موسوعة الفرق

المَبحَثُ الرَّابعُ: فتاوى حَولَ فِرقةِ الأحباشِ


)ورَدَ إلى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ أسئِلةٌ واستِفساراتٌ حَولَ «جَماعةِ الأحباشِ» والشَّخصِ الذي تَنتَمي إليه المَدعوِّ عَبدِ اللَّهِ الحَبَشيِّ، القاطِنةِ في لُبنانَ، ولها جَمعيَّاتٌ نَشِطةٌ في بَعضِ دُوَلِ أوروبَّا وأمريكا وأستُراليا، فاستَعرَضَتِ اللَّجنةُ لذلك ما نَشَرَته هذه الجَماعةُ من كُتُبٍ ومَقالاتِ، توضِّحُ فيها اعتِقادَها وأفكارَها ودَعوتَها، وبَعدَ الاطِّلاعِ والتَّأمُّلِ فإنَّ اللَّجنةَ تُبَيِّنُ لعُمومِ المُسلمينَ ما يلي:
أوَّلًا: ثَبَتَ في الصَّحيحَينِ من حديثِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الذينَ يَلونَهم، ثمَّ الذينَ يَلونَهم)) [916] أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533) من حديثعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وله ألفاظٌ أُخَرُ، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((أوصيكُم بتَقوى اللهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ، وإن تَأمَّر عليكُم عَبدٌ، وإنَّه مَن يَعِشْ منكم بَعدي فسيَرى اختلافًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ المَهديِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُم ومُحدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ)) [917] أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42) باختلاف يسير من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه؛ ولفظ أبي داود: ((أوصيكم بتقوى اللهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ وإنْ عبدًا حبَشيًّا؛ فإنَّه مَن يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المَهديِّين الرَّاشِدين، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ،وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)). صححه الترمذي، والبزار كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1164)، وابن حبان في ((صحيحه)) (5)، والحاكم في ((المستدرك)) (329) .
وإنَّ من أهَمِّ الخِصالِ التي امتازَت بها تلك القُرونُ المُفضَّلةُ، وحازَت بها الخَيريَّةَ على جَميعِ النَّاسِ: تَحكيمَ الكِتابِ والسُّنَّةِ في جَميعِ الأمورِ، وتَقديمَها على قَولِ كُلِّ أحَدٍ كائنًا مَن كان، وفهمَ جَميعِ الأمورِ، وتَقديمَها على قَولِ كُلِّ أحَدٍ كائنًا مَن كان، وفَهْمَ نُصوصِ الوحيَينِ الشَّريفينِ حَسَبَ القَواعِدِ الشَّرعيَّةِ واللُّغةِ العَرَبيَّةِ، وأخْذَ الشَّريعةِ كُلِّها بعُمومِها وكُلِّيَّاتِها، وآحادِها وجُزئيَّاتِها، ورَدَّ النُّصوصِ المُتَشابهاتِ إلى النُّصوصِ المُحكَماتِ؛ ولهذا استَقاموا على الشَّريعةِ وعَمِلوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، ولم يَزيدوا فيها ولم يَنقُصوا، وكَيف يَحدُثُ منهم زيادةٌ أو نَقصٌ في الدِّينِ وهم مُستَمسِكونَ بالنَّصِّ المَعصومِ منَ الخَطَأِ والزَّلَلِ؟
ثانيًا: خَلَفت من بَعدِهم خُلوفٌ كَثُرَت فيهمُ البدَعُ والمُحدَثاتُ، وأُعجِبَ كُلُّ ذي رَأيٍ برَأيِه، وهُجِرَتِ النُّصوصُ الشَّرعيَّةُ، وأوِّلَت وحُرِّفَت لتُوافِقَ الأهواءَ والمَشارِبَ، فشاقُّوا بذلك الرَّسولَ الأمينَ، واتَّبَعوا غَيرَ سَبيلِ المُؤمنينَ، واللهُ سُبحانَه يَقولُ: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] ، ومن فَضلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ على هذه الأمَّةِ أنَّه يُقَيِّضُ لها في كُلِّ عَصرٍ منَ العُلماءِ الرَّاسِخينَ في العِلمِ مَن يَقومُ في وَجهِ كُلِّ بدعةٍ تُشَوِّهُ جَمالَ الدِّينِ، وتُعَكِّرُ صَفوَه، وتُزاحِمُ السُّنَّةَ أو تَقضي عليها، وهذا تَحقيقٌ لوعدِ اللهِ بحِفظِ دينِه وشَرعِه في قَولِه سُبحانَه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] ، وقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَديثِ الثَّابتِ في الصِّحاحِ والسُّنَنِ والمَسانيدِ وغَيرِها: ((لا تَزالُ طائِفةٌ من أمَّتي قائِمةً بأمرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، لا يَضُرُّها مَن خَذَلهم أو خالفَهم حتَّى يَأتيَ أمرُ اللهِ وهم ظاهِرونَ على النَّاسِ)) [918] أخرجه البخاريُّ (3641) بلفظِ: ((ولن تزالَ هذه الأمَّةُ قائمةً على أمرِ اللهِ لا يضُرُّهم من خالفهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ))، ومسلمٌ (1037) بلفظِ: ((لا يضُرُّهم من خذَلهم)) من حديثِ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وله ألفاظٌ أُخرى.
ثالثًا: ظَهَرَت في الرُّبعِ الأخيرِ منَ القَرنِ الرَّابعَ عَشَرَ الهِجريِّ جَماعةٌ يَتَزَعَّمُها عَبدُ اللَّهِ الحَبَشيُّ الذي نَزَحَ منَ الحَبَشةِ إلى الشَّامِ بضَلالتِه، وتَنقَّلَ بَينَ ديارِه حتَّى استَقَرَّ به المُقامُ في لُبنانَ، وأخَذَ يَدعو النَّاسَ على طَريقَتِه، ويُكَثِّرُ أتباعَه ويَنشُرُ أفكارَه التي هي أخلاطٌ منِ اعتِقاداتِ الجَهميَّةِ والمُعتَزِلةِ والقُبوريَّةِ والصُّوفيَّةِ، ويَتَعَصَّبُ لها ويُناظِرُ من أجلِها، ويَطبَعُ الكُتُبَ والصُّحُفَ الدَّاعيةَ إليها.
والنَّاظِرُ فيما كَتَبَته ونَشَرَته هذه الطَّائِفةُ يَتَبَيَّنُ لهم بجَلاءٍ أنَّهم خارِجونَ في اعتِقادِهم عن جَماعةِ المُسلمينَ (أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ)؛ فمِن اعتِقاداتِهمُ الباطِلةِ على سَبيلِ المِثالِ لا الحَصرِ:
1- أنَّهم في مَسألةِ الإيمانِ على مَذهَبِ أهلِ الإرجاءِ المَذمومِ:
ومَعلومٌ أنَّ عَقيدةَ المُسلمينَ التي كان عليها الصَّحابةُ والتَّابعونَ ومَن سارَ على هَديهم إلى يَومنا هذا أنَّ الإيمانَ قَولٌ باللِّسانِ واعتِقادٌ بالقَلبِ وعَمَلٌ بالجَوارِحِ، فلا بُدَّ أن يَكونَ مَعَ التَّصديقِ موافَقةٌ وانقيادٌ وخُضوعٌ للشَّرعِ المُطَهَّرِ، وإلَّا فلا صِحَّةَ لذلك الإيمانِ المُدَّعى.
وقد تَكاثَرَتِ النُّقولُ عنِ السَّلفِ الصَّالحِ في تَقريرِ هذه العَقيدةِ، ومن ذلك الإمامُ الشَّافِعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى: (وكان الإجماعُ منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومن بَعدَهم، ومَن أدرَكناهم يَقولونَ: الإيمانُ قَولٌ وعَمَلٌ ونيَّةٌ، ولا يُجزِئُ واحِدٌ منَ الثَّلاثِ إلَّا بالآخَرِ) [919] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (7/ 209). .
2- يُجَوِّزونَ الاستِغاثةَ والاستِعاذةَ والاستِعانةَ بالأمواتِ ودُعاءَهم من دونِ اللهِ تعالى، وهذا شِركٌ أكبَرُ بنَصِّ القُرآنِ والسُّنَّةِ وإجماعِ المُسلمينَ، وهذا الشِّركُ هو دينُ المُشرِكينَ الأوَّلينَ من كُفَّارِ قُرَيشٍ وغَيرِهم، كما قال اللهُ سُبحانَهعنهم: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18] ، وقال جلَّ وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر: 2-3] ، وقال سُبحانَه: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْمِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 64] ، وقال جلَّ وعلا: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] ، وقال سُبحانَه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13-14] ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الدُّعاءُ هو العِبادةُ)) [920] أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (3247)، وابن ماجه (3828) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه صححه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (890)، وابن الملقن في ((ما تمس إليه الحاجة)) (95)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/112)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3828)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1177). أخرَجَه أهلُ السُّنَنِ بإسنادٍ صَحيحٍ، والآياتُ والأحاديثُ في هذا المَعنى كَثيرةٌ، وهي تَدُلُّ على أنَّ المُشرِكينَ الأوَّلينَ يَعلمونَ أنَّ اللهَ هو الخالقُ الرَّازِقُ النَّافِعُ الضَّارُّ، وإنَّما عَبَدوا آلهَتَهم ليَشفَعوا لهم عِندَ اللهِ، ويُقَرِّبوهم لدَيه زُلفى؛ فكَفَّرَهم سُبحانَه بذلك، وحَكَمَ بكُفرِهم وشِركِهم، وأمرَ نَبيَّه بقِتالهم حتَّى تَكونَ العِبادةُ للَّهِ وحدَه، كما قال سُبحانَه: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39] ، وقد صَنَّف العُلماءُ في ذلك كتُبًا كَثيرةً، وأوضَحوا فيها حَقيقةَ الإسلامِ الذي بَعَثَ اللهُ به رُسُلَه وأنزَل به كُتُبَه، وبَيَّنوا فيها دينَ أهلِ الجاهليَّةِ وعَقائِدَهم وأعمالَهمُ المُخالفةَ لشَرعِ اللهِ، ومِن أحسَنِ مَن كَتَب في ذلك شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رَحِمَه اللهُ تعالى، في كُتُبِه الكَثيرةِ، ومِن أخصَرِها كِتابُه: (قاعِدةٌ جَليلةٌ في التَّوسُّلِ والوَسيلةِ).
3- أنَّ القُرآنَ عِندَهم ليس كَلامَ اللَّهِ حَقيقةً:
ومَعلومٌ بنَصِّ القُرآنِ والسُّنَّةِ وإجماعِ المُسلمينَ أنَّ اللهَ تعالى يَتَكَلَّمُ مَتى شاءَ، على الوَجهِ اللَّائِقِ بجَلالِه سُبحانَه، وأنَّ القُرآنَ الكَريمَ كَلامُ اللَّهِ تعالى حَقيقةً؛ حُروفَه ومَعانيَه، كما قال اللهُ تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة: 6] ، وقال سُبحانَه: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] ، وقال جلَّ وعلا: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام: 115] ، وقال سُبحانَه: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 75] ، وقال جلَّ وعلا: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح: 15] ، والآياتُ في هذا المَعنى كَثيرةٌ مَعلومةٌ. وتَواتَرَ عنِ السَّلفِ الصَّالحِ إثباتُ هذه العَقيدةِ، كما نَطَقَت بذلك نُصوصُ القُرآنِ والسُّنَّةِ، وللَّهِ الحَمدُ والمنَّةُ.
4- يَرَونَ وُجوبَ تَأويلِ النُّصوصِ الوارِدةِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ في صِفاتِ اللهِ جَلَّ وعلا، وهذا خِلافُ ما أجمَعَ عليه المُسلِمونَ من لدُنِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَن سارَ على نَهجِهم إلى يَومنا هذا؛ فإنَّهم يَعتَقِدونَ بوُجوبِ الإيمانِ بما دَلَّت عليه نُصوصُ أسماءِ اللهِ وصِفاتِه منَ المَعاني من غَيرِ تَحريفٍ ولا تَعطيلٍ ولا تَكييفٍ ولا تَمثيلٍ، بل يُؤمنونَ بأنَّ اللهَ سُبحانَه ليس كمِثلِه شَيءٌ وهو السَّميعُ البَصيرُ، فلا يَنفونَ عنه ما وصَف به نَفسَه، ولا يُحَرِّفونَ الكَلمَ عن مَواضِعِه، ولا يُلحِدونَ في أسمائِه وآياتِه، ولا يُكَيِّفونَ ولا يُمَثِّلونَ صِفاتِه بصِفاتِ خَلقِه؛ لأنَّه لا سَميَّله، ولا كُفُؤَ له، ولا نِدَّ له، قال الإمامُ الشَّافِعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى: (آمَنتُ باللهِ وبما جاءَ عنِ اللهِ على مُرادِ اللهِ، وآمَنتُ برَسولِ اللهِ وبما جاءَ عن رَسولِ اللهِ على مُرادِ رَسولِاللهِ) [921] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) لابن قدامة (ص: 7). ، وقال الإمامُ أحمَدُ رَحِمَه اللهُ تعالى: (نُؤمنُ بها ونُصَدِّقُ، ولا نَرُدُّ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا نَصِفُ اللهَ بأكثَرَ ممَّا وصَفَ به نَفسَه) [922] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) لابن قدامة (ص: 7)، ((مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم)) لابن الموصلي (ص: 469). .
5- من عَقائِدِهمُ الباطِلةِ: نَفيُ عُلوِّ اللَّهِ سُبحانَه على خَلقِه. وعَقيدةُ المُسلمينَ التي دَلَّت عليها آياتُ القُرآنِ القَطعيَّةُ والأحاديثُ النَّبَويَّةُ والفِطرةُ السَّويَّةُ والعُقولُ الصَّريحةُ: أنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُه عالٍ على خَلقِه، مُستَوٍ على عَرشِه، لا يَخفى عليه شَيءٌ من أمورِ عِبادِه. قال اللهُ تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] ، في سَبعةِ مَواضِعَ في كِتابهِ، وقال جَلَّ شَأنُه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10] ، وقال جلَّ وعلا: وَهُوَ الْعلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى: 4] ، وقال جلَّ وعزَّ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] ، وقال جلَّ جلالُه: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 49-50] ، وغَيرُها منَ الآياتِ الكَريماتِ. وثَبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ الأحاديثِ الصِّحاحِ الشَّيءُ الكَثيرُ، ومنها: قِصَّةُ المِعراجِ المُتَواتِرةُ، وتَجاوُزُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّمواتِ سَماءً سَماءً حتَّى انتَهى إلى رَبِّه تعالى، فقَرَّبَه أو ناداه، وفرَضَ عليه الصَّلواتِ خَمسينَ صَلاةً، فلم يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَينَ موسى عليه السَّلامُ وبَينَ رَبِّه تَبارَكَ وتعالى، يَنزِلُ مِن عِندِ رَبِّه إلى عِندِ موسى، فيَسألُه كَم فُرِضَ عليه، فيُخبرُه فيَقولُ: ارجِعْ إلى رَبِّك فاسأَلْه التَّخفيفَ، فيَصعَدُ إلى رَبِّه فيَسألُه التَّخفيفَ [923] لفظُه: عن أنَسِ بنِ مالكٍ أنَّ رسولَ اللهِصلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُتيتُ بالبُراقِ ... فركِبتُه حتى أتيتُ بيتَ المقدِسِ ... ثمَّ خرجتُ فجاءني جبريلُ عليه السَّلامُ ... ثمَّ عُرِج بنا إلى السَّماءِ ... ثمَّ عُرِج بنا إلى السَّماءِ السَّادسةِ، فاستفتح جبريلُ عليه السَّلامُ ...  ففُتِح لنا، فإذا أنا بموسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرحَّب ودعا لي بخيرٍ. ثمَّ عُرِج بنا إلى السَّماءِ السَّابعةِ ... ثمَّ ذُهِب بي إلى السِّدرةِ المنتهى ... فأوحى اللهُ إليَّ ما أوحى، ففَرَض عليَّ خمسين صلاةً في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فنزلتُ إلى موسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ما فَرَض ربُّك على أمَّتِك؟ قلتُ: خمسين صلاةً. قال: ارجِعْ إلى ربِّك فاسألْه التَّخفيفَ؛ فإنَّ أمَّتَك لا يُطيقون ذلك؛ فإنِّي قد بلَوتُ بني إسرائيلَ وخَبَرتُهم. قال: فرجعتُ إلى ربي فقُلتُ: يا ربِّ، خَفِّف على أمتَّى. فحَطَّ عنِّي خمسًا فرجَعتُ إلى موسى فقلتُ: حَطَّ عنِّي خمسًا. قال: إنَّ أمَّتك لا يطيقون ذلك، فارجِعْ إلى ربِّك فاسألْه التَّخفيفَ. قال: فلم أزَلْ أرجعُ بينَ رَبِّي تبارك وتعالى وبينَ موسى عليه السلامُ حتَّى قال: يا محمَّدُ، إنَّهن َّخمسُ صلواتٍ كُلَّ يومٍ وليلةٍ، لكُلِّ صلاةٍ عَشرٌ، فذلك خمسون صلاةً)). أخرجه مسلم (162) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وفي لفظ: ((... فقال موسى: ربِّ لم أظنَّ أن يُرفعَ عليَّ أحدٌ. ثمَّ علا به فوقَ ذلك بما لا يعلمُه إلَّا اللهُ، حتَّى جاء سدرةَ المنتهى، ودنا الجبَّارُ ربُّ العزَّةِ، فتدلَّى حتَّى كان منه قابَ قوسينِ أو أدنى، فأوحى اللهُ فيما أوحى إليه: خمسينَ صلاةً على أمَّتِك كلَّ يومٍ وليلةٍ ... ثمَّ هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمَّدُ، ماذا عَهِد إليك ربُّك؟ قال: عهِدَ إلى خمسينَ صلاةً كلَّ يومٍ وليلةٍ. قال: إنَّ أمَّتك لا تستطيعُ ذلك؛ فارجِعْ فليخفِّفْ عنك ربُّك وعنهم. فالتفتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جبريلَ كأنَّه يستشيرُه في ذلك، فأشار إليه جبريلُ: أنْ نعَمْ، إن شئتَ. فعلا به إلى الجبَّارِ فقال وهو مكانَه ((يا ربِّ، خفِّفْ عنَّا، فإنَّ أمَّتي لا تستطيعُ هذا ... فلم يزَلْ يردِّدُه موسى إلى ربِّه حتَّى صارت إلى خمسِ صلواتٍ، ثمَّ احتبسه موسى عندَ الخمسِ فقال: يا محمَّدُ ... فارجِعْ فليخفِّفْ عنك ربُّك، كلَّ ذلك يلتفِتُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جبريلَ ليُشيرَ عليه، ولا يكرهُ ذلك جبريلُ، فرفعه عندَ الخامسةِ فقال: يا ربِّ إنَّ أمَّتي ضُعفاءُ أجسادُهم وقلوبُهم وأسماعُهم وأبدانُهم؛ فخَفِّفْ عنَّا ...)). أخرجه البخاري (7517) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. .
ومنها: ما في الصَّحيحَينِ من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لمَّا خَلقَ اللهُ الخَلقَ كَتَبَ في كِتابٍ فهو عِندَه فوقَ العَرشِ: إنَّ رَحمَتي سَبَقت غَضَبي)) [924] أخرجه البخاري (7554)، ومسلم (2751) باختلاف يسير؛ ولفظ البخاري: ((إنَّ اللهَ كتَب كتابًا قَبلَ أن يخلُقَ الخَلقَ: إنَّ رحمتي سبَقَت غَضَبي)). ، وثَبَت في الصَّحيحَينِ من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألَا تَأمَنوني وأنا أمينُ مَن في السَّماءِ؟!)) [925] أخرجه البخاري (4351)، ومسلم (1064). ، وفي صَحيحِ ابنِ خُزَيمةَ وسُنَنِ أبي داوُد أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((العَرشُ فوقَ الماءِ، واللهُ فوقَ العَرشِ، واللهُ يَعلمُ ما أنتُم عليه)) [926] لم نقف عليه في صحيح ابن خزيمة أو سنن أبي داود وأخرجهابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/885)، وأبو الشيخ في ((العظمة)) (2/688)، واللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (689) باختلاف يسير موقوفاً على عبدالله مسعود رضي الله عنه صححه ابن باز في ((شرح كتاب التوحيد)) (389)، وحسنه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (3/139)، وصحح إسناده الذهبي في ((العلو)) (79)، وابن القيم في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (435)، والألباني في ((مختصر العلو)) (48) وفي صَحيحِ مُسلمٍ وغَيرِه في قِصَّةِ الجاريةِأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: ((أينَ اللهُ؟ قالت: في السَّماءِ، قال: مَن أنا؟ قالت: أنتَ رَسولُ اللهِ، قال: أعتِقْها؛ فإنَّها مُؤمِنةٌ)) [927] أخرجه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه .
وعلى هذه العَقيدةِ النَّقيَّةِ دَرَجَ المُسلمونَ؛ الصَّحابةُ والتَّابعونَ وتابِعوهم بإحسانٍ إلى يَومِنا هذا، والحَمدُ للَّهِ. ولعِظَمِ هذه المَسألةِ وكَثرةِ دَلائِلِها التي تَزيدُ على ألفِ دَليلٍ أفرَدَها أهلُ العِلمِ بالتَّصنيفِ، كالحافِظِ أبي عَبدِ اللَّهِ الذَّهَبيِّ في كِتابِه: (العُلوُّ للعَليِّ الغَفَّارِ)، والحافِظِ ابنِ القَيِّمِ في كِتابِه: (اجتِماعُ الجُيوشِ الإسلاميَّةِ).
6- أنَّهم يَتَكَلَّمونَ في بَعضِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما لا يَليقُ.
ومن ذلك تَصريحُهم بتَفسيقِ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه، وهم بذلك يُشابهونَ الرَّافِضةَ قَبَّحَهمُ اللهُ، والواجِبُ على المُسلمينَ الإمساكُ عَمَّا شَجَرَ بَينَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ، وحِفظُ ألسِنَتِهم مَعَ اعتِقادِ فَضلِهم، ومِزيَّةِ صُحبَتِهم لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد ثَبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحَدَكُم أنفقَ مِثلَ أحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصيفَه)) [928] أخرجه البخاري (3673) واللفظ له، ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رَواه البُخاريُّ ومُسلِمٌ. ويَقولُ جَلَّ وعلا:وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] ، وهذا الاعتِقادُ السَّليمُ نَحوَ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو اعتِقادُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ على مَرِّ القُرونِ، قال الإمامُ أبو جَعفَرٍ الطَّحاويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى في بَيانِ عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: (ونُحِبُّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نُفرِطُ في حُبِّ أحَدٍ منهم، ولا نَتَبَرَّأُ من أحَدٍ منهم، ونُبغِضُ مَن يُبغِضُهم وبغَيرِ الخَيرِ يَذكُرُهم، ولا نَذكُرُهم إلَّا بخَيرٍ، وحُبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كُفرٌ ونِفاقٌ وطُغيانٌ) [929] ((متن العقيدة الطحاوية)) (ص: 81). .
رابعًا: ممَّا يُؤخَذُ على هذه الجَماعةِ ظاهرةُ الشُّذوذِ في فتاويها، ومُصادَمَتُها للنُّصوصِ الشَّرعيَّةِ من قُرآنٍ وسُنَّةٍ، ومن أمثِلةِ ذلك:
إباحَتُهم للقِمارِ مَعَ الكَفَّارِ لسَلبِ أموالِهم، وتجويزُهم سَرِقةِ زُروعِهم وحَيَواناتِه، بشَرطِ أن لا تُؤَدِّيَ السَّرِقةُ إلى فِتنةٍ، وتجويزُهم تَعاطيَ الرِّبا مَعَ الكُفَّارِ، وجَوازُ تَعامُلِ المُحتاجِ بأوراقِ اليانَصيب المُحَرَّمةِ، ومن مُخالفاتِهمُ الصَّريحةِ أيضًا: تجويزُهم النَّظَرَ إلى المَرأةِ الأجنَبيَّةِ في المِرآةِ، أو على الشَّاشةِ ولو بشَهوةٍ، وأنَّ استِدامةَ النَّظَرِ إلى المَرأةِ الأجنَبيَّةِ ليس حرامًا، وأنَّ نَظَرَ الرَّجُلِ إلى شَيءٍ من بَدَنِ المَرأةِ التي لا تَحِلُّ له ليس بحَرامٍ، وأنَّ خُروجَ المَرأةِ مُتَزَيِّنةً مُتَعَطِّرةً مَعَ عَدَمِ قَصدِها استِمالةَ الرِّجالِ إليها ليس بحَرامٍ، وإباحةُ الاختِلاطِ بَينَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إلى غَيرِها من تلك الفتاوى الشَّاذَّةِ الخَرقاءِ، التي فيها مُناقَضةٌ للشَّريعةِ، وعَدُّ ما هو من كَبائِرِ الذُّنوبِ منَ الأمورِ الجائزاتِ المُباحاتِ. نَسألُ اللهَ العافيةَ من أسبابِ سَخَطِه وعُقوبَتِه.
خامسًا: من أساليبهمُ الوَقِحةِ للتَّنفيرِ من عُلماءِ الأمَّةِ الرَّاسِخينَ -والإقبالِ على كُتُبِهم، والاعتِمادِ على نقولِهم- سَبُّهم وتَقليلُهم والحَطُّ من أقدارِهم، بل وتَكفيرُهم، وعلى رُؤوسِ هؤلاء العُلماءِ: الإمامُ المُجَدِّدُ شَيخُ الإسلامِ أبو العبَّاسِ أحمَدُ بنُ عَبدِ الحَليمِ بنِ عَبدِ السَّلامِ بنِ تيميَّةَ رَحِمَه اللهُ تعالى، حتَّى إنَّ المَدعوَّ عَبدَ اللَّهِ الحَبَشيَّ ألَّف كتابًا خاصًّا في هذا الإمامِ المُصلِحِ، نَسَبَه فيه إلى الضَّلالِ والغَوايةِ، وقَوَّلَه ما لم يَقُلْه، وافتَرى عليه، فاللهُ حَسيبُه، وعِندَ اللهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ.
ومن ذلك أيضًا طَعنُهم في الإمامِ المُجَدِّدِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الوهَّابِ رَحِمَه اللهُ تعالى، ودَعوتِه الإصلاحيَّةِ التي قامَ بها في قَلبِ جَزيرةِ العَرَبِ، فدَعا النَّاسَ إلى تَوحيدِ اللهِ تعالى ونَبذِ الإشراكِ به سُبحانَه، وإلى تَعظيمِ نُصوصِ القُرآنِ والسُّنَّةِ والعَمَلِ بها، وإقامةِ السُّنَنِ وإماتةِ البدَعِ، فأحيا اللهُ به ما اندَرَسَ من مَعالمِ الدِّينِ، وأماتَ به ما شاءَ منَ البدَعِ والمُحدَثاتِ، وانتَشَرَت آثارُ هذه الدَّعوةِ بفَضلِ اللهِ ومِنَّتِه في جَميعِ أقطارِ العالمِ الإسلاميِّ، وهدى اللهُ بها كثيرًا منَ النَّاسِ، فما كان من هذه الجَماعةِ الضَّالَّةِ إلَّا أنَّ صَوَّبوا سِهامَهم نَحوَ هذه الدَّعوةِ السُّنِّيَّةِ ومَن قامَ بها، فلفَّقوا الأكاذيبَ ورَوَّجوا الشُّبُهاتِ، وجَحَدوا ما فيها منَ الدَّعوةِ الصَّريحةِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ، وفعلوا ذلك كُلَّه تنفيرًا للنَّاسِ منَ الحَقِّ، وقصدًا للصَّدِّ عن سَواءِ السَّبيلِ، عياذًا باللهِ من ذلك.
ولا شَكَّ أنَّ بُغضَ هذه الجَماعةِ لهؤلاء الصَّفوةِ المُبارَكةِ من عُلماءِ الأمَّةِ دَليلٌ على ما تَنطَوي عليه قُلوبُهم منَ الغِلِّ والحِقدِ على كُلِّ داعٍ إلى تَوحيدِ اللهِ تعالى، والمُتَمَسِّكِ بما كان عليه أهلُ القُرونِ المُفضَّلةِ منَ الاعتِقادِ والعَمَلِ، وأنَّهم بمَعزِلٍ عن حَقيقةِ الإسلامِ وجَوهَرِه.
سادسًا: بناءً على ما سَبَقَ ذِكرُه وغَيرِه ممَّا لم يُذكَرْ؛ فإنَّ اللَّجنةَ تُقَرِّرُ ما يَلي:
1- أنَّ جَماعةَ الأحباشِ فِرقةٌ ضالَّةٌ خارِجةٌ عن جَماعةِ المُسلمينَ (أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ)، وأنَّ الواجِبَ عليهمُ الرُّجوعُ إلى الحَقِّ الذي كان عليه الصَّحابةُ والتَّابعونَ في جَميعِ أبوابِ الدِّينِ والعَمَلِ والاعتِقادِ، وذلك خَيرٌ لهم وأبقى.
2- لا يَجوزُ الاعتِمادُ على فتوى هذه الجَماعةِ؛ لأنَّهم يَستَبيحونَ التَّدَيُّنَ بأقوالٍ شاذَّةٍ، بل ومُخالِفةٍ لنُصوصِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، ويَعتَمِدونَ الأقوالَ البَعيدةَ الفاسِدةَ لبَعضِ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ، وكُلُّ ذلك يَطرَحُ الثِّقةَ بفتاويهم والاعتِمادَعليها من عُمومِ المُسلمينَ.
3- عَدَمُ الثِّقةِ بكَلامِهم على الأحاديثِ النَّبَويَّةِ، سَواءٌ من جِهةِ الأسانيدِ أو من جِهةِ المَعاني.
4- يَجِبُ على المُسلمينَ في كُلِّ مَكانٍ الحَذَرُ والتَّحذيرُ من هذه الجَماعةِ الضَّالَّةِ، ومنَ الوُقوعِ في حَبائِلِها تَحتَ أيِّ اسمٍ أو شِعارٍ، واحتِسابُ النُّصحِ لأتباعِه والمَخدوعينَ بها، وبَيانُ فسادِ أفكارِهم وعَقائِدِهم) [930] ((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - المجموعة الأولى)) (12/383). .
وقال ابنُ بازٍ عن فِرقةِ الأحباشِ: (إنَّ هذه الطَّائِفةَ مَعروفةٌ لدَينا؛ فهي طائِفةٌ ضالَّةٌ ورَئيسُهمُ المَدعوُّ عَبدَ اللَّهِ الحَبَشيَّ مَعروفٌ بانحِرافِه وضَلالِه؛ فالواجِبُ مُقاطَعَتُهم وإنكارُ عَقيدَتِهمُ الباطِلةِ، وتَحذيرُ النَّاسِ منهم ومنَ الاستِماعِ لهم أو قَبولِ ما يَقولونَ.
ولا شَكَّ أنَّ مَن أنكَرَ أنَّ اللهَ في السَّماءِ فهو جَهميٌّ ضالٌّ كافِرٌ مُكَذِّبٌ لقَولِ اللهِ تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 16] وما جاءَ في مَعناها منَ الآياتِ والأحاديثِ الصَّحيحةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [931] ((مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)) (9/315). .



انظر أيضا: