطَلحاتِها. وكان يَتَرَدَّدُ على الجيلانيِّ بصُحبةِ عَمِّه أبي النَّجيبِ السُّهْرَوَرديِّ ويَنهَلُ من عِلمِه في مَجالسِه. وقد توُفِّيَ سَنةَ 632ه [968] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 94- 96). .
وإلى شِهابِ الدِّينِ السُّهْرَوَرديِّ، وإلى عَمِّه وأستاذِه أبي النَّجيبِ السُّهْرَوَرديِّ تَرتَفِعُ كُلُّ سَلاسِلِ الطَّريقةِ السُّهْرَوَرديَّةِ التي كان لها انتِشارٌ واسِعٌ في العالمِ الإسلاميِّ، وتَفرَّعَت إلى فُروعٍ أخرى [969] يُنظر: ((أضواء على الشيخ عبد القادر وانتشار طريقته)) لعبد الباقي مفتاح (ص: 95). .
3- إسماعيلُ القادريُّ
هو الشَّريفُ الحاجُّ إسماعيلُ ابنُ السَّيِّدِ الشَّريفِ مُحَمَّد سَعيد أفندي نَقيبِ أشرافِ بَغدادَ ابنِ السَّيِّدِ إسماعيلَ آغا التكيه لي المُلقَّبِ بالتَّكرليِّ، ونَسَبُه يَتَّصِلُ بعَبدِ الرَّزَّاقِ ابنِ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ.
وُلدَ في بَغدادَ في مَحَلَّةِ بابِ الشَّيخِ؛ حَيثُ كانت تَسكُنُ عائِلتُه المَعروفةُ بآلِ التَّكرليِّ، ولا يُعلَمُ على وَجهِ اليَقينِ تاريخُ وِلادَتِه، لكِنَّها في الرُّبعِ الأوَّلِ منَ القَرنِ الثَّالثَ عَشَرَ الهجريِّ.
نَشَأ وتَرَعرَعَ في كَنَفِ والدِه مُحَمَّد سَعيد أفندي الكيلانيِّ. وكان والدُه رَجُلًا صالحًا، وله مَكانةٌ في المُجتَمَعِ، وكانت عائِلتُه تُعرَفُ بالسِّيادةِ والمَشيَخةِ.
وكانت نَشأتُه قادِريَّةً وتَلقَّى على مَشايِخِها مَبادِئَ العُلومِ والمَعارِفِ والتَّصَوُّفِ والسُّلوكِ، وكان شَيخَ الطَّريقةِ القادِريَّةِ وقتَها، والقائِمَ على الحَضرةِ الكيلانيَّةِ كما صَحِبَ مُفتيَ حَماةَ وشَيخَ السَّجَّادةِ القادِريَّةِ فيها، وابنَ عَمِّه الشَّيخَ مَكرَم أفندي الكيلانيَّ، وانتَفعَ به ونال الإجازةَ والخِلافةَ القادِريَّةَ منه.
ولا يُعلَمُ تاريخُ وفاتِه على وجهِ التَّحديدِ، ولكِن كانت تَقديرًا في بدايةِ القَرنِ الرَّابعَ عَشَرَ الهجريِّ.
ودُفِنَ في الحَضرةِ الكيلانيَّةِ مَعَ مَقابرِ عائِلتِه.
وأشهَرُ مُؤَلَّفاتِه (الفُيوضاتُ الرَّبَّانيَّةُ) [970] يُنظر لترجمة إسماعيل القادري: مقدمة ((الفيوضات الربانية)) (ص: 62-67)، بتحقيق مخلف العلي القادري، والذي قال عن ترجمة مؤلِّفِ الكِتابِ: (هذا الأمرُ لم يسبِقْني إليه أحدٌ، فأنا أوَّلُ من ترجَم له وللهِ الحمدُ، وهذا يعطي للنُّسخةِ ميزةً كانت تنقُصُه؛ حيثُ إنَّ مؤلِّفَه كان مجهولًا لدى الجميعِ، وأصبح الآن معلومًا بفضلِه تعالى). (ص: 52). .

انظر أيضا: